BlogLabels

القائمة الرئيسية

الصفحات

 



(((لقراءة الفصول السابقة اضغط هنا)))



"حياة أو موت"

 

واصلت يمنى النظر في عين صديقتها في ثبات، حتى ابتعد عمرو عنهما ثم ابتسمت وحركت رأسها، فعقدت مريم ذراعيها حول صدرها، وقالت متسائلة:

-هلا تخبريني ما سر هذه الابتسامة الساخرة؟

 

قالت يمنى ببساطة، وقد ظهر على ملامحها الاستنكار:

-من الواضح أن علاقتك بعمرو قد تطورتحقًا، لا تُضيعين الوقت ابدًا.

 

نظرت لها مريم بغضب وصاحت في عدم فهم:

-ماذا تقصدين؟!

 

تنهدت يمنى وقالت في بطء:

-اهتمامه بكِ وحدك، نظراته....لغة الحوار فيما بينكم اختلفت عن ما عهدت.

 

شردت مريم بعيدًا تفكر في حديثها، ثم أعادت النظر إلى يمنى التي استطردت:

-عمرو، آسر، فلماذا تتركين هيثم؟.....فمن الضروري أن يحيط بكِ كل الشباب أصدقائنا.

 

تعالت نبرة صوتها وظهر عليها الغضب:

-ليس من حق أى فتاة أخرى إثارة إعجاب أيًا منهم..

 

احتد الغضب بداخل مريم، وظهر في لمعة عيناها التي تلونت بالأحمر، نظرت لها يمنى في تحدٍ وثبات.

فقالت مريم في خفوت:

-عن ماذا تتحدثين؟ أنتِ لا تفهمين شئ.

 

اقتربت يمنى خطوة منها وقد شعرت لأول مرة، بضرورة إخراج مكنون صدرها دون مواراة:

-أخبريني، بعيدًا عن رسمتك الطفولية الساذجة.

ما الذي يجمع بينك وبينه، لتطلعين إلى إثارة إعجابه او تتمنين محبته.

 

صمتت قليلًا، كأنها تعطيها الفرصة لتجيب سؤالها، ثم استطردت ببساطة:

فالمعجبين بكِ كثيرون، ومحاطين بكِ في كل وقت....فما الضرر في الاستغناء عن هيثم؟ 

 

صمتت أمام دمعة عين مريم التي عجزت عن الرد بلسانها، تذكرت قلبها المُنهَكْ فى احجامه عن التعلق بهيثم، فحاولت استثارة عطف مريم:

-لماذا تطلبين مني الابتعاد عنه؟....في حين في حين.

 

تدخلت مريم لتجيب نيابة عنها:

-في حين أنك تحبينه، أليس كذلك؟

أحاط بهم الصمت لفترة حاولت يمنى فيها التماسك، ونفي التهمة الموجهة إليها، فقالت:

-لا ليس صحيح، فما بيننا......علاقة من نوع خاص.

يحتاج فيها إلى صديق داعم.....

 

اقتربت مريم خطوة وقد شغفها الفضول لفك طلاسم تلك العلاقة، التي مثلت خيانة صديقتها لها: 

-ما الذي يدور بينكم؟ فما أراه بداية إعجاب متبادل.

يشاركك أسراره، يسمح لكِ بالاقتراب.

أنتِ فقط......

فماذا فعلتِ له ليشعر بالأمان بهذا الشكل؟

 

ابتسمت يمنى وقالت باستنكار:

-فعلتْ؟

استكملت باستهزاء:

-لسنا جميعًا مثلك.

 

شعرت مريم بأن الارض تميد بها، بكت بداخلها أكثر مما أظهرته عيناها، تجمد الموقف بينهن للحظة تبادلا فيها نظرات الحنق، ثم استدارت مريم بعنف تاركة صديقتها بعد ما صك أذانها ما سمعته من صديقة عمرها....

 

فعلى الرغم من اقتناعها بما قالته يمنى، بالفعل لا يربطها بهذا الشخص سوى أحلام خيالية رسمتها حول فارس أحلامها، الصورة التي تخيلته فيها وللصدفة تشابهت مع ملامحه....

أما الواقع فهو مختلف، فربما مجرد احساس مألوف مثل إحساسها بعمرو، يأتي في مكانه الصحيح ويمنحها الشعور الذي طالما حلمت به.

 

لم تقل صدمة يمنى عنها، على الرغم من شعورها بوجع الضمير كثيرًا، وندمها على ما قالت، لكن خالط ذلك الشعور بعض الراحة.

فما قالته رغم ندمها هو أقرب إلى شعورها الحقيقي الذي أخفته كثيرًا حتى عن نفسها.

فشعورها تجاه هيثم الذي قاومته بكل جوارحها دفعها لإخراج ما كانت تخفيه، منذ أن بدأت مريم تخطف الأنظار أكثر منها....منذ أن شبَ الاثنتان باختلاف درجة جمالهما....

 

لكنها هذه المرة وجدت حلم خاص بها، شاب يقترب منها حتى في وجود مريم، يراها بعينٍ مختلفة ويميزها عنها، شعرت أنه من حقها ان تقترب دون قيد....ولا يوجد من له الحق في انتزاع ذلك منها مهما كان الثمن.

                                

                         *****************               

 

منذ لحظات قليلة سابقة.

وبعد أن تركت شهد عمرو، في طريقها إلى المكان المخصص للدرس الذي يجمعها بأحمد.

ألقت نظرة إعجاب خجول وتابعها هو بعيناه وقد بدا لها أنها حملت نظرة غيرة من جراء وقوفها مع عمرو 

فشعرت بالحرج المحبب داخلها.

تبادلا النظرات في الوقت الذي سبق بداية الدرس....حتى بدأت الحصة..

 

شردت شهد كعادتها تفكر فيه، فقد تعلقت بإحساس جديد.

إحساس غيرته عليها....تذكرت نظرته وعيناه فشعرت بالحب يتجدد بداخلها وقد جعلها تختبر مشاعر جديدة لم تشعر بها من قبل.

تعلقت بالحلم أكثر وقد نما بداخلها حماس لاستكمال حكاياتها الخيالية معه....

 

حاولت أن تستعيد تركيزها بعيدًا عن تفكيرها فيه حتى تتمكن من متابعة الدرس، لكن دون جدوى....

فقد سلب تفكيرها وانتباهها معًا.

ما أن انتهى الدرس، حتى تحدثت مع زميلتها قليلًا، ثم ودعتها وخرجت بعد أن جمعت حاجياتها.

تفاجأت به يقف عند البوابة منتظرًا وهو ينظر لها من بعيد.

 

تباطأت حتى اقتربت منه، فشعرت أنه يرغب في التحدث إليها، اندفع الدم في وجنتيها وتلون وجهها من الخجل....خاصة عندما قطع طريقها قائلًا:

-شهد....هل تسمحين لي بكلمة من فضلك؟

 

أومأت برأسها موافقة دون أن تنطق، فأشار إليها ليخرجا من البوابة ويقفا في جانب.

تمسكت هى بحقيبتها تحتضنها في خجل وتوتر بدا على رعشة يدها، تردد هو قبل أن يقترب منها ليقول في هدوء:

-شهد.....أنا

نظرت له، كلما نطق باسمها شعرت أن حبها له يولد من جديد، ينبثق من حيث لا تدري بمشاعر أكثر عمقًا، تابعته بعيناها.

وقد بدا لها تردده، فراودها شعور بأنه تحرك حينما رآها مع عمرو ليأخذ خطوة جادة ويخبرها بمشاعره..

 

لكم تحمست لأن تستمع له، استطرد هو بعد ان حسم تردده:

-أنا أعلم أنكِ

على علاقة جيدة بسمر...

اتسعت عيناها حينما شعرت بالحديث ينجرف عن مسار متوقع، ثم ضيقتها لتحاول فهم مقصده، فاستكمل هو ببساطة:

-وأنا....معجب بها.

 

تهدمت قلعة أحلامها التي داومت طيلة الفترة السابقة على تشيدها بخيالها الجامح، واعتُصرَ قلبها البرئ وتباطأت دقاته، لم تستمع إلى باقي حديثه كأنها فقدت حاسة السمع:

-هل من الممكن أن تسأليها أن تسمح لي بأخذ رقم هاتفها.

 

تحول المشهد أمامها إلى مشهد صامت، أرادت أن تنهي الموقف بأى شكل فأومأت برأسها، قبل أن تفلت دمعة من عيناها رغمًا عنها، فقالت بتلعثم اعتاد هو عليه لكنه لم يتبين اختلاف اسبابه:

-نعم، ب بكل تأكيد.

حاولت الابتسام، لكن خرجت ابتسامتها باهتة جامدة، تركته واقفًا واستدارت لتترك لدموعها فرصة السقوط بلا قيد وذهبت في طريقها عائدة إلى منزلها.

                           

                    ****************

 

لم يُدرك هيثم سببًا لاصطحابه الفتاة صاحبة الحادث، تعاطف معها بلا شك لكن كان من الممكن أن يتركها في صحبة رجال الاسعاف حين وصولهم. وينتهي دوره بذلك.

 

لكنه وجد بداخله رغبة في إتمام فعل الخير معها، ربما نظراتها إليه قبل أن تغيب عن الوعي أمدته بإحساس أنها ستبقى وحدها فقد بدت ضعيفة هشة، اطمأن من أحد رجال الاسعاف الذي قام بنقلها مع زميله إلى داخل السيارة أنها مازالت على قيد الحياة رغم أن مظهرها أظهر عكس ذلك، لذا حينما تحدث رجل الإسعاف وعرض عليه الأمر قائلَا:

-يمكنك الركوب معنا، فهي في حاجة إلى قريب لإثبات الحالة.

 

نظر له هيثم وحسم موقفه في لحظة، وجد نفسه في داخل السيارة إلى جوارها، نظر لها وتأمل ملامحها وشرد بأفكاره بعيدًا وقد شعر أن الله يخاطبه ويبعث إليه برسائل ليساعده على التطهير من ذنوب كل البنات التي عرفهن من قبل، تذكر يمنى في هذه اللحظة.

كما تذكر علاقته الجديدة بالخالق، كم يشعر بالراحة لخلقه هذه العلاقة وحرصه على إثمارها....

 

فقد هداه الله إلى تنظيم صلاته إلى حد كبير، كما أنه حرص الأسبوع الماضي على أداء صلاة الجمعة في الجامع....دعا الله من قلبه أن يطمئن على تلك الفتاة الصغيرة، وأن يجعله سببًا في إنقاذها......

فاق من شروده حينما وصلا إلى المشفى، توقفت السيارة وارتجل هو يراقب مشهد نقل جثمان الفتاة.

سار خلف سريرها النقال، الذي استلقت عليه بلا حراك، حتى وصل رجال الاسعاف إلى غرفة الطوارئ.

 

هنا قابلهم الممرضات ليتسلموا الجثمان، ومنعوا دخول هيثم الذي وقف مكانه لا يعلم ماذا يفعل في تلك اللحظة.

بعد دقائق خرج من داخل الغرفة ممرض، مد يده بهاتف نقال قدمه لهيثم وهو يقول في آلية:

-اتفضل، لقد وجدنا هذا الهاتف في جيب بنطال الفتاة صاحبة الحادث.

نظر هيثم باستنكار للهاتف، التقطه منه.

 

ثم نقل بصره إلى الممرض، الذي استطرد حديثه في بساطة:

-ما صلة القرابة بالظبط؟

تأمل هيثم ملامحه في شرود، وعجز عن الرد....فنظر له الممرض باستنكار.

ثم هز رأسه قائلًا:

-برجاء المرور على الحسابات، وترك بياناتك....عن إذنك.

 

قالها بابتسامة مصطنعة ثم اختفى من أمامه، نظر هيثم حوله في قلق، ثم نقل بصره إلى الهاتف في يده.

فكر قليلًا، ثم حاول العبث بأزراره، لعله يتمكن من فتحه، بالفعل لم يقابله صعوبة في ذلك، لم يكن هناك رمز حماية مسجل.

 

 فأخرج آخر رقم تم الاتصال به تأمل الاسم المسجل "يومي"....اغمض عيناه ليتخيل المشهد.

هو اسم لفتاة من الممكن أن تكون صديقتها، أو قريبتها....

حاول أن يمنع أفكاره من التدفق، وقام بضغط اتصال ليضع نفسه بداخل الأمر الواقع، يجب عليه الآن ان يقوم بأصعب مهمة، أن يخبر أيًا كان الشخص الذي يحدثه عن أن قريبًا له بين الحياة والموت، بعد إن كان يحدثه منذ دقائق قليلة.

-ألو.

جاءه الصوت من الهاتف ليبدو مألوف، كانه استمع إليه من قبل، أجاب هو:

-ألو...

-هيثم؟

حمل الهاتف أمام عينيه في ذهول، ثم اعاده وصاح في حيرة:

-عمرو؟

- هيثم؟ لماذا تتحدث من هاتف شهد؟

قال سؤاله بلوعة وقلق، فنظر هيثم إلى غرفة العمليات بعينِ لامعة.

الآن وضِح له الامر اسم "يومي" هو اسم التدليل الخاص بمريم، شهد أختها الصغرى الذي تحدثوا عنها من قبل أمامه أكثر من مرة، هنا أدرك أن المهمة بدت أصعب مما تخيل.

بدا له كل شئ واضح خاصة عندما استمع إلى انفعال الصديقتان من حول عمرو.

 

                  ***********************

 

قبل ذلك الوقت بلحظات، وقبل تلقي عمرو مكالمة هيثم بدقائق.

كان على مقربة من الصديقتان بحيث تراهم عيناه من بعيد.

رغب في المكوث ومحاولة المساعدة كعادته، لكنه شعر هذه المرة أن ما بينهن غير مفهوم.

 

شعر أنهن في حاجة إلى مساحة خاصة ليتحدثا بحرية..

فتركهن. لكنه بقي على مقربة منهن؛ ليتدخل وقت اللزوم...

 

حينما تجمد الموقف أمامه، راقب من بعيد مريم وهي تتحرك مبتعدة بوجهٍ جامد لم يتبين الدموع فيه من موقعه.

تحرك سريعًا ليلحقها حتى وصل إليها، كانت المسافة بينها وبين يمنى تتزايد.

 

تأمل ملامح يمنى الغاضبة من بعيد ثم نقل بصره إلى مريم. تأثر حينما لمح الدموع في عينيها...

ونسى يمنى التي تجمدت في مكانها بمشاعر مختلطة....اقترب من مريم صائحًا في قلق:

-مريم، ما الذي حدث؟ ماذا بكِ؟ لماذا تبكين؟

 

حال أمامها ليثُبْت المسافة بينها وبين يمنى لعله يتمكن من فعل ما عجز منذ قليل عن إتمامه.

التزمت مريم الصمت، فشعر عمرو بالعجز لرؤيتها في هذه الحالة، شعر لأول مرة أنه يريد احتضانها.

شعور هو الأول من نوعه....

شعوره الجديد تجاهها....فهو لأول مرة يفكر بها من هذا المنطلق.

 

ولأول مرة يشعر بالحنين المنزه من أي غرض، أراد احتضانها ليُشعرها بالأمان بأنها ليست وحيدة.

بأنه يشعر بها ويرغب في مشاركتها حزنها والاستماع إلى شكواها للتخفيف عنها....

 

شرد لحظات مأخوذًا بشعور حاول مقاومته، نقل بصره إلى يمنى التي شعرت هي الأخرى بشعور جديد ومختلف.

شعرت بأنها دخيلة بينهم...كم آلمها ذلك الشعور......نظراته واهتمامه بمريم تفوق على إحساسه المعتاد بها.

تعودت منذ صغرهما على علاقته بهن. هو الصديق الأوحد لكلاهما لم يفرق في معاملته لأىٍ منهن في يوم.

 

فماله ابتعد عنها واقترب من مريم....منذ متى نشأت العلاقة بينهن....خيالها صور لها أن ما بينهم متبادل.

وأن مريم تُخفي عنها تلك العلاقة. كما صرحت لها منذ قليل.

تأكدت من ذلك حين رأته وهو يتصرف معها. لم يحاول المناصفة بينهن كعادته.

بل اختار مريم وتوقف على مقربة منها.

أكتفى بإلقاء نظرة عابرة على يمنى ولم يتقدم نحوها....

 

رن هاتف نقال فانتبه ثلاثتهم في اهتمام، وميزا نغمة الرنين الخاصة بمريم...التي انتبهت على الفور فأخرجت هاتفها.

حاولت أن تهدأ قليلًا حينما لمحت اسم أختها على شاشته، أخذت نفسًا عميقًا لكنها لم تستطع الرد.

 

لمح عمرو حيرتها فمد يده لها عندما لمح اسم شاهي. نظرت له مريم مستنجدة، فأومأ برأسه في بساطة:

-آلو.... شهد كيف حالك؟

 

حملت ملامحه مشاعر حيرة لم تفهمها مريم، وانتقل الاحساس إليها حينما صمت لحظات ثم عاد ليتحدث في قلق واستنكار:

-ألو.......هيثم.

 

تعرف على الفور على صوته المألوف، فصاح باسمه عاليًا فانتبهت يمنى إلى الاسم الذي خرج في موضع لم تتوقعه.

لفت انتباه الصديقتان نبرة استنكاره، فوقع قلب مريم دون ان تعرف سبب لذلك، فتابعت حديثه في قلق.

-هيثم؟ ماذا تفعل بهاتف شهد؟

 

بدا لهم هيثم وقد شعر بالحيرة أيضًا، حينها زادت حاسة السمع لدى مريم ويمنى، كما ساهم الصمت الذي أحيط بهم في الاستماع إلى صوت هيثم بوضوح:

-من شهد؟...

صمت عمرو ونقل بصره إلى الصديقتان ثم قال في سرعة وقد بدا ملتاعًا:

-شهد....أخت مريم؟...

أخذ خطوة إلى الخلف ليبتعد عن مريم عندما بدا له الأمر مربكًا....

                           

أدرك هيثم الامر بشكلٍ واضح، في نفس اللحظة.

لمح الطبيب يخرج من غرفة الطوارئ فأجفل هيثم وتابعه بعينيه، ثم عاد إلى عمرو فأخرج كلماته بصعوبة وسرعة في ذات الوقت:

-عمرو بلغ مريم أو اهلها.

الفتاة.....أقصد شهد تعرضت لحادث أدى إلى إصابتها في الرأس وقد تم نقلها إلى مشفى "........" 

سأغلق الخط الآن،  لكن سأهاتفك ثانية...

                           

                         *******************

 

تعلق هيثم بعين الدكتور المختص الذي تفوه بكلمات بدا عليها الخطورة:

-نزيف داخلي في الرأس يستدعي التدخل الجراحي، ستحتاج إلى أكثر من عملية.

استطرد الطبيب بلهجة اعتيادية:

-المريضة نزفت بشدة على أثر اصطدامها بأسفلت الرصيف، قد نحتاج إلى نقل دم إذا استدعى الامر.

 

أجاب هيثم في سرعة:

-أنا مستعد لذلك، إذا احتجت فأنا موجود. 

نظر له الطبيب لحظات ثم سأله في اهتمام:

-هل تحمل إليها أي صلة قرابة ؟

 

أسرع ليجيب لكنه تراجع وابتلع ريقه ثم قال:

-لا فهي....جارتي، هل يتطلب الامر وجود صلة قرابة ؟

 

هز الطبيب رأسه في لامبالاة:

-لا بالعكس لكن سنحتاج إلى إجراء بعض الفحوصات أولًا...

هز هيثم رأسه متفهمًا، رحل الطبيب ليقوم بإلقاء بعض الاوامر على الممرضين لنقل المريضة إلى غرفة العمليات والقيام باللازم.

 

 رن هاتف هيثم فحاول التماسك كي يتمكن من الرد بصلابة على عمرو:

-ألو،،لا الحالة ليست بخير، كما اخبرتك الإصابة ستتطلب إجراء اكثر من عملية.

استمع في اهتمام الى ردود الفعل، ثم هز رأسه قائلًا:

 -أنا في انتظاركم .....  

                             **************************

حينما نطق عمرو باسم الشخص محور النزاع التفّت الصديقتان حوله، أسرعت يمنى من مكانها لتصبح بجوارهم في لحظة أما مريم فأصابتها حالة من القلق والتوتر قبل أن تعرف أي شئ.

قلبها حدثها أن شهد في خطر ، أنهى عمرو حديثه المقتضب في مكالمته الأولى مع هيثم، فصاحت مريم قبل أن يناولها الهاتف:

-ما الذي حدث؟ ما بها شهد؟

 

نظر إليها في تعاطف ملأ عيناه وقلبه، وقال في جزع:

-لقد تعرضت شهد لحادث سير.

شهقت يمنى ونطقت مريم باسم أختها في رعب:

-شهد، ماذا حدث؟ أخبرني.

 

ابتلع عمرو ريقه في صعوبة، وضعت يمنى كفها على كتف صديقتها بحركة لا إرادية لعلها تبعث فيها شعور الأمان الذي افتقدته فجأة.

استمعا لعمرو الذي نطق كلماته وهو يتحرك:

-لا اعلم، هيا بنا فقد أخبرني هيثم بمكان تواجدهم. 

 

تحركت يمنى خلفه، لكن استوقفته مريم بيدها قائلة في رجاء ولهجة باكية:

-اخبرني بماذا اخبرك هيثم؟

-وما الصدفة التي جمعته بها؟

قالت يمنى هذه العبارة في حيرة، نظر عمرو إليها، ثم نقل بصره إلى مريم وقد هاله الرعب الذي طل من عيناها ورجفة يدها التي لمست ذراعيه منذ قليل:

-لا أعلم لم يتمكن من الإطالة، اغلق الخط حينما خرج له الطبيب.

 

اخرجت مريم هاتفها وقالت: 

-سأتحرك معك، ولكن فلتهاتفه أولًا، فأنا لا أقوى على الحركة. وأريد أن أعرف ما بها؟  

زاغت عيناها وهي تستطرد:

-أشعر بأن الأرض ستميد بي.

 

اسندت مريم رأسها على يدها، ومد عمرو يده ليخرج هاتفه وأبعد يدها الممسكة بالهاتف، لكنه أبقى عليها في يده، محاولًا تهدئتها وبث الدفء في كفيها.

هاتف هيثم وحاول أن يطمئنها وعكس الحقيقة التي أخبره بها:

-مريم، هي بخير فلنذهب الآن، فهي في حاجة إلينا

 

نظر إلى يمنى ليطلب منها في حزم:

-يمنى....

استطرد طلبه في خفوت:

-فلتبقي إلى جوارها، سوف أهاتف والد مريم كي أخبره.

 

نظرت لها يمنى وشعرت بالتعاطف الشديد، فبالتأكيد هي مهمة صعبة.

أن تخبر والد بأن ابنته الصغيرة تعرضت لحادث وحياتها معلقة في يد خالقها.

لكن عمرو شعر بالمسؤولية تجاه ثلاثتهن كما اعتاد طوال عمره، لزمه الأمر أن يقوم بإبلاغه بنفسه.

 

                            *****************

 

وصل والد شهد مصطحبًا والدتها التي بدا وجهها جامدًا متصلبًا، كان هيثم قد أنهى الفحوصات الخاصة باختبارات الدم وقياس الضغط، خرج بعد أن اخبره الطبيب أن النتائج ستظهر بعد قليل من الوقت.

تقدم والد شهد ليقوم بتقديم نفسه للدكتور بصوت قلق:

-المهندس مصطفى والد شهد.

 

تابعه هيثم بعيناه في صمت، وألقى نظرة على والدة مريم، بدأ الدكتور في التحدث في سرعة:

-الحالة خطرة، تحملت رأسها الوقوع، مما أدى إلى نزيف داخلي وتمزق في انسجة الرأس الامامية، مما ادى الى توقف وظائف العقل الحيوية، سنقوم بإجراء اكثر من عملية.

وقد تحتاج لنقل دم، لقد قام جاركم متفضلًا بإجراء الفحوصات اللازمة..

 

أشار إلى هيثم في جملته الاخيرة، وأسرع الخطى مبتعدًا، حينما جاءه نداء لبدء العملية على الفور.

دون أن يمهلهم الفرصة للتحدث او التساؤل عن شئ، نقل والد شهد بصره إلى هيثم الذي يراه لأول مرة، فالتقت عيناه بعين هيثم الذي مد يده في احترام ليحاول تقديم نفسه:

-مرحبًا بك، أنا هيثم ابن خالة عمرو.

 

نظرت له والدتها لتسأله في تأمل ورجاء:

-مرحبًا يابني، ماذا حدث لها أنا لا أفهم شئ.

ألقى سلامًا إلى السيدة تهاني، وقال:

-حادثة سير، لقد تواجدت في المكان ذاته بالصدفة.

 

قال والدها وقد تذكر مهاتفة عمرو:

-نعم، لقد اخبرني عمرو أنك من قمت بنقلها.

أشكرك كثيرًا.

 

صمت قليلًا ثم نظر له وتساؤل:

-هل تمكنت من تسجيل رقم السيارة التي تسببت في الحادث.

هز هيثم رأسه متذكرًا، فأخرج هاتفه قائلا:

-نعم، اعتقدت أنه شئ ضروري.

أخبر هيثم والد شهد بالرقم  ومواصفات السيارة.

 

في نفس الوقت وصل عمرو بصحبة الفتاتين، اقتربت مريم من والدها وارتمت في أحضانه، فضمها بحنان وهو يتلقى السلام من عمرو ويمنى، التي قالت في قلق:

-هل فاقت؟ كيف حالها؟

 

قال هيثم موجهًا حديثه إلى الجميع:

-ليس بعد، فهي في حاجة إلى بعض العمليات.

بينما قالت والدتها في لهجة باكية:

-أنا خائفة، أشعر بأنها لن تنجو.

 

قالتها وانخرطت في بكاء فنظر لها مصطفى قائلًا في حزم:

-فلندعو لها، ولتحسني الظن بالله لا نملك الآن سوى ذلك.

نقل بصره إلى ابنته، ثم قال موجهًا حديثه إلى هيثم:

-شكرًا لك يابني، أنت لست مضطر الآن للتبرع بدمك من أجلها.

 

توجهت أنظار الأصدقاء الثلاثة إلى هيثم، الذي تفاجأ من حديث والدها عندما استطرد:

-فنحن جميعًا هنا، ويمكننا إجراء الفحوصات اللازمة.

 

قاطعه هيثم في حزم مشيرًا بيده:

-لا، من فضلك يا عمي لقد أخذت قراري حتى قبل أن أعرف حقيقة هذه الفتاة، أو أعلم من هي.

فلا تُنقصني هذا الأجر العظيم.

ولنتمنى لها جميعًا الشفاء العاجل..

 

التقت عين يمنى بعيناه، فابتسمت ونظرت إلى صديقتها التي شملته أيضًا بنظرة امتنان وتقدير.

لكن بدا أن القدر يعانده حينما تعالى صوت توقف جهاز التنفس الخاص بشهد ليعلن توقف نبضات قلبها عن الدق كعادتها، انتحبت السيدات وتماسك الرجال في إيمان وقد زادهم توتر سرعة تحرك الدكتور والممرضات من حوله لإنقاذ حياة المريضة في استماتة . 

       

                        *********************

مواعيد النشر: الثلاثاء


تعليقات