(((لقراءة الفصول السابقة اضغط هنا)))
أنهى
هذا الواشم نحت ذئبيها على ذراعيها، فكان الذراع الأيمن لوشم ذئبها ريان أسود
اللون وعلى ذراعها
الأيسر
وشم لذئبتها سيرين رمادية اللون.
بينما
وشمت على فخذيها عشرات الأيدي الممتدة، كأنها شياطين الجحيم تمد أيديها للنيل
منها.
وعلى
ظهرها وشمت وجها لرجلٍ ألحي من وحي خيالها، يَقسم وجهه ثعبانٌ يفتح فمه ليطبق على
رقبتها.
تشعر
بشيء غريب يفعمها كلما نظرت إلى وجه هذا الرجل في المرآة؛ فقد رسمته من الأساس حتى
تستشعر
قُرب
والدها منها، لكن شيء مُمض وحشي كان ينالها كلما نظرت إليه، لكن على كل حال لم يكن
هذا هو
الشيء
الوحيد الوحشي في حياتها الجديدة؛ فقد صار يومها يبدأ بإطعام ذئابها على فرائس حية
يصطادونها
حتى
لا يفقدوا غرائزهم ويصيروا حيوانات منزلية مدللة.
بينما
تجلس هي على مقعدها الخشبي، تُطالع أزرق البحر الواسع الفسيح الذي لا نهاية له،
بينما تُمسك هذه
المفكرة
السوداء لتسبح في نصوصها.
كان
بها حديثًا مرسلًا عن تجارب أبيها ريان وحياته منذ غادر كنف جدها آدم ولم يكن قد عَلِم
أنه والده بعد،
إلى
أن أتت الليلة التي مات بها آدم.
حينما
قرأت في فهرس المفكرة أنها تحتوي على ليلة موت والدها هرعت إلى هذه الصفحات
فوجدتها مأخوذة
من
المفكرة بعلامات قطعٍ واضحة.
من
الذي فعل ذلك، من الذي يريد إخفاء ليلة موت والده عنها، ولماذا يفعل ذلك؟
لكنها
وجدت كنزًا ثمينًا تتعامل به مع أوغاد ثمرة الجنة؛ فكلمات والدها المفتاحية كانت
كالآتي:
-بني
العزيز، أعلم أن الأوغاد يحيطون بك الآن؛ فوالدك رجل محارب مُتَوَسِع سيترك لك
إرثًا عظيمًا يتكالب
عليه
أهل الأرض أجمعين، أنا فخور بذلك فالرحلة كانت شيقة، رهيبة تحمل من الويلات ما
تحمل لكنها
كانت
شيقة، لهذا أريدك أن تخوضها لتُدمن لذة النصر أنت أيضًا، إن كنت تقرأ هذه الأوراق
المهترئة فنحن
لم
نتقابل أبدًا ولن نتقابل.
إرتجف
قلبها عند هذه الجملة؛ فقد مست وترًا حساسًا لديها، فكم تشتاق لرؤية أبيها أكثر من
أي شخص
آخر،
والعالم لا ينفك عن التأكيد لها أنها لن تراه ثانية، وهو أكد لها الآن أنها لن
تراه ثانية، وكيف ترى من
حفّه
الثرى ودثره التراب، أيُبعث من الموت إنسان؟
رشفت
من قهوتها وألقت نظرة خاطفها على ذئبها ريان وهو يلهو بفريسته؛ يرجها يمينًا
ويسارًا بوحشية حتى
يجلف
رأسها.
فتبسمت
بفخر وعاودت القراءة:
-لهذا
تركت لك منهاجًا تسير عليه وعصًا تبطش بها، في البداية يا بني عليك أن تُقن أن
البشر ليسو سوى
أكياس
من لحمٍ وعظم مثلنا، فلا تهلع ممن لا يعلوك شأنًا، قف ثابتًا أمام تيار الموج
العاتي وأنظر إلى عدوك
جيدًا
واخترقه بعينيك؛ فقسمات الوجه لا تُبدي أي شيء لكن الأعين لا تكذب، فلتُرِ للجميع
جموح وعدائية
نظراتك،
فلتجعلهم يعرفون أن لا حدود لجنونك.
شرعت
ماريا في تدوين هذه الكلمات في مفكرة جانبية وقد أنشأت لنفسها جدولًا أسمته (محو
ماريا وبعث
ريان).
كان
هذا الجدول عبارة عن نظام تدريبي لمحي عاداتها القديمة وطريقة تفكير الطفلة
الساذجة، لتُجبر نفسها
إجبارًا
على التفكير على التفكير بعقل ريان.
فأجبرت
نفسها على اعتياد عادات والدها في أكل العلكة بدلًا من التبغ، الجنون ثم الجنون ثم
الجنون في
وجه
من يلوح في وجهها بأي تهديد.
وقد
كان ذلك جليًا في بقية كلمات والدها:
-لا
تدخل أبدًا قتالًا خاسرًا، فلتتحايل ولتؤجل القتال حتى تُمسك بيدك مفاتيح عدوك،
تمهل وخذ النفس
العميق،
وخوض القتال في عقلك مراتٍ ومرات حتى لا تتفاجأ، دون كل شيء بورقة وقلم وأعد قائمة
بنقاط
ضعف
عدوك تكون مسمارًا للطرق عليه بلا رحمة.
أذعنت
ماريا لوالدها في هذه النقطة؛ فقبل أن تحضر جلسة الاجتماع التي قلبت به الطاولة
على الجميع،
بحثت
وبحثت وبحثت عن كل شخص في هذا المجلس؛ تاريخهم، سياستهم، طريقة تفكيرهم ومعالجتهم
للأمور
حتى توصلت إلى أن عدوها الأكبر هو خالد، لم تجد له أي سجلات إدارية؛ فهو شاب يافع
مثلها
لا
زال جديدًا بالمجلس، فعادت إلى مفكرات والدها مجددًا، لتجد في كلماته ذات الحبر
الباهت الإجابة عليها:
-ثم
أعد قائمة بنقاط ضعفك وثغراتك التي يُمكن أن يلجوا إليك من خلالها، وكن صريحًا مع
نفسك في
اكتشاف
عيوبك.
حينما
استغرقت ماريا في هفوتها التي سقطت بها أمامهم، لم تجد سوى هذا الإغماء الذي حدث
في المجلس؛
فأيقنت
أنهم سيستخدمونه، إما ذريعة لمرضها أو أنها تتعاطى شيئًا.
عاودت
قراءة مذكرات والدها لتستشف الخطوة التالية، فوجدتها صادمة لها؛ فقد قال:
-سر
إلى مصيدة الفئران حينما تُدرك أنها مصيدة، ولتطرق بشدة وعنف حتى يُخرجوها لك إلى
العلن غير
متخفية
بعباءة أو مخفيه عن ناظراك؛ فطرقك العنيف سيجبرهم لا محالة على الظهور وكشف كل
شيء،
حينها
فلتسِر صوب المصيدة بثقة ولتدخلها لتأخذ منها الجُبن، وضع حجرًا من الماس ليتهافتوا
عليه.
طبقت
ماريا ذلك حينما إستخدمت سلاحهم في تنحيتها _كونها مدمنة_ لتستدرجهم إلى مصيدة
أسقطتهم بها
وقلبت
الوضع لقضية تشويه سمعة واستيلاء.
حينما
غادرت الاجتماع ظنت أنها ظفرت بهم، وتذوقت خمر النصر للمرة الأولى، فأحبت المذاق
واشتهته
إلى
درجة الإدمان.
لكن
كلمات والدها التالية كانت كالماء البارد في ليلة شتوية؛ فقد قال:
-حينما
يصير ظهر خصمك للحائط، سيُجن كفأر محاصر في قفصٍ زجاجي، أسفل القفص جذوة موقدة،
سيتشبث
بأي شيء للنجاة من النيران ولو كان شيئًا بشعًا رهيبًا، لقمع رجل يحاول النجاة
بمختلف الطُرُق
عليك
أن تتحول إلى الشيطان بعينه؛ فلن يهزم الوحوش سوى وحش أكثر منهم قسوة وتعطشًا
للدماء.
هنا
أيقنت ماريا أن خالد سيُقدم على خطوة أخرى لا محالة؛ فهو على وشك خسارة مكانه في
المجلس،
والجميع
يوجهون أصابع الاتهام إليه.
ما
الشيء القذر الذي يُمكن أن يُقدم عليه خالد ليُثبت أنها مدمنة تتعاطى الممنوعات؟
المشفى
التي قصدتها؟، أم الطبيبة التي عاينتها، أم المُمرضة التي كتبت التقرير الطبي في
النهاية؟
الوقت
ضيق للغاية ولن تجد الجواب في الوقت المناسب.
(لتهزم
الوحوش عليك أن تكون وحشًا أكثر منهم قسوة وتعطشًا للدماء)
ترددت
هذه الجملة في وجدان ماريا، فلم تجد حلًا آخر سوى تلويث يدها بالدماء، لكن إن كانت
ستفعل فليكن
نهرًا
أحمر اللون إذًا.
هكذا
بحثت في الفيلا عن ثوب تتخفى به، فلم تجد سوى زيًا خاص بالمطبخ أو الجزارة، ارتدته
لينسدل على
صدرها
حتى وصل إلى ركبتها، ومن ظهرها حتى أسفل فخذيها.
في
حين كان جانبيها عاريين لا يغطيهما سوى وشم الأيدي الممتدة التي إستطالت من فخذيها
إلى ذراعها.
في
حين ارتدت حذاءً يرفعه الكعب وله عنق جلديه تمتد إلى فخذيها، بالإضافة إلى قفازات
جلديه وصلت إلى
ساعديها.
انتهى
الثوب، لكن تبقى فقط القناع والسلاح الذي ستبطش به، وقد كان والدها مفتونًا بالتحف
الأثرية كجدها.
فوجدت
قطعة أثرية من البرونز؛ عبارة عن سيف يصل طوله على نصف طولها، عريض للغاية، تملأ
حافته
الكثير
من البروز المدببة التي تخرق الجلد واللحم وتفتك بالعظم.
كان
ثقيلًا عليها، لكنها لم تجد سلاحًا غيره، تبقى لها القناع فقط، تريد شيئًا يُخفيها
تمامًا ولا يُظهر أنها هي
مهما
حدث، شيء لن يتمزق بسهولة أو يسقط عن رأسها.
فطلبت
رأسًا لذئب، شُفى عنها الجلد والفراء لتتخذه قناعًا أسود اللون كذئبها ريان.
انتهى
كل شيء ولم يتبقَ سوى غريزة القتل فقط، لكنها لم تجد عناءً في إيقاظها؛ فقد
استيقظت سلفًا في
إفريقيا
وقتلت مغتصبيها.
***
مواعيد النشر: السبت
تعليقات
إرسال تعليق
شاركنا رأيك في هذه التجربة