(((لقراءة الفصول السابقة اضغط هنا)))
)عودة الزبير)
جاءت أسيل تركض، بعد أن
سمعت صوت كوهندار، وهي تقول مستهجنة:
_ما
بها أمك يا سيدتي، ما بها الأم الملكة؟
_إنها مريضة جدًا، إنها
تنازع على فراش الموت، علي أن أذهب إلى أرض القمر بسرعة.
_لكن يا سيدتي الأمير في
الحرب، وقد يطول غيابه أو يقصر فالغائب عذره معه، كيف ستذهبين؟!
_إن حصل مكروه لوالدتي لن
أسامح نفسي، علي أن أذهب قبل فوات الآوان.
مشت كوهندار تبعتها أسيل،
تجر ذيول فستانها كما تجر دموعها، وصلت للشيخ طلحة فهو من ينوب عن الأمير في غيابه:
_علي
أن أغادر يا سيدي، إن أمي مريضة جدًا.
_ لا أستطيع أن أقول لك
اذهبي، أو ابقي، أنا أحل مكان الزبير كمراقب، لا أستطيع أن أبت بشيء، لكن الأفضل
أن تنتظري الزبير يا ابنتي.
كفكفت دموعها وهي
تقول:
_لماذا
لا يشعر أحد بما أشعر به؟!
والدتي مريضة وقد تموت،
إنها أمي.
خرجت وهي تمسح ما تجمع من
دموعها على وجنتيها:
_
أخذت قراري، سأذهب قبل أن يعود الزبير.
ودعت قصرها والشعب،
وأحضرت أسيل معها، ركبت البحر مع أحد البحارة القدماء، توجهت إلى أرض القمر، لكنها
تركت قلبها في أرض الزبير.
وقفت على القارب الذي يشق
عباب الماء، شعرت بخنقة تجتاح صدرها، وهي تقول:
_خروجي
منك أيتها الأرض دون الزبير، يعادل خروج الروح من الجسد.
ردت أسيل بحزن:
_سنترك
جزء من أروحنا هنا، لعل الله يجمعنا بمن نحب من جديد.
انحرف قارب كوهندار
بإتجاه أرض القمر وهي تقول:
_قادمة
يا أمي، انتظريني.
في اليوم الثاني انحرفت
سفن الزبير عائدة بالنصر، ينظر لأرضه وفي قلبه جبال من الشوق لكوهندار نظر لماهر
وهو يقول:
_أشعر
أنني غبت دهرًا، ليست أيام معدودة.
لاحت السفن للشعب الذي
تجمهر على الشاطئ يلوحون للأمير، كان الزبير يبحث بنظره عن كوهندار.
نزل عن ظهر سفينته، حيّا
الشعب الذي قابله بالهتافات، سمع صوت الشيخ طلحة من بين الناس التي تجمهرت:
_أطلت
المدة هذه المرة أيها الزبير.
أثار فضوله وجود الشيخ
طلحة بين الشعب، فهذه المرة الأولى التي تحدث، شعر بنكزة في قلبه وهو يقول:
_اللهم
أجعله خير، أراك هنا يا سيدي.
سحب الشيخ طلحة الزبير من
يده، يمشي معه كتف لكتف مستندًا على عصاه، التي تدق الأرض:
_وصلت
رسالة إلى كوهندار؛ مفادها أن والدتها تموت.
_ماذا؟! لا تقول أنها
غادرت دون أن تنتظرني؟!
_لم نعرف إذا كنت ستتأخر
أو تعود سريعًا، ووالدتها مريضة جدًا، غادرت قبل أن تعود.
_هل أرسلت معها من
يحميها؟!
_إنها ذاهبة لأرضها يا
ولدي، ولعائلتها ما حاجتها بالحماية؟!
زفر بحنق، فقلبه عاتب
عليها:
_لماذا
لم تنتظري يا كوهندار؟!
ترك الناس المحتشدة وتوجه
إلى قصرها، تذكر كل لحظاته معها، عاد شريط زواجه معها، منذ اللحظة الأولى التي
دلفت بها إلى هنا، للحظة وداعها على الشاطئ.
دخلت والدته خلفه:
_الحمد
لله على سلامتك يا ولدي.
توجه إليها قبل يدها
ورأسها وهو يقول:
_كيف
حالك يا أمي؟!
_قلبي عاتب عليك أيها
الزبير، تتوجه إلى قصر الزجاج دون أن تمر بقصري.
_اعذريني يا أمي، الأخبار
الجديدة لم تترك عقل في رأسي.
_رافقتها السلامة، لماذا
أنت حزين؟! أترى ذلك تصرف يليق بالأميرات؟!
هز رأسه موافق دون كلام.
_المرأة المتزوجة في
ديننا وعرفنا، تنتظر أذن زوجها.
_لعل كوهندار لم يكن
لديها علم بذلك يا أمي، إنها حديثة الإسلام.
أرادت ان تكمل كلامها
لكنه تهرب منها عندما قال:
_ألا
ترين أنني متعب يا أمي؟! أحتاج أن أرتاح لبعض الوقت، ثم سأتناول من يديك أشهى
الطعام.
تبسمت له وهي تقول:
_سأعد
الطعام حالًا يا أسدي.
لم تكن السماء بأقل منه
غضبًا، بدأ البرق يلمع في السماء، ويتبعه صوت الرعد الذي يشبه صوته.
***
حط القارب على أرض القمر،
تهلل وجه نادر فرحًا عندما رأى أن خطته نجحت في احضار كوهندار إلى أرضه.
كانت تسأل الناس في
الطريق كالمجنونه:
_كيف
حال أمي؟! أين أمي؟!
لكن لا أحد يجيبها كأنها
تكلم نفسها، ركضت بسرعة إلى قصر والدها.
دلفت إلى الداخل لترى
والدها يجلس على عرشه، وقف مرحبًا بها، فتح يديه وأخذها في أحضانه.
قبلت يديه ورأسه وهي تقول
بكل أسى:
_أين أمي؟!
خرجت أمها من باب الغرفة
فاتحة يديها على وسعها وهي تقول:
_أنا
هنا يا ابنتي.
لم تصدق عيناها، ظنت أن
والدتها طريحة الفراش، مريضة ولا تقوى على الحركة.
ركضت لبين يديها، قبلت
وجنتاها، ويديها ورأسها:
_لقد وصلتني رسالة من
والدي أرعدت قلبي، أراك بصحة جيدة يا أمي، الحمد لله لم يصبك مكروه.
الحمد لله..
لأول مرة والدتها تسمع
هذه الكلمة من بين شفتيها، لم يخطر لها أن ابنتها أصبحت مسلمة.
تقدم نادر من الخارج،
مرحبًا:
_منذ
وقت طويل لم نر البهجة والسرور في أرضنا.
تجاهلت كلام نادر وكأنها
لم تسمع شيء، عادت لحيث يجلس والدها تسأله:
_لماذا
أرسلت لي تلك الرسالة يا والدي، أرى أن أمي بخير، لقد جئت بالسرعة القصوى، الأجدر
بي أن أنتظر زوجي.
_لقد وصلتني أخبارك يا
كوهندار، تقولين زوجي وأنت تسكنين في قصر وهو في قصر، عن أي زواج تتحدثين؟!
نظرت لنادر نظرة
ارعدته:
_ما
وصلك كذب يا والدي، إن الزبير أفضل زوج وملك على الإطلاق، أحسن معاملتي، إحتوى
ضعفي ورمم شتات أمري.
أولًا أرسلت نادر ليسبب
لي المشكلات في أرض الزبير، والآن جئت بي إلى هنا بالحيلة والمكر، تلك الأفعال لا
تليق بك يا والدي.
وقفت وقالت بغضب بعد أن
أحمر وجهها:
_إطمأن
قلبي على أمي علي أن أعود قبل عودة الزبير من حملته على قبيلة الداني.
وقف نادر في الباب وهو
يقول:
_من
أخبرك أننا سنسمح لك بالعودة لأرض الزبير؟!
_من أنت حتى تمنعني؟!
_أنا خطيبك أم أنك لا
تذكرين؟
أردف وقد مد يده على
إسدالها:
_اخلعي
هذا اللباس، فأنت لست في أرض الزبير.
أزاحت يده عن جسدها وهي
تصرخ بكل قوتها:
_أنا
فتاة متزوجه يا هذا! لماذا لا تفهم؟! كم مرة سأكرر كلامي.
كان والدها ووالدتها
يقفان خلفها، يتعجبان مما يسمعانه من كلامها، نادر وقف بجسده الضئيل أمام الباب لا
يسمح لها أن تمر.
توجهت إلى والدها
بكلامها:
_ألا
ترى ماذا يفعل رئيس وزرائك مع ابنتك يا والدي؟!
_بل ما أراه ليست ابنتي
كوهندار، التي غادرت هذه الأرض ودموعها ملئ وجهها، ترى ماذا فعل لك ذلك
الأمير؟!
اقتربت منها والدتها
تحاول أن تهدأ من روعها، تمسح على وجهها وهي تقول متعجبة:
_هل
ألقى عليك الأمير تعويذته يا ابنتي؟!
صرخت:
_لا
أفهم عما تتحدثون! أنا ذهبت إلى أرض الزبير بناءًا على معاهدة أم أنكم نسيتم؟!
أرادت أن تخرج من الباب
مجددًا، أشار نادر للحارسين أن يمسكا بها:
_سأسجنك
في غرفتك حتى يعود عقلك لرأسك.
حملها الجنديان أمام
ناظري والديها ووضعاها في غرفة مخصصة، أغلق نادر الباب بالمفتاح وهو يقول:
_سأعيد
لك عقلك عندما نتزوج.
ضربت على الباب بكل قوتها
وهي تقول من بين شهقاتها:
_افتح
الباب، منذ متى تعاملونني على أنني طفلة، افتحوا الباب.
لكن لا لم تلقى إجابة،
ظلت تصرخ وتضرب الباب، وهي تقول:
_كم
كنت غبية عندما صدقتكم! كان علي أن أسمع كلام الشيخ طلحة، وأنتظر الزبير.
أمي، أبي، نادر، أيها
الجنود، ليسمعني أحد وينقذني.
لكنها كانت تنادي نفسها،
صم وبكم عن ندائها المتكرر.
ظلت تضرب الباب وتصرخ،
تحاول أن تفتحه بيديها، حتى جرحت أصابعها، عادت للبكاء مجددًا.
"أين
أنت أيها الزبير، ليتك تسمع ندائي"
جاهدت كثيرًا، إلى أن
تعبت وغفت في مكانها، استيقظت على قرع نافذة غرفتها، فتحت النافذة بشق رفيع، إنها
أسيل:
_لقد
خدعوني يا أسيل، جاؤوا بي إلى هنا لاتزوج نادر، وزواجي من الأمير، والحب الذي في
قلبي له.
فكرت قليلًا وهي
تقول:
_ساعديني
أرجوك.
_ليتني أستطيع يا سيدتي،
كيف لي أن أساعدك والحراس أمام الباب؟ لم يسمحوا لي بالدخول.
_أحضري لي ورقة وقلم،
وعودي إلي سريعًا.
نزلت أسيل عن الرفوف
الخشبية التي جمعتها لتصل إلى النافذة؛ ذهبت لإحضار الورقة والقلم وعادت
مسرعة:
_سيدتي،
هذه الورقة والقلم.
كتبت رسالة للزبير، طلبت
من أسيل أن توصلها إلى الزبير:
_أعرف
أن في الأمر مغامرة خطيرة، لكن لا تعودي حتى تحضريه.
حملت الرسالة بين يديها
وهي تقول:
_توكلت
على الله.
ودعتها كوهندار بدموع
عيونها وبدعائها:
_استودعتك
الله الذي لا تضيع ودائعه.
جلست تنتظر في غرفتها من
جديد، أخرجت قارورة السم من ملابسها، وهي تحدثها:
_ستكونين
آخر احتمالاتي، لن أسمح لنادر أن يقترب مني، ذلك اللعين.
دستها في ملابسها عندما
فتح الباب مجددًا، كانت هذه المرة والدتها، أشاحت كوهندار رأسها عنها وهي
تقول:
_أهكذا
تستقبلوا ابنتكم الوحيدة يا أمي؟!
_لم تتركي لنا خيار ثاني
يا كوهندار، ماذا فعل بك ذلك الأمير؟!
_كان ألطف وأفضل شخص في
الدنيا، كرمني في منزله وبين شعبه، أنتم تظلمونه يا أمي، وتظلمون المسلمين.
_سيتخذ منك زوجة أولى
ويتزوج فيما بعد، ألا تعلمي أن لدى المسلمين أربع زوجات.
صمتت لبرهة كأنها تفكر
كيف ستفجر قنبلتها في وجه والدتها:
_أن
يتزوج في العلن، أفضل من زواجه سرًا، وهو يقول سأتعبد في الجبل.
_ما الذي ترمين إليه يا
كوهندار؟!
_مثلما سمعتي، والدي يقول
أنه ذاهب للتعبد في الجبل، متزوج من أخرى ولديه منها أطفال.
وضعت والدتها يدها على
أذنيها كأنها لا تريد أن تسمع:
_لا،
لا هذا غير صحيح.
_اذهبي واسأليه يا أمي،
فأنا لا أكذب.
خرجت أمها ودموعها ملئ
وجهها، لم تعد ترى الطريق أمامها.
أما أسيل فكانت تجاهد
لتجد بحارًا، يصل بها إلى أرض القمر، حل الظلام كادت أن تستسلم وتعود أدراجها، لكن
لاح قارب من البعيد، تقدمت لتسأله:
_هل
ستعود إلى أرض الزبير.
_نعم، ما الأمر؟!
_سأعطيك المال الكثير،
أرجوك خذني معك.
_لا، لا أحمل الفتيات في
قاربي.
_أرجوك حديثة إسلام وأخاف
أن أقيم هنا، أريد أن أصل إلى أرض الزبير.
ذهب دون أن يرد عليها،
سار مسافة قليلة، لكنه وقف بقاربه وكأن ضميره قد أنبه على حالها، فهو أيضًا حديث
عهد بالإسلام، ويعرف أن أرض الزبير هي الآمان لهم الآن، عاد إلى الشاطئ، كانت تجلس
هناك باستسلام:
_أيتها
الفتاة، تعالي، سأقلك في مركبي.
تهلل وجهها فرحًا، ركبت
القارب وهي تشكره، أخفت الرسالة جيدًا، لا تريد أن يكتشف أمرها حتى تصل أرض
الزبير:
_لا
أعرف كيف سأشكرك أيها البحار العظيم.
_فعلت واجبي لا أكثر،
علمنا الإسلام الكثير، لن أترك فتاة عند الشاطىء في منتصف الليل.
_ تبسمت وهي تقول الحمد
لله على نعمة الإسلام.
سار البحر دون كلام،
قلبها يقتلها من فرض شوقها لماهر، ومشاعر مختلطة من حزن لما جرى معهم، إلى خوف لما
سيحصل بكوهندار.
خرج شيخور أمام نادر في
مرآة غرفته، علامات الاستهزاء على وجهه:
_كوهندار
لم تعد ملكك، افتح عينيك جيدًا، لقد أصبحت فتاة مسلمة، لا سلطة لنا عليها.
_قلت أنك ستساعدني، أين
وعودك؟!
_لم أعلم أنها مسلمة،
وقلبها مليئ بالإيمان، لولا ذلك لساعدتك أيها الغبي.
_سأتزوجها رغما عن
الجميع.
ترك شيخور يقهقه من
كلامه، وخرج متجهًا إلى غرفتها، فتح الباب بكل قوته:
_ستندمين
يا كوهندار، على إسلامك وحبك لذلك اللعين.
اقترب منها يتحسس جسدها،
باغتته بحركة مفاجئة ولوت يده، وهي تقول:
_سيكون
موتي أهون علي من زواجي منك.
أردفت قائلة:
_الحمد
لله أنك كنت جبان ولم تدافع عني، فلو وقفت بوجه الزبير في المرة السابقة، لما ذهبت
إلى أرضه، ولا تعرفت عليه وعلى شعبه، وأيضًا والأهم لما أصبحت مسلمة.
عصفت به رياح الغضب، وضع
قبضه يده على رقبتها وهو يصرخ:
_ستندمين
على كلامك هذا.
نظرت له نظرة كلها تحدي
وقوة:
_بل
أنت من سيندم في القريب العاجل، وستندم كثيرًا، أنا أعرف الزبير لن يتركني هنا.
_سيكون زواجنا غدًا، كوني
جاهزة.
لن تخرجي من هذه الغرفة؛
حتى تكونين زوجتي.
شعرت بنار تخرج من جسدها،
لا تعرف إن كانت أسيل وصلت أم لم تصل بعد، لا وقت لديها لتتصرف، ندمت لأنها
استفزته بكلامها.
اخذت تذهب وتعود في
الغرفه بتوتر، تخاطب نفسها بكل ضجر:
_كيف
لي أن أهرب؟! الأبواب والنوافذ مغلقه.
اقتربت من النافذة تحاول
فتحها، حاولت بكل قوتها، أنهكها التعب وهي تحاول مرة بعد مرة.
جلست في أرض الغرفة، بدأت
تذرف الدموع من عينيها،تصرخ بكل قوتها:
_سيأتي الزبير أنا
متأكدة.
مرت عليها الليلة دون أن
تغمض عينيها، جاء الصباح حاملًا لها الأمل، فكل يوم تشرق بها الشمس وهي موجودة، هو
يوم جديد لتجدد طاقتها وأمنياتها.
جاء نادر باكرًا، يتلوى
كالثعبان أو الحرباء:
_سيكون
اليوم زفافنا يا حبيبتي.
_إنك تحلم! سيأتي الزبير
أنا واثقة.
أمسكها من يدها بقوة؛ حتى
آلمتها:
_لا
تذكري ذلك اللعين على لسانك يا حبيبيتي.
اقترب منها بحب:
_أعدك
أن تنسيه، منذ اليوم الأول لنا.
بصقت بوجهه بحنق:
_في
أحلامك يا نادر.
مسح وجهه بلسانه، وهو
يقول:
_إنها
أشهى من العسل.
دخلا بعد قليل جنديان
يحملان فستان زفافها.
_عليكي
أن تجهزي نفسك، سأغيب ساعة؛ لأجهز نفسي عليكي ارتدائه.
_أين أبي وأمي، ألا
يعلمان ماذا تفعل بي؟!
ضحك ضحكة استفزازية وهو
يقول:
_بل
يعلمان، ولدي الصلاحيات الكاملة، إلى أن تصبحين زوجتي، أم أنك نسيتي من نادر.
_أنا لا أنسى، لكن أنت من
نسيت من تكون كوهندار.
خرج نادر من الغرفة، عادت
للبكاء والضرب على الباب والصراخ:
_أمي،
أبي، أرجوكما، افتحا لي الباب.
عادت للضرب مجددًا حتى
آلمتها يديها.
وصلت أسيل إلى أرض
الزبير، دخلت إلى قصره وهي تلتقط أنفاسها بصعوبة:
_أرجوك
يا سيدي، انقذ زوجتك كوهندار.
وقف وهو يقول بهلع:
_ماذا
يحدث؟! ما بها كوهندار؟!
_لقد خدعها ذلك اللعين،
لقد خدعها نادر برسالة تقول أن والدتها على فراش الموت، لكنه كاذب.
أشاح بوجهه عنها:
_لماذا
ذهبت؟! لماذا لم تنتظرني؟!
_ليس الآن وقت العتاب
أيها الزبير، سيزوجونها من نادر رغمًا عنها.
_ماذا؟!
_ما سمعت يا مولاي.
أشار للجندي:
_ارسلو
لي في طلب ماهر
حضر ماهر بين يديه في
دقائق:
_سنغادر
إلى أرض القمر، اجمع لي الجيش إنها الحرب هذه المرة.
دخلت فتاة إلى كوهندار؛
لتزينها، صرخت بكل قوتها:
_لا
أريد أن أرى أحد، اخرجي.
حملت فستان الزفاف ومزقته
إلى قطع، دعست عليه بخطاها:
_لن
أتزوج من أحد غير الزبير.
كانت كلبؤة جريحة تنازع
لكن لا أحد يسمع أنينها، تتخبط في سجنها الكبير، حملت قارورة السم بين يديها، فتحت
الغطاء وأرادت أن ترتشف منها رشفة؛ لتأخذها لعالم آخر.
وصل الزبير لأرض القمر،
أنزل الجنود رحالهم على الشاطئ، كان الزبير مقرر هذا المرة الحرب، لن يعود حتى
يخضع الجميع بالقوة.
فالسلم لم ينفع مع هذه
الأرض.
نظر لماهر وهو
يقول:
_انزلوا
المنجنيق، وجهزوا أسلحتكم، أريد نادر حيًا.
_أمرك سيدي.
_نادي الناس المسلمين
ليخرجون إلى الشاطئ، كل ما دخل سفني، فهو آمن.
قامت ضوضاء عظيمة في
المملكة أحدهم يدلف وآخر يخرج، أطفال تبكي، ونساء تصرخ، والجنود أشهرت أسلحتها.
أستل الزبير سيفه وهو
يتجه نحو قصر الأمير والد كوهندار، كان الهدف الذي نصب عينيه"
نادر"
يصرخ في الجنود:
_أين
كوهندار؟!
سمعت صوته من الخارج،
أخذت تصرخ:
_أنا
هنا أيها الزبير!
وصله صوتها غميق وضعيف،
خاف أن يكون مكروه حصل لها.
عاد للصريخ مجددًا:
_كوهندار، أين أنت؟!
سمع خبط شديد على أحد
الأبواب، اقترب، وصوت كوهندار يقترب أكثر، وصل إلى الممر الموصل لغرفتها، خرج في
وجهه مجموعة كبيرة من الجنود.
زئر كالأسد في
وجوههم:
_ابتعدوا عن طريقي، لكن
لم يسمعه أحد.
لوح بسيفه يمينًا
ويسارًا، بدأ يضرب بهم، فيصيب رأس الأول، ويد الثاني وقدم الثالث، إلى أن وصل
لنهاية الممر، حيث يقف نادر:
_أهذا
أنت أيها الوغد؟!
_لن أسمح لك أن تهرب من
قبضتي أيها الجبان.
صرخ بصوت جهوري:
_ستكون
نهايتك على يدي يا نادر.
أشهر نادر سيفه، وراح
يقاتل بطريقة مستميته، لا يريد أن يصل الزبير لكوهندار:
_إن
أردت كوهندار عليك أولًا أن تمشي على جثتي.
_إنها زوجتي، لا يحق لك
أن تذكرها على طرف لسانك.
كوهندار من داخل غرفتها
تصرخ، وتضرب الباب بكل قوتها وهي تقول:
_أيها
الزبير أنا هنا.
شتت صوتها انتباهه، سقط
السيف من يده، أخذ نادر يضحك بشكل هستيري:
_سنرى
لمن تكون كوهندار.
رفع سيفه وهوى به على جسد
الأمير، لكنه أزاح من مرماه، ظلت ضرباته تهوي بالقرب من جسد الزبير، وهو يتدحرج
كالكرة أمامه.
أخيرًا وصل الزبير إلى
سيفه، استله من جديد، وقف بكل قوته، كالطود الشامخ أمامه.
عاد النزال بينهما من
جديد، لكن هذه المرة تمكن الزبير من إطباق الضربات المحكمة عليه.
سقط سيف نادر في النهاية،
صرخ الزبير في وجهه:
_إنها النهاية يا نادر،
إنه موتك.
تقدم جنود الزبير على
رأسهم ماهر،
وهو يصرخ:
_توقف يا سيدي، موته راحة
له، لن أسمح له أن يرتاح.
أنزل الزبير سيفه وهو
يقول:
_معك
حق يا ماهر، خذه من أمامي.
كان يضرب بقدميه الأرض
يمينًا ويسارًا:
_اقتلوني،
اقتلوني أسهل علي من رؤية كوهندار زوجة لغيري.
سكنت حركة الباب الذي
كانت تطرقه كوهندار، وقف ورائه وهو ينادي:
_كوهندار
هل تسمعينني؟! كوهندار.
لكنها لم تجيب.
_إذا كنت تسمعينني،
ابتعدي من خلف الباب.
عاد إلى الخلف خطوات
عديدة، تقدم بإتجاه الباب بكل قوته، ضربه في المرة الاولى لكنه لم يتأثر، أعاد
الكرة مرة ثانية وثالثة.
كسره في المرة الأخيرة،
نظر داخل الغرفة وهو يصرخ:
_كوهندار.
تعليقات
إرسال تعليق
شاركنا رأيك في هذه التجربة