BlogLabels

القائمة الرئيسية

الصفحات

 







 رد الكرامة

 

دخلت يمنى المقهى الملحق بالكلية، بعد الموعد المحدد تقريبًا بربع ساعة، بحثت بعيناها عن محمود، حتى وجدته فتوجهت إليه وألقت التحية:

-سلام عليكم، كيف حالك؟

نظر لها محمود مبتسمًا، ومد يده ليُسلم، فنظرت لها باستغراب، ثم ضيقت عيناها.

مدت يدها في توجس حتى لا تحرجه، وجلست وهي تنظر له في ريبة.

وهو يقول مجيبًا على سؤالها:

-انا بخير، حسبتك لن تأتي.

 

هزت رأسها و تنهدت في حيرة:

-أنا لم أحضر، إلا من أجل مريم.

ولم أوافق على مقابلتك إلا لرغبتي في حل الخلاف بينكم.

 

نظر لها في آسف وحرك رأسه:

-للآسف،  أنا ومريم انفصلنا بلا رجعة.

 

حدقت في ملامحه الباردة للحظات قبل أن تُردد في تساؤل:

-بلا رجعة، لماذا؟ 

نظر لها في شك وتساءل:

-وهل من المعقول انها لم تتكلم معكِ في الموضوع.

 

 قطبت حاجبيها  وقالت بصدق:

-كلامها مقتضب، ولم أفهم منها سبب انفصالكم.

اقترب منها، وقال في خبث:

-لا تهتمِ، لم أطلب مقابلتك من أجلها


نظرت إليه بدهشة وتساؤل، فاستطرد:

-يمني.... نحن

نظر لها نظرة إعجاب، واستطرد

-أنا وأنتِ، أصدقاء أليس كذلك؟

 

نظرت له، ورفعت كلتا حاجبيها بدهشة دون أن تنطق، فاستكمل هو حديثه:

-أنا في حاجه اليكِ الآن، أكثر من أى وقت، فأنا محطم.

وضع يده على جانب وجهه، ونظر لها في ألم مصطنع:

-أشعر أنني في حاجة إلى وجود صديق.

 

تأمل ملامحها التي تجمدت للحظات، ثم استطرد:

-أنتِ أحن صديقة لدي، وغلاوتك لا تقل عن غلاوة مريم.

أرجوكِ أن تظلِ بجواري حتى..

قاطعته يمنى بعد أن فاقت من صدمتها على كلامه المسترسل.


منذ طلب مقابلتها وأجبرتها مريم على الموافقة، وهي تحاول أن تُحزّر سبب طلبه، لكنها لم تتخيل ابدًا أن يتلاعب بها، لكنها وقفت فجأه لتحدق في وجهه، ثم نطقت في إستنكار:

-محمود، 

أنا وانت لم نكن ابدًا أصدقاء، إلا من أجل مريم، وبمجرد انفصالك عنها.

 

نظرت له في كبرياء، وأضافت في حزم:

-يُعنى انتهاء دورك في حياتي، الرابط الوحيد والموضوع المشترك بينا هو مريم.

حملت حقيبتها، وأعادت النظر إليه، مكررة في غيظ: مريم فقط، لا غير.

تركته مشتعلًا من الغضب ورحلت في عنف.

******************************

في صالة الجيم النسائية، في موعدهم الأسبوعي الذي يلتقيان فيه لمدة ساعة يمارسان التدريبات الرياضية المختلفة، دخلت مريم اولًا وتبعتها يمنى، تأملت مريم الصالة الواسعة التى أثارت بداخلها بعض الذكريات.

فكل مكان يرتبط عندها بمحمود، في كل مكان كانت تحدثه هاتفيًا أو تفكر به وبحديثه المعسول، سألت يمنى في اهتمام:

-الآن، وقد وصلنا، هلا بدأتِ القصص؟


نظرت لها يمنى في صمت، وذهبت إلى إحدى الآلات الرياضية، فبدأت في استخدامها أمام عيني مريم المندهشتان، وقالت في بساطة:

-لم يحدث شىء.

 

رفعت مريم إحدى حاجبيها، وهي تنظر لصديقتها في استنكار:

-نعم، كيف ذلك؟ ألم تتقابلوا؟

استكملت يمنى تمرينها في برود، وهي تحرك رأسها صامتة.


فاقتربت منها مريم التي لم تبدأ تمرينها بعد، وجذبتها من كتفها. 

ثم قالت في حزم:

-لقد اتفقنا سابقًا، أنه مهما حدث في هذه المقابلة، سَتقُصيه عليّ وبصراحه ودون إخفاء أى تفاصيل.

 

تركت يمنى الجهاز، وانتبهت لها

حاولت أن تبدأ حديثها، لكن لم تجد القدرة على جرح صديقتها بهذه البساطة، فسألتها في اهتمام:

-قبل أن أقص ماحدث، أخبريني، هل تنوين الرجوع إليه؟

 

حدقت مريم في وجهها، وصمتت لحظات قبل أن تجيب بقوة، حاولت إكسابها لإجابتها على السؤال

-لا، لا انوي.

ومهما حدث فلن اتفاجئ، فلتكوني صريحة معي ارجوكِ.


لمعت عيناها وهي تقول في آسي:

-فأنا إلى حد كبير، أعلم مدى قذارته.

 

أخذت يمنى نفسًا طويلًا قبل أن تقص ما حدث، حاولت أن تنتقي كلماتها، في النهاية أنهت حديثها:

-عندما تحسست منه بالغدر لم أترك له فرصة للإسترسال.


توقفت عن الحديث، ثم استطردت في صدق:

-فقط لأني أعلم جيدًا بأنني سأتعرض لهذا الموقف.

نظرت لها مريم، وبدأت الدموع تلوح في عينيها، فاستطردت يمنى:

-مجرد وضعِ أنا في هذا الموقف أمامك، أن أتسبب أنا في جرحك بما قصيته.

 

لمعت عيني يمنى من التأثر، لكنها عادت ونظرت لصديقتها في قوة، وقالت:

-الضربة التى لا تقتلك 

 

نظرت لها مريم بعينًا حائرة، وفهمت باقي حديثها، استطردت يمنى وهي تأخذ صديقتها في حضنها

-أنتِ الأفضل، ودموعك احتفظي بها لمن يستحق.


غاصت مريم في حضن صديقتها الدافئ، وبكت رغمًا عنها، شعرت بالضعف الشديد في مواجهة جرحها.

نعم تخيلت مدى قذارته، لكن شتان بين التخيل والواقع الصادم، مهما تخيلت لم تتوقع أن تشعر بكل هذا الوجع.

*********************************** 

جلست مريم في صالة منزلها تشاهد فيلم عربي قديم من أفلامها المفضلة، مندمجة في أحداثه حتى أنها لم تشعر بهاتفها وهو يرن إلى جوارها، إلا قبل أن ينقطع الجرس فنظرت إلى شاشته، وفتحت الخط: -مرحبًا، من معي؟

 

أتاها صوت كانت تتوق لسماعه منذ أيام قليلة، لكنه بات الآن يرعبها: -هكذا.

بالطبع أجبتِ هذه المرة، لأنني اتصلت من رقم آخر.

 

صمتت، فاستمع إلى أنفاسٍ مضطربة، فصاح ثانية: -مرحبًا؟

حاولت أن تلم شتات نفسها حتى لا يظهر الخوف جليًا على صوتها، فقامت من مكانها لتدخل غرفتها لتواجه مصيرها معه لإخر لحظة:

-ماذا تريد، ولماذا تتصل بي؟

ألم تطلب مقابلة صديقتي وأخبرتها أن كل شيء بيننا انتهى؟

 

ابتسم متهكمًا ثم أجاب:

-نعم، وهذا تحديدًا سبب اتصالي.

 

شعرت بالتهديد من الخوض في سيرة صديقتها، فالتزمت الصمت في حين استطرد هو: 

-بالفعل طلبت مقابلتها، فقط لأثبت لكِ كم كنتِ مخدوعة فيها.

استشعرت القلق من حديثه مختلطًا بالفضول الذي دفعها لتقول:

-ماذا تعني؟


صمت ليَزيد حيرتها، ثم استطرد بهدوء أغضبها:

-لأنها ببساطة تخلت عنك أمام أول فرصة جاءت لها من شخص بالكاد تعرفه.

 

عقدت مريم بين حاجبيها صائحة بنفاذ صبر:

-عن ماذا تتحدث؟

 

كادت أن تجزم أنها ترى ابتسامته تتسع وهو يقول:

-إذاً لم تحكِ لكِ القصة كاملة؟ حسنًا..

أنا وصديقتك المقربة -قالها مستهزئًا- اتفقنا أن أقوم باستبدالك بها، هي وافقت وكانت سعيدة.

 

انتفضت مريم من مكانها كمن أصابه حُمىّ، للحظة تمكن الشيطان من اللعب بأحاسيسها، 

لكنها هزت رأسها مستردة وعيها، لتقول بصوت هادر:

-أخرس! لن أسمح لك.

 

قاطعها هو في غضب:

-غضبك موجه للشخص الخاطئ، فلتواجهي صديقتك التي طالما دافعتِ عنها وفضلتها عليّ.

فقط لتعلمي أن علاقتنا كانت الأصل أمام علاقتكما المزيفة.

 

قاطعته مره أخرى في ألمٍ:

-ألمْ يكفيك ما ألحقت بي من أذى؟ بل امتدت قذارتك لتنال من صداقتي بها.

 

صاح في غضب واستنكار:

-قذارتي؟ هل تجرئين على ذمي من أجل هذه الخائنة؟ 

حسنا، ستعلمين من بيننا الخائن وستندمين على..

 

قاطعته مرة أخرى وسط دموعها قبل أن تغلق الخط في وجهه: سوف أندم بالفعل إذا لم أنهي المكالمة حالًا.

 

ألقت بعدها الهاتف بعيدًا وأجهشت بالبكاء الحار، بالطبع لم تصدقه، لكن كم من المشاعر السلبية، الذي  اجتمعوا بداخلها.

ألم يكتفي؟ لماذا لا يرحل في صمت ويدعها وشأنها؟ فقد طال دوره القذر ونجح بجدارة في تشويه كل ذكرى له في قلبها.

***********************************

في منزل يمنى، جلست مريم بوجه حزين تستمع إلى الكاسيت في غرفة صديقتها، بعد أن  قصت عليها قصة المكالمة الخادعة، انبعث صوت نانسي عجرم في لهجة حزينة ثائرة:

" انت ايه، مش كفاية عليك، تجرحني حرام عليك، انت ايه...انت ليه دموعي حبيبي تهون عليك"

 

لمحت يمنى دمعة في عين مريم فتطوعت بغلق الأغاني التي أثرت على مشاعر صديقتها، 

لكنها منعتها  قائلة في تحدِ:

-لا... لا تغلقيه. أحاول أن أمارس حياتي بشكل طبيعي، لن أجعل هذا الموضوع يغير شيء فيها.

 

نظرت لها يمنى في شك قائلة في مرح:

-نعم، لقد لاحظت ذلك، أخبريني...

ضيقت عيناها مستطردة في خبث:

-منذ متى وأنتِ منقطعة عن حضور الكلية؟

 

بادلتها مريم النظرات الشاردة، ثم قالت في بطء:

-فترة وستنقضي.

اقتربت منها يمنى، لتضع يدها على كتفها في حنان قائلة:

-ياحبيبتي، لابد أن تثبتي للجميع أنك أقوى من جرحه، فلتمارسي حياتك بشكل طبيعي.

 

صمتت مريم خافضة رأسها؛ فابتسمت لها صديقتها قائلة:

-ماذا بعد؟ فأنتِ بهروبك ستجعليه يُصدق أنه تلاعب بكِ، يجب أن نظهر معًا ليرى أنه لم ينجح في تفريقنا.

 

ابتعدت مريم عنها قائلة في تحدِ بلهجة مرحة:

-ليس هو ولا عشرة من أمثاله، لطالما حاولوا ولم يفلحوا في ذلك.

 

استكملت يمنى حديث صديقتها بلسان مشترك:

-لا أعلم، هل لهذه الدرجة نادرًا ما بيننا ليحسدنا عليه الجميع فتيات وشباب؟

 

ضربتا كفا بكف وابتسمت يمنى مستطردة في زهو:

-أخبرتك من قبل لا يوجد في هذه الدنيا أحلى من مشاعر الصداقة.

برمت شفتيها لتقول في نصح: -لا يوجد حب لا يوجد.

 

بدأت ابتسامة مريم في الظهور رويدا، خف حزنها أمام روح الصداقة التي نجحت دومًا في السيطرة على زمام حياتهم؛ فقالت باستهزاء:

-يمنى، خففي من تفاؤلك أرجوك، فلا ينقصني إلا فقدان الأمل.

 

قالت يمنى في ترجي:

-نعم هذا ما سيحدث لي، أتعلمين لماذا؟

نظرت لها في استياء محركة رأسها في غير حيلة:

-لأنك تتركيني وحدي مع سالي ورانيا المثيرين للضجر.


ثم استخدمت أصابع يدها في العد:

-وعمرو متعدد العلاقات، وآسر المتزمت، بالله عليكِ أن تعودي.

أترجاكِ بأن تنقذيني من شلة البؤس هذه.

 

وضعت يديها الاثنتين مضمومتين تحت ذقنها كحركة للتأثير على صديقتها.

قطع حديثهم دخول والدة يمنى الغرفة، مشرقه كعادتها؛ فابتسمت مريم من قلبها بصدق.

 

السيدة عائشه ليست مجرد أم بالنسبة لهم، بل هي صديقه كبيرة يستشيرونها في كثير من أمورهم الحياتية دون حرج، فهي نجحت منذ دخول ابنتها يمنى سن المراهقة من الاقتراب من إبنتها ومصادقتها وجعل أصدقائها اخوه ليمنى وبنات لها.

 

فكثيرًا ما تفيض بهم الحياة، فيلجئوا لها لفك طلاسمها؛ فتعطيهم الأمل في الغد، فما أن دخلت غرفة يمنى حتى تهللت أسارير مريم، فقامت لاحتضانها وهى تقول:

-سيدتي، كيف حالك؟

 

تفاجأت السيدة عائشة بمريم التي أطالت احتضانها هذه المرة وأحست بما يعتمل بصدرها، فقالت على الفور:

-مرحبًا ياحبيبتي، مالي أراكِ غير مشرقة كعادتك.

 

حاولت مريم أن تقاوم دموعها وضعفها أمام سؤال "ما بك" المثير للعواطف؛ فتبادلت النظرات الحائرة مع يمنى، التي تدخلت لإنقاذها من الموقف:

-أمي الحبيبة، اجلسي.

 

جذبتها بعيدا عن مريم لتجلس بالفعل على السرير، جلس حولها الصديقتان، ثم قالت يمنى بلهجة مشرقة: -أخبرينا، هل يوجد ما يسمى بالحب فعلًا؟

 أم أن الحب في زماننا أصبح وهم؟

 

نظرت لها والدتها بملامحها الطيبة الهادئة، قائلة في اتزان:

-لا، الحب موجود حولنا في كل مكان.

نظرت حولها إلى كلتاهما: فأنا أجده يملأ هذه الغرفة الآن.

 

تبادلت يمنى ومريم نظرات المحبة:

-هربت من الرد، اذًا فهو وهم.

 

قالتها يمنى في سرعة، وهى تغمز لصديقتها مستطردة بانتصار:

-ألم أُخبرك بذلك؟

 

داعبتها والدتها؛ بضربة خفيفة على ركبتها، مبتسمة لهم، وهزت رأسها غير موافقة.

ثم قالت محاولةً انتقاء كلماتها:

-الحب موجود لكن لا تستعجلوه، غالبا ما تبحثون عن الحب في عيون الآخرين.

ألقت نظرة حنان علي كلتاهما، مستطردة:

-فأنتن في حاجة إلى حب أنفسكم أولًا.

 

انتبهت الصديقتان لحديث الوالدة في تركيز واهتمام، وقد ملئ صوتها شحنة من الأمل:

-أنتن ملائكة، فراشات جميلة مزدانة بالألوان المبهجة صُنع الخالق، 

طيروا ورفرفوا بأجنحتكن بكل حرية، ولكن..

نظرت لهم، وابتسمت بعينيها قبل أن تقول في حب:

-انتقوا الأزهار، وابتعدوا عن القمامة لأنها ببساطة تُسئ مظهركم البريء الحُلو.

 

نظرت مريم للسيدة في حُب بعينين لامعتين مفعمان بالأمل، قامت لتُقبلها.

ملقية نظرة فخر علي يمنى.

دوما تنجح والدة يمنى في إلقاء كلمات كالسحر تُذيب أي جرح أو ضيق تشعران به حتى دون أن تعلم أي تفاصيل، كأنها تشعر بهم وتتواصل معهم حسيًا.

********************************

داخل الكلية، في أحد الأركان البعيدة التي لا يتوافد عليها الطلاب بكثرة، جلست مريم على أحد الأرصفة العالية، تقف إلى جوارها يمنى التي نظرت لها في دهشة، ثم قالت:

-لا أصدقك، في اليوم الذي تأتين فيه إلي الكلية وتقرري الظهور.

تصرين على اختيار مكان مجهول لنقف به.

 

حدقت بوجهها المبتسم قليلًا ثم أكملت تساؤلها:

-وما الفرق بين هنا أو أحد منازلنا؟

ثم عقدت ذراعيها ناظرة لها تستكمل سؤالها:

-أخبريني..؟

 

نظرت لها مريم ثم وزعت نظرة على المكان حولها قبل أن تجيب بتهكم:

-لقد جئت والسلام، أليست هذه كُليتنا؟

ثم أشارت إلى نفسها:

-أليست هذه قوة، لقد فعلت بالظبط ما آمرتني بفعله.

 

رفعت يمنى إحدى حاجبيها في استنكار ضاحكة ، ثم قالت بخفة:

-وما الجديد، فأنتِ مازلتِ هاربة من الجميع، هيا انهضي، آن أوان المواجهة.

 

قالتها يمنى ثم سحبتها من ذراعها في إصرار، لتقوم مريم رغمًا عنها، تحاول تخفيف خطواتها في سيرهم ناحية مبني المحاضرات، قالت ليمنى في ضعف:

-لا  لن أستطيع دخول المحاضرة في أول يوم رجوع لى، لا بالله عليكِ يا يمنى فلنقضِ اليوم بحرية، أرجوكِ.

 

قاطعهم قدوم رانيا من بعيد، التي ما أن رأتهم حتى جاءت مقبلة في لهفة:

-أخيراً وجدتكم! 

 

تفاجأت مريم برؤيتها، فألقت نظرة لوم علي يمنى، محاولة في استماتة رسم ابتسامة وهى تستقبل أحضان رانيا المختلطة بقبلاتها المتشوقة، التي قالت بود:

-لم أصدق عمرو عندما قال أنك آتيتي اليوم.

 

نظرت يمنى من بعيد، ثم ابتسمت في خبث، فهي تعلم جيدا أن مريم عندما تكتئب تصبح شخص غير اجتماعي بالمرة؛ فانتبهت لملامح الضيق التي ظهرت على محياها خاصة عندما ألقت رانيا سؤالها المباغت:

-صحيح، لقد سمعت أخبار غير جيدة، هل من المعقول أنك ومحمود قد انفصلتم؟

 

تدخلت يمنى هذه المرة، فجذبت رانيا إليها بعنف لتقبلها، مجيبة إياها في غيظ:

-وهل هناك أخبار تستتر في هذه الجامعة؟

 

تبادلت رانيا نظرات الحسرة بين الصديقتين، ثم هزت رأسها لائمة:

-ولماذا لم تخبروني؟ ظننت أنني صديقتكم المقربة.

 

التزمت مريم الصمت،  وأشاحت بوجهها بعيدًا، بينما أجابت يمنى في محاولة لإنهاء الموضوع:

-لقد انتهى الموضوع يارانيا، ومن غير المناسب التحدث عنه الآن.

 

شعرت رانيا بالحرج، فصمتت قليلًا لتباغتها يمنى في فضول:

-من أين سمعتِ عن هذا الموضوع؟

 

اجابت رانيا سريعًا:

-محمود بنفسه من أخبرني.

 

اندهشت يمنى، وتبادلت نظره قلق مع مريم، ترددت رانيا قليلاً قبل أن تقترب من مريم،

لتقول: -لم أرد أن  اُخبرك بذلك ولكن...

نظرت رانيا حولها كأنها ستلقي بسر خطير:

-هو يحوم داخل الكلية ويتفوه بكلام غير لائق عنك..

هزت كتفها في قلة حيلة، ثم استطردت في لهجة يشوبها بعض التشفّي:

-لقد فكرت أنه من حقك أن تعرفي.

 

دمعت عين مريم، وشعرت بالضعف.

أما يمنى فاقتربت من رانيا، تجذبها من ذراعها في عنف مرة أخرى، قائلة:

-ماذا قال عن مريم؟

 

قبل أن تجيب، تفاجئ الجميع بسالي تأتى من بعيد صائحة بوجه ممتقع:

-يا رفاق، عمرو ومحمود يتشاجران هناك.

 

أشارت إلى نقطة بعيدة توجهت أنظارهم إليها، ثم تحرك الجميع في آن واحد، ليتبعوا سالي في قلق، حتى وصلوا إلى مكان تَجمهَر عنده الكثير من شباب الجامعة؛ فتوقفوا واجمين.

 

يتابعون المشهد المهيب، لمحت مريم محمود وهو يتلقى الضربات واللكمات في وجهه بعنف من شاب عصبي قوي البنية يُدعي عمرو، فوضعت يدها على فمها في انبهار وجزع.

 

عمرو، الصديق والجار ليمنى ومريم منذ الطفولة، الطرف الثالث في العلاقة الأخوية بين ثلاثتهم، كل ذكرياتهم في الطفولة معه، شبت كل فتاة منهم وهو حاميها وداعمها، السند والأخ الذي يلجئون دوما إليه لأخذ حقهم من أيًا ما كان.

 

ظهرت ملامح عمرو الثائرة بوجهه الملون بالعصبية، لتضيف جاذبية من نوع خاص على وجهه الحليق، ببشرته البيضاء وعيناه الفاتحتان المميزتان وحاجبيه الأسودان، وشعره الأسود الناعم.

 

حدقت مريم بوجه يمنى في خوف، فبادلتها يمنى النظرات القلقة، متابعة المشهد.

كلتاهما تعلمان جيدا أن عمرو بجسده الرياضي الممشوق الذي يحرص على تقويته باستمرار قادرٌ على هزم محمود ضعيف البنية بكل سهولة، اطمأنت يمنى حينما وقعت عيناها على آسر الذي وقف بالقرب من عمرو، محاولاً إبعاد الطرفين بمساعدة بعض الزملاء.

 

 عندما رأى محمود مريم من بعيد؛ صاح موجهًا حديثه لها:

-تفضلي يا آنسة، تصرفي معه حالًا، فقد نصب نفسه حاكماً لمجرد معرفته بانفصالنا.

استطرد في عصبية:

-فما دخله هو بأي شيء يخصنا؟

 

نجح آسر في إبعادهم عن بعض، فانتهزت يمنى الفرصة، وقفت في مواجهه محمود في قوة بعد أن لمحت صديقتها، وهى تنهار في بكاء حار خائفة:

-كفى! لا تتحدث عنها مرة أخرى، تسببت في تجمهر الناس دون داعي، أغلق فمك الآن.

 

همّ عمرو بالاقتراب مرة أخرى، فنظرت له نظرة تحذير من مواصلة الشجار.

بينما ألقى نظرة على مريم، ثم التفت ليمنى قائلًا في عصبية وبصوت خافت:

-يمنى، من فضلك ابتعدي.

خذيها واتركيني معه، فأنتِ لا تعلمين ماذا قال عنها، لم أستطع تمالك نفسي، ولم أُفرغ طاقتي بعد.

 

نظرت يمنى لمريم، تحثها على التحرك بعينيها، فاقتربت مريم منهم، قالت محاولة إظهار قوة غير موجودة بداخلها؛ فخرج صوتها مبحوحاً خافتًا:

-أنا التي ستتحدث معه فيجب أن يقف عند حده.

 

تبعها عمرو ويمنى بعيناهم، قبل أن يتقدم عمرو ليمنعها في قلق حقيقي:

-مريم، مجرد وقوفك معه الان سيسئ إليكِ، أرجوكِ.

 

نظرت له بعينين لامعتين محاولة منعهم أن تدمعا:

-شكرا يا عمرو، لكنه في حاجه إلى الاستماع إليّ.

 

ثم نظرت ليمنى تستمد منها القوة؛ لتقول في حزم: 

-فلننهى الأمر الآن وللأبد.

ابتلعت ريقها، ثم استدارت لتواجه محمود، أمام أصدقائها فقد وقفوا على مقربة منهم.

 

واجهته ببرود عاقدة ذراعيها حول صدرها:

-ما الذي تفعله؟

رد بعصبية وهو يلقي عليها إحدى نظراته الساحرة في محاولة للتأثير عليها:

-لم أفعل شيء، أنتِ لا تعلمين ماذا فعل هو بي.

 

أجابت ببساطة وهى تلقي نظرة على عمرو:

-لقد تصرف نيابة عني، مشكورًا.

هم بالرد عليها فاقتربت لتقاطعه، ثم أشارت بيدها أمام وجهه:

-محمود، استمع إلىّ..

 

حاولت أن تستجمع شجاعتها قائلة:

-لقد فهمتك الآن جيدا، وكم كنت مخدوعة فيك، فإذا ظننت أنك بهذه الحركات الرخيصة والكلام الخاطئ الذي تقوله عني في كل مكان، سأضعف وأعود إليك، فأنت واهم.

 

أشارت حولها، وقالت في ثقة بصوت قصدت أن يكون عاليًا:

-فكل زملائنا يعلمون جيداً من هي مريم؟ يعلمون أخلاقي.

ويعلمون من أنت فلن يصدقك أحد.

 

امتقع وجهه واتسعت عيناه فشعرت بثقة مضاعفة، ثم تبادلت نظرة مع يمنى.

 

يمنى، التي لقنتها هذا الكلام بخفوت في طريقهم وصولًا للمشاجرة، شعرت بالامتنان لها متذكرة كلماتها الداعمة لها بصوت يمنى الباعث على الثقة:

-يجب أن يستمع لهذا الكلام من لسانك يامريم، أنا استطيع مواجهته بكل سهولة، لكن يجب أن يأتيه الجرح منكِ.

 

شعرت بالتحدي داخلها فاستطردت مريم وهى تواجهه في قوة وثقة:

-لكن استحلفك بالله، فلتتذكر أي ذكرى جيدة لنا معًا، فلتعد إلى حياتك وتتركني، وليكن لي خاطر عِندك حتى لا تتشوه صورتك أكثر في عيني.

 

قالتها، ثم استدارت في حزم، لتواجه يمنى المبتسمة، والتي أشارت لها بيدها لتُحيّيها على قوتها، أما مريم فشعرت بأن هناك هم قد أُزيح من على صدرها. 

بالفعل لو لم تقل له هذا الكلام الجارح لشعرت بأن قصتها معه لم تنتهِ بعد.

******************************




تعليقات