BlogLabels

القائمة الرئيسية

الصفحات









تنهيدة طويلة تمردت من ثغره عندما وقف أمام منزل عائلة والدته، فنمت ابتسامة خافتة على ثغره، مُعبرة عن حزنه الذي قمعه لسنوات وهو يقول:

" لقد مر وقت طويلاً "

 

ها هو يقف أمام المنزل الذي تتجمع به عائلته الصغيرة.

 

لطالما تجنب المواجهة ليس خوفًا إنما مبدأ يتعايش به؛ وهو التبرير ليس سوى مضيعة للوقت و الصحة

 

أفاق من شروده ثم اقترب يطرق الباب قبل أن يفتح الباب آليًا سامحا له بالدخول:

" مرحبا جدتي "

 

ابتسم بخفة يُقابل وجهها المصدوم أكثر منه متفاجئ، وهي تصرخ جاذبة إياه من أذنه:

" أيها اللعين هل تذكرت عائلتك الآن، لا أصدق تظهر بهذا الشكل بعد غياب أكثر من عشر سنوات! "

 

فقال بسخرية:

"  اذًا كنتِ تُريدين مني الظهور من الحائط أم ماذًا؟"

 

خرج أنين متألم من فمه عندما سحبته أكثر من أذنه يترجاها كي تتركه:

" أنا أيضًا اشتقتُ لكن رجاءً اتركيني الآن! فأنا بحاجة إلى هذه الأذن "

 

قهقه بخفة بعدما تركته، ثم عانقها سريعًا يعتذر عن غيابه كل هذه الفترة قائلًا:

" لقد راسلتك وأرسلت لكِ صورًا كثيرة "

 

" ههاا لا أصدق، أخبرني أين كنت تعيش و ماذا فعلت كل هذه السنوات و أنت بعيد عن المنزل"

 

" أنا بخير جدتي، أتيت لزيارتكِ هذا هو المهم"

 

" أنت لم تأتِ إلى هنا بسبب يون أليس كذلك! هل لازلت تتجنب رؤيته؟ تتهرب من كل مرة خططت بالمجيء إلى هنا "

 

أجابها يونغي بتقطع مخترعًا أي حجة يتهرب بها:

" لااا كان لدى الكثير من العمل مؤخرا و لم استطع المجيء! "

 

" يون شقيقك..يونغي تعلم انه لا يقصد أبدًا ما يقوله هو فقط يعاني من وقتٍ سيئ "

 

سخر الآخر مقاطعا حديثها:

" سأصعد إلى غرفتي الآن! "

 

اكتفى بهذا ثم صعد للأعلى..

 

دلف إلى غرفته ليسترجع الكثير من الذكريات السعيدة التي أصبحت مؤلمة بالنسبة له.

 

ألقى حقائبه بإهمال و تمدد على سريره مُغمضًا عينه متمتمًا بأن هذا مريح.

 

مرر يده على الفراش مستمرًا في الهمهمة بأنه اشتاق لهذه الغرفة، اشتاق لهذا الدفيء.

 

" ما هذا الصوت؟ "

 

هتفها متسائلًا ما هذا الصوت الفاتن بالخارج.

 

غير ملابسه ثم غادر للأسفل يتتبع الصوت.

 

وقف يستند على مقدمة الباب يستمع لصوتها مُبتسمًا بخفة.

 

توقفت سوبين سريعًا عن الغناء عندما لاحظت وجوده.

 

" لماذًا توقفتِ؟ "

 

تساءل يونغي بخفة وهو يراقب تشتت سوبيين

 

" أعتذر سيدي لم أكن أعلم بوجودك!"

 

انحنت سريعا احتراما له.

 

عقد يونغي حاجبيه ساخرًا:

" حقا! نحن في القرن الثاني و العشرون و لازال أحد يتصرف بهذه التصرفات الطفولية! اعتقدتُ أن عمل الخادمات تطور "

 

انزعجت سوبين من سخريته لتقول:

" أولاد الأغنياء لا يقومون بهذه التصرفات الطفولية و مع ذلك هم يحبوها "

 

صفق يونغي بحرارة مردفًا بهدوء:

" وااه أنتِ تُجيدين الرد؟"

 

" شكرًا لك "

 

اعتبرتها سوبين مديحًا قبل تجاوزه مغادرة المكان.

 

ابتسمت سوبين بسعادة بينما ترتدي حقيبة ظهرها:

" أنهيت كل شيء جدتي.."

 

" هل ستغادرين اليوم "

 

" أجل.. لا تقلقي سأعود غدًا"

 

ابتسمت الجدة بخفة تُمسح على خصلات شعرها قائلة بحنان:

"  لا أعلم كيف يمكنني قضاء يوم بدون اعتنائك بي؟"

 

قبل مغادرة سوبين توقفت عندما نادت الجدة على يونغي قائلة:

" يونغي.اقترب "

 

لبى يونغي نداء جدته، فسألته:

" هل تعرفت على سوبين؟ "

 

" أوه تقصدين الخادمة! "

 

قرصت الجدة ذراع يونغي مُردفة بتأنيب:

"  لسانك اللاذع لم يتغير بعد هذه السنوات؛ لازلت وقح كما كُنت"

 

رفع يونغي كتفيه بلامبالاة بعدما هز رأسه نافيًا، فأضافت الجدة:

" هذه سوبين حفيدة صديقتي و هى تعيش معي منذ وفاة عائلتها "

 

اكتفى يونغي بالهمهمة لترمقه الجدة بنظرة حادة، فسألها بدهشة:

" ماذًا؟ "

 

تنهد الآخر بانزعاج حينما قالت الجدة:

" رحب بها أيها الوقح الصغير "

 

" مرحبا أنا مين يونغي تشرفت بمعرفتكِ "

 

 قالها يونغي بملل موجها أنظاره في أرجاء المكان.

 

" كيم سوبين، أوه قبل أن أنسى.. لم أتشرف بمعرفتك سيدي الصغير "

 

قهقه يونغي بغير تصديق لقد تمت إهانته بجدارة، في حين قالت الجدة بشماتة:

 

" تستحق "

 

فبعثر يونغي خصلات شعره بانزعاج بسبب ذات اللسان الوقح.

 

***

 

وضع يونغي رأسه على قدم جدته لتداعب خصلات شعره السوداء بعد مغادرة سوبين المنزل، لفت نظرها هذا الندب على عنقه، فسالته بقلق أموي:

" ما هذا الجرح على رقبتك؟"

 

انتفض يونغي سريعًا ليعتدل في جلسته قبل أن تمد جدتها يدها لتمسه الجرح:

"لا شيء"

 

" ماذًا حدث معك يونغي؛ غادرت في عُمر العاشرة و الآن تعود رافضًا التحدث فيما حدث، ألا تعتقد أن عشر سنوات تكفي وتفيض  لصمتك هذا؟! "

 

" لا أفهم، عن ماذًا تتحدثين؟ "

 

" أعلم أنك بقيت مع جونغ إلى هذا اليوم، وأنك لم تغادر كما أخبرتنا. "

 

نظر لها يونغي بصدمة وهو يهتف بصوتٍ خافت يكاد لا يُسمع:

" كيف؟ "

 

" لقد هاتفني و أخبرني أنك تعيش معه، لكن لا أفهم لماذًا رفضت رؤيتنا عندما ذهبنا لإحضارك؟ "

 

أخفض بصره يفرك يديه ببعضها راسمًا ملأمح جأمدة على وجهه:

" لم أستطع مواجهتكم "

 

" لماذا؟"

 

" جدتي رجاءً لا أريد التحدث عن هذا "

 

هيم الصمت في المكان للحظات، قبل أن تقطعه جدته متسائلة:

" هل ستعود إليه هذه المرة أم ستبقى معنا "

 

تمهل يونغي قليلًا قبل أن يجيبها:

" ليس أي منهما...سأذهب إلى شقتي الخاصة بعد تجهيزها "

 

" تريد البقاء بمفردك و أنا على قيد الحياة؟! "

 

قبل أن يُجيب يونغي، اقتحم المنزل جين ابن أخيه مع والدته صائحًا بشوق وحناس طفولي:

" يونغي! "

 

نطقها جين صاحب العشر سنوات بصراخ ثم ركض تجاه يونغي الذي اعتدل في جلسته ليفتح يده سريعًا حتى يلتقط الصغير في أحضانه.

 

" لقد ازداد طولك جينو "

 

نطقها يونغي ضاحكًا قبل أن يعيد جين إلى الأرض.

 

" مرحبا بعودتك أيها الوقح الصغير "

 

على الرغم من رفض يون شقيق يونغي ان يكون للأخير علاقة بعائلته لكن هيرا زوجته و جين كانوا دائمًا يرون يونغي دون ان يعرف يون بتقاربهم الشديد هذا.

 

" ههه شكرا لكِ زوجة أخي العزيزة"

 

قالها يونغي بخفوت بعدما فَصل عناقهم.

 

***

 

اجتمعت العائلة على الطاولة لتناول العشاء لأول مرة منذ سنوات.

 

جلس يونغي وعلى قدمه جين ليداعبه عمه فيصير طعامه أكثر لذة.

 

" جين فلتترك يونغي يرتاح قليلا أنت ترهقه"

 

أوقف يونغي هيرا قبل أن تُكِمل قائلًا:

" لا بأس فأنا حقًا اشتقت للعب معه! "

 

لم تمر سوى دقائق حتى وصل يون للمنزل.

 

اختفت ابتسامته تدريجيًا حينما لمح هيئة شخص يعرفها جيدا يجلس على الطاولة يلقى نكاته السخيفة على الجميع.

 

" جين! تعال إلى هنا على الفور "

 

نطقها يون بغلظة عندما رآه يجلس على أقدام يونغي، فالتفت إليه جين باستجداء قائلًا:

" لقد عاد عمي يونغي اليوم! "

 

لم يكد الصغير ينهي حديثه حتى صرخ يون عليه مرة أخرى ناهرًا إياه.

 

نهض الجميع من أماكنهم، وسارعت هيرا لتهدئته بخفوت قائلة:

" يون اهدأ قليلا "

 

أمرها بحدة لتنفذ كلماته على الفور:

" خذي جين إلى غرفته الآن! "

 

حملت الصغير بين يدها الذي يصرخ بأنه يود البقاء مع يونغي.

 

" لماذا عُدت إلى هنا بعد هذه السنوات مين يونغي؟"

 

أردف يون بحدة ليقابل ابتسامة أخيه الذي قال ببساطة:

" أنا أيضًا اشتقتُ لك.. "

فصرخ يون بكلماته الغاضبة حتى برزت عروقه:

" هل عُدت الآن لتقتل ما تبقى من عائلتي؟ "

 

" يون.. هذا يكفي! "

 

نطقتها الجدة بإنفعال، بينما اكتفى يونغي بالقهقة واضعًا يده على معدته بعدما مسح دموعه الوهمية، ثم إعتدل في وقفته قائلًا بتؤدة:

" ألم تقل هذا! "

 

تساءل يون بجهل:

"ماذا؟"

 

فأجابه يونغي بإستفزاز:

" ألم تقل أنني جئت لقتل ما تبقى من عائلتك؟ أنت مُحِق!"

 

هرع يون مدفوعًا بغضبه للكم يونغي وهو يصيح:

"أيها الوغد المجنون!"

 

وقفت الجدة حائلًا بينهما، فعض يون شفته بغضب، قبل ان يقول مستنكرًا:

 

" جدتي لماذا تُدافعين عن هذا اللعين، إنه مجرد قاتل، وغد، مجنون يمكنه إيذاء الجميع، هو مجرد لعنة مُتحركة على الأرض! إنه حتى لا يجرؤ على تبرير جريمته الخرقاء! "

 

" هااا، أنت مُحق "

 

هذا أكثر ما يقود يون للجنون، تصرف يونغي ببرود دائمًا ما يزعجه.

 

فتوسلت الجدة يون:

" يون رجاءً اهدأ قليلًا؛ ما تفعله خطأ "

 

" تعلمين أنني لم افعل له شيء لأنك تمنعيني في كل مرة، هذا ليس عدلًا؛ يجب أن يتعفن هذا الحقير في السجن "

 

مسح يون وجهه بنفاد صبر مُردفًا بنبرة قريبة للأمر:

" جدتي عندما أستيقظ لا أريد رؤيته في المنزل."

 

ثم تابع طريقه للأعلى.

 

" هذا منزلي أيضًا! "

 

توقف مكانه عندما نطق يونغي، فقال بإنفعال مستنكرًا:

" عن أي منزل تتحدث! عن منزل المرأة التي قتلتها، عن منزل العائلة الذي قمت بتشويه سمعتها بسبب جنونك! و تصرفاتك؟! "

 

وضع يونغي يديه في جيبه مُبتسما بمُزاح:

" لقد نسيت شيئًا "

 

ثم أضاف باستفزاز متزايد:

" ههه أنت محق لقد هربت و مع ذلك لم تستطع أن تُثبت التهمة لي، هل تعلم لماذا؟ لأنك جبان و غبى."

 

بعدما انتهى انفجر ضاحكا أمأم الآخر الذي لم يتحمل؛ فتخطى جدته مقتربًا من يونغي، ثم أمسكه من تلابيبه قبل أن يلكمه مُخرجاً جل غضبه به.

 

" يون! توقف رجاءً هذا يكفي "

 

نطقتها الجدة بصراخ تحاول ابعاده عن يونغي بعدما أسقطه أرضًا و صار يعتليه ليكيل له اللكمات الغاشمة.

 

أسرع خادمين في إبعاد جسد يون عن يونغي الذي لازال مستمرً في ضحكه.

 

" أُقسم أن أقتلك مين يونغي! "

 

رددها يون عديد المرات قبل أن تسحبه هيرا للأعلى.

 

جلس يونغي القرفصاء وهو يمسح خيط الدماء المنساب من فمه قائلًا بعبوس:

"  يبدو أنه كان يتدرب الفترة الأخيرة "

 

انحنت الجدة إليه مكتفية بنظرات متحسرة على حال ذاك الشاب أمامها.

 

رفعت يدها تربت على رأسه بإشفاق:

" لابأس يونغي، هل أنتَ بخير؟ تؤلمك! حقا يون لا يقصد أذيتك أنت فقط لم تحاول ولا تُحاول تبرير أى شيء!"

 

ربما كانت هذه الكلمات هي التي أراد أن يسمعها يومًا، فهز رأسه سريعا ينفي هذا:

"  لا يؤلم...أنا بخير أيضًا هو محق بكل كلمة قالها "

 

انخفضت نبرة صوته المازحة في نهاية حديثه

 

أعاد رسم ابتسامة سريعة ثم نهض يُعدل من هندامه قائلًا:

" سأصعد الآن لأرتاح"

 

" دعني اُعالج جروحك على الأقل! "

قالتها الجدة بيأس لعلمها جوابه القاطع.

 

" حقًا هذا لا شيء أنا بخير "

 

ثم طبع قُبلة صغيرة على جبين جدته قبل أن يصعد للطابق الثان.

 

أغلق الباب وراءه جيدًا بالمفتاح، ثم وقف أمام مرآته يراقب وجهه مُبتسما وهو يتمتم:

" أعتذر"

 

مثل كل يوم يعتذر لنفسه التي ماتت بسبب إهانة الجميع لها

 

يعتذر على كبحها كل هذه السنوات دون محاولة منه في التخفيف عن نفسه غير الضحك أمام المرآة و كأن شيئا لم يحدث.

 

ربما البعض يعتقده جنونًا لكن على الأقل هذا تكريما لروحٍ اتهمها البعض بأبشع الاتهامات.

 

غسل وجهه ثم بدأ في وضع لاصقات طبية على جروح وجهه.

 

اعتاد على جعل آلامه و آلام الآخرين مجرد مُزحات تجعله يبتسم ألمًا بينما الآخرون يستشيطون غضبًا.

 

***




#تحرير_محمد_بهاء_الدين

تعليقات