(((لقراءة الفصول السابقة اضغط هنا)))
الفصل
الثالث: صندوق الذكريات
جلستا
الصديقتان كعادتهم في غرفة مريم، استغرقهم الحديث عن الموقف الأخير قرابة الساعة
حتى صاحت مريم فجأة:
-والآن، كفانا حديث عن هذا "المحمود"، لقد
سئمت وجوده في حياتي أو سيرته.
قامت
تنتقي إحدى شرائط الكاسيت لتضعه، ثم تابعت الحديث مع يمنى التي أجابت:
-فقط
كنّا نُحلل الموضوع كعادتنا.
صمتا
قليلًا، يستمعان إلى صوت مطربهم المفضل _عمرو الدياب_
" ونندم على العشرة الغالية ونرضى بالمقسوم
والله و آدي حال الدنيا بتفرق في القلوب"
قالت
يمنى في بطء:
-ماذا
عن إحساسك؟ هل تشعرين بالوجع؟ فأنا أتخيل أنه من السهل تقبل الجرح عندما تتحول قصة
الحب إلى مأساة .
شردت
مريم كثيرًا، قبل أن تجيب بحزن:
-نعم...أشعر
بوجع، لكن لا أفتقده هو، أتعلمين ما هو أصعب شيء؟
نظرت
لها يمنى بتساؤل؛ فاستطردت:
-الذكريات، حقيقة أن كل مكان يُذكرّني به، بأحلامي معه.
عشت معه دنيا جميلة كنت أعشق تفاصيلها
بحق.
بادلتها
يمنى نظرة حائرة ثم قالت:
-في رأيي، أنتِ أحببت الحب نفسه، وليس الشخص، لأنك لا تذكرينه هو بل تذكرين كل حلم صنعه عقلك بصورته، فحنينك إلى دنياكم التي صنعتيها أنتِ بخيالك.
لكن هو؟
أشارت
بشفتيها امتعاضًا:
-مجرد
أداة.
صمتت
قليلًا أمام لمعة عين صديقتها، ثم استطردت في اهتمام كأنها تُحدث نفسها:
-لماذا
نُعطي أنفسنا الحق بأن نحلم مع أيٍ من كان لمجرد اعتقاد أنه سيصبح من نصيبنا؟
مسحت
مريم دمعة كادت أن تسقط من عينيها، ثم نظرت لصديقتها وحاولت الابتسام:
-كفانا
حديثًا عني أيضًا، ماذا عنكِ؟
ربتت
على كتف صديقتها وقالت بتفاؤل:
-ما أخبارك؟ أيتها الفتاة الواقعية البعيدة عن الأحلام.
ابتسمت
يمنى قائلة:
-ماذا
تُعنين؟
ردت
سريعًا:
-ما هي أحلامك في الارتباط؟ فأنا جربت حظي، فلتكونِ انتِ التالية.
نظرت
لها يمنى باستنكار:
-لا
.....أشكركِ، الله الغني.
وضعت
مريم يدها على فمها:
-أوه، هل تسببت في تكوين عقدة ما لكِ؟
ابتسمت
يمنى ونظرت حولها في حيرة، ثم هزت رأسها:
-لا، لستِ وحدك، أنظري حولنا مَن سعيد في حياته العاطفية، أو في زواجه، فقدّ تساوى من تزوج بمن يحب، بمن تزوج من اختاره بعقله.
فما الذي سيبهرني في قصة الحب إذا كانت
النهاية دومًا غير سعيدة؟
ألقت
عليها مريم نظرة لوم، ثم صاحت:
-يمنى، بالله عليكِ لا ينقصني التعقيد، فأنا من مررت بقصة حب فاشلة، ليس أنتِ.
ضحكت
يمنى، ثم قالت:
-إذاً
يكفي حديث عن المستقبل أيضًا.
صاحت
مريم بتشاؤم:
-كل أحاديثنا تنساق إلى الحزن، اختاري موضوع مبهج.
صمتت
يمنى قليلًا، ثم تساءلت:
-ما
أخبار رسوماتك؟ منذ فترة لم أسمع عن رسمة جديدة.
شعرت
مريم بالحنين، كأنها تذكرت شيء كانت تحبه وتوقفت عن ممارسته من فترة:
-ياااه،
فعلًا لم أرسم شيئًا جديدًا منذ فترة.
نظرت
لها يمنى باستغراب:
-لماذا؟
هل فقدتِ الأمل؟
قالت
مريم بلهجة لا تخلو من الحزن:
-لا الحلم مازال بداخلي.
تذكرت خيبة أمل شعرت بها منذ سنين، مستطردة:
-رغم
فشلي في اختبار التقديم وإضطراري إلى دخول كلية لا أحبها.
وضعت
يمنى رأسها على صدغها:
-آخ، لا يوجد فائدة كل المواضيع تُرشدنا إلى اليأس.
ثم
برقت عيناها عندما تذكرت شيئًا:
-هل
تتذكرين الصورة التي قمتِ برسمها لفتى أحلامك؟
ضيقت
مريم عيناها، محاولة أن تتذكر، فاستطردت يمنى محاولة مساعدتها كي تتذكر:
-الصورة،
كنا في المرحلة المتوسطة تقريبًا.
شردت
قليلًا محاولة تذكيرها:
-كانت ملامحه حقيقية لدرجة إننا تخيلنا إنها صورة لأحد الجيران.
صاحت
مريم فجأة:
-أجل
تذكرت تذكرت.
قامت
من مكانها فجأة لتخرج من الغرفة وغابت لدقائق، ثم عادت تحمل صندوق بني اللون، ما أن
رأته يمنى حتى صاحت مع مريم في ذات الوقت:
-صندوق
الذكريات.
**************************
شعرت
كلتاهما بالحماس، كأن الذكريات المنقضية الجميلة غلفت المكان فجأة. فتحته مريم
وهى
تنظر لصديقتها في لهفة، فإذا به مليء بالصور وبعض التذكارات المختلفة، أخرجت مريم
أول
صورة لطفلتين:
-آه
هل تذكرين؟
خطفت
منها يمنى الصورة، تتأملها ثم ابتسمت:
-كرة
أيمن، عندما أخذناها دون إذن، ولعبنا بها ثم طارت منّا فوق الشجرة.
ضحكت
مريم وهى تقول مستطردة:
-نعم،
وقتها شعرتِ أنتِ بالمسئولية، وتسلقتِ الشجرة كالقطة، وجرحت في رُكبتك، ولم تستطيعي
الوصول إليها.
وضعت يمنى يدها على وجهها متذكرة، وابتسمت ثم أخرجت الصورة التالية.
كانت
بها إحداهما في سن المراهقة:
-هل
تذكرين هذه الصورة؟
أخذت
منها مريم الصورة، لتتأملها وهزت رأسها نافية، فاستطردت يمنى:
-كنتِ
تنظرين لابن الجيران -تمارسين دور الحبيبة كعادتك-
غمزت
بعيناها في خبث وهي تقول:
-أمجد!
تذكرت
مريم وقالت ضاحكة:
-نعم...تذكرت
عندما لَمحتني ليلى الخبيثة، فقامت بتصويرنا من الطابق العلوي لتفضحني.
عقدت
يمنى ذراعيها متسائلة:
-نعم...ولكن هل تتذكرين من استطاع أن يحضر الصورة منها ولقنّها درسًا لم تنساه.
تذكرت
مريم فابتسمت وقالت لصديقتها:
-أشهد
لكِ، كنتِ دوما حامية مغامراتي.
أخرجت
يمنى صورة لثلاثة أطفال بملابس المدرسة:
-وهذه الصورة، أتذكرين؟
ضحكت
مريم، وقالت في سعادة:
-أذكر
هذه، كُنا في المرحلة الإبتدائية، عندما اقتحم عمرو الصورة ليظهر فيها ويفرض نفسه
علينا.
قالت
يمنى بغرور:
-نعم كانت أول مرة نراه في حياتنا، كان يمارس هوايته في إيقاع البنات منذ نشأته.
هزت
مريم رأسها وعيناها لامعة من أثر الذكريات:
-نعم...منذ تلك اللحظة نجح في فرض نفسه علينا.
بادلتها
يمنى الابتسامة وهى تتذكر دفاعه الدائم عنهم :
-حتى الآن، وإلى الأبد.
ضحكتا
الفتاتان وانتقلت عيناهم إلى صورة أخرى، فقطبت مريم جبينها محاولة أن تتذكر قائلة:
-ما
هذه الصورة؟ إلي أين كنا ننظر بعيدًا عن الكاميرا؟
قالتها وهي تتأمل مظهرهم الذي بدا مختلفًا حيث ظهرت مريم بشعر أقصر ويمنى أكثر نحولًا،
برقت
عين يمنى وهى تسألها في استنكار:
-حقا لا تذكرين؟! إنها رحلة الإسكندرية.
قاطعتها
بهمهة تَذكُر:
-آآه،
تذكرت.
قالت
يمنى ضاحكة:
-نعم....حينها وقفنا لنتصور ثم لفت أنظارنا شاب جميل لم أرى في حياتي مثل جماله، فالتفتنا جميعًا إليه وتركنا الكاميرا والمصور.
استطردت
مريم وهى تضحك بصوت مرتفع:
-نعم....أذكر
أننا ضحكنا كثيرًا، حينما رأينا الصورة لأول مرة.
ضحكتا
الفتاتان كعادتهم، ثم استخرجت يمنى إحدى الصور وقطبت جبينها:
-ما هذا؟...أليست هذه أمل؟
تنهدت
مريم حينما تذكرت:
-هل
تذكرين؟....إنها أكثر فتاة حاولت التفريق بيننا.
صاحت
يمنى في ضيق:
-وما الداعي للاحتفاظ بها؟
ردت
مريم سريعًا:
-من
أجل لحظة كهذه، كي نتذكر أننا انتصرنا عليها، وأن كل محاولاتها باءت بالفشل.
استكملت
يمنى الحديث:
-نعم....وابتعدنا
عنها، فلتتخلصي من هذه الصورة أرجوكِ.
ابتسمت
مريم، وأزاحت الصورة جانبًا، ثم خفق قلبها فجأة عند رؤيته،وتبادلت النظرات مع
يمنى، وهي تخرج صورة أحلامها.
ابتسمت
يمنى وهى تتأمل ملامح الشاب المرسوم من خيال صديقتها، ثم قالت:
-كيف؟!
نظرت
لها مريم وأعادت النظر إلى الصورة، فاستطردت يمنى:
-كيف استطعتِ تخيل شخص ليصير حقيقيًا مثل هذا؟
هزت
مريم كتفها في استهزاء:
-لا
إنه من وحي خيالي، لا أعلم فقط تخيلت ملامح معينة ورسمتها، آه كم افتقد الرسم.
شعرت مريم بالحنين إلى رسمها، وإلى دنيتها التي افتقدتها منذ دخول محمود فيها. فحياتها معه كانت فارغة تقريبًا إلا من أحلامها معه،
شعرت وقتها بالحنين إلى نفسها. إلى ملامح تاهت منها في متاهة الحب.
انشغلت عنها بخلافاتها مع محمود، تلك الخلافات التي كانت توهم نفسها بأنها تساعدها على معرفة شخصيته والتأقلم عليها.
هنا شعرت إنها اكتسبت عادات التحليل
العقلي من صديقتها، خاصة عندما طرحت عليها يمني سؤال توصّل عقلها إليه قبل أن يسمعه
منها:
"هل
تخلى محمود أيضًا عن أحلامه في محاولة لفهم شخصيتها أكثر كما فعلت هي؟"
*******************
في
مقهى الجامعة جلست يمنى مع عمرو، لاحظت ملامح عمرو الصافية كأنه يحكي في موضوع مُحبب،
وقد تحدث قائلًا:
-وما
أن سرحت في عينيها الصافيتين، واحتوت يدي يداها في حنان، كادت أن تنطق اخيرًا
لتقولها.
توقف
عن الحديث، مُتأملًا ملامح يمنى وقد أثار انتباهها، فاستطرد وهو يفرقع بأصابعه
صائحًا:
-وفجأة،
ظهر آخر شخص توقعت رؤيته في هذه اللحظة.
قاطعته
يمنى ببساطة:
-نورة.
نظر
لها مندهشًا:
-ماذا؟
كيف عرفتِ؟ هل كنتِ هُناك؟
هزت
كتفيها في عدم اكتراث، ثم قالت مبتسمة:
-كما
تنتهي كل حكاياتك دومًا، نورة تتبعتني، نورة أفسدت أُمسيتي، نورة اتصلت بوالدتي و فضحتني.
نظرت
له في سأم، واحتست رشفة من بديل القهوة:
-نورة
نورة نورة، كل البنات صديقاتك نهايتهن على يدها، كلهن يغادرنك إلا هي.
بادلها
نظرة حزن، ثم قال بقلة حيلة:
-وهل
يغادرن دون سبب؟.. هي السبب في إفساد مغامراتي العاطفية.
ابتسمت
في تهكم، وقالت:
-ليس حقيقي، السبب أنه لا يوجد أي فتاة يمكنها أن تثق بك.
ألقت
نظرة ساخرة ورفعت أحد حاجبيها:
-يا
متعدد العلاقات، لكن نورة.....
صمتت
قليلا وانقلب وجهها مكفهرًا:
-بالها طويل، ولديها صبر الجبال، أتعلم؟
صمتت
قليلًا، ثم استطردت:
-لا
يوجدأي سبب آخر سوى أنها تعشقك ياصديقي.
نظر
أمامه وقال بفخر:
-أنا أجده سبب كافي.
ردت
بسرعة:
-لا
أتفق.
نظرت
أمامها مستطردة في تركيز:
-أن تتخلى عن كرامتها وتظل بجوارِك لسنين، وأنت غير مكترث لمشاعرها.
فهذه تضحية لدرجة
كبيرة.
نظرت
له فوجدته غير مبالي فاستطردت:
-أتعلم أنني أشعر دومًا، بأنك ستُنهى كل علاقاتك العاطفية، على يدها.
وينتهي بك الأمر
معها.
اندهشت
ملامحه وهو ينظر لها، ثم صاح:
-ماذا؟! لا لا ليست لهذه الدرجة، فإن كانت تعشقني فهذا أمرها وحدها.
أما أنا فلا أبادلها
نفس الشعور إطلاقا.
نظرت
له يمنى، ورفعت إحدى حاجبيها متسائلة:
-إذن من تحب ياعمرو؟
نظر
لها في خبث؛ فاستطردت:
-أخبرني، فنحن دومًا نتساءل عن خططنا المستقبلية أنا ومريم.
فماذا عنك؟ بماذا تحلم؟
صمت
عمرو، وبدا لها أنه يفكر بعمق، ثم أجاب:
-لم أجد فتاة بها كل ما يعجبني؛ فصديقاتي البنات تكملن بعضهن البعض.
نظر
حوله في غرور، ثم استطرد:
-لا
توجد فتاة مميزة بالنسبة لي، لتجعلني أكتفي بها.
فكرت
يمنى قليلاً، ثم قالت:
-إذن من الواضح أنك لم تُغرم بعد.
قال
في بساطة:
-أنا
مكتفي بمن عرفتهن، فالحب مسئولية لن أتحملها، ربما أيضًا لا أرغبها.
صمتا
قليلاً، ثم عادت لتقول:
-إذن لماذا لا تفتح قلبك لنورة، فربما
قاطعها:
-عيب
نورة الوحيد، إنها ليست هي، لم تستطع أن تمِس قلبي.
ثم
عاد ليؤكد:
-ولكني لا أنكر أهميتها في حياتي، تعتبر نورة أهم صديقة لي، بدونها أشعر بحياتي غير مُنظمة وينقصها الكثير.
ثم
أشار بيده مستطردًا:
-نورة
تُمثل مدير أعمالي، الذي بغيابه يتعطل العمل ولا يسير.
ابتسمت
يمنى قائلة في شفقة:
-إذن هي حب، ولكن من نوعٍ آخر.
نظرت
له وقالت في خبث:
-حب
مصلحة.
حملت
كُتبها وقامت، فقام هو الآخر وسارا معًا، ثم التفتت إليه تسأله في اهتمام:
-وماذا
عنّا؟!
نظر
لها في تساؤل، فاستطردت:
-أنا
ومريم، ماهو أهميتنا في حياتك؟
توقف
عن السير ونظر لها، ثم قال بصدق:
-لا أنتن غير الأخريات، فأنتِ ومريم، إخوتي الأعزاء.
لا يمكن مقارنتكن بأي واحدة، مهما كان قدرها في قلبي.
ثم
نظر لها واستطرد:
-وستظلوا
هكذا للأبد.
سارا
معًا، فى طريقهم إلى مبني المحاضرات، سأل عمرو في اهتمام:
-أين مريم؟ لماذا لم تأتي؟
شردت
بعيدًا بعينيها، ثم قالت في هَم:
-بعد
أن أقنعتها تعود لتحضر دون خوف، ظهر محمود ليُبدد كل محاولاتي مرة أخرى بالفشل.
نظر
لها بدهشة، وتساءل:
-إذن هي مكتئبة.....عازفة عن الحياة الآن؟
نظرت
له وحركت رأسها نافية:
-ليس بالظبط، ولكنها عازفة عن الخروج لأى سبب، مزاجها جيد في منزلها داخل حجرتها، ولكن حينما تخرج لأى مكان، يتجهم وجهها وتشعر بالخوف.
وصلا
إلى مبنى المحاضرات؛ فتوقفت قبل الدخول تسأله في حيرة: ماذا تفعل لو كنت مكاني؟ كيف أقنعها أن تثق فيمن حولها مرة أخرى وألا تخاف.
صمت
قليلاً مفكرًا، ثم قال:
-لا
أعلم، ولكن أنتن البنات لكن ألف طريقة للإقناع، وأنتِ إليها أقرب، فكري ما الذي
يمكن أن يُغير مزاجها ويعيد ثقتها في نفسها مرة اخرى؟
قالها
وسبقها إلى الداخل، فكرت يمنى قليلًا في حيرة، ثم لمعت عيناها فجأه بالفكرة.
***********************************
دخلت
مريم المركز التجاري الذي اعتادت ارتياده مع يمنى بملامح متجهمة، نظرت لصديقتها في
استياء قائلة: -لكني لا أرغب في التسوق اليوم.
نظرت
لها يمنى في خُبث:
-أنا لم أتِ بكِ هنا لنقوم بالتسوق فقط.
هزت
مريم كتفها في برود:
-لم
أرغب في الخروجمن الأساس.
سارعت
يمنى الخطى في اتجاه محل بعينه، وما آن وصلت إليه حتى نظرت إلي صديقتها، صائحة:
-نعم..هذا
هو
أشارت
إلى طقم بعينه وهى تعاود النظر إلى صديقتها واستطردت:
-أنظري.....كما
تخيلته بالظبط.
نظرت
مريم إلى الطقم، فوجدت كنزة سوداء مصنوعة من الجلد بكم طويل وصَدر مفتوح قليلًا،
وجيب مصنوعة من قماش النمر البني والأسود، تصل إلى تحت الركبة بقليل وواسعة، نظرت
مريم إلى الطقم وبدا إعجابها به بيّن، لكنها أدارت وجهها:
-ما
هذا؟ انه يبعُد تمامًا عن أسلوب ملابسي.
نظرت
يمنى إليه ثم نقلت بصرها لصديقتها:
-وهو المطلوب بالظبط.
دفعتها
لتدخل إلى المحل أمامها، فقالت مريم:
-يمنى،
ما الذي يدور برأسك، هل تمارسين هوايتك المفضلة في اختيار الأزياء وتصميمها علىّ،
وما ذنبي أنا؟
وقفت
يمنى واضعة يدها حول وسطها، قائلة بلهجة استعراضية:
-أظن لكِ الشرف، إني عينت نفسي، خبيرة تجميل ومنسقة أزياء لعمل..
ثم
لمعت عيناها، مبتسمة وهى تقول:
-طلة
جديدة(نيو لوك) لصديقتي العزيزة.
نظرت
لها مريم طويلًا، وبدا لوهلة أنها استساغت الفكرة، عندما ظهر شبح ابتسامة خفيفة
على وجهها، نجحت هيأن تخفيها بسرعة، قائلة بلهجة مصطنعة:
-وما الفائدة من ذلك؟
تنهدت
يمنى قبل أن تجيب:
-لن
أُخبرك الآن.
دفعتها مرة أخرى إلى داخل المحل، لم تجد مماطلة منها هذه المرة، وما هى إلا دقائق معدودة حتى ارتدت الطقم المختار.
فما آن رأتها يمنى حتى أطلقت بفمها صوت يدل على انبهارها،
ثم أشارت إلى مرآة قريبة لتوجه صديقتها إليها، اقتربت مريم في قلق لتنظر إلى نفسها
في المرآة، لم تغفل يمنى بريق عين صديقتها الذي عَبَر بوضوح عن إعجابها بما تراه،
فصاحت في ثقة: حمدًا لله، لم أفقد موهبتي بعد.
نظرت
لها مريم وضيقت عيناها:
-يمنى، ماذا تنوين يا مصممة الأزياء العالمية، هلا تخبريني الآن.
اقتربت
يمنى من صديقتها لتجعلها تنظر لنفسها مرة أخرى، ثم قالت ببطء:
-أنوى
تغيير هيئتك لُأظهر جمال وجهك أكثر.
أشارت
إلى عينيها:
-وإلى بريق عيناكِ، سأجعلك تشعرين بأن داخلك شخص مختلف، غير مريم العاطفية الضعيفة، بل...
أشارت
إلى انعكاسها في المرآة، مستطردة:
-ستتحولين
وليس من الخارج فقط.
نظرت
لها مريم بتساؤل، فاستطردت وقد التقت أعيُنهن في صورتهن المنعكسة:
-عندما تعود لكِ الثقة بنفسك، ستشعرين داخلك بالقوة، لن تخافي محمود أو غيره.....
فنحن في حاجةإلى
حب أنفُسنا بالفعل.
تحركت إلى رف الملابس لتنتقي لها ملابس أخرى، قضوا قرابة الساعتين في المحل المفضل ليمنى، ثم خرجا وقد تبدل حال مريم إلى النقيض.
ملأت الضحكة وجهها بالفعل، حتى شعرت يمنى أنها بدأت تستعيد صديقتها المرحة.
فعلى الرغم من عدم استجابتها لها في
بادئ الأمر، لكنها تمكنت في النهاية من تحقيق هدفها وتبديل حالتها النفسية إلى النقيض.
توقفت
عند المطعم المفضل عند صديقتها:
-والآن،
وبعد أن قضينا كل هذا الوقت في تجهيزك، هذا أقل واجب.
قالتها
وأشارت إلى المطعم، فقالت مريم في حرج:
-فكرة
جيدة، ولكن لماذا لا نأكل في منزلي، تعلمين والدتي طباخة ماهرة وقد اشتقت إلى...
قاطعتها
يمنى ضاحكة:
-أعلم.
أشارت
إلى صدرها:
-لقد
قضيت على مصروف الشهور القادمة مجتمعة، لا تقلقي العزومة علىّ.
ابتسمت
مريم، قائلة وقد شعرت بالجوع فجأة:
-هذا رائع، أنتِ أفضل صديقة بحق.
ثم
تحركت سريعًا لتدخل المطعم، فتبعتها يمنى مازحة:
-كان
من السهل إقناعك، وطعام والدتك؟!
أشارت
لها مريم بجدية:
-بالله عليكِ، لا يوجد أفضل من الطعام هنا
توجهت بالفعل إلى الداخل وغابت الصديقتان قرابة الساعة، ثم خرجت يمنى أولًا، قائلة لصديقتها في دهشة:
-من
ينظر إلى جسدك النحيل، لا يصدق كمية الطعام التى تأكلينها في الوجبة الواحدة، أين
تخفين كل هذا؟ ماذا كنتِ ستأكلين لو لم تكوني مكتئبة؟
ضحكت
مريم:
-وما علاقة الاكتئاب بالطعام، الطعام أحلى ما في الحياة، لا انتظري، الحب يأتي اولًا.
ضحكت الصديقتان، وسارا معاً.
حتى وصلا إلى نقطة، بدا أن اتجاهاتهم اختلفت فيها؛ فصاحت
مريم:
-إلى
أين؟ ألن نرحل بعد؟
هزت
يمنى رأسها نافية وهى توجه صديقتها إلى جهة بعينها قائلة:
-ليس بعد، تبقى شيء واحد فقط.
نظرت لها مريم بعينين متسائلتين، فأشارت يمنى إلى صالون تجميل من بعيد.
وهي تقول:
-هل
تعلمين، أن وجهك يبدو أجمل في الشعر القصير.
نظرت
مريم إلى الصالون، وشعرت بسعادة خاصة عندما استطردت يمنى:
-لاحظت ذلك من صورنا القديمة.
لمعت
عين مريم وقد أُعجبت بالفكرة، ثم تبادلت نظرة امتنان مع صديقتها، واستجابت لاقتراحها
في سعادة.
عندما خرجا من المركز التجاري وقبل أن تبدأ يمنى في تنفيذ خطتها بالفعل، راود مريم شعور حقيقي بأنها أصبحت مختلفة تماما.
فعلى
ما يبدو أن صديقتها ستنجح في تغيير شكلها، ولكن هل سيصبح ذلك كافيًا لتَغيُّر
شخصها من الداخل؟
تعليقات
إرسال تعليق
شاركنا رأيك في هذه التجربة