BlogLabels

القائمة الرئيسية

الصفحات

زيارة إلى وادي الغيلان- الفصل الأول (محمد بهاء الدين)

 





(((الفصل الثاني، اضغط هنا)))


سيرة ذاتية


أنا يوسف نور الدين؛ عجوز لكن لا أعلم كم بلغت من العمر بالضبط.

 

تساقطت شعراتي وما تبقى منها إلتهمه الشيب لكن لا أدري أيضاً كم عشت من السنوات.

 

فلعنتي هي التيه في الزمان و المكان و التنقل بين الأشخاص.

 

فلست بالذئب المتوحد بل لي علاقات و أبناء لكن لا أعلم عنهم شيء؛ فلعنتي تأسرني و تحرمني من أي شيء.....

 

لكن رغم مرارة الأمر فقد صار لدي وقتٌ كافٍ لأبعثر في صندوق ذكرياتي العتيق لأقص لكم بعضاً من شبابي الطائش.

 

فأنا شخص خُلق من طينة الفضول فلا أرى بابًا مزدان بالتحذيرات إلا طرقته.

 

كسول كدُب الباندا فيكفيني كوب القهوة و الجلوس في الشرفة و تأمل الأمطار حتى تكف.

 

أو إحتضان أمواج البحر بمقلتي دون كلل لساعات قد تصل إلى يومٍ كامل فأنا أُفضل الابحار في الخيال و الغوص في أعماقه عن التعامل مع هذه البشرية الخرقاء التي أنا منها للأسف....

 

لا أدري من أين أقص لكم مشاكلي مع البشرية بالضبط؛ فقد رُفضت في عديد الوظائف و رُكلت من باب الشركات كجروٍ أجرب بسبب لساني اللاذع.....

 

لكن هذه هي طبيعتي على أي حال، لا أستطيع أن أظل في وظيفة واحدة لأكثر من أشهرٍ قليلة.

 

ولا أستطيع أن أمكث في مكانٍ واحد لأكثر من أيامٍ معدودة، يُمكنك أن تقول أن روحي كطائرٍ مهاجر نبذه سربه ليتيه في السماء بلا توقف.....

 

على أي حال فلتُحضر كوب القهوة ولتُقلّب هذه الصفحات لتستمتع معي، ولتعش كل لحظة فحتماً ستجد نفسك بين هاته الأسطر المليحة....

***

 

هذه الأحداث على ذمة عقلي الواهن؛ فقد وقعت حينما كنت في الجامعة.....

 

فتاً أهوج طائش لا يعلم عن صعوبة الحياة شيء سوى الصفحات الكثيفة التي قررها عليهم أستاذهم الجامعي.

 

فتحلى الفتى بالشجاعة و نهض بجسارة ليعترض على هذا الكم، فرمقه الاستاذ مستهزءاً بلسان حال يقول:

-حقاً، أأنت جيفارا الخاص بهذه الدفعة، فلأكن أنا الطاغية إذاً.

 

ثم قرر عليهم ضعف عدد الصفحات، فنعته رفاقه بنظرات الويل و الوعيد، فأطرق الفتى الطائش رأسه و إبتلع لسانه و أدرك أنه سيلعب دور الفتى المنبوذ هذا العام.....

 

هذا أنا بإختصار، لكن لأصدقك القول فلم أكن وحيداً تماماً بل كان لدي صديق به من الطيبة و السذاجة ما تجعله يرافق ضفدع الدفعة.

 

مسعود، هذا الفتى ذو الوجه الأبيض و الشارب الخفيف كأنه لازال في طور النمو، و الشعر الناعم المسترسل الذي حسدته خصلاتي المجعدة كلما داعبته الرياح أمامها فإزدادت ثورة و صارت كالإبر.

 

بإختصار كان مسعود شاباً وسيما قادماً من الريف، جعلته بساطته ينبهر بي حينما أخبرته ذات يوم بأسماء المواد المقررة علينا، فترقرقت عيناه بدمع الشدوه وتعلق بي طوال عامي الدراسي الأول.

 

ماذا حدث لعلاقتنا بعدها؟

 

ستعلم في نهاية هذه الأسطر.....

 

كانت بداية الصداقة بيننا فاترة، فهو الشاب المتحمس الذي يريد إستكشاف القاهرة وأنا أكسل من أن أمارس دور المرشد السياحي.

 

فكل ما كنت أفعله هو الجلوس في مقهى الجامعة أُطالع أحد الكتب الغير مقررة علينا أو أقرء رواية ما أسرتني خلف قضبانها فلم أعد أشعر بوجوده أمامي.

 

بإختصار أفعل أي شيء عدى الحديث معه، لكن نتيجة صبره الدأوب ووفائه صرت أستمتع بالحديث إليه خاصة أنه ينبهر بأي شيء كما أخبرتك....

 

كنت أظنه يتودد إلي بسبب ملخصاتي، فأنا بارع في صفصفة المواد و تقليصها؛ فطبيعتي الكسولة تجعلني أُقلص حجم أي شيء يتطلب ألم الرأس لإنجازه.

 

وهذا ما تأكد لي حينما دعاني للمذاكرة برفقته في قريته الصغيرة بأحد المناطق الريفية.

 

لكني لم أمانع فبيتي كان متأججاً بالنزاعات وعدم الاستقرار فوجدت أن الدراسة في منزل ريفي ستكون أفضل بكثير من الدراسة في دورة مياة بيتي للحصول على بعض الهدوء.....

 

هكذا نعتتني عائلتي الجميلة بعدم تحمل المسؤولية والإهمال؛ فكيف لا أشاركهم النزاع العائلي المحبب وأرسب في سنتي الجامعية الأولى، فإخترت الاهمال و النجاح.....

 

إستقلينا القطار و أُصبت بضيق التنفس مراتٍ عدة قبل أن أخسر نصف وزني و أصير أكثر نحافة من تعرق الزحام.

 

فعاتبت مسعود و حملته مسؤولية وزني كاملة، فضحك و طمأنني أن أسبوعًا واحد من الطعام الريفي بالسمن البلدي و اللبن الطبيعي سيجعلنني سميناً ضخم الجسد....

 

على أي حال لا أنكر أنها كانت رحلة ممتعة، فمشهد فدادين القمح وهي تتمايل مع الرياح كالأمواج كان جميلاً، بل خلاباً لدرجة الانبهار وليس هناك الكثير من الاشياء التي تبهرني.....

 

المساحات الخضراء الشاسعة و رائحتها الصافية المهدئة للنفس، السماء الزرقاء والأجواء الأقل إزدحاماً والهدوء المريح كل ذلك جعلني متيماً بالريف....

 

حتى جاءت هذه البقرة البدينة التي اتخذت من المكان الذي أقف به دورة مياة مريحة لتعكر صفو الأجواء، لن أعاتبها فأنا منحوس بالفطرة.....

 

وكما وعدني مسعود كان الغداء دسماً يُشبع جيشاً من الجياع بأكمله، فكان حالي وأنا لم أنهي حشد الأطباق أمامي مثيراً للشفقة و الضحك لعائلة مسعود.

 

فهم يرمقون مسعود بلسان حال يقول أجئت بهذا النحيف من مجاعات أفريقيا لتعطف عليه هنا، كم أنت كريم يا مسعود.....

 

دنى الليل سريعاً فجلست مع مسعود و عائلته البسيطة المكونة من شقيقين في الثلاثين من العمر ووالد شارف على الستين.

 

التففنا حول قِدْر الشاي الذي تُرك ليغلي على نيران الحطب بينما نتجاذب أطراف الحديث.....

 

بالطبع كنت أنا محور أسئلتهم و فضولهم، وبالطبع كانت لهم نفس نظرة الانبهار التي كانت في عيني مسعود و أنا أخبرهم عن بعض الأحداث المرعبة التي حدثت لي......

 

وسط إنهماكي في سرد إحدى تجاربي قاطعني مسعود بكل وقاحة قائلاً:

-في قريتنا أيضاً توجد بعض حالات الاختفاء لأطفال لم نجد لهم أثر.

 

كانت مقاطعته لي وقحة سمجة معدومة التهذب، لكن الأمر استرعى انتباهي، فنسيت كل ما كنت أتفوه به ليتملكني وحش الفضول و أنا أسأله:

-إلى أين يذهبون؟

 

فأجابني بتلقائية:

-إلى مقابر القرية حيث يتم إطعامهم ل.....

 

بتر أسعد شقيق مسعود عبارته بغلظة قائلاً:

-لا حاجة لذكر الطقوس يا مسعود؛ فضيفنا متعب ولم يأكل ما يكفي بعد.

 

إن قال لا حاجة لذكر الأمر فقط لكنت صمت و تركت الأمر يمضي في حال سبيله، لكن أن يتحدث عني كأنني محض عنزة جائعة لم تُسَمَّن كما يجب لهو أمر يدعو للحنق و الغيظ.

 

فهممت لأترك العنان للساني ليجلدهم جلداً و يتنمر عليهم كما يشاء لكن شيئًا ما في نظرات الأب العجوز أخرستني تماماً؛ فقد كانت خليط بين البرود و البهوت و الجوع.

 

على ذكر الجوع هذا الأب الستيني لم يتناول معنا لقمة من الطعام، بل إكتفى بالتدخين فقط، وقد كان الأمر عادياً لكن ليس الآن فهناك أمر غريب في هذه القرية و فضول جائع يجب أن أُشبعه.....

 

خيم الظلام و ذهب كلٌ من شقيقي مسعود إلى النوم في حين إلتحقت بمسعود في غرفته بالدور العلوي لنذاكر قليلاً فهذا ما جئنا لأجله.......

 

كانت عادتي أن أجعل الاهمال عنواني طوال الفصل الدراسي وأحشر نفسي في خندق الضغط والولولة في نهايته؛ فإنهمكت رفقة مسعود بالمذاكرة لساعاتٍ طوال.

 

لكنني لاحظت شيئاً ما لا أعلم ما فائدته لكنه إسترعى إنتباهي؛ مسعود على علمٍ واسع بهذه المواد وأساتذتها، لدرجة أنه يستطيع أن يُخمن طريقة كل دكتور في وضع أسئلة امتحانه وما هي الأجوبة التي تُشبع غرائزه العلمية.

 

أعلم أن المتحمسين القادمين من الأرياف يدأبون على الكتب والحفظ والمذاكرة أكثر من غيرهم لكن ليس لدرجة أن يكونوا كمن سبق لهم و أن مروا بالامتحانات عديد المرات.

 

هذا لا مبرر له سوى شيء واحد؛ مسعود سِقِّيط أعاد عامه الأول عديد المرات، لكن مع هذه المعرفة الجمة وحفظه المواد الدراسية عن ظهر قلب لمَ لم ينجح إلى الآن؟

 

بل لما تظاهر بالانبهار حينما أخبرته بأسماء المواد؟

 

أكان يرغب أن يتقرب مني لسببٍ آخر، لا أعلم و لن أستطيع أن أسأله مباشرة فهذه تبقى إستنتاجات فقط ليس إلا.....

 

غلبني الارهاق فتركت الكتب قليلاً وفركت عيني بينما أسأل مسعود:

-ما قصة الأطفال الذين يذهبون للمقابر ثم يختفون، و لماذا لم يذهب أحد للمقابر لتقصي أمرهم؟

 

بدت عليه الدهشة من حديثي المباشر في صُلب الموضوع، فاستشعر فضولي وقرر تغذيته بالمزيد من التشويق مجيباً بلهجته الريفية المرعبة في قص المواقف:

-ببساطة لأن لا أحد من أهل القرية يستطيع الذهاب للمقابر، هناك من يتغذى على جثث الموتى، و إن لم يجد ما يُشبعه يأتي إلى القرية ليستدرج بعض الأطفال، ولا يستطيع أحدٌ الاقتراب منه أو التعرض له؛ فهو كائن مقدس يجب أن يحصل على ما يريد حتى لا يلحق العذاب بأهل القرية.

 

إبتسمت بتهكم من هذه الخرافات الوضيعة؛ فلا بد أنهم مجموعة من تجار الأعضاء أو النساخون الذين يتاجرون بالبشر، لكن كائن مقدس هذا أكثر شيء مغفل يُمكن أن أصدقه.....

 

تجاهل مسعود إبتسامتي الساخرة و استطرد قائلاً:

-حينما يجوع يهبط إلى القرية و يقرع الأجراس التي لا يسمعها سوى الأشخاص المنشودون الذين يطلبهم ليكونوا قرباناً له، فيذهبون له في صمت، وإن رفضوا الانصياع له يأتي بنفسه ليستدرجهم إلى المقابر.

 

كان الأمر مثيراً للضحك والتنمر من خرافات الغيطان هذه، فكان يُمكنني على الأقل أن أسأله بسر معرفته الواسعة بأمر الاجراس إن كان يسمعها الأشخاص المنشودون فحسب فيذهبون للمقابر و تختفي آثارهم.

لكنني أُقَدِّر أنه صديق ساذج يريد أن يبهر صديقه ويرسم له جو من الرعب والدراما، فليس من المستبعد أن أجد مسعود بنفسه يقرع لي الأجراس هذه الليلة.....

 

هكذا غطت في النوم و أنا أعلم بأمر هذه المزحة السخيفة التي ستحدث و تأهبت لها جيداً....

 

***

 

أهذه صلوات كنائس في روما فتصل إلينا كالفحيح، أم أنها قريبه لكن القارع يطرق بخفوت و نعومة حتى لا يسمعه أحد، أم هي مُزحة مسعود الساذجة التي أتقن نسجها؟

 

هكذا فتحت عيني ببطء حتى لا ينتبه مسعود أنني إستيقظت....

 

كان كل شيء جيد و أوشكت أن أقبض عليه متلبساً لولا أنه كان يُشخر في فراشه على بُعد عدة أمتار مني.....

 

إتسعت عيناي في ذهول وعدم تصديق؛ فصوت الأجراس الجنائزية لازال في أذني، بل و يزداد وضوحاً، لكن اللعنة من القارع، أين هو، من أي طرفٍ خفي ينظر إلي بسخرية؟

 

هرعت كالطفل المفزوع أُفتش أسفل السرائر و بين الفراش و الجدار و في زقاق الغرفة و خلف الدولاب، لكن لا شيء، والصوت أقرب إلي من زنزنة هذه البعوضة التي تمص الدماء من طرف أذني.....

 

خرجت من الغرفة و ركضت عبر الرواق هبوطاً للأسفل فلم أجد شيئاً؛ فالجميع نيام.....

 

هاقد إزداد صوت الطرق مرة أخرى ومعه على الغناء كأن هناك صفوف من الأطفال تغني خلف أذني مباشرة.....

 

عدت ملتاعاً مصطك الركبتين، مرتعش الجسد، مُجمد الدماء، هززت جسد مسعود بقوة، لكن الأخير لم يُبدي أي ردة فعل.....

 

أصابني جنون الخوف فشرعت أصفعه و أركله و أسبه ليستيقظ لكنه لم يُبدي أي ردة فعل كأنه، كأنه جثة هامدة.....

 

كان واقع الأمر صادماً مرعباً لي، فتحسست ضربات قلبه لأجدها منعدمة، أنفاسه لا تتصاعد، جسده في غاية البرودة، إذاً مسعود جثة هامدة حقاً، بل جميع من في البيت كذلك، بل جميع من في القرية؛ لا يوجد أحدٌ على قيد الحياة هنا غيري......

 

هل خدعني هؤلاء الأموات الملاعين لإستدراجي لأكون قرباناً لسيدهم، أم أنهم يموتون حينما تقرع الأجراس و يعودون للحياة مرة أخرى حينما تصمت؟

 

برقت عيناي بوميض الحقيقة، فهذا يفسر معرفة مسعود بالأجراس؛ فلا بد أنه سمعها في كل مرة أُخذت بها ضحية لتختفي إلى الأبد.

 

هل سيأتي لي؟

 

كيف سيكون شكله؟

 

هل سيأكلني مباشرة أم سيمثل بجثتي أولاً؟

 

هل سيقتلني على الفور أم سيستمتع بتعذيبي؟

 

كل هذه الأسألة كانت تدور في خلدي حتى بترها صوت ضحكات متلذذة مفترسة قادمة من الخارج.....

 

هرعت إلى النافذة لأجد عشرة، بل عشرون، سُحقاً إنهم بالعشرات، يقفون بالخارج و يرمقونني بإشتهاء.....

 

أعرف هذه النظرات جيداً، فقد كنت أرمق بها فخذ الدجاجة المسكين على مائدة الغداء.....

 

أيُرد إلي الآن ذنب كل فخذ دجاجة أكلته في حياتي؟

 

لم يتسنى لي التفكير في هذا السؤال الفلسفي الآن، فأنا مشغول بتفحص هذه الوجوه المألوفة التي أُقسم أنني رأيتها من قبل لا أدري أين لكنني رأيتها حتماً....

 

هذا....هذا الرجل العجوز هناك، أليس هذا والد مسعود؟!!

 

إلتفت إلى جثة صديقي لأجدها صامتة ساكنة كحال أغلب الجثث، فأدركت حينها أنه لا وجود لمسعود ولا والد مسعود، بل فقط سكان هذه القرية ذو الشهية المفتوحة للحوم البشر.....

 

قطع والد مسعود خطوات بطيئة صوب باب المنزل فأدركت مراده على الفور، إنه قادم لتسويتي على نارٍ هادئة مع القليل من التوابل الهندية.

 

فهرعت على الفور أثب من على الدرج لأسبقه إلى باب المنزل و أصُكه في وجهه، لكنني تأخرت كثيراً؛ فهاهو يقف أمامي يسد فتحة الباب بجسده الضخم.....

 

لا أعلم من أين أتيت بهذه الجسارة؛ فقد دفعته بقوة للخارج، لأشعر بصلابته كأني أدفع جداراً، فقد كان جسده متيناً كالفولاذ، لكن حمداًلله لقد تزحزح قليلاً إلى الخارج فاسحاً المجال لي لأصك الباب بقوة و أمنعه عن الداخل......

 

***

 

لم يُشعرني إيصاد الباب بالأمان؛ فهذه الدار الريفية الفسيحة بها العديد من النوافذ والأبواب والمداخل التي لا أُلِم بها فأنا لست من أهل البيت، سيصلون إلي في أي لحظة.....

 

لكنني لن أموت هكذا يجب أن أبحث عن شيء أدافع به عن نفسي؛ فلو كنت متأكداً من قتلهم لي على الفور لسلمت نفسي لهم بإمتنان، لكن هذه الضحكات لن تأتي سوى من أشخاص ساديون يستمتعون بصيد فريستهم.

 

هكذا شرعت أبحث في المنزل عن أي شيء أحارب به، ولجت إلى المطبخ أبحث في إرتباك وخوف مما سأجده.

 

و قد كنت محقاً حينما فتحت الثلاجة لأبدد الشكوك عن ذهني، فالرؤوس البشرية المجمدة في البرطمانات جعلت خصلات شعري تنتصب؛ فأعينهم المرعوبة الجاحظة خير دليل على أن موتهم لم يكن هيناً.....

 

سُحقاً سيكون مصيري مشابهًا لهم و ستُخزن رأسي هنا بعد طهي لحمي الطازج، لكن لحظة أحد هذه الوجوه يبدو مألوفاً لي، من هذا الشخص يا تُرى؟

 

لم أستغرق كثيراً في التفكير فقد بدأت الطرقات تدوي على باب المنزل ونداءاتهم الشرهة المتلذذة تناشدني بالخروج إليهم......

 

أصواتهم بشرية و لهجاتهم ريفية، أهؤلاء الناس بشراً أم كائنات أخرى متجسدة بهيئة البشر؟

 

وجدت سكين مطبخ و بلطة عملاقة ثقيلة على يدي لكنني أمسكتها و رفعتها على كتفي، فهذه الأجساد الصلبة لن يثنيها سوى هذا السلاح العملاق.....

 

إزدادت الطرقات عنفاً و معها علت الصرخات و المناجاة لخروجي كأنهم جمهورًا محتشد في انتظار أم كلثوم، فهرعت إلى غُرفة مسعود لأتحصن بها، ثم أدركت كم أنا غبي فهم يتوقعون وجودي هنا، فخرجت حائراً أبحث عن مكان حصين للإختباء به.....

 

صوت الأجراس يعلو في أذني مرة أخرى، فالتفت بذعر لأجد جثة مسعود تنهض بتلوٍ كأنها دُمية يحركها أحدهم بالخيوط من الأعلى.....

 

إرتعدت فرائصي و رفعت البلطة عالياً بأصابع مرتعشة إستعداداً للهجوم....


لكن لم يحدث شيء، فقط نظر إلي بهدوء ثم أشار بسبابته إلى المنبه.....

 

لم أفهم إلى ماذا يرمي بالضبط، فهي الآن الثانية بعد منتصف الليل، ما المميز بهذا التوقيت؟

 

ثم أشار بإصبعه إلى مصباح الغرفة المغلق، فإتجهت لإشعاله، فدوت طرقات الأجراس في ذهني غاضبة رافضة للأمر، فأغلقته سريعاً ثم إلتفت إليه لأجده يُشير للمصباح ثم يُشير للمنبه مرة أخرى....

 

لم أستنبط شيئاً من هذا بل وجدته محض ترهات جثة حمقاء تمزح في وقتٍ غير مناسب....

 

إنهار باب الدار و معه دلف أبو مسعود إلى الداخل و معه باقي أهل القرية الجياع، فأغلقت الباب و تشبثت بالبلطة عازماً على الإطاحة برأس أول شخص يُطل إلى الداخل.....

 

وصلو إلى الطابق العلوي على عجل ودوت عبارة ساخطة من أحدهم قائلاً:

-سُحقاً، إنه يتعمد إضاعة وقتنا.

 

عن أي وقت يتحدثون، أهو شيء متعلق بهذا المنبه أم الوقت بالعموم، ما المميز بالساعة الثانية بعد منتصف الليل و ماذا سيحدث بعدها؟

 

دوت رنة الأجراس في أذني فالتفت للخلف بإنزعاج لأجد مسعود ينهض من فراشة منفغر الفاه على آخره يكاد شدقيه يتمزقان، ثم هم بالانقضاض علي....

 

بتلقائية الخوف و الفزع هويت على رأسه بالبلطة بعنف لدرجة أنها شقت رأسه ونثرت الدماء لتخضبني بأحمرها القاتم بالكامل، فأردته قتيلاً.....

 

***





(((لقراءة الفصول والأعداد التالية اضغط هنا)))

 

#زيارة_إلى_وادي_الغيلان

#الهاربة

#الباحث

#محمد_بهاء_الدين

تعليقات

6 تعليقات
إرسال تعليق
  1. جميلة، اثارت فضولي..فى انتظار الفصل الثانى، بالتوفيق.

    ردحذف
  2. ❤❤❤❤❤

    ردحذف
  3. جميل بالتوفيق 💯⭐

    ردحذف
  4. فى انتظار الفصول القادمة 🌸🌸🌸

    ردحذف
  5. جاااااامدة

    ردحذف
  6. بالتوفيق ❤️❤️

    ردحذف

إرسال تعليق

شاركنا رأيك في هذه التجربة