(((لقراءة الفصول السابقة اضغط هنا)))
(بريق
أمل)
دخلت المكان بأنفاسٍ متقطعة،
حمدت الله أنها وجدته، واقفًا ع السور ينظر أمامه بوجهٍ متحجر، اقتربت
فشعر بها، قالت في فزع وخفوت:
-هيثم.
التفت وتجهم وجهه، ثم قال
في حزم:
-يمنى،
اتركيني وأذهبي.
-كيف؟
اقتربت خطوة، واستطردت:
-كيف
سأواصل حياتي إذا فعلت؟
أغمض عيناه وصمت، فقالت:
-هيثم،
ما الذي قلته دفعك إلى المجيء هنا، وأخذ هذا القرار؟
نظر لها في دهشة، ثم قال متهكمًا
في يأس:
-أنتِ؟!
استطردت وهى تقترب منه ثانية
في بطء:
-هيثم، أنا خائفة، هلا نزلت
وأكملنا حديثنا.
نظر لها مرة أخرى، ثم نقل
بصره أمامه، حرك رأسه في رفض:
-لن
أستطيع التراجع الآن؟
نظرت له برجاء وسألت:
-لمَ؟
أجابها بصدق:
-لأنه
الحل لكل مشاكلي.
حاولت معرفه ما يفكر فيه وسألته:
-الحل!
كيف هو الحل؟!
نظرت أمامها مفكرة وحاولت
أن تتخيل ما الذي يمر به، ثم نفضت رأسها وقالت:
-الحل
بالنسبة لمن؟
قاطعها قبل أن تكمل سؤالها
وهو ينظر إليها في ثبات:
-يمنى،
أنا لست طيب القلب.
ابتسم واستطرد:
-وابتسامتي
غير صافية.
التقت عيناهم، تذكرت كلماتها
إليه منذ قليل بعدم فهم، استطرد:
-كما
أنني…
أشاح ببصره بعيدًا كأنه تذكر
أمرًا يؤرقه، ثم استطرد:
-ظلمت
أقرب الناس إلي.
ظهر الأمل في عيناها، وهي
تنظر له متسائلة:
-من؟
ظلمت من يا هيثم ؟
صمت فاستحثته:
-من
أقرب الناس إليك؟
استمر في صمته، فشردت بخيالها
متذكرة حديث عمرو عندما قص عليهم مكالمته المقتضبة، لمعت عيناها، فنطقت في ترقب:
-والدتك؟!
نظر لها فأدركت صحة توقعها،
اقتربت منه ونظرت في عيناه:
-مهما
فعلت بها في الماضي.
نظرت إلى الأسفل، ثم
نقلت بصرها إليه مستطردة:
-فأنت
على استعداد الآن لفعل الأسوأ، إلى هذه الدرجة أنت ظالم؟
نظر لها ودمعت عيناه، لم يستطع
التراجع ولا الإقدام.
نظرت له وقالت في اهتمام:
-ماذا فعلت بها؟ فلتفتح صدرك
لي، فلنتحدث أراهن أنك لم تشارك أحد تلك الأسرار، ولم تطلب المساعدة أو المشورة.
نظر أمامه رافضًا النظر إلى
عيناها، ترددت قليلًا ثم لمست يداه وقالت في حنان:
-واجه
خوفك ولكن لا تستسلم، ليس هذا ما قصدته من قبل.
حاولت استدراكه لأمر آخر،
فقالت:
-هل
تعلم؟ لماذا أواجه خوفي هنا، في هذا المكان بالذات؟
نظر لها في اهتمام، حاولت
أن تستغله:
-كي
أصبح بمفردي لكن…
نظرت له وابتسمت قائلة وعيناها
دامعة:
-بعض المشاكل لا يمكن مواجهتها
بمفردك، وأنا أشعر أن مشاكلك من هذا النوع.
نظر لها نظرة امتنان، شعرت
معها، أنه ليس الوحيد القادر على فهمها، هي ايضًا قادرة على قراءة أفكاره، فما بينهم
شعور متبادل، تنهدت وتذكرت مريم فقالت شبه باكية:
-بالله
عليك، من أجل والدتك، او أى غالي عليك فلتهبط من مكانك، أنا جديًا أشعر بالخوف.
نظر إلى يديها الممدودة صامتًا،
وفكر قليلًا؛ فقرار التراجع عن الهروب من كل شئ ليس لينًا، لكنه تطلع إلى عيناها، ليشعر
أن بداخلها ألف سبب يدعوه للبقاء، فمد يده إليها، واستدار ليهبط بالفعل، نظرت يمنى
إلى أسفل، حيثُ مريم وعمرو، فأشارت إليهم لتطمئنهم، ثم التفتت إليه ووكزته في كتفه،
قائلة في لوم باكي:
-لم
أشعر بهذا الخوف طيلة حياتي..
تنهدت بصوت وجلست على الأرض
تأخذ أنفاسها باكية، جلس إلى جوارها جامدًا بوجهٍ شاحب من التأثر.
تذكر والدته وحياته، شرد في
معضلته ناظرًا إليها متسائلًا، هل يمكنه مشاركتها بالفعل كما دعته لذلك، أغمض عيناه
وقد تذكر إحساسه بها.
طالما تهرّب من ذلك الشعور،
حاول دومًا أن يشغل وقته كي لا يفكر بها، لكن كلما رآها لم يستطع التراجع أومنع نفسه
من الاقتراب، يشعر بالراحة في وجودها دون مبرر.
نظر لها وإلى رعشة يدها ودموعها،
شعر في هذه اللحظة أن شعورها لا يختلف كثيرًا عن شعوره، فهل سيتمكن من فتح قلبه لها
ومشاركتها همه؟
**************************************
دخلت شهد غرفتها حانقة، بملامح
متجهمة غاضبة، أغلقت الباب بعصبية وجلست على مكتبها صامتة دمعت عيناها للحظات، ثم تذكرت
فجأة هاتفها وما أرسلته لتوها لأحمد، فتنهدت والتفتت تبحث عنه حتى وجدته، دعكت عيناها
كي تتخلص من دموعها المتجمدة، وأمسكته في لهفة؛ لتنظر في شاشته.
ابتسمت عندما رأت ٤ رسائل
غير مقروءة مرسلة إليها منه، أسرعت تفتح هاتفها وقرأت بعيناها:
-أشكرك
يا شهد.
لقد قامت والدتي بالاتصال
به ورحب بانضمامي إلى إحدى مجموعاته، ابتسمت شهد ولمعت عيناها حينما وقعت على الجملة
التالية:
--هلا
تخبريني بموعد مجموعتك؛ لكي انضم إليكِ.
ابتهجت شهد ولانت ملامحها،
حل مكان غضبها وحنقها من أثر حديث والدتها مشاعر فرح واشتياق، شعرت بأنه يحاول الاقتراب
منها أكثر، أن حلمها به لم يعد مستحيلًا.
أغمضت عيناها، لتنتقي كلمات
تكتبها له، استغرقت بعض الوقت لكتابة جملة بعد محاولات حذف وإعادة، حتى استقرت على
جملة بسيطة:
-طبعًا، يسعدنا انضمامك إلى
مجموعتنا.
استخدمت صيغة الجمع لتعفي
حالها من الشعور بالحرج، ثم استطردت في سعادة:
-مواعيدي
سبت وثلاثاء الساعة ٦، أرجو أن تُناسبك.
أجابها في الحال:
-نعم
مناسبة للغاية.
اعطت الهاتف قبلة واحتضنته،
ثم وضعته جانبًا.
دارت حول نفسها من الحماس
وابتسمت، شعرت أن قلبها امتلأ بالنشوة، حلم جميل بفتى تجذبها ملامحه، اشتاقت إلى رسم
أحلامها معه أكثر كلما حاول الاقتراب منها، كما كثُر تفكيرها به حتى أصبح شغلها الشاغل.
باتت تذكره قبل نومها وعند
استيقاظها، عندما تجلس لاستذكار دروسها، أو تمارس عادة القراءة، أثناء سيّرها إلى دروسها،
أينما ذهبت إلى أي مكان انتقل حلمها معها، حتى أصبح جزءًا منها فلم تحاول ردع نفسها
عن التفكير به، فقد شعرت باطمئنان من جانبه؛ فمن الواضح أنه يبادلها نفس الشعور، كان
جريئًا أكثر منها وأخذ خطوات ليتقرب أكثر.
لم تمانع رغم شعورها بالخجل
حتى عند محادثته على الهاتف، حياءها منعها من الاقتراب بجراءة منه، لكن خيالها
على العكس رسم حياة مكتملة معه دون قيد أو شرط.
**********************************
بعد وقتٍ ليس بقليل، ظهرت
يمنى خارجة من المبنى السابق، تبعها هيثم بخطواتٍ رتيبة، اقترب منهم عمرو في عصبية،
وصاح به:
-هل
جننت؟ ما الذي كنت بصدد فعله؟ ألم تفكر بوالدتك للحظة؟
تجهم وجه مريم وهي تتأمل ملامح
هيثم باستنكار، نقلت بصرها إلى يمنى التي تقدمت لتقترب من عمرو، لتحول بينه وبين ابن
خالته، قائلة في حزم:
-عمرو،
ليس الوقت مناسب للعتاب الآن.
ألقت نظرة على مريم، التي
اشتعلت نيران الغيرة في عيناها، خاصة عندما بدأت يمنى في الدفاع عنه.
زفر عمرو قائلًا في ضيق، موجهًا
حديثه إلى هيثم:
-لقد جاءت والدتك اليوم، حدثتني
في الهاتف كي تطمئن عليك.
تبادلا هيثم ويمنى النظرات،
بينما تدخلت مريم عندما استشعرت القلق البادي على ملامحه؛ لتقول في بساطة محاولة بث
الاطمئنان:
-لا
تقلق، لقد أشرت إليه ليُطمئنها عليك، لم تعرف شئ مما حدث.
تنفست يمنى الصعداء واغمضت
عيناها، بينما التزم هيثم الصمت بوجه متجهم، نظرت إلى عمرو قائلة بلهجة آمرة استنكرها:
-ولا
يجب أن تعرف، لقد مر الحادث مرور الكرام.
تدخل عمرو بدون تفكير، ليقول
جملة لفتت انتباه الصديقتان، ولكن بمشاعر مختلفة:
-لولاكِ
لكان الآن في عداد الموتى.
قالها موجهًا حديثه إلى يمنى
التي رفعت إحدى حاجبيها، ثم اقتربت من عمرو؛ لتقول في خفوت:
-لم
أفعل شئ، أطال الله في عمرنا جميعًا، هلا نكتفي بالحديث عن الامر.
قالت جملتها الأخيرة بصيغة
تهديد وصوت عالٍ، ثم استدارت وقالت كلمة لهيثم في خفوت، فالتقت عيناهم للحظة، فألقى
سلامًا مقتضبًا على الجميع وانصرف، نظرت مريم إلى يمنى وقد احمر وجهها من الغيظ، دارت
الافكار في رأسها لتُحدثها منطلقة من اللاوعي بداخلها.
"منذ متى وأصبحتْ مؤثرة
على حياته إلى هذا الحد، كما تجمعهم النظرات والعبارات الهامسة، كم أشعر بالغيرة."
بعدما انصرف هيثم، ألقت يمنى
نظرة لائمة لعمرو ثم نقلت بصرها إلى مريم، قائلة في خفوت:
-هلا
تترفق به، فهو في حالة نفسية سيئة.
سألها بسرعة وفضول:
-لماذا؟
ما الذي يدور برأسه؟ هل قص عليكِ ما الذي يشعر به؟!
هزت يمنى كتفيها، ثم ألقت
بخصلة من شعرها إلى الوراء:
-لا،
لم يذكر شئ. وهل من المعقول أنك لا تعرف ما الذي يدور برأسه، أو ما الذي حدث له.
حرك رأسه في حيرة:
-نعم،
لقد أخبرت مريم منذ قليل، حاله تلك الأيام ليس بخير، تغير كثيرًا وأصبح سريع الغضب.
فكر قليلًا، ثم استطرد:
-بصراحة
أكثر، منذ مجيئه من القاهرة، وبه شئٍ غير طبيعي.
نظرت له يمنى باهتمام، وشردت
بعيناها بعيدًا، لم تشعر بمريم ولا بأحاسيسها المختلطة، لم تعني في الحياة بهذه اللحظة
سوى بهيثم، وبما يخفيه ويعتمل في صدره، ولم يشارك به ابن خالته المقرب، زادت غيرة مريم
حينما اقتربت يمنى من عمرو لتوصيه قائلة:
-بالله
عليك، لا تحاول ذكر الموضوع أمامه أو استثاره غضبه بأى شكل. أرجوك يا عمرو.
من بعيد نظرت لها مريم دون
أن تشعر هي، بعينٍ يملؤها الحقد، وقلبٍ تفترسه الغيرة، وقد سرقت رسمتها وحلمها المنتظر
بدون وجه حق.
سارت يمنى إلى جوار عمرو ومريم،
اللذان انشغلا في حديث جانبي لبعض الوقت، تقدمت مريم لتسير إلى جوار صديقتها في صمت،
التفتت إليها يمنى وقالت في خفوت حينما لمحتها بطرف عيناها:
-مريم
أريد أن أخبرك بشيء.
انتبهت مريم لحديث صديقتها
في اهتمام، التي استطردت قائلة في تردد:
-لقد…
صمتت وقطعت حديثها، ثم عادت
لاستكماله:
-لقد
تبادلنا أنا وهيثم أرقامنا.
اتسعت عيني مريم للحظة، لكنها
أخفت مشاعرها والتزمت الصمت، فاستطردت يمنى وقد توقفت عن السير، مستغلة توقف عمرو مع
أحد أصدقائه الذي انشغل بالتحدث معه:
-لا
تقلقي.
صمتت ونظرت لعيناها، ثم قالت
في ثقة:
-أنا
فقط أشعر بأنه في حاجة إلى صديق ليس إلا.
حملت ملامحها الجمود وهي تراقب
حديث صديقتها وكلماتها التي زادت شعورها بالغيرة، نظرت يمنى حولها لحظة ثم استكملت
:
-أعدكِ
أن ما يجمعني به هو شعور بالصداقة فقط، لن يتطور إلى أي مشاعر أخرى.
تاهت الكلمات من عقل مريم،
فهي لم تتعود لعب هذا الدور من قبل، فتأملت ملامح صديقتها في قلة حيلة،
صرخ عقلها طالبًا إثبات، وكادت
الكلمات أن تخرج من جوفها، لكن منعها من ذلك ظهور هيثم المفاجئ،
الذي ما آن اقترب منهم حتى
قال موجهًا حديثه إلى يمنى:
-يمنى أشكركِ بحق.
التفتت إليه يمنى مبتسمة،
لم تعبأ بمشاعر صديقتها أو تنتظر منها الرد، ربما بسبب شعورها بالسلام النفسي الذي
ظهر على ملامح هيثم، أنساها إحساسها بصديقتها، كما اعتادت أن تنسى حالها معه، عاد عمرو
إليهم، فسار إلى جوار مريم؛ ليستكمل حديثه معها بينما شردت هي بعيدًا بخياله اهتمامها
بالموضوع المستثار.
في حين سار هيثم الى جوار
يمنى، شاردًا ببصره؛ ليستعيد كلماتها التي قالتها له فوق سطوح البناية، حينما حاولت
بث الثقة بمستقبله وحياته الحالية:
-ماهي
علاقتك بالله؟
نظر لها مندهشًا وآثر الصمت،
فاستطردت سؤالها:
-هل
تصلي بانتظام؟
حرك رأسه نافيا، سألت مرة
أخرى:
-بالتأكيد
لا تقرأ القرآن، ولكن هل تدعوه أو تتضرع إليه.
شرد قليلًا مقطبًا الجبين،
فاقتربت منه وقالت بعين لامعة بالتأثر:
-علاقتك
بالله هي أساس حياتك، بدونها تصبح حياتك جديًا بلا توازن.
نظر لها باهتمام فاستطردت:
-هل
تعلم كيف توصّلت إلى مكانك؟
نظر لها في حيرة، فاستطردت
مبتسمة:
-من
صوت الآذان الذي كان يتردد في خلفية مكالمتك لعمرو.
اندهشت ملامحه فاستغلت شد
انتباهه:
-أن
الله يدعوك، فلتلبي النداء.
صمتت قليلًا كي تمهله الوقت
لاستيعاب ما قالته، ثم قالت ببساطة وبلهجة آمرة:
-بشكل
مبدئي سننزل الآن. وستذهب أنت إلى جامع الكلية لأداء صلاة الظهر حاضر، ولتدعو الله
أن يتقبل منك رغم استعدادك لارتكاب معصية وشرك به منذ قليل.
نظر لها والتزم الصمت، فقالت
بلهجة تدعوه إلى الثبات:
-بسم
الله الرحمن الرحيم {فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون} صدق الله العظيم.
فاق هيثم من شروده عندما وصلا
إلى بوابة الخروج؛ ليتذكر شعوره بالراحة حينما أنهى صلاته وتضرع الى الله ليهديه إلى
الصواب، اعترف أنه قد استنكر حديثها له رغم نفاذة إلى قلبه بسهولة، لكنه امتثل لطلبها،
فلم يطرأ على باله أى فعل أخر ليفعله في تلك اللحظة، لكن ولشد ما أدهشه أنه شعر فعلا
بالراحة وكأنه إنسان أخر.
*********************************
في نفس اللحظة التي ظهر فيها
هيثم ليتحدث إلى يمنى، وفي ثورة مشاعر مريم لم تنتبه إلى رنين الهاتف الخاص بها، إلا
حينما تكرر مرة ثانية، ففاقت من شرودها لتُخرجه من حقيبتها، أجابت على آسر وقد أراحها
ظهوره اسمه على شاشه هاتفها، كعادته يظهر في وقته المناسب ليمنعها من شعورها بالخذلان:
-آسر،
كيف حالك؟
تنهدت كأنها تحاول تطهير روحها
من كل المشاعر السلبية التي شعرت بها فى آخر نصف ساعة، ثم استطردت في اهتمام:
-لا،
لم نغادر بعد ولكننا انشغلنا بأمرًا ما فلم نشعر بالوقت.
قالتها وألقت نظرة على هيثم
باستياء، اقترب منها عمرو ليسير إلى جوارها، عادت إلى محدثها:
-أنا
عند بوابة الخروج، قد تأخر الوقت، لا أرغب، أشعر ببعض الألم في رأسي، معذرة، فلنلتقي
غدًا.
قالتها وودعته، بمجرد أن أغلقت
الخط حتى اقترب منها عمرو وقد قطب جبينه قائلًا في حيرة:
-ما
الذي يحدث بينكما؟
نظرت له بعدم فهم؛ فاستطرد
موضحًا في لهجة لم تخلو من اللوم:
-زادت
لغة الحوار بينكما مؤخرًا، أنتِ وآسر. منذ متى؟!
لم تنتبه مريم إلى حديثه الغاضب
المستنكر، فحركت رأسها في لامبالاة، وقالت ببساطة:
-لقد
أفادني شرحه كثيرًا اليوم، أعترف.
شعرت بنظراته المحدقة إلى
وجهها، فألقت جملة بسيطة لإنهاء الموقف حاولت أن تكسبها بعض المزاح:
-هل
تستأثر به لك وحدك أم ماذا، آسر صديق للجميع.
قالتها وعادت إلى شرودها مستكملة
طريقها للخروج، في حين تابعها عمرو بعيناه، وقد شعر لأول مرة بالغيرة، راوده إحساس
لم يعتاد علي الشعور به من هذا الجانب، لم يعتاد أن تتملكه الغيرة تجاه أي فتاة. ظل
دومًا عمرو متعدد العلاقات مثار غيرة وحقد الفتيات وليس العكس، نفض رأسه مستنكرًا شعوره،
لكنه التزم الصمت حائرًا. فقط اكتفى بالنظر إليها من منظور مختلف لم يعهده بداخله من
قبل.
****************************************
في شرفة صغيرة بمنزل عائشة،
استقبلت جارتها صافي وأختها أمينة، بينما اعتذرت تهاني عن الحضور بسبب عملها، أعدت
لهن عائشة إفطار شهي كعادتها، انبعث في المكان رائحة الزهور العطرة التي ملئت جوانبه،
مع أنغام الراديو المنبعثة من الداخل، فأعطت جو هادئ مُريح للبال والعين، كانت عائشة
على معرفة مسبقة بأمينة، لكنها سطحية إلى حدًا ما، لذا استغلت فرصة وجودها في منزل
أختها كي توطد علاقتها بها، بحكم طبيعة شخصيتها الاجتماعية.
قالت السيدة عائشة بترحاب:
-سعيدة
باستقبالك في منزلي المتواضع.
ردت أمينة في اشراق:
-أنا
الأسعد بحق، صافي دائما تتحدث عنكن.
ألقت عائشة نظرة محبة لجارتها:
-نعم،
تجمعنا صداقة أخوة قوية، ثالثتنا تهاني، بالتأكيد سنجتمع مرة أخرى معها.
-أتشوق إلى ذلك.
تدخلت صافي لتقول موجهة حديثها
إلى أختها:
-ألم
أقل لكِ، لمَ تتعجلي الرجوع إلى منزلك، وما الذي ينتظرك هناك؟
ابتسمت أمينة وقالت:
-أنتِ
تعلمين، لا أرتاح إلا في منزلي
نظرت إليهن وقالت بلهجة أكثر
مرحًا:
-كما
أن دكتور سراج لا يمكنه الاعتماد على الطعام الجاهز كثيرًا.
بادلتها عائشة الإبتسامة،
وقامت بملء أكوابهن بالشاي، ثم قالت:
-أتفق
معكِ، المنزل بدون المرأة يخلو من الروح.
أخذت قدح الشاي المخصص لها،
ثم استطردت:
-لكن
هذا لا يمنع أن وجودك هنا يسعدنا بحق.
قالت أمينة في محاولة منها
لفتح لغة حوار بينهن:
-ما
أخبار يمنى؟ أتمنى التعرف عليها.
أجابت عائشة:
-بخير،
من الضروري أن نفعل، مريم وشهد بناتي أيضَا، لا تقل غلاوتهن عنها.
قالت أمينة في اهتمام:
-صافي
تتحدث عنهن أيضًا، وعن أخلاقهن، دومًا تفخر بهن في هذا الزمن الصعب.
شردت ببصرها ثم عادت لتستطرد:
-من
الجميل أن تجمعهن بعمرو علاقة صداقة منذ الطفولة.
تدخلت صافي قائلة:
-عمرو
أخوهم، وهيثم أيضًا لقد تقرب منهن كثيرًا.
قالت جملتها الأخيرة وهي تنظر
لأختها، في حين ردت عائشة في امتنان:
-هذا
صحيح، نحن نتعامل دائمًا من هذا المنطلق، لقد حمدت الله كثيرًا حينما جمعتهم جامعة
واحدة.
صمتت قليلًا ثم قالت:
-وبالتأكيد
هيثم أيضًا، من الواضح أنه تقرب إليهن في وقت قصير.
ابتسمت لها أمينة في ود، لكنها
شعرت فجأة بالخوف المرتقب حينما تحدثوا عن الشباب، لم تعلم سبب لمعاودة شعورها بالقلق
مرة أخرى، خاصة أن قلقها هذه المرة لم يكن خاص بابنها هيثم، بل امتد ليشتمل البنات
السابق ذكرهن، على الرغم من عدم مقابلتها لهن من قبل، لكن راودها نفس شعور القلق السابق
يوم محاولة انتحار هيثم، لكنها كذبته حينما تذكرت أنه لم يحدث شئ، على حد علمها، منذ
قدومها.
لم يخطر على بالها أن شعورها
باستباق الخطر هو واقع.
قد يحدث بالفعل، ولن يمنع حدوثه دعائها كالمرة السابقة، لأنها ببساطة لا تعلم بمن يتربص الخطر هذه المرة؟
***
مواعيد النشر: الثلاثاء
(((لقراءة الفصل الثاني عشرة اضغط هنا)))
تعليقات
إرسال تعليق
شاركنا رأيك في هذه التجربة