BlogLabels

القائمة الرئيسية

الصفحات




 

(((لقراءة الفصول السابقة اضغط هنا)))



(صراع الأنا)

 

في ليلٍة ما، بعد مرور يومًا كاملًا دون أن يلتقي الأصدقاء.

 

لم تلتقيا الصديقتان كعادتهن، تهرّبت كلًا منهما من الأخرى بحجة مختلفة،  متأثرين بمشاعرهن المعقدة المختلطة التي سيطرت عليهن.

 

تضرعت مريم إلى الله كعادتها عندما يضيق بها التفكير، دعت كثيرًا أن يهديها الله لشعور أكثر راحة 

لعلها تكف عن المعاناة.

عندما أنهت صلاتها وحديثها إليه شعرت براحة اعتادت عليها، لكنها استسلمت لشعور الهروب من كل شيء، والبقاء في غرفتها ومحيطها الآمن بعيدًا عن مشاعر الغدر والحقد.

 

أما يمنى فقضت ليلتها في نفس البناية، وهى تتحدث إلى هيثم على إحدى برامج التواصل الاجتماعي،

حينما شعرت بالقلق عليه؛ أرادت الاطمئنان....

 

فقامت بإرسال رسالة كتبتها منذ فترة، لكن ترددت في إرسالها:

--كيف حالك الآن؟

 

مرت دقائق ثقيلة على قلبها، حتى أجاب هو بوجه مبتسم فاطمأنت، سألته قبل أن يرد بكلمات:

--كيف حال والدتك؟

--بخير، لم تشعر بشيء.

 

ابتسمت حينما استمعت إلى صوت صابر الرباعي ينطلق من الراديو بجوارها:

"بأتحدى العالم كله وأنا وياك، وبقول للدنيا بحالها أننا بهواك".

 

لمعت عيناها، ثم كتبت وبداخلها شعور بالراحة:

--أشعر أنك في حال أفضل، فهل إحساسي صحيح؟

أجابها بسرعة:

--دومًا هو كذلك.

 

ابتسمت وصمتت، فكتب هو:

--ماذا تفعلين؟!

تنهدت حينما شعرت أنه عاد إلى طبيعته مرة أخرى، فاستعادت شعور الأمان:

--لا شئ بعينه. 

 

قبل أن تفكر في التحدث ثانية، انتبهت إلى سؤال مرسل منه:

--يمنى، لماذا تفعلين ذلك معي؟

عكست شاشة الموبايل تلون وجهها بالخجل، الذي لم يصله بالتأكيد، التزمت الصمت فاقدة القدرة على الرد، فطرح سؤالٍ أصعب:

--ما الشعور الذي حركك في ذلك اليوم لإنقاذ حياتي؟

 

ابتسمت وأجابت دون تردد:

--العشم..

انتبه إلي ردها، فقطب جبينه وأرسل علامة استفهام حائرة، فردت موضحة:

--تعشمت فيك الخير، بأنك ستستجيب لندائي ولن تُخيب أملي.

 

ابتسم وقال مازحًا:

--تتحدثين كوالدتي.

شعرت بالإطراء من تشبيهُ لها، حاولت إدارة دفة الحديث:

--كلي آذان صاغية،،،

 

صمت وطال صمته، فاستطردت هي:

--في حالة رغبتك في التحدث معي.

مرت دقيقة مُرة ثقيلة على يمنى، حتى رد أخيرًا:

--هل يمكننا الخروج معًا.

 

--لا، فأنا لا أخرج مع شباب، لا أقابل أحد خارج الجامعة.

--ولمَ؟!

 

صمتت قليلًا، وقامت بعصك شعرها إلى الخلف، ثم أجابت:

--وهل من الطبيعي أن تخرج فتاة مع ولد لا تجمعها به أي صله قرابة، حتى تستنكر عكس هذا الأمر.

فكر قليلًا والتزم الصمت، ثم قال بعد لحظات:

--أنتِ.

غريبة

 

شعرت يمنى بالخجل وبالرغبة في الهروب منه، فقالت كاذبة:

--عن إذنك، والدتي تحتاجني.

قبل أن تغادره، كتبت له:

--أنا موجودة في أي وقت، لا تتردد إذا احتجت إلي.....هنا أو في الجامعة.

تصبح على خير.

 

قالتها وغادرت لتهرب من المكان والزمان المتواجد فيه، شعرت بالرهبة من وجودها معه وحدهما، على الرغم أنها ليست المرة الأولى، ولكن التحدث بالكتابة أعطاها شعور محبب جديد لم تعهده من قبل.

تذكرت وعدها لمريم، رغبتها في الحفاظ عليه التي تعارضت مع إحساسها المتزايد به، فشعرت بصراع مرير بداخلها.

 

أما هيثم فظل محدقًا في شاشة هاتفه بعينٍ لامعة، لقد شعر أنه إذا أطال الحديث إليها كان سيفضي ما بداخله بكل سهولة، لكنه بلاشك راوده نفس شعورها لم يعهد تلك الراحة في الحديث معها من قبل، كأن العالم الافتراضي أطلق سراح مشاعر كانت ممنوعة ومقيدة بداخله.

                       *************************************

جلست مريم في مرسمها، بدأت في رسم لوحة جديدة لملامح شاب لم تحدد من هو، لكنها تركت لخيالها العنان لرسم ملامح مجهولة لتُخرج مشاعرها في ثناياها، انشغلت ومر الوقت، فتركت ريشتها وعادت تستند بظهرها إلى الخلف تتأمل ملامح الرسمة ثم ابتسمت، تركتها كما هي. 

 

خرجت لتبحث عن أختها في غرفتها، تذكرت أن انشغالها باختبارها السابق قد شغلها عنها، طرقت الباب ثم دخلت، فوجدت أختها جالسة على المكتب وأمامها كتاب مفتوح، اقتربت منها مبتسمة:

-كيف حالك؟ 

 

استدارت شهد لها وابتسمت قائلة بمزاح:

-من أنتِ؟ أتذكر هذه الملامح لكن، فلتساعديني بالاسم؟

ضحكت مريم ثم قالت في تفهم:

-أعتذر، قمت بالتقصير معكِ.

 

ابتسمت لها شهد وقالت ببساطة:

-لا تهتمِ سأتحمل، 

ليس لدى اختيار آخر، أخبريني، كيف كان الاختبار؟

هزت مريم رأسها وقالت:

-جيد، الحمد لله.

 

دخلت لتجلس على السرير بجوار المكتب:

-هل سأُعطلك عن شئ؟ 

نظرت لكتابها وأعادت النظر إليها:

-يبدو لي أنك مشغولة؟

ابتسمت لها في تهكم:

-أجلسي أرجوكِ.

لقد سئمت من المذاكرة وأشجع أى فرصة للتعطيل من كل قلبي.

 

قامت لتجلس بجوار أختها، بعد ان اغلقت الكتاب في سعادة، ثم ربتت على قدميها قائلة:

-كيف حال أختي العزيزة.

 

نظرت مريم إليها بارتياب وشك، ثم قالت في بطء:

-حمدًا لله، شهد ماذا بكِ؟

-ماذا؟

نظرت لها مرة أخرى وابتسمت متسائلة:

-لا أعلم، ولكن أشعر بك متحمسة على غير العادة أو مبتهجة عن المعتاد.

 

نظرت لها شهد ولمعت عيناها، ثم حركت كتفها:

-لا شئ، لا يوجد جديد.

نظرت لها طويلًا، فحاولت شهد تغيير الموضوع:

-ما أخبار الجامعة، كيف حال يمنى، لم أراها منذ فترة؟

 

صمتت مريم، فتأملت شهد ملامحها، ثم تساءلت:

-ماذا بكِ؟ هل تشاجرتما؟

قطبت مريم جبينها، ثم قالت:

-لا، ابدًا.

 

حاولت مريم تغيير الموضوع من جانبها،  فقالت:

-هل اتفقتِ على الخروج مع والدنا؟

استاءت ملامح شهد عندما تذكرت:

-لا، للآسف والدتك أفسدت الموضوع.

 

واتخذتك مثلًا يُحتذى به في عدم تضييع الوقت في الخروج والحديث الفارغ.

 

قالت جملتها الاخيرة بتهكم ثم أشاحت بوجهها، فنظرت لها مريم وقالت باستنكار:

-لماذا؟

-قالت سنؤجلها لما بعد الامتحانات، حتى تتمكني من الانضمام إلينا. 

 

امتعض وجهها، ثم قالت في استياء:

-أشعر بالآسف من أجلك. هل ترغبين أن أتحدث معها.

حركت شهد رأسها بالنفي وقالت:

-لا، سأمتثل للأمر، على ما يبدو ان والدي مشغول أيضًا.

 

ابتسمت لها مريم، ثم لمعت عيناها وقالت مقترحة:

-سوف أعوضك عن ذلك. 

ما رأيك أن تأتى معنا يوم إلى الجامعة.

برقت عيناها من الحماس وصاحت:

-سأشعر بسعادة بالغة، بالتأكيد موافقة......متى؟

فكرت مريم قليلًا ثم اجابت:

-لا أعلم، في أقرب وقت سنذهب سأُخبرك.

 

ابتسمت مريم لأنها تمكنت من إبهاجها، فاحتضنتها. ثم قامت وهى تشعر بحال أفضل من قبل، لمجرد تمكنها من إسعاد غيرها، لكن ظل قلبها مُحبط كما هو.

 

تمنت لو كانت فتحت قلبها لأختها لتقص عليها مشاعرها المعقدة،  لكن للآسف الشخص الوحيد الذي يتمكن من فهم تلك المشاعر هو يمنى ذاتها، وهذا أصعب ما في الموضوع.

                                ******************************

في صباح باكر من أحد الأيام، اجتمعت يمنى مع هيثم في ساحة الجامعة، بوقتٍ قل فيه عدد الطلاب المتواجدين، غلب على الجو غيمة شتوية مع لسعة خفيفة من البرد، لفّت يمنى جسدها بشال وردي تستجدي بعض الدفء لجسدها النحيل، تأمل هيثم ملامحها شاردًا، ثم قال:

-شكرًا لكِ على سرعة استجابتك للخروج في هذا الوقت الباكر..

 

تأملته بدورها، ثم نفخت بخار الماء بعيدًا، وابتسمت قائلة بمزاح:

-لقد اعتدت معك على كثرة المفاجآت، قد أصبحت جزء لا يتجزأ من علاقتنا.

ضحك وأشار لها بيده:

-لقد بدأتِ في فهم شخصيتي.

 

لم تبتسم تلك المرة، لكنها شردت في ملامحه ثم اقتربت منه، فسألته في اهتمام:

-هلا تخبرني، ما قصتك؟

بادلها النظرات صامتًا، فاستطردت دون أن تبعد عيناها عنه:

-لقد حاولت تجميع ملامح شخصيتك.

إليك ما توصلت إليه.

 

نظر لها في اهتمام، تولت هي الحديث محاولة دفعه على فتح قلبه دون تردد:

-حاولت التظاهر بعكس شخصيتك، منذ أول يوم جلست لتتحدث معنا فيه.

تظاهرت بأنك شخص غير مبالي بأي أمر في الحياة.

أبعد نظره عنها، لكنها لم تفعل.

 

بل استطردت وهي تشير إلى نفسها:

-لكن شعوري بك.

أخبرني أنك شخص عاطفي لديه قلب ينبض مثلنا جميعًا. ولكن

 

رفعت صوتها في هذه الكلمة تحديدا، فلفتت انتباهه، نظر لها في اهتمام:

-لا أعلم ثمة شئ أجهله عنك، ساهمَ في تحولك بهذه الصورة.

استمر في صمته.

 

فقالت بنفاذ صبر:

-لقد انهيت حديثي، أرجوك لا تخبرني أنني استيقظت مبكرًا كي تتأمل ملامحي في صمت.

قالتها بتهكم غاضب.

 

فأخذ نفس عميق ثم بدأ يتحدث:

-أولًا، أُحييكِ...لقد قمتِ بتحليل شخصيتي بشكلٍ رائع وأقرب إلى الحقيقة.

تنهد في هم، ثم لمعت عيناه وهو يقول:

-في الماضي تميزت شخصيتي ببعض الرومانسية..

تجسدت في علاقتي بياسمين، التي استمرت قرابة الخمس سنوات.

 

نظر لها يتأمل ملامحها، التي ظلت جامدة، ثم استطرد ببساطة:

-لكنني تغيرت كثيرًا، منذ أن افترقت عني.

وافقتْ على فرصة ذهبية...عريس جاهز، سفر للخارج، مستقبل لا يُقارن بي.

 

ابتسم وقال مازحًا:

-أراهن إذا كنت مكانها، كنت سأوافق بلاشك.

حتى لو كان الثمن هو التضحية بحب عمرها.

 

بدأت عيناها في التأثر خاصة حينما بدا يتحدث عن مشاعره:

-حينما افترقت عني، تقبلت الصدمة في قوة وابتعدت.....

أو كذلك اعتقدت، بدأ التأثر يظهر تدريجيًا، ومعه بدأ تحول شخصيتي.

 

أوقفته لحظة لتتساءل:

-لقد اخبرتني من قبل أنك ظلمت والدتك.

كيف؟ وما علاقة هذه القصة بها؟.

نظر لها وقال في ضيق:

-يمنى، مازالت القصة في بدايتها.

وهل تتخيلين أنني بتلك التفاهة لأُنهي حياتي من اجل قصة حب فاشلة؟

 

-أعتذر، أكمل حديثك من فضلك.

ابتسم واستكمل وقد اشاح بوجهه بعيدَا عنها، كأنه يخجل من ذكر الأحداث القادمة:

-بعدها تحولت شخصيتي إلى النقيض، ماتت كل المشاعر بداخلي.

وتعددت علاقاتي بالبنات بمختلف أصنافهن، بتُ أرى الغدر والخيانة في ملامح كل فتاة.

 

نظرت له بترقب، لكنه حافظ على إخفاء عينه بعيدًا عنها:

-كنت اقترب من كل واحدة حتى تقع في غرامي، ثم ابتعد. 

-كأنني اتحدى ياسمين، كأنني أجرحها هي.

كنت أراها في كل البنات التي اقتربن مني بكل سهولة وبدون مجهود.

 

ابتلعت يمنى ريقها في صعوبة، وقد تفاجأت من شخصيته البعيدة عن هيثم الذي تعرفه.

استكمل حديثه في آسى:

-كانوا أيضًا يخدعونني.

في إحدى السهرات تقربت من فتاة استطاعت لفت انتباهي إليها؛ فطالت علاقتي بها بعض الشيء.

 

لكني اكتشفت أنها سيدة متزوجة، شعرت باشمئزاز غير عادي.

كيف تخون زوجها معي؟

نظر ليمنى التي ظهر على ملامحها استنكار واستياء من حديثه، فصمت قليلًا..

 

ثم استطرد:

-لكني أبقيت على علاقة بها بدافع الفضول، واجهتها حتى أسمع قصتها.

تأمل ملامحها، ثم استطرد في سخرية لاذعة:

-حكت لي أنها زوجة ثانية، وانها تزوجت من دكتور عجوز بفارق عمر كبير، بسبب احتياجها إلى تأمين مستقبلها.

لكنها لا تشعر بشيء تجاهه. 

 

وأخرجت لي صورتها معه لتثبت لي صحة حديثها.

نظرت له بعدم فهم، فاستكمل في سرعة وهو يُخرج من جيبه صورة مهترئة ليقدمها لها:

 

تأملتْ الصورة لحظات،  بالفعل وجدت بها شابة صغيرة تبدو في اواخر العشرينات، تتأبط ذراع رجل يبدو عليه الهيبة في عمر الخمسينات، لكنها لم تفهم، فنظرت إليه في حيرة. 

استطرد في تهكم:

-اقدم إليكِ الدكتور سراج الدين ......

تأمل ملامحها في تهكم وقال في قلة حيلة:

-والدي.

 

اتسعت عيناها في ذعر، وقد تحولت كل نظرات الاستنكار إلى حيرة، رق قلبها على حاله، حاولت أن تحلل الموقف كعادتها لكن عقلها تزاحم بالأفكار المتضاربة، فما قصهُ عليها هيثم من تقلبات وأحداث لم يستوعبها عقلها الصغير الفتيّ، سقطت دمعة من عيناها لكنه نظر أمامه في صلابة كانه لم يقل شئ، ثم استطرد بعد قليل:

-يمنى، هل تعلمين لماذا لم أُقدم على خطوة الانتحار؟

نظرت له متسائلة وقد بدأت الدموع تظهر في عينيها، حينما تذكرت شعوره وقتها، تابعته في صمت:

 

-والدتي، بالطبع كانت صورتها لا تفارق ذهني.

صمت قليلًا، فقالت بصوت خافت مليء بالتأثر:

-لا تستهين بدعائها لك...قد يكون السبب الوحيد.

هز رأسه موافقًا، ثم قال في حنية بالغة:

-وأنتِ.    

 

نظرت له وتجمدت الدموع بعينيها فاستطرد:

-ظهورك في حياتي، أعاد إلي معني افتقدته.

عندما تحدثتِ عني بعد الاختبار شعرت كأنك تتحدثين عن هيثم آخر، عن فطرتي التي تغيرت كثيرَا. 

كرهت شخصية هيثم المتلاعب بحق.

تلون وجهه مغتاظًا وأشار بيده مستطردًا:

-ورغبت أن أقتله بيدي.

 

سادهم الصمت لفترة حتى تحدثت هي:

-وماذا فعلت؟

نظر لها في حيرة فاستطردت موضحة:

-ماذا فعلت حين علمت بذلك الامر؟

 

حرك رأسه في استسلام وقال:

-للآسف، هذه المرة الصدمة كانت أقوى.

 

والدي هو مثلي الأعلى الذي احتذي به، كنت اتمنى أن أصبح دكتور مثله، أتزوج بفتاة جميلة مثل والدتي تجمعني بها علاقة طيبة مثل علاقتهم التي كانت في اعتقادي..

شعرتُ بصعوبة أن أعود إلى البيت وانظر في عينيها دون ان اشعر بأني خائن..

فاخترعت موضوع الطرد ونقلت أوراقي إلى هنا.

 

حرك رأسه وقال في خنوع:

-هربت، اعترف لكن وقتها كان هروبي ملاذ. التجأت إليه في استسلام.

 

 استدارت إليه وبدأت في التحدث:

-هيثم....اسمعني.

وقفت أمامه ونظرت إليه وقد شعرت أخيرًا بتماسكها ورغبتها في التحدث:

-قصة حبك لصديقتك تحمل طابع من الاخلاص النقي، ولا أعلم لما اختزلت هذا الجزء ببساطة في قصتك رغم أنه الأفضل على الاطلاق، أردت أن تقتل هيثم المتغير ولكن شخصك القديم ثار وعاد للظهور لإنقاذ ما يمكن إنقاذه...

 

صمتت لحظات لتترك لكلماتها وقع طيب قصدته، قبل ان تتنهد وتقف لتقول بجدية:

-أما طابع الخيانة الذي رأيته في أصناف البنات فهو ظالم.

 

الخيانة والغدر طبع لا يختص به جنس بعينه. والدليل أيضًا في قصتك الأخيرة التي حملت نموذجين من الخيانة.

 

استخدمت يدها في التعبير واستطردت:

-والدك، وزوجته.....فلماذا تختص زوجته فقط بالخيانة إذن؟.

 على الرغم من خيانة والدك لزوجته الأولى.

 

التقت عيناها بعينيه عندما نظر لها بتأثر، فاستطردت:

-والدتك.

ترددت قليلًا قبل أن تقول له في جدية:

-انت مخطئ بهروبك، على الرغم من أن الله وضعك في مكان من الممكن استغلاله لحل معضلتك.

نظر لها بعدم فهم.

 

فقالت: 

-ما أُخذَ بالقوة لا يُسترد إلا بالقوة.

ابتسمت له ولمعت عيناها،،، وقد توصل عقلها المنظم إلى حل مثالي.

                    **************************************

في اليوم الاخير لأمينة، كانت لها الفرصة لتتقابل مع تهاني لأول مرة، عندما دعتهم صافي لتناول الشاي والكيك فترة الظهيرة، ابتسمت أمينة وهى تشعر بسعادة حقيقة:

-كم انا محظوظة لأراكِ قبل أن أُغادر.

 

نظرت إلي تهاني موجهة لها الحديث، ثم نقلت بصرها إلى عائشة واستطردت مبتسمة:

-وأشعر بسعادة بالغة لرؤيتك مجددًا....

أجابت عائشة في ود صادق:

-لكم تمنيت أن تطول فترة إقامتك هنا بضع أيام.

 

هزت راسها في وقار واجابت:

-أنا أيضا، ولكن أنتِ تعلمين لا تستطيع الواحدة منّا ترك منزلها فترة أطول.

أجابت تهاني في مرح:

-معكِ حق، وإلا ستشعرين بالندم لما سيؤول إليه حال المنزل في غيابك.

 

ابتسم الجميع وحركوا رأسهم بالموافقة، في حين استطردت أمينة حديثها:

-بارك الله لكما في هذه العلاقة الطيبة، وأدام عشرتكن بالخير.

 

صمت الجميع، ثم قالت صافي في مرح:

-لا تقلقوا، ستعود....فأنا احتفظ بأغلى ما عندها...

ابتسمت أمينة وقالت في تأثر:

-معكِ حق، الحمد لله لقد اطمأننت عليه هذه المرة.

 

صمتت قليلًا لتتذكر شعورها بالراحة هذه المرة عندما تحدثت إلى ابنها، رغم تجربته التي لم تعرف عنها شئ، إلا أنه بدا لها أكثر مرحًا وطبيعية كما عهدته، فاستطردت في راحة بال:

-فقد بدا بأحسن حال، من الواضح أنه ارتاح كثيرًا في بلدكم.

 

تبادلا تهاني وعائشة النظرات وابتسمت الأخيرة:

-لا تقلقي، أعتقد أن علاقته بعمرو والبنات ستساعده على التأقلم بسهولة.

ابتسمت لها امينة، وقالت ببساطة:

-لا أشك في ذلك،  فلا ريب أن بناتكن يستطيعون النفاذ إلى القلب مثلكن تمامًا.

كم كنت أتمنى مقابلتهن.

 

قالت تهاني:

-المرة القادمة بلاشك، فلتأتي في أجازتهن حتى تتمكني من ذلك.

-بالتأكيد، سأحاول....

 

صمتت قليلًا، واحتست رشفة من الشاي، ثم نظرت إلى تهاني وقالت لها فجأة:

-فلتعتني ببناتك جيدًا، أشعر أنهن في حاجة إلى ذلك....

نظرت لها نظرة خاوية من المشاعر، بينما شعرت تهاني بالرهبة من حديثها؛ فنبرة صوتها لم تكن طبيعية، بل كانت تحمل طابع من التحذير وليس التوصية.

                      ************************************

 

مواعيد النشر: الثلاثاء


تعليقات