(((لقراءة الفصول السابقة اضغط هنا)))
(حياة
في خطر)
استيقظ عمرو باكرًا ليذهب
إلى صالة الألعاب الرياضية، مكانه المفضل الذي يُفرغ فيه طاقته دومًا، فيشعر بتحسن
جسدي ومعنوي.
رن هاتفه بعد انهماكه في التدريب
الشاق، فذهب في خفة ليُخرجه من حقيبته الرياضية، ما لبث أن كتم صوته عندما رأى اسم
نورة، تعلم جيدًا أنه يستيقظ مبكرًا.
كانت المرة الخامسة التي تحاول
فيها الاتصال به خلال اليومان السابقان، لكنه اكتفى كل مرة بعدم الرد، كما فعل مع البنات
صديقاته في الفترة الأخيرة، التي كانت محاولاتهن في الاتصال به تبوء بالفشل.
كان يشعر داخله برفض التواصل
مع أي فتاة دون أن يعلم سبب لذلك.
أنهى تدريبه وذهب ليغتسل،
ثم خرج في نشاط ليتفقد هاتفه، فوجد مكالمة واردة من شهد، فانزعج.
قام بمعاودة الاتصال بها سريعًا،
فهو لم يعتاد اتصالها في هذا الوقت المبكر:
-ألو، شهد كيف حالك؟ ما الأخبار؟
هل أنتِ بخير؟
قطّب جبينه ونظر إلى باب الصالة
ثم تحرك سريعًا، وهو يواصل حديثه معها:
-في
الخارج منذ متى؟ هل حدث شئ.
هل أختك بخير ووالدتك؟
لم يطمئن حتى خرج إليها، وتفقد
ملامحها في ترقب، ثم ارتاح عندما لمح ابتسامتها.
فمد يده إليها بالسلام:
-شهد، مفاجأة جميلة.
على الرغم من تسببها في شعوري
بالقلق.
نظر في ساعته، ثم استطرد في
تساؤل:
-فهذه
ليست مواعيدك.
ابتسمت وأشارت إلى حقيبة الدروس:
-أنا
ذاهبة إلى الدرس ولكن احتاجك في أمرٍ هام.
سار إلى جوارها، ثم قال في
اهتمام:
-هيا بنا سأقوم بتوصيلك أثناء
حديثنا.
تأملت جسده القوي وقالت مازحة
كعادتها:
-لقد
أصبح جسدك رائعًا، ممشوق القوام مثل أبطال رواياتي.
ابتسم لمزاحها وقال بابتسامته
الجذابة:
-مُعجبتي الصغيرة.
كما وعدتك سأنتظرك حينما تكبرين
ثم اتقدم لخطبتك.
ابتسمت وتلون وجهها بالخجل
ثم قالت:
-سأنتظرك
بالتأكيد.
أشارت إلى الشارع المؤدي إلى
درسها، ثم أزاحت خصلة من شعرها إلى الخلف،
وقالت في اهتمام:
-هل تشعر بشيء غريب يحدث بين
مريم ويمنى.
توقف عن السير محاولًا أن
يتذكر، انتبه إلى أنه انشغل بمشاعره التي واجهها برفض.
عن علاقته المعهودة بمريم
ويمنى، عاتب نفسه أنه لم يلحظ توتر علاقتهن الذي فسر شرود مريم الدائم
في الآونة الاخيرة.
خاصة حينما تذكر مشهد خلافهن
وقت محاولة انتحار هيثم، التي لم ينتبه إليها إلا الآن.
عقد ذراعيه ونظر لها قائلًا
في اهتمام:
-اخبريني
هل لديكِ معلومات عن خلافهن أو أسبابه.
هزت رأسها وردت:
-لا هو فقط مجرد إحساس،
لكنَ شرودك أكد شكوكي.
التقت نظراتهم في صمت، حتى
قالت هي:
-لقد
لجأت إليك.
لأنك صديقهن الثالث، والوحيد
القادر على التدخل بينهن.
ابتسم لثقتها فيه، رغم أنها
أوجعت ضميره أكثر.
فنظر إليها ووعدها في صدق:
-نعم، أعلم ذلك بالتأكيد...لا
تقلقي. سأتدخل بينهن في أقرب وقت..
في نفس اللحظة وصلا إلى مكان
الدرس، نظرت إلي ساعتها، ثم قالت:
-شكرا
على توصيلي، سأذهب الآن.
نظر لها وحرك رأسه في حنان:
-اعتني بنفسك.
نظرت له في امتنان ثم استدارت
لتلمح "أحمد" ينظر لها من بعيد في ثبات، بادلته النظرات من بعيد وهي تتساءل
بداخلها في سعادة حائرة:
-تُرى
هل شعر بالغيرة؟
***************************
ذهب عمرو إلى بيته بعد أن
ودع شهد، قام بتغيير ملابسه، ثم أجرى محادثتين من هاتفه.
الأولى كانت من نصيب يمنى،
اتفق أن يقابلها في الجامعة بعد نصف ساعة بعد ما أخبرته أنها بالفعل هناك، تأكد من
وجود خلاف حينما أخبرته أن مريم ليست معها، وكانت المكالمة الثانية لمريم، اقنعها
بعد صعوبة أن تذهب معه إلى الجامعة.
لم يجد بداخلها الرغبة في
مغادرة منزلها، خاصة أن جدول اليوم لا يشتمل على محاضرات هامة كما أخبرته.
لكنه أمرها في صرامة وحزم:
-سأمر عليكِ لأخذ الاذن من
والدتك؛ لنذهب سويًا.
وسأقوم بتوصيلك في نهاية اليوم.
وافقت أمام إصراره، فذهبت
لترتدي ملابسها أولًا.
أنهت تحضيراتها في سرعة، اختارت
كنزة بيضاء شتوية و بنطال رياضي غامق؛ فلم تكن في مزاج للتجمل.
على الرغم من ذلك بدت في أجمل
طلاتها، فالبساطة تجلت على مظهرها وخاصة في عين عمرو، الذي افتقد مظهر البراءة في نوعية
البنات التي اعتاد عليهن.
فما آن رآها حتى أطلق صافرته
المميزة وقال مبتسمًا متآملًا هيئتها:
- في
الوقت الذي أعتزل به الجميع، تتجلين أنتِ لتخترقي فقاعتي وتلُجي إلى ذهني بلا مقدمات.
ابتسمت في خجل واستنكار، ثم
قالت وهي تشيح بوجهها بعيدًا عنه:
-ماذا
بكْ؟
حاولت أن تتفادى الرد على
معاكسته، فقامت بتغيير الموضوع:
-تعتزل الجميع؟ هل أنت بخير؟
ابتسم ابتسامة صافية، وقال
بعينيه التي حافظت على بريق اعجابه بها:
-لا
أعلم، ولكن يغمرني شعور بالتنزه من أي مشاعر متبرجة بحق.
التقت عيناهم للحظات في صمت،
اقترب يسألها:
-لقد هاتفت والدتك، هل أخبرتك؟
أم مازلتِ تحتاجين لإذن.
أشارت له ليتقدمها وقالت:
-نعم،
أخبرتني....أتعجب لتساهلها معك، غريبة هي بحق.
تقدم أمامها فخرجت وأغلقت
الباب، ثم حرك كتفيه في لامبالاة وقال بثقة:
-تعتبرني أخوكم الرابع، وتتعشم
فيّ الخير.
ابتسمت وسارت إلى جواره، تأملت
جسده الممشوق وملابسه فقالت في تعجب وهي تشتم رائحته الذكية:
-أخبرني
لم التأنق إذن؟ ما دُمت اعتزلت الجميع؟
قالتها في خبث وبراءة، لكنه
شرد بتفكيره بعيدًا عند سؤالها.
فقد استغرق وقت أطول من المعتاد
في ارتداء ملابسه وتصفيف شعره، وضع العطر المميز به.
تذكر اهتمامه بمظهره بشكل
مبالغ، رغم أن هدف الخروج هو الإصلاح فيما بينهن فقط لا غير.
كما أنه ليس من الأشخاص المهتمين
بمظهرهم على أي حال، طال صمته.
فاندهشت ثم تساءلت:
-ماذا بكم جميعًا؟ فأنت ثاني
شخص أشعر منه بالتغيّر.
نظرت له في ريبة، فقال عاكسًا
الاتهام إليها في دهاء:
-ولماذا
لا تقولين أنك العامل المشترك. يجوز التغيُر بداخلك أنت.
ضحكت استهزاءٍ على حالها،
واستسلمت لوصولهم إلى محطة الأتوبيسات، فاكتفت بتبادل النظرات معه فقط.
**************************
صعد عمرو خلف مريم إلى داخل
الأتوبيس، لم يكن مزدحمًا عن آخره، لكنه وجد كرسي شاغر إلى جوار سيدة عجوز، فأشار إلى
مريم لتجلس ووقف إلى جانبها ليحول بين مجلسها وتصادم أيًا من الركاب بها.
تأمل ملامحها وهي شاردة تنظر
من الشباك بجوارها... رغب في البوح بما يعتمل بداخله من مشاعر حائرة ود مشاركتها بها،
نظر حوله؛ فتبيّنَ أن المكان لا يسمح له بذلك.
نظرت إليه، فظنت أنه يبحث
عن مكان ليجلس، فألقت نظرة استكشاف فيما حولها.
ثم أشارت إلى كرسي يبعد عنهم
بصفين لكنه هز رأسه رافضًا، ومال على أذنها هامسًا:
-أنا هنا لحمايتك، لن أسمح
لأي نظرات بالفرار لهذا الجمال أو مسهُ.
نظرت إليه تستنكر قوله ولكن
تأثرت به، شعرت أنه هنا لاحتوائها بعيدًا عن أي غريب يقترب منها أو يمسها. ابتسمت في
حنان وأرسلت إليه نظرة امتنان.
توقف الأتوبيس لحظة ونزلت
السيدة التي كانت بجانبها، فأشار عمرو لمريم لتنتقل إلى الداخل وجلس هو على الحافة
إلى جوارها، شعر أن الفرصة واتته، ليفصح عن ما بداخله، او بالأحرى أنتهز فرصة تقاربهم،
ولم يأبه بطبيعة المكان:
-مريم.
شعرت بالرهبة دون سبب، فتأملت
ملامحه وزاد توترها عندما صمت عاجزًا عن استكمال حديثه.
فقالت وهي تنظر في عينيه في
عمق:
-عمرو، أشعر أنك تخفي عني
شيئًا ما؟ أو تتردد في البوح به.
راوده شعور أنها تقرأ أفكاره،
فتابع نظرة عيناها وقال ببطء:
-نعم،
فأنا حقًا لا أعلم ماهي حقيقة مشاعري، أو
لا أجد سببًا.
لكنك تزدادين جمالَا في عيني
مؤخرًا.
اتسعت عيناها فهي لم تتخيل
أنه يمتلك ذلك النوع من المشاعر تجاهها، لم تشك في ذلك أبدًا، استطرد هو دون
أن يعطيها الفرصة لتفكر او تجيب:
-كما
يزداد اهتمامي بكِ، وتفكيري فيكِ عن المعتاد.
أشعر بالرغبة في إمضاء أوقاتي
معكِ، كما أنك تطرئين على ذهني دومًا كلما تغيبتِ عن ناظري.
منذ جملته الثانية أشاحت بوجهها
بعيدًا عن عيناه في حرج، لكنه لم يفعل.
ظل متعلقَا بعينيها كأنه يتشبث
بهما ليهيم بعيدًا عن دنياه ...تابع شرودها وصمتها، ولم يغفل شبح ابتسامة إعجاب بحديثه
بدا على محياها في خجل، فاقترب ليهمس في أذنيها:
-مريم....أنا.
كاد أن ينطق بالكلمة على أثر
شعور راوده دون إنذار، لكنها استوقفته بإشارة من يدها.
ثم حاولت أن تتحدث فخرج صوتها
خافتَا:
-عمرو......أنا أعتز بك.
نظرت أمامها وقالت بعينين
متأثرة ووجهٍ ضاحك:
-لكنِ تفاجأت.
شعر بارتجافها وحيرتها، فلمس
يدها ليحاول تهدئتها، فضمت يدها مستطردة:
-نعم،
احببت كلماتك واهتمامك بي في الآونة الاخيرة.
نظرت له وتلألأت عيناها وهي
تستطرد:
-أي مشاعر تأتي من خلالك تلاقي
القبول بداخلي.
فأنت عمرو .
قالت جملتها الأخيرة وسددت
نظرة تقدير صادقة:
-لكني
في حاجة إلى فهم مشاعري.
كما أحتاج منك أن تفعل المثل....
وأرغب بشدة حين تنطق بكلمة
حب أن تشعر بها بداخلك اولًا.
حتى يكون وقعها مختلفًا عن
كل مرة نطقت أنت بها أو استمعت أنا إليها.
نظر لها وابتسم، لم يرغب في
مجادلتها، فهو لم يرغب في النطق بها إلا حينما شعر بها بالفعل بداخله كما قالت هي،
لكنه استسلم لشعورها الذي أمده بالسلام الداخلي، ولم لا؟
فليُمهل مشاعره بعض الوقت
هذه المرة، فكما قالت هي.
أنها أيضًا مريم، شخص غالي
لا يمكن التهاون بمشاعره، أو العبث بها.
أما هي فقد شعرت بالغبطة تملؤها،
اندهشت واستنكرت إحساسها.
ألقت نظرة جانبية إليه كأنها
تتأمل ملامحه لأول مرة.
شردت شاعرة بالحيرة تذكرت
آسر ومحاولاته معها، التي لم تفلح في الوصول إلى قلبها مرة. و
-مريم
نطق باسمها حين وصولهم عندما
توقفَ الأتوبيس، فشعرت بالحرج لعدم انتباهها إلى ذلك. قام من مجلسه وتراجع خطوة إلى
الخلف ليسمح لها أن تتقدمه، فتأملته معجبة وتقدمت بخطواتها أمامه وهي تتساءل في حيرة:
-هل تغير عمرو معها، أم إنها
تراه من منظور آخر.
اختلط بداخلها مع مشاعر الغبطة
شعور بالراحة، نعم هي على حق أنه عمرو...
لن يتسبب في جرحها بلا
شك، لن تأتي منه أي مشاعر سلبية، شعورها الحالي هو الأول من نوعه.
فقد شعرت بالأمان، نظراته
لها وحمايتها الذي امتزج باحترامه لها.
معاني لم تشعر بها من قبل
لكنها أمدتها بشعور لم تعرفه من قبل.
شعور الأمان..
**************************
ما آن وصلا إلى باب الجامعة،
حتى شعر عمرو بتوتر الجو بينهم، أخرجت مريم هاتفها على أثره.
وأجرت مكالمة سريعة تطمئن
على شهد في محاولة منها لتخفيف التوتر وإظهار الانشغال.
فما أن أنهت حديثها معها،
حتى وجد عمرو الفرصة جيدة لإثارة الموضوع.
فقال محاولًا التظاهر بالبساطة:
-ما أخبارك أنتِ ويمنى؟
توقفت عن السير وألقت نظرة
طويلة عليه، ثم حركت كتفها وتظاهرت باللامبالاة:
-بخير.
-أشعر بعدم الصدق في قولك.
نظرت له في شك، ثم تساءلت:
-ماذا بك؟ هل أخبرتك يمنى
بشيء؟
أشار إليها بيده صائحًا بانتصار:
-إذن
فهناك شئ، لقد اعترفتِ
-أنا لم أقل ذلك؟
نظر لها في ارتياب،
ثم اخرج هاتفه وهو يقول:
-إذن
فلن تمانعين إذا انضمت إلينا.
نظرت له في غضب وهو يتحدث
إلى يمنى في الهاتف:
-أين أنتِ؟ .......
صمت قليلًا ثم أشار لمريم
إلى اتجاه مدرج المحاضرات، واستطرد:
-حسنًا،
سنأتي حالًا..
ما آن أغلق الخط، حتى سألته:
-لماذا لم تخبرني أنها هنا؟
-ربما، لإنك لم تسألي عنها.
فمن الطبيعي أن نقابلها كالعادة.
نظرت له وتحولت نظرة الغضب
إلى استنكار.
وصلت مريم إلى مكان صديقتها،
ألقى عمرو التحية على يمنى:
-كيف حالك؟
-بخير
في حين نظرت هى إلى مريم منتظرة
منها إلقاء السلام، لكنها أشاحت بوجهها بعيدًا.
لاحظ عمرو اضطرابهم وعدم تصرفهن
بطبيعة.
فرفع حاجبيه من الدهشة، بينما
اقتربت يمنى من صديقتها، متسائلة في لوم:
-هل وصلنا إلى هذه الدرجة؟
ألن تلقي عليّ التحية ؟
أجابتها مريم بنظرة لائمة
ملتزمة الصمت، عقد عمرو ذراعيه وهو يتأملهم، ثم قال في غضب:
-الآن،
هلا تخبروني ما الموضوع، وما سر الخلاف الدائر بينكن؟
تبادلا النظرات أولًا، ثم
ردت مريم باقتضاب موجهة حديثها إليه دون النظر إلى يمنى:
-سبق وأخبرتك أنه لا
يوجد شيء.
نظرت له يمنى ثم رفعت رأسها
وقالت في تحدٍ:
-سأتحدث
بصراحة، يوجد بيننا خلاف.
ولكن كلتانا تتهرب من التحدث
عنه.
ألقت مريم نظرة غاضبة على
يمنى، وشردت بخيالها تتساءل كيف تتجرأ صديقتها بالبوح عن سرهما لعمرو.
فالموضوع شائك وغير قابل للنقاش
فيما بينهن، فما بالها تتحدث إلى العامل المشترك بينهن وبين هيثم ذاته.
ردد عمرو في حيرة:
-خلاف؟
وما هو السبب؟
ألقت مريم نظرة تحذير، فبادلتها
يمنى نظرة تحد.
أجابت يمنى ببساطة وعيناها
موجهة إلى مريم:
-موضوع
يتعلق برؤية الأشياء من منظورٍ خاطئ.
ألقت مريم نظرة استنكار واضحة،
ثم ابتسمت بتهكم وسايرت يمنى في الحديث المتوارِ:
-موضوع
يتعلق بالثقة.
سددت يمنى نظرة اتهام وقالت:
-لم أخن ثقة أحد.
نظرت لها وقالت في تحد:
-هذا من منظورك أنتِ....كم
يبعد ذلك عن الحقيقة.
عقدت يمنى ذراعيها وقالت في
لوم:
-لقد تماديتِ في تفسير الموضوع،
تخيلتِ الكثير بعواطفك و اتهمتيني بالظلم.
أوقفهم عمرو بإشارة من يده،
وهو يحاول متابعة الحديث دون جدوى، فقال في حزم:
-توقفوا!!
أنا لا أفهم شئ، بالله عليكن
أنا تائه هنا....هلا تخبرانني ببعض التفاصيل.
فالمتورط بينكن هو المظلوم
بحق.
التزما الصمت، نظروا له وأشاحوا
بوجههن بعيدًا، اقترب عمرو من مريم قائلًا:
-ما
الذي يحدث، عن ماذا تتحدثان؟
صمتت مريم بينما تحدثت يمنى:
-عمرو، شكرا لك أنك بادرت
بالمساعدة، لكن أشعر بأننا في حاجة للتحدث على انفراد.
نظر لها طويلًا، ثم اقترب
من مريم ليسألها في خفوت:
-مريم،
هل أنتِ بخير؟
أومأت برأسها إيجابًا،
فظهر التأثر في عينيه، واقترب منها قائلًا في حنية:
-هل ترغبين في مغادرتي، أم
بقائي؟
تلاقت عيناهم لحظات بتأثر،
بينما راقبت يمنى المشهد عن كثب صامتة.
ثم رفعت إحدى حاجبيها في دهشة
وهي تقول:
- ما هذا الاهتمام المفاجئ؟
هل فاتني شئ ما؟
نظرت لها مريم بخجل، وابتسم
عمرو كأنه ضُبط متلبسًا بإعطاءه الاهتمام الأكبر لمريم، وهو أمرًا لم تعتاد يمنى عليه
من قبل، ابتسمت يمنى ابتسامة لا تخلو من سعادة غير مبررة، ثم وجهت نظرة أخرى لمريم:
-أعتقد
أنه يوجد أكثر من موضوع في حاجة إلى المناقشة بيننا على انفراد.
نظرت لها مريم باستنكار، وقد
خطفت نظرة سريعة لعمرو الذي ظل محدقًا بين كلتاهما دون حيلة.
هنا فهمت مريم مقصدها، تبادلت
النظرات مع عمرو، ثم أحنت رأسها في خجل وقد أدركت أنه من السهل على يمنى كشف ما بينهم،
فهي الأقرب إليهم.
كم افتقدت علاقتها بها، تبينت
في تلك اللحظة أنها ومنذ أن أخبرها عمرو بمشاعره المختلطة تمنت هي اللجوء لصديقتها
والتحدث معها، تمنت وأنكرت افتقادها لعلاقتها بها.
كانت يمنى هي القادرة على
فهم تحول مشاعرها المفاجئ تجاه صديق الطفولة المشترك بينهن.
تجمد المشهد لحظات نفضت فيها
مريم أفكارها، فنقلت بصرها إلى عمرو قائلة:
-عمرو، أمهلنا القليل من الوقت.
لكن انتظرني سأنهي حديثي معها
وأعود إليك لتقوم بتوصيلي كما وعدتني.
تلاقت عيناهم للحظة أومأت
هي برأسها له فأرسل نظرة سريعة عليهن، ثم رحل مبتعدًا.
**************************
ترك هيثم يمنى بعد أن أنهوا
حديثهم السابق، وطلبت هي منه أن يرحل ليفكر في حديثهم جيدًا، بعيدًا عن أي ضغوط.
على الرغم من تقديمها له لحل
منطقي عمليًا، إلا أن تنفيذه بدا أقرب للمستحيل، كان يشعر بازدحام أفكاره كل ما احتاج
إليه هو أن يختلي بنفسه بعيدًا عن كل العالم.
تحديدًا احتاج أن يعود إليها.
"نفسه".
هيثم الحقيقي الذي حاول طوال
الشهور السابقة أن يبتعد عنه ويتوارى خلف شخصية مختلفة تمامًا عنه..........
لم يرغب في الرجوع إلى المنزل،
تمشّى قليلًا في الشوارع القريبة من الجامعة، ثم قادته قدميه إلى مقهى هادئ، فدخل وقضى
به بعضًا من الوقت، حاول أن يرتب أفكاره تذكر كلماتها إليه التي أنهت بها حديثًا طويلًا:
-كل ما اقترحته سابقًا، هو
مجرد فكرة قد تكون مجنونة، وقد تؤتي ثمارها.
كلها احتمالات.....أنت وحدك
من يستطيع القرار إذا كنت قادرًا على تنفيذها أم لا.
نظرت إليه وابتسمت في حنان
مستطردة:
-لكن
الأهم الآن، أن امتحاناتنا اقتربت، أنا لا أعلم ماهو مستواك الدراسي، وإن كنت
غير مطمئنة..
لكني متأكدة أنها السنة النهائية
ولا يوجد أي خيار لنا سوى النجاح ومحاولة التفوق...
فلتجعل هذا هدفك الأول بالله
عليك.
ابتسم حينما تذكر نبرة صوتها
الواثقة الحنون، وتذكر إحساسه بها، شعر باختلاف تام بين إحساسه بيمنى وإحساسه بحبيبته
الأولى.
ياسمين كانت بمثابة الحلم،،،،حلمه
الأول بفتاة جميلة سلبت عقله وقلبه،،،تمنى أن يتحدث إليها ثم اقترب ليحقق حلمه وتعرف
عليها، قضى معها سنين يشعر بأن حلمه يكبر، لكن لم يتشاركان أفكارهم، لم يشعرا بتشابه
شخوصهم..
بل فرضوا الحب الذي أتى بعد
الإعجاب ودام لسنين فأصبح فرضًا على كلاهما دون اختيار.....
وحينما قابلتهما ضغوط
وتحديات لم يصمدا، لم يتمسكا بحبهم.....وتفرقا.
أما احساسه بيمنى فكان مختلفًا،
فقد حاول مقاومته في البداية، لكن كلما حاول الهروب عاد إليها كلما حاول النسيان كان
يراها فتخطفه، عندما تحدث معها عن مشكلته بل معضلته شعر بالراحة رغم أنه تعرى من كل
ذنوبه أمامها، إلا أنه شعر بالتطهير وكأن حديثه معها أخرج كل دناسة فعلها سابقًا فشعر
بأنه أفضل حالًا....
كما أن ظهورها في حياته وحديثها
عن علاقته بربه الذي بدأت ما آن تحدثت هي عنها، جعل شعوره بها مختلفًا عن أى فتاة قابلها
في حياته، كم أحب احساسه ببراءتها وفطرتها واخلاقها.
انقضى بعد الوقت شعر أنه يرغب
في العودة إلى عالمه بشعوره الحالي، أنهى قهوته وخرج.
قرر أن يترجل إلى المنزل على
قدميه، سار شاردًا وفي منتصف الطريق إلى البيت.
شهد حادث سير أوجع قلبه،،،
رأى فتاة في سن المراهقة تعبر
الشارع تأملها في إعجاب وقد ذكرتّه بشخصٍ ما لم يتذكر وقتها من، ابتسم وهو يراقبها
من بعيد، لفتَ انتباهه شرودها عن الطريق وحزنها البيّن، الذي أدى إلى عبورها أمام سيارة
مسرعة لم تنتبه إليها، كما لم يتمكن السائق بسبب سرعته من تفادي الاصطدام بها.
شهق هيثم وأسرع الخطى في محاولة
لإنقاذها، لكنه وصل متأخرًا بعد أن أطاحت السيارة بجسدها الصغير، وصل في نفس لحظة سقوطها،
لكن....تعرض رأسها للاصطدام بأسفلت الطريق بعنف، فغابت عن الوعي وبدا ان جسدها فارقته
الحياة....
أبعد هيثم المارة عنها وصرخ
بهم في رعب:
-ابتعدوا
عنها حتى تصل سيارة الاسعاف.
أخرج هاتفه من جيبه بيدِ مرتعشة،
محاولَا الاتصال بسيارة الاسعاف.
وهو يتأمل ملامحها مرة أخرى
عن كثب.
الآن فقط تذكر بمن تذكره تلك
الملامح، فهي قريبة الشبه إلى مريم، لكن يبدو عمرها أصغر ببضع سنوات...فقد بدت في سن
المراهقة.
*************************
مواعيد النشر: الثلاثاء
تعليقات
إرسال تعليق
شاركنا رأيك في هذه التجربة