BlogLabels

القائمة الرئيسية

الصفحات

 



(((لقراءة الفصول السابقة اضغط هنا)))


الصحوة"

 

وقف الدكتور "أنس" الدكتور النفسي المختص بمتابعة حالة شهد إلى جوار غرفتها، قام بتعريف نفسه أولًا، ثم ألقى نظرة قصيرة على الجمع أمامه.

الذي ضم المهندس مصطفى وزوجته، ابنته، ويمنى.

 

-من المتوقع أن تفيق شهد خلال هذه الايام.

نظرت له والدتها وقد شعرت بالأمل.

فاستطرد الدكتور في حذر:

-لكننا نعتمد عليكم في ذلك.

 

تعلقت الأعين كلها به في حيرة، فاستكمل موضحًا:

-شهد...لديها هروب ورفض للحاضر الذي تعيشه. واستسلام واضح لحالة الغيبوبة.

لذا يتطلب منكم الأمر بعض المجهود لتشجيعها على مقاومة ذلك الشعور.

 

سألت يمنى في اهتمام:

-وكيف يمكننا ذلك؟

نظر لها في اهتمام، ثم قال في بساطة:

-بذكر كل إحساس جميل جمعها بأىٍ منكم. ذكرى جميلة.

نظر لهم بتتابع، ثم استطرد:

-رائحة عطر مفضلة لديها.

أي مثيرات تُمكّنها من الحنين إلى واقعها، ومقاومة الغيبوبة.

 

كان كلامه مقتضبا منضبطًا إلى حد كبير أنعش القلوب وألهمها الأمل..

فما آن رحل حتى استدار والد شهد إلى نفس الجمع، وقال في حسم:

-سَنُنظم أنفسنا ولن نطيل المكوث بالداخل.

فلتكن كلماتكم تحفيزية كما ذكر الدكتور..

 

بدا على ملامحه الارتياب والتوتر. كاد يسمح لمريم بالمرور.

لكنه استوقفها بإشارة من يده:

-سأسمح لكِ بعشر دقائق ليس إلا.

أومأت برأسها موافقة، وعيناها دامعتان، ألقت نظرة على يمنى التي حاولت بث القوة فيها كعادتهن بنظرة عين قوية واثقة؛ فدلفت في المكان تتحسس خُطاها.

 

تأملت جسد أختها الذي غاب عن بصرها طيلة خمسة أيام كاملة، انتابتها حالة من البكاء لم تستطع السيطرة عليها، فوضعت يدها على فمها وتلون وجهها منفعلًا.

لاحظ والدها المشهد من الخارج عبر زجاج غرفة العناية المركزة، فهز رأسه في قلق،

فقالت والدتها في لهجة لوم منتهزه الفرصة:

-لقد أخبرتك، هي عاطفية لن تستطيع التماسك

 

ألقى نظرة غضب اعتادت هي عليها، بينما تدخلت يمنى قائلة:

-هي عاطفية، لكن إذا تماسكت بشكل جيد ستتمكن من التأثير عليها.

 

حاولت مريم التماسك لكن ما لبثت أن استدارت في استسلام.. لم تتمالك نفسها لتتعايش مع فكرة أن أختها الوحيدة متصلة بأجهزة تنفس غير قادرة على الحراك.

فمشهدها برغم رؤيته يوميًا من الخارج.

لكن معايشته عن قرب كان أمرًا مختلفًا وغير محتمل أبدًا..

 

خرجت لتُلقي بنفسها بين أحضان والدها الذي لامها في حنان:

-مريم، فلتتماسكي فهي في حاجة إليكِ أرجوكِ.

تحركت تهاني على الفور بعد أن ألقت نظرة حاسمة، ودخلت دون أن يسمح لها مصطفى بذلك.

اكتفى بإلقاء نظرة عتاب ولم يحاول التدخل.

 

اقتربت من جسد ابنتها باكية في أسى....في أول لحظة لم تجد بداخلها كلمات معبرة عن ما تشعر به.

وقد بدا لها أنها تواجه صعوبة في إيجاد لغة حوار مُشجعة مع ابنتها.

كادت أن تستسلم هي الأخرى،  لكنها وقفت في صلابة ورفعت رأسها قائلة:

-شهد......ربما أواجه بعض التقصير في التعبير عن مشاعري تجاهك.

لكن 

 

خفضت رأسها قليلًا في حزن، ثم قالت في حرج:

-لكن أنا أحبك....من الطبيعي أن تشعري بحبي لكِ. فأنا والدتك لن يحبك أحد مثلي.

أنها مشاعر طبيعية أعلم. لكني أجد صعوبة في التعبير عنها.

 

أعدك بأنني سأخف الضغط عليكِ عن المعتاد....فقط إذا قررت الرجوع والمقاومة

كما أعدك بأنني سأحاول من أجلك. ولكن لا تعاقبينني بكِ....هذا أكبر اختبار لأي أم.

 

طرق لها والدها بخفة على الزجاج، فألقت نظرة أخيرة علي شهد وربتت على جسدها. ثم استدارت وخرجت مُطلقة لدموعها العنان.

تبادلت النظرات مع مصطفى، كم تمنت أن يأخذها في حضنه ويحنو عليها.

لكن ما لاحظته في عيناه كان أبعد ما يكون عن ذلك الشعور. كان الشعور المعتاد.

 

شعور باللوم والعتاب. الشعور العام لعلاقتهم.

دومًا هو يلومها بعيناه على تقصير لا تعترف هي به.

كما تنتظر منه شعورًا لم يعطيها اياه من قبل.

******************************

ظهر عمرو أمامهم فجأة.

كانت يمنى من استنجد به بعد ان فشلت محاولاتها في تهدئة مريم.

فتَنحتْ مُوسعة له الطريق، اقترب عمرو من مريم، فانتبهت وتوقفت عن البكاء:

-عمرو.

 

نظر لها وحاول السيطرة على مشاعره، محاولًا أن يبدو هادئًا رغم شعوره بالاشتياق إليها.

قال مبتسمًا في خفوت:

-حبيبي....لن أتورع عن احتضانك الآن إذا لم تكُفِ عن البكاء.

نظر لأهلها من حوله، وقام برفع صوته مهددًا:

-ولتتحملي ما سيحدث لي من والدك.

 

تحولت دموعها إلى ابتسامة اتسعت لتبدو ضحكة صافية وقد خفق قلبها على أثر كلماته الجريئة.

ابتسم لها في خبث، ثم استطرد:

-حبيبي....هل تعلمين أنهم قاموا باختيارك بسبب مشاعرك الحنون كي تستطيعين التأثير على شهد.

 

نظرت له باستنكار فاستطرد مستخدمًا ضمير المذكر لتدليلها:

-أنتَ لها.. وأنا أثق في قدرتَك على التماسك.

لمس كفها في سرعة لمسة عابرة، ثم قال في لهجة مليئة بالحنان:

-أنا إلى جواركِ....فلتستمدي قوتك بالنظر إلىّ....

 

نظرت له وظهر على محياها القوة، فأضاف بعينٍ صادقة:

-أُحبك.....

كفكفت مريم دموعها محاولة إظهار بعض القوة، ونظرت له نظرة أخيرة.

 

ثم خطت إلى داخل غرفة شهد بصحبة والدها، الذي تقدم أولًا مُقطب الجبين متأمل الجسد النائم بلا حول ولا قوة.

 

تماسك ومد يده ليلمسها، ثم قال بلهجة كأنه يعتذر لها:

-حبيبتي، صغيرتي الجميلة. كم أشتاق إليك.

منذ غيابك عنّا والحياة فقدت كل لون ومذاق.

 

تأمل مريم التي حاولت التماسك  رغم شعورها الداخلي بالانهيار، ثم استطرد في خفوت:

-فلتعودي إلينا، حياتنا في حاجة إلى شقاوتك ومشاكساتك لنا.

خلافاتك الدائمة مع والدتك. عنادك الدائم الذي يُثير غيظها دومًا.

 

دمعت عيناه من التأثر:

-حينما تقصين لي حكاياتك مع صديقاتك وخلافك معهن، ولا أستطيع مجاراتك أو إعطاءك النصح الملائم، لكني استمع إليك في انصات مأخوذًا بطريقتك في الحكي ولمعة عيناكِ من الانفعال.

هاجت مشاعره عندما تذكر تفاصيل ابنته فبكى.

 

صمت قليلًا حتى لا يُظهر لها دموعه وقهره...

ثم قال محاولًا التماسك مرة أخرى:

-شهد...كلنا نحبك وننتظرك....فلا تستسلمي أرجوك.

 

نظر إلى مريم التي أشارت له ليتركها وحدها معها.

نظر لها متسائلًا؛ فأومأت برأسها في ثقة.

ألقى نظرة أخيرة على صغيرته، ثم خرج وهو يردد دعاءٍ يَستجدي به ربه ليُعيد إليه ابنته التي 

افتقدَها بشدة.

 

في حين اقتربت مريم خطوة لتتأمل وجهها البرئ الذي فقد إمارات الحياة.

-شهد....أعلم أني لم أكن بالصديقة المقربة إليكِ

تنهدت وزفرت في حرارة، ثم استطردت:

-لكن على النقيض، كنتِ أنت.

صديقة تحاول بكل استماتة التقرب إليّ.

 

ابتسمت حينما تذكرت:

-منذ طفولتنا كنتُ أنا الأخت الأكبر التي تتهرب منكِ في تكبر، متحججة بفارق سنوات العمر بيننا.

لكنك كنتِ تجدين الطريقة المناسبة لتتقربي إلىّ.

وإلى هذا الحين لم تملِ ابدًا في ملاحقتي مهما تسببت لكِ في ضياع أغلب الفرص.

الآن، هل سئمتِ تتبعي فتركتني وحيدة في هذه الدنيا.

 

بكت رغمًا عنها، لكن ما لبثت أن تذكرت نصائح الدكتور، فحاولت رسم ابتسامة على وجهها قائلة:

-حتى إذا فعلتِ، سألاحقك أنا لتعودي.

يمكنني ذكر العديد من الأسباب المقنعة لدفعك إلى العودة إلينا.

سمعت طرقًا خفيفًا على الباب، فالتفتت لتجد والدها خلف الزجاج يدعوها لإنهاء حديثها.

 

اومأت له برأسها، وألقت نظرة وداع تلاها شعور بالراحة.

فهي لأول مرة تتحدث معها من قلبها، كانت دومَا تراها الأخت الاصغر سنًا. ربما تراها طفلة بدافع فارق السن بينهن.

لكنها حقيقة لا يُمكن إنكارها، هي لم تسمح لشهد بدخول عالمها والاقتراب منها كما تمنت وسعت هي إلى ذلك.

***********************************

في الليلة التي سبقت أولى أيام اختباراتهم، بعد أن أقنعت يمنى مريم بحضور محاضرة خارجية لمراجعة أخيرة على المادة الأولى،  بعد أن واجهت رفض منها بالتحرك من المشفى وترك شهد التي قد تفيق في أي وقت.

أنهوا محاضرتهم ثم ترجلوا إلى منزلهم، أمام باب منزل يمنى وقفتا تتحدثان في موضوع احتدم عند وصولهم.

 

نظرت يمنى بدهشة لصديقتها وقطبت جبينها، ثم قالت:

-ماذا تُعني؟

حركت مريم كتفيها وقالت ببساطة:

-لا أرغب في دخول الاختبارات، وخاصة بعد حضوري المحاضرة السابقة، تأكد لي هذا الشعور.

 

خفق قلب يمنى وهي تنظر لها في حيرة، لكنها بحثت عن الهدوء بداخلها رغم توترها بالفعل لقرب الاختبار، فقالت في هدوء:

-شكرًا، ستلقين الذنب على عاتقي أيضا. لقد كنت أحاول المساعدة بإقناعك بالحضور ليس إلا.

صمتت قليلًا ثم نظرت لها وتساءلت:

--وما علاقة المحاضرة بقرارك هذا؟

 

نظرت لها مريم في استياء وقالت:

-لقد ساهمت في تأكيد شعوري بأنني غير مستعدة لإداء اختبارات آخر عام في الجامعة.

رفعت يمنى حاجبيها في استنكار، وقالت:

-لكنك مستعدة للتخلي عن سنة من عمرك والتسبب في تأخرك عن باقي الدفعة.

 

أجابت مريم في سرعة وتساؤل :

-نجاح متأخرًا أم فشل قريب؟

نظرت لها يمنى وهمت أن تجادلها، لكن في نفس اللحظة ظهرت عائشة التي انتبهت إلى صوتهن المرتفع، فخرجت على أثره لتجد النقاش المحتدم بينهن.

 

تأملت ملامحهن ثم قالت في تساؤل:

-لقد زادت خلافاتكن في الآونة الاخيرة.

ابتسمت فبدت كلماتها مُداعبة، ثم استطردت في ترحاب:

-لكن سيتسبب خلافكن هذه المرة في افتضاح أمرنا أمام الجيران.

 

أشارت وهي تفسح لهن المجال للدخول:

-تفضلا، ولنستكمل الحديث بالداخل.

نظرت يمنى لصديقتها وزفرت ثم أشارت لها لتتقدمها، فتحركت مريم في بطء وهي تلقي سلامًا مقتضبًا على السيدة عائشة، تبعتها يمنى وهي تتحدث إلى والدتها التي دخلت واغلقت الباب.

-فلتنقذيني وتتطوعي بإقناعها أنتِ أرجوكِ.

 

استخدمت يدها في الترجي ثم استطردت:

-يكفيني مشاعري وقلقي في هذه الليلة البائسة.

-ما الأمر؟ أخبريني.

 

قالتها عائشة في قلق، فجلست يمنى واتخذت وضع القرفصاء على مقعد الصالة، ثم قالت وهي تشير لصديقتها:

-مريم قررت فجأة عدم حضور اختبارات السنة النهائية.

نظرت عائشة إلى مريم بعدم فهم، فقالت الأخيرة محاولة توضيح وجهة نظرها:

-أشعر بأنني غير مستعدة. سوف أظلم نفسي إذا أدخلت مريم المنكسرة الضعيفة امتحانات العام.

أحتاج إلى مريم أخرى، لا أجدها بداخلي.

 

ابتسمت يمنى بتهكم لمشاعر صديقتها العاطفية وحديثها الذي بدا ساذجًا بالنسبة لها.

في بعض الأحيان كانت تشعر بأن مريم تتخذ مواقف غير مبررة بالنسبة لها تتسبب في إثارة غيظها.

لكن هذه المرة الوقت غير مناسب للاستسلام لمشاعر عاطفية ضعيفة...صمتت وتركت الحديث لوالدتها التي نظرت باستهجان إلى مريم، بعد أن استمعت لها لحين فرغت من ذكر أسبابها كافة

 

ثم نظرت إليها وقالت في هدوء وبنبرة  واثقة:

-حديثك مقنع إلى حدًا ما.

نظرت لها يمنى باستنكار، وابتسمت مريم في راحة.

 

لكن استكملت عائشة حديثها بنفس نبرة الهدوء:

-لكن ما الضرر في دخول اختبارات هذه السنة وفعل ما يمكنك فعله.

بماذا ستشعرين إذا جاءت الاختبارات سهلة، وفي إمكانك حلها؟

 

صمتت مريم مُفكرة، فربتت عائشة على ركبتيها ونظرت في عيناها مستطردة:

-أتفق معكِ أن هذه النسخة من مريم قد لا تتمكن من التفوق.

لكن، يمكنك استغلال شخصيتك المنكسرة ومحاولة التفوق فقط من أجل شهد.

 

نظرت لها مريم بعينين دامعتين لذكر سيرة أختها، فاستطردت عائشة محاولة التأثير عليها:

-مازال لديك الليل بطوله للاستعداد، وحتى إذا فشلتِ في التفوق كما تريدين، 

فلتعيدي الكَرّة السنة القادمة.

 

قالت مريم في سرعة:

-ويقال عني راسبة.

هزت رأسها في رفض، فامتعضت يمنى وأشاحت بوجهها.

 

لكن عائشة لم تستسلم، أو تترك دفة الحديث ينفلت منها، فاستطردت مبتسمة:

-هل تخشين لقب راسب ولا يهمك لقب الهاربة...يا بنيتي والديك في غنى عن المشاكل الآن

 

نظرت لها مريم وبكت حينما شعرت أن حديث السيدة عائشة بدأ في الضغط عليها، فحاولت الاخيرة زرع الثقة مجددًا بداخلها، فمدت يدها تربت على كفها:

-يجب أن تثقي في حالك أولًا....

أنا واثقة أن مريم المتفوقة لازالت تقبع في داخلك فقط فلتبحثي جيدًا بدون يأس.

 

تعلقت مريم بعيناها التي امتلأت بالصدق والثقة معًا.

وتابعت حديثها ببعض الاهتمام:

-كما أنه فقط الاختبار الاول يا عزيزتي

فلنتمنى جميعًا أن تفيق شهد قبل الاختبار الذي يليه.

 

صمتت قليلًا لتُعطي الفرصة لحديثها للمرور بداخل قلب مريم، ثم أنهت حديثها بجملة اذابت كل تردد بداخل مريم:

-هل تتجرئين أن تخبريها حين تفيق؟، أنها كانت السبب في ضياع سنة كاملة من عمرك.

نظرت لها يمنى مبتسمة، وقد لمحت لمعة التصميم تظهر تدريجيًا في عين صديقتها.

 

وبداخلها حمدت الله كثيرًا أن القدر وكالعادة ساق إليهن والدتها؛ لتقوم بمهمة إقناع مريم بالعدول عن قرارٍ خاطئ..

كان سيتسبب لها باللوم والتأنيب، كما سيتسبب لمريم بالندم.

**************************

في دنيا خيالية أخرى، حيث يتحقق الحلم بسهولة، ويصبح الخيال واقعًا ملموسًا يتحلى بأجمل صوره..

على ضوء مصابيح الانارة في الشارع الواسع، نظرت شهد للشاب الذي يسير إلى جوارها، بدت ملامحه أقرب في الشبه من مريم.

طالما حلمت بأخ لها يُكبرها ببعض الأعوام، رفيق درب يمدها بالأمان والمصادقة طوال رحلتها.

 

تأملت ملامحه التي لم تخلو من تقارب ملامحها، وابتسمت قائلة:

 -أعلم جيدًا خوفك وحرصك عليّ...لكن لم يكن هناك داعٍ لتأتي بنفسك هنا لتُصحبني إلى المنزل.

نظر لها وابتسم، فقالت في دلال:

-أنه منزل صديقتي المقربة، وأعلم الطريق جيدًا إلى منزلنا.

 

أمسك يدها بحزم، وقال في اهتمام صارم:

-لا يوجد لدينا بنات يسيرون ليلًا بمفردهم.

كما أنها فرصة جيدة لأجد بعض الوقت للدردشة مع أختي الحبيبة.

 

نظرت له وشعرت بالحرج....مشاعر جميلة يبثها في بساطة بالإضافة لشعور بالأمان كانت تبحث عنه.

عاد واستطرد في اهتمام:

-كيف حالك؟ افتقد الاستماع إلى حكاياتك.

قالت في استنكار:

-أنت تعني ثرثرتي الدائمة، كيف تفتقدها؟ وأنا دومًا أمارسها معك.

 

تنهد وقال مرتاحًا:

-ليست ثرثرة على الإطلاق، فأنا أحب مشاركتك تفاصيل حياتك كما تعلمين.

هيا أخبريني كيف حال أحمد؟!

تذكرت أمرًا أزعجها، فقطبت ما بين حاجبيها.

 

ثم اشتمت عطرًا رجوليًا لمس بداخلها مشاعر راحة للتعبير عن مشاعرها، فقالت محاولة فهم شعورها الحالي:

-لا أعلم، أظن أن مشاعري مشوشة بعض الشيء.

 

نظر لها في قلق، ثم قال في حيرة:

-ماذا تُعني؟ هل يراودك الشك في حبك له؟

تذكرت ذكرى مشوشة اندثرت في عقلها الباطن، تسببت في شعورها بالشك من إجابة السؤال،

وأصابتها بالعجز عن التعبير عن ما بداخلها.

 

فتوقف أخوها عن السير فجأة ونظر لها باهتمام جلي قائلًا:

-شهد، أرجوكِ إذا راودك الشك فلا تُعجلي بالموافقة على أي إجراءات قادمة.

بالله عليكِ سأواجه مشكلة في تركك ترحلين عنا من الأساس، فإذا لم يكن شعورك واثقًا فلتتمهلي.

 

نظرت له ولمعت عيناها من شعورها باهتمامه بها ولمسها صدق في مشاعر خوفه عليها، اشتمت عطره مرة أخرى...وتسربت إلى أذنيها نبرة شبيهة بما قيل. لكنها شعرت باختلاف ما.

كما لو أنها حقيقية من عالم واقعي. بعيدًا عن الخيال، على الرغم من نطق أخوها بكلماتها:

-واجهي أي خوف يتملكك من الحياة.

ترددت على مسامعها بصوت مختلف لتجذب انتباهها، لتحاول إفاقة عقلها واستحضاره إلى أرض الواقع.

**********************************

قبل انغماس شهد في حلمها الاخير بلحظات قليلة.

انتهز الدكتور أنس فرصة غياب أهل شهد، تلك الفرصة التي لم يشهد مثلها من قبل منذ تسلمه الحالة.

دلف إلى غرفتها يتأمل الجسد الذي استسلم للغيبوبة طوال الأيام المنقضية، جذب مقعد وقام بتقريبه منها،

جلس مائلًا بجسده إلى الأمام.

 

بدا في هيئته كالملاك بملامحه البيضاء المريحة وذقنه الحليقة، عوينات شفافة المظهر أضافت إلى مظهره بعض الجدية لتُزيد هيئته عمرًا، محافظًا على ابتسامته الصافية التي تُظهر صف أسنان بيضاء منتظمة، يبتسم رغم علمه بأنها فاقدة الوعي.

فتح دفتر تدوين ملاحظاته الذي يلازمه دومًا في متابعة الحالات.

 

كانت طريقته في العلاج تختلف عن أي طبيب مختص تقليدي، خط سطرًا بقلمه ثم نظر لها لحظة قبل أن يتحدث في هدوء وثقة:

-أهلًا شهد، كيف حالك؟ أنا الدكتور أنس المختص بمتابعة حالتك.

 

أنهى حديثه ونظر للمؤشرات المتصلة برأسها يتابعها بعينيه، ثم استطرد:

-أعلم أنك تسمعينني. وأنا أيضا. أتشوق كثيرًا للاستماع إليكِ.

رفع صوته في جملته الأخيرة قاصدًا الولوج إلى عقلها الباطن.

 

-هل تعلمين؟ أنتِ أكثر مريضة حظيت بزيارات طوال فترة إقامتها

يُحاط بكِ أسرة وأصدقاء يحبونكِ، فهم لا يأتون لزيارتك فقط.

لكنهم يدعون لكِ باستماته، لديك هنا في أرض الواقع قلوب تنعي بك.

 

كان يحاول إكساب صوته نبرات مختلفة ما بين الحنية والاهتمام لهدف في نفس يعقوب.

لذا حاول أن يُكسب جملته الختامية مزيج من الوعد والأمل:

-أتمنى أن نصير أصدقاء.. اعلمي جيدًا حين تفيقين ستجدينني بانتظارك كي نتحدث.

في أي خوف يتملكك في الحياة.

 

تابع بعيناه المؤشرات وتغييرها، فابتسم ثم مد يده وربت على كفيها فتحركت المؤشرات مرة أخرى.

ظل على هذا الوضع لفترة ليكسبها الشعور بالأمان والرفقة

ثم سحب يده برفق وقام من مكانه يتأملها للحظات ثم استدار ليخرج من الغرفة.

 

هَم بفتح الباب وقبل أن يخطو إلى الخارج، انتبه لانعكاس وجهها في الزجاج أمامه فلمح بداية تحرك جفنها في بطء، استدار وعاد لينظر إليها في ترقب، ليُصبح أول وجه تقع عيناها عليه حين رمشت عيناها تلمحه في تشوش.

***

مواعيد النشر: الثلاثاء

(((لقراءة الفصل الثامن عشر إضغط هنا)))

تعليقات