BlogLabels

القائمة الرئيسية

الصفحات

 



(((لقراءة الفصول السابقة اضغط هنا)))


"جلسة علاج"

 

استدار الدكتور أنس في سرعة، وتأمل ملامح شهد الساكنة في لهفة، لأول وهلة بدا له أنه يتوهم.

لكن سرعان ما أن  تأوهت في ضعف، ثم فتحت عيناها ببطء.

حدقت في وجهه للحظات في شرود، نطق اسمها في لهفة:

-شهد.....

 

انتبهت إليه وأدركت أنه يعرفها فزوت ما بين حاجبيها، استطرد مبتسمًا:

-حمدًا لله على سلامتك

تحسس رسغها ليُقيس النبض، مع حفاظه على التواصل معها بالعين، نطقت كلماتها الأولى في اختناق:

-أين أنا؟

 

نظر لها وقال ببطء:

-أنتِ بداخل مستشفى "......"، كنت في غيبوبة استمرت لعدة أيام..

ترك رسغها واقترب منها أكثر:

-هل تعلمين من أنتِ؟ في أي سنة دراسية؟ هل لديك أخوات؟

 

اختار أسئلته بعناية ليتمكن من تبين حالة وعيها الحالي، نظرت له في استنكار.

صمتت قليلًا ثم أجابته في وهن:

-أنا شهد.....لدى أخت واحدة.

صمتت وتعلقت بعيناه، تنهد هو في راحة.

 

ثم قال لها في ود:

-الدكتور أنس، الدكتور النف......الدكتور المختص بمتابعة حالتك.

نظرت له في صمت، وتساءل في قلق:

-ما اسم أختك؟

فكرت قليلًا ثم أجابت:

-مريم.

 

-في أي عام دراسي إنتِ، هل تتذكرين؟

نظرت له في صمت ثم قالت:

-ثانية ثانوي......آه أشعر بألم شديد في رأسي.

 

ابتسم وقال في حنان:

-طبيعي، ستعتادين ألم الرأس لفترة.

قام بضخ حقنة مسكن في المحلول المتصل بيدها، مستطردًا في هدوء:

-خُذي بعضًا من الراحة حتي يأتي أهلك....ولنستكمل حديثنا في وقتٍ آخر.

 

خرج وتركها، تحاول تذكر آخر أحداث حياتها، لكنها وجدت هذا الجزء خاليًا من أي ذكريات.

آخر ما تذكرته حديثها مع أختها في الهاتف، حاولت أن تتذكر ماذا حدث وتسبّب في قدومها هنا...

لكن محاولاتها كلها باءت بالفشل، بدأ المخدر في سريانه فاستسلمت للنوم.

********************************

كان ذلك أول أيام الاختبار النهائي.

خرجت يمنى أولًا، تبعتها مريم بملامح متجهمة.

اقتربت منها يمنى تسألها في قلق:

-ما الأخبار، هل وجدتِ الاختبار سهلًا.

 

أومأت برأسها إيجابًا، ثم قالت:

-أعتقد كان كذلك.

صمتت قليلًا ثم تساءلت حين تذكرت:

-وأنتِ؟

-نعم أتفق معكِ.

 

تمشوا جنبًا إلى جنب حتى ظهر الشباب، اقترب عمرو منهن ليَطمئن بينما اكتفى هيثم بمراقبة ملامحهن من بعيد

ظهر آسر بعد قليل من الوقت، وقام بمراجعة الاختبار معهم.

سار بعدها إلى جوار مريم، بينما انسحب عمرو ليتحدث مع نورة التي تبعته بعد خروجه من الاختبار مباشرة،  وقد انتهزت فرصة رؤيتها له.

 

قال آسر:

-كيف حال شهد؟

-بخير، كما هي. لم تفق بعد.

-قريبًا بإذن الله سنطمئن عليها.

 

انشغلت مريم بمراقبة عمرو من بعيد، الذي تململ في ضيق وقد بدا أنه يستمع لنورة ولا يبادلها كلمات الحديث. وعلى الرغم من ذلك شعرت مريم بالغيرة، لاحظ آسر توترها فتساءل في حيرة:

-ماذا بكِ؟ الى أين شردتِ بعيدًا عني؟.

 

انتبهت فتأملت ملامحه، ثم هزت رأسها وقالت في قلق:

-ابدًا، لكني أرغب في الاطمئنان عليها.

-معي سيارة والدي، هيا بنا نذهب إليها.

 

نظرت له باستنكار صامتة.

بينما اقترب هيثم من يمنى التي حاولت الابتعاد والالتصاق بمريم، لتهرب من الاختلاء به.

 

لكنه تتبعها في إصرار:

-كيف حالك؟ لقد افتقدتك كثيرًا.

نظرت له لحظة ولمحت نظرة إعجاب في عيناه بمظهرها، الذي حرصت على إبقاءه طبيعيًا بلمسات تجميل بسيطة، كما حرصت على إظهار ذلك في اختيار ملابسها، أجابت في اقتضاب:

-بخير حال.

 

أطال النظر صامتًا ثم ابتسم وحرك راسه قائلًا:

-هل كان الاختبار جيد؟

نظرت له، وابتسمت بدورها:

-نعم أعتقد ذلك..

 

تبادلت معه النظرات ثم نظرت حولها بحرج، لمحت صديقتها الشاردة من بعيد، فلاحظت متابعة عيناها لعمرو، صاحت بصوت مرتفع قصدت به جذب انتباه عمرو ونورا إليهم:

-اقترح الذهاب إلى المقهى، كم افتقد جلساتنا معًا!!

 

انتبه عمرو إلى دعوتها، فأشار برأسه موافقًا، شعرت نورا بالحرج، فنظرت لها يمنى قائلة:

-نورا يمكنك الانضمام إلينا.

إذا رغبتِ.

 

تبادلت بعدها نظرة ظفر مع مريم، التي تحولت مشاعرها تجاه نورا من الشفقة إلى الغيرة نتيجة لشعورها الوليد تجاه عمرو.

بينما شعرت يمنى بالراحة عند رؤيتها مشاعر الغيرة موجهة إلى شخص غيرها.

 

استكملت سيرها، تفاجأت بهيثم يقترب منها، متأملًا إياها في إعجاب لم تغفله، لكنه أزاح عيناه بعيدَا، ثم قال في لهجة لم تخلو من الحنين:

-هل تعلمين بأنني أفتقد تجمعنا سويًا كما قلتِ؟!

 

أنهي جملته وزينها بابتسامة، فنظرت له في خبث، وقالت:

-لا أعلم، أشعر بعدم التصديق....فوجودك في هذه المجموعة لم يمر عليه تاريخ.

لتفتقدها!!

 

نظر لها في استنكار، ثم قال في نفي:

-كم أنتِ ظالمة! حتى شهد بعث بي القدر لمقابلتها ليكتمل تعارفي بالمجموعة.

عقدت ساعديها وهي تنظر له ثم قالت مستكملة السير:

-إذا كان الأمر كذلك.. أذكر لي ثلاث مميزات تمتاز بهم مجموعتنا.

 

توقف عن السير ونظر لها وقد أعجبه تحاورها الشقي، فأجاب متأملًا كل فرد يسير أمامه:

-علاقتك بمريم، التي يتخللها الخلافات مجهولة السبب.

 

استخدم يده ليجذب انتباهها لحسن تنظيمه، واستطرد:

-اعتمادكم الدائم على تفوق آسر الدراسي ومحاولة مواكبته نتيجة لتأخركم في التحصيل.

 

نظر لعمرو من بعيد، وهو يحاول الاقتراب من مريم التي بدا عليها الغضب، واستطرد بصوت خافت:

-علاقة الحب الجديدة التي تحاول في استماتة أن تحيا في ظل الظروف الراهنة.

 

نظرت له في انبهار، غير مصدقة بأنه متأمل في مجموعتهم بهذا الشكل، طالت ابتسامتها الصامتة. فسألها:

-هل لي أن أعلم سر ابتسامتك الرائعة؟

تأملها معجبًا ثانية، فتورد وجهها، نظرت له قائلة:

-أشعر بأن هيثم الرومانسي الحالم يعود على استحياء.

تذكرت حديثه عن هيثم في قصة حبه السابقة بحبيبته التي تخلت عنه.

 

ابتسم وبدا عليه بعض مشاعر القلق لم تفهم لها سببًا.

قطعهم صوت رنين هاتف مريم.

فانتبه الجميع إلى المحادثة الهاتفية التي حملت خبر انعش الجميع ببريق الأمل والسعادة.

 

سبق كلا من والد مريم ووالدتها الجميع بالوصول إلى المشفى فور تلقيهم الاتصال مباشرة، شعر السيد مصطفى بالذنب لعدم تواجده في اللحظة التي فاقت فيها ابنته، سرعان ما دخل من الباب متأملها بعينين دامعتين واقترب بقلق من فرشها، نظر لها مليًا قبل ان يقول بتأثر:

-شهد، حمدًا لله على سلامتك ياحبيبتي.

 

نظرت له شهد نظرة تائهة ولم تنطق، ثم تابعت بعينيها والدتها التي اقتربت تُقبلها في اشتياق:

-شهد لقد اشتقنا إليكِ، هل أنتِ بخير.

 

لم تجيب أيضًا، تعلقت عين والدها بالدكتور النفسي في تساؤل، الذي تأملها سريعًا قبل أن يجيب:

-متوقع في البداية أن نشعر بثقل في حديثها.

-لكن هل تعلم من نحن؟

 

سأل والدها الدكتور بقلق حائر، فأشار برأسه:

-نعم، لقد تحدثت معها قبل أن تصلا. وتأكدت أن وعيها يعمل بشكل جيد.

نظرت له والدتها في حيرة، فاستطرد:

-لكنها تحتاج لبعض الوقت حتى تتمكن من التفاعل بشكل طبيعي.

 

هم بالمغادرة لكنه عاد ليتحدث مع والدها في نبرة قلقة:

-برجاء اختيار المواضيع المناسبة وألا تعرضوها لضغط أو إرهاق.

في لحظة خروجه وصل الشباب الخمس، فدخلت مريم ويمنى الذين بادروا بالوصول مع آسر في سيارة والده، بينما لحق بهم هيثم وعمرو حتى لا يتزاحما في السيارة نفسها.

 

دخلت مريم الغرفة بوجهٍ متأثر فارتمت في حضن أختها في اشتياق.

بادلتها شهد الاحتضان وهي متعلقة بعيناها ثم صاحت في خفوت:

-مريم....

 

نظرت لها مريم بكل شوق، ودمعت عيناها في لهفة:

-افتقدتك كثيرًا.....حمدًا لله على سلامتك ياحبيبتي.

ظهرت يمنى من خلف مريم لتلقي التحية بدورها:

-شهد الحمد لله، الآن فقط عادت للحياة ألوانها.

 

ابتسمت شهد في ألم، وأغمضت عيناها؛

 فسألتها مريم في خوف:

-ما بك؟

أمسكت شهد بصدغيها وقالت في خفوت:

-أشعر ببعض الألم في رأسي.

 

اقترب مصطفى منهم، ليجذب مريم برفق وهو يقول:

-أنتِ في حاجة إلى الراحة. كفانا حديثًا معك...

وجّهَ حديثه للجميع من حوله، مستطردًا

-فلنتركها كي تنال قسط من الراحة.

 

اعترضت والدتها مقتربة منها:

-لكننا لم نكتفي بعد من التحدث والاطمئنان عليها.

 

مدت يدها لتمسك يدها في حنان، لكن شهد عاملتها بجفاء، وأسندت رأسها على فرشها في إرهاق، مال مصطفى على أذن والدتها قائلًا:

-سننتظر بالخارج حتى تنال قسط من الراحة، ونعود بعد ساعات.

 

ألقى الجميع نظرة عليها في حنان، واستسلمت هي لأوامر والدها متأثرة بشعورها بالنعاس والارهاق الغير معتاد....

قبل أن يغادر والدها استدار إليها وقال في اهتمام:

-لدي خبر رائع.

 

التفت الجميع إليه فاستطرد:

-لقد تم القبض على المتسبب في الحادث، اتضح لهم أنه شاب مستهتر صغير السن.

 

انتبهت شهد لحديثه فزوت ما بين حاجبيها، فاستطرد:

-لقد قمت بتحرير محضر وتوجيه الاتهام له، سيتم حبسه أربعة أيام على ذمة التحقيق.

 

ابتسم الجميع في سعادة ونشوة انتصار، ماعدا شهد التي تقلصت ملامح وجهها وشعرت بانقباض بداخلها دون أن تعيي لذلك سبب.

 

فهي لم تتذكر الحادث بعد، لكن شئ في حديث والدها حمّلها ذنب حبس شاب على عاتقها....لكنها آثرت الصمت مكتفية بانسحاب الجميع وتركها تواجه أفكارها التي ساهمت في ازدياد ألم رأسها.

***************************

تعلق بصر هيثم بملامح شهد من خلف الإطار الزجاجي، ثم تابع خروج مريم ويمنى بعينيه.

 

تحدث عمرو فور رؤيتهم متسائلًا:

-كيف حالها؟ لقد منعنا الدكتور من الدخول خلفكم.

ألقى نظرة على شهد من بعيد، ثم قال في اهتمام:

-هل هي بخير؟

 

نظرت لهم مريم ولم تقوى على التحدث، اختارت أقرب مقعد وارتمت عليه في صمت. اقتربت يمنى لتطمئنهم بكلمات مقتضبة، ثم ذهبت لتجلس إلى جوار صديقتها التي قالت:

-مريم، ماذا بك؟ حمدًا لله أنها فاقت...لمَ القلق الآن؟

 

نظرت لها مريم وقالت في تأثر واضح:

-رؤيتها بهذا الضعف فاق احتمالي.

احتضنتها يمنى في حنان، ثم نظرت لها وقالت باهتمام جلي:

-لقد طالت غيبوبتها لأيام....طبيعي أن تسترد وعيها وقوتها بالتدريج

 

نظرت لها مريم وتلاقت عيناها بعمرو من بعيد، الذي بادلها النظرات في شفقة وعجز.

تفقدت يمنى الأنحاء حولهم، ثم أشارت إلى عمرو لتشجعه على الإقدام بما خطر بباله.

تقدم في حذر، فانزاحت يمنى لكنها بقيت إلى جوارهم، نظر عمرو إلى مريم مبتسمًا وقال مُداعبًا:

-اثبت يا بطل،،،،لقد تجدد الأمل بعودتها إلى الوعي.

 

نظرت له مريم وبكت كأنها ألقت بمشاعرها وتأثرها دفعة واحدة حينما وجدت المأوى:

-سوف تعود إلى وعيها، ستعود شهد الشقية الخجول كما اعتدناها.

فقط أمهليها بعض الوقت، وكوني إيجابية.

 

سقطت دمعة حارة من عينيها على أثر كلماته المشجعة، ثم نظرت له قائلة:

-لكنها مازالت صغيرة على هذه المعاناة، كما أن اختباراتها اقتربت أخشى أن.

 

صمتت قاطعة حديثها في حزن، هنا تدخلت يمنى التي كانت تسترق السمع، فقالت في لوم:

-لا تستبقِ الأحداث، أيتها المتشائمة الحزينة.

 

-متى يمكنني أن أراها؟

خرجت هذه الجملة من هيثم، فانتبه الجميع وألقوا نظرة تساؤل عليه، فاستطرد:

-أرغب حقًا في ذلك..

 

تبادلت يمنى نظرات حيرة مع مريم، التي قالت وهي تمسح دموعها:

-الدكتور أخبرنا أنها في حاجة الى الراحة، يمكنك ذلك غدًا إذا تحسنت حالتها.

*******************************

في صباح اليوم التالي، دلف الدكتور أنس الى حجرة شهد بعد ان استأذن.

جذب مقعد كعادته وجلس إلى جوارها، وقام بتشغيل أغنية بصوت خافت ووضع هاتفه إلى الجوار على مقربة منه ومنها.

 

تصاعد صوت الأغنية بصوت "شيماء سعيد" التي ميزتها شهد بسهولة فنظرت للدكتور في حيرة، أومأ برأسه ببساطة وقال:

-أحاول خلق جو يساعدك على استعادة بعض الذكريات السعيدة

 

نظرت له باستنكار ورددت باستهزاء:

-سعيدة؟

استعان هو ببعض كلمات الأغنية في بدء جلسته:

"من حقي أعيش تجربتي واحلم بالحب لوحدي والوقت ده طبعًا وقتي وابقوا بعدين حاسبوني".

 

ابتسم وقال متسائلًا:

-واضح من الأغنية إنك تحاولين التشبث بالتفاؤل والأمل في المستقبل، أليس كذلك؟

ابتسمت في مرارة، وقالت:

-نعم، كنت أحاول ذلك ولكن.

 

قطعت حديثها مفكرة، ثم استطردت مستشهدة بكلمات الأغنية كما فعل:

-كان معهم كل الحق "لما كانوا تملي يخوفوني".

دَوّن ملاحظة في دفتره،  ثم نظر لها:

-إذن استسلمتِ لمخاوفهم بهذه السهولة؟

 

أومأت برأسها دون أن تجيب، فألقى سؤالًا آخرًا:

-ما الذي تعانيه في حياتك يا شهد؟ هلا تفتحين قلبك لي وتخبريني.

ابتسمت بعجز، وشعور بعدم القدرة على التعبير عن ما بداخلها.

الشعور الداخلي المعتاد لها، بأن تشعر بما يفوق قدرتها عن التعبير بالكلمات، فاستطرد محاولَا تشجيعها:

-شهد، تأكدي أن ما بيننا لن يعلم به أحد. تأكدي من ذلك

 

ابتسمت فنظر لها متسائلً، فقالت ببساطة:

-أشعر أنني استمعت إلى تلك الكلمات من قبل.

ابتسم وقد أدرك نجاح طريقته في التواصل حينما تحدث معها إبان الغيبوبة، ثم قال:

-من هو أقرب شخص إلى قلبك؟

 

نظرت له في قلق، ثم تساءلت:

-بمعنى؟

قال مفسرًا:

-الشخص الذي يطرأ على بالك، حين تواجهك مشكلة ترغبين في الافصاح عنها تشتمل على بعض التفاصيل المحرجة.

 

فكرت قليلًا ثم هزت رأسها:

-لا يوجد.

-ليس لديكِ أصدقاء.

ابتسمت وهزت رأسها، دون كلمة في دفتره، ثم ألقى سؤالًا أخر:

-هل لديك أحلام يقظة؟

 

اتسعت عيناها رغمًا عنها، فابتسم ودَوّن ملاحظة أخرى.

ثم أغلق دفتره ولم ينتظر إجابة منها، بل اقترب منها وأضاف بعض الحزم في حديثه:

-شهد...سأطلب منكِ أمرَا ما سنعتاد على فعله بشكل يومي.

 

نظرت له في تساؤل، فاستطرد على الفور:

-أُريدك أن تفكري في أمر إيجابي موجود في حياتك لكنك لم تنتبهي له من قبل.

نظرت له وأغمضت عيناها في توجع، فاستطرد:

-الحديث بيننا لم ينتهي بعد ولكني أرغب في الاستماع إليك حين تشعرين أنت بالرغبة في ذلك.

أنت في حاجة لهذا الواجب كي يساعدك على التصالح مع نفسك.

 

هَم بالخروج، لكنها استوقفته بسؤالها:

-هل أنت طبيبي النفسي.

تنهد قبل أن يستدير لها:

-أنا الطبيب المَعني بمعالجة حالتك....نفسيًا وعضويًا.

 

لمعت عيناها لنبرة الحنان التي غلفت صوته خاصة عندما استدرك:

-لكن، بعيدًا عن أنك مريضتي فلتعدينّي أخوكِ الكبير....ذلك كفيل بأن يسهل علينا الأمر

ابتسمت في راحة وشعرت أن الأمل ينبعث بداخلها لكي تتحدث.

تتحدث لشخص غريب لن يصدر أحكام على تصرفاتها وربما لن تراه في حياتها مرة أخرى.

**************************************

اليوم التالي، في فترة الظهيرة.

دلف هيثم إلى المشفى وحيدًا، بهدف رؤية شهد والتحدث معها، كان يراها دومًا في أحلامه وهي في حاجة إلى إنقاذ، فيقوم بذلك بنفس راضية.

 

استأذن والدها ودخل بخطى متباطئة، كان يجهل تمامًا نوع الحديث الذي سيتحاور به معها، نظرًا لعدم وجود علاقة مسبقة من أى نوع تربطه بها، لكنها استقبلته بابتسامة:

-هيثم.

 

تراجع بوجهه ناظرًا إليها باستنكار، وتساؤل:

-تخيلت أنني سأحتاج بعض الوقت لتعريف نفسي.

ابتسمت في بساطة:

-الامر لا يحتاج إلى الفطنة، لقد تعرفت عليك حينما جئت معهم بالأمس.

 

قال بدهشة وهو يجذب مقعدًا ليجلس:

-ماذا؟! لكنهم أخبروني بإنك لم تتذكري أي أحداث من ذلك اليوم.

شعرت هي نفسها بحيرة مماثلة، ورفعت إحدى حاجبيها، قائلة في حيرة:

-لا أعلم، لكنني تذكرتك، لا أعلم من أين.

 

صمتا قليلًا وساد الجو بعض الهدوء، تنحنح هو قائلًا:

-كيف حالك الان؟ هل تشعرين بإنك أفضل.

-أعتقد ذلك، لولا ألم الرأس.

 

تذكرتْ شيئا ما، فقالت في امتنان:

-أدين لك بفضل إنقاذي، وأشكرك على تبرعك لي بالدم.

 

ابتسم وهز رأسه:

-على النقيض، لقد جئت أنا لأشكرك على.....

صمت وقطع حديثه ليحاول إيجاد صيغة للتعبير عن ما يشعر به:

-ظهورك في حياتي في هذا الوقت.

 

نظرت له بعدم فهم، فاستطرد:

-أنتي ملاك كان يجب علىَ شيط

قطع حديثه حينما نظر إلى براءة عيناها، فعاد ليستدرك:

-كان يجب على بشر مثلي إنقاذه، نظرة عيناكِ أمدتني بشعور كنت أفتقده.....

شعور الرغبة في الحياة ببراءة الملائكة..

 

قالت له في بساطة:

-غير واثقة بأنني أفهمك، لكن .

ابتسم وقاطع حديثها قائلًا:

-هل تعلمين إنني منذ أيام مررت بتجربة شبيهة لتجربتك.

-حادثة؟! ومن أنقذك ؟

 

ابتسم لسرعة تفاعلها، وقال:

-يُمنى.

زوت ما بين حاجبيها، ثم تذكرت شيئا فقالت على الفور:

-تذكرت أين رأيتك.

 

نظر لها بفضول، فاستطردت وهي تتأمل ملامحه:

-في إحدى رسومات مريم، كان بها وجه يشبهك كثيرًا.

امتلأ وجهه بالتساؤل، كما شعرت هي بغباء ما صرّحت به للتو.....فقالت محاولة معالجة الموقف:

-لكنها صورة قديمة، أعتقد أنه تشابه فقط.

شرد هو قليلًا محاولًا تجميع الاجزاء الناقصة، ثم ما لبث أن نظر لها وقال بمرح:

-منذ قدومي وأنا أحاول التقرب لجيران عمرو والانتماء لهم.

 

أخرج من جيبه وردة لونها روز رائعة، قدمها لها قائلًا:

-أتمنى أن تقلبينني أخًا لكِ مثل عمرو.

ابتسمت له ابتسامة واسعة وشعر قلبها بالفرح، فمنذ استيقاظها من الغيبوبة وهي تشعر بأن حياتها تمتلئ بالشخصيات التي لم تقابلهم في حياتها ولكنها تشعر براحة تجاههم.

 

قضى هيثم بعض الوقت مع شهد ثم خرج، وقد استوقفه ما قَصته عليه عن تشابه ملامحه مع رسمة خاصة بأختها وشعر بالحيرة.


***

مواعيد النشر: الثلاثاء

(((لقراءة الفصل التاسع عشر إضغط هنا)))

تعليقات