(((لقراءة الفصول السابقة اضغط هنا)))
استعادوا العشرة
في غرفة نوم مريم، بعد مرور يومان على إفاقة شهد.
اجتمعتا يمنى ومريم في إحدى جلساتهم التي افتقدا
دفئها، وكعادتهم القديمة
انبعث صوت
"فضل شاكر"
"فين لياليك، عمال بناديك مشتاق لعينيك و واحشني لُقاك، بالي مشغول
بهواك على طول والليل بيطول وأنا مش وياك"
.
كانت الليلة السابقة للاختبار الثاني لهم.
جلست يمنى خلف مكتب بالغرفة، وأمامها جلست مريم
بملامح هادئة مرتاحة.
قالت يمنى وعلى وجهها ابتسامة حانية:
-كم افتقدت الجلوس والتحدث معك.
بادلتها مريم الابتسامة، استطردت يمنى:
كما افتقد الاستماع إلى مشاعرك. المُعقدة والحالمة
أيضًا.-
اتسعت ابتسامة مريم هذه المرة، ثم نظرت لصديقتها
وتنهدت:
-نعم اعتادت مشاعري أن تتسم بالتعقيد.
تبادلا النظرات القلقة، ثم استكملت جملتها:
-لكن ليس هذه المرة.
شردت بخيالها بعيدًا ثم هزت كتفها قائلة:
علاقتي بعمرو علاقة مريحة أشعر معه بالأمان
والرجولة، ولا أفكر في اللحظة القادمة.-
حافظت يمنى على ابتسامتها حتى نطقت مريم جملتها
الأخيرة، فانقبضت ملامحها وتساءلت:
-ماذا تُعني؟ جملتك الأخيرة غير مطمئنة.
تأملت مريم ملامحها ثم قالت ببساطة:
-لا أعلم، لكني مستسلمة لشعور عدم التفكير في العلاقة ومستقبلها في
الوقت الحالي.
أشعر بالرغبة في أن أحيا اللحظة فقط.
حملت ملامح يمنى معالم الاستنكار، ثم تساءلت في
اهتمام:
- -لماذا تشعرين بالخوف من
التفكير في اللحظة القادمة؟!
سرحت مريم بعيدًا قبل أن تجيب.
تبحث عن إجابة سؤال سبق وتهربت من طرحه على نفسها،
لكنها لحظة مختلفة تواجه فيها صديقتها المقربة التي اعتادت أن تبوح لها بما يعتمل
في قلبها مهما بدا معقدًا؛ فخرجت الكلمات رغمًا عنها:
-ألا تتفقين معي بأن عمرو ليس له أمان.
نظرت لها يمنى، فقالت مستطردة:
-عمرو متعدد العلاقات، هلا تتذكرين؟.
ابتسمت يمنى وقالت في سرعة:
لكنه تغير كثيرًا وابتعد عن صديقاته منذ فترة، حتى
نورة من الواضح أنها تفرض حالها عليه.-
فكرت مريم قليلًا قبل أن تجيب:
أشعر بأنه تغيير مؤقت، سرعان ما سيستعيد شخصيته
المعهودة، أن عاجلا أو آجلًا.-
فكرت يمنى في حديث صديقتها، شعرت أن حديثها منطقي
إلى حد ما، حاولت تغير دفة الحديث فقالت:
هل تحبينه؟-
تلون وجهها على أثر السؤال فأشاحت به بعيدًا،
فاستطردت يمنى:
-تهربين من الإجابة، لكن كان هناك علامات يوم
الاختبار السابق.
-علامات؟!
صاحت مريم باستنكار، فنظرت لها صديقتها.
فابتسمت محاولة التوضيح:
-كان من الواضح شعورك بالغيرة، حينما قابلته نورة.
صمتت مريم قليلًا، ثم قالت:
-شعوري نحوها -ترغبين فيه لكِ وحدك.
نظرت لها مريم عاجزة عن التعبير.
فقالت يمنى محاولة تشجيعها:
-أنتِ مناسبة له أكثر، أحب رؤيتكم سويًا.
ابتسمت مريم، وصمتت يمنى ثم قالت بعد تردد:
ماذا عن هيثم؟-
نظرت لها مريم نظرة لم تفهمها، ثم قالت متسائلة:
-ماذا عنه؟
نظرت لها يمنى صامتة عاجزة عن التعبير تشعر بالحرج
من فرض السيرة لكنها حاولت استجماع شجاعتها، فقالت:
-هل مازال لديكِ مشاعر تجاهه؟
ألقت مريم نظرة خبث على يمنى، قالت في لؤم:
-تريدين الاطمئنان مني، لإطلاق سراح مشاعرك؟
ابتلعت يمنى ريقها، ثم قالت:
-لا لا، بالتأكيد لم أقصد هذا.
صمتت مريم فوقع قلب يمنى، لكنها عادت تستطرد
حديثها:
-لولا أن شعورك نادر وعزيز الوجود. لما كنت تركته لكِ.
فأنا كما تعلمين أحب أن يحيط بي الشباب طوال الوقت.
نظرت ليمنى التي توترت ملامحها كثيرًا حينما
استمعت إلى كلماتها السابقة، وهي تتردد على لسان مريم، فنظرت بعيدًا في حرج، ثم
عادلت لتلتقي بعين صديقتها وقالت في صدق:
-أنا آسفة، اعتذر عن قول كلمات غير ملائمة، ولا تعبر عن ما بداخلي.
نظرت لها مريم ثم ابتسمت وقالت:
-غير حقيقي، فأنت لم تقولي سوى ما تشعرين به.
همت يمنى بالاعتراض، لكنها استوقفتها قائلة:
-يمنى أنا سعيدة لمشاركة مشاعرك، وأتمنى ألا يكون بداخلك أي شعور خفي
آخر.
نظرت لها نظرة طويلة، ثم استطردت سؤالها:
-هل ما يربطك بهيثم، مشاعر حب كما تبدو
صمتت يمنى غير قادرة على الرد، فقالت مريم
لتستحثها:
-تذكري أن تتحري الصدق.
صمتت يمنى ثانية، ثم حاولت اختيار كلماتها بحرص:
-لا أعلم فهو شخص مميز بالنسبة لي، لكن شعوري به غير واضح .
سأستخدم جملتك
"أحيا اللحظة كما هي"
مثلك تماما.
قالتها بسخرية، فنظرت لها يمنى بغيظ وارتفع
حاجبيها قائلة في خبث:
-إذن تعترفين أنه مثل شعوري بعمرو؟
رفعت يمنى حاجبيها باستنكار، وصاحت بتهكم:
-هذا اعتراف منك بالارتباط بعمرو.
ضحكت مريم وشاركتها يمنى الضحك للحظات قبل أن
تعتدل لتقول في جدية:
-كفى حديثًا عن المشاعر...
قامت من مجلسها فجأة، وقامت بتجميع كُتبها، ثم
قالت:
-أراكِ غدًا، نامي جيدًا.
قالتها ورحلت هاربة من الاسترسال في مشاعر لم ترغب
في مشاركتها حتى مع نفسها.
********************************
دخل الدكتور أنس غرفة شهد، بعد أن طرق الباب،
فوجدها مستيقظة.
قال مبتسمًا في ود:
-هل يمكنني الدخول؟ وقضاء بعض الوقت معكِ.
ابتسمت شهد بصدق، وقالت في سعادة:
-نعم بالتأكيد، تفضل.
دخل ببطء وسحب مقعدًا، جلس عليه في هدوء وفتح دفتر
الملاحظات الخاص به.
ثم نظر لشهد وقال مبتسمًا:
-كيف حالك اليوم.
أومأت برأسها قائلة:
-أشعر ببعض التحسن.
التقط يدها بخفة، وبدأ في قياس نبضها، وهو يوجه
لها أول سؤال:
-هل وجدتِ صعوبة في إيجاد عنصر إيجابي في حياتك.
نظرت له وقالت باستياء:
-نعم، بعض الشيء.
تأمل ملامح الحيرة التي بدت على وجهها، ثم استطرد
في إهتمام؟
-لماذا في رأيك؟
-لا اعلم، ربما لا يوجد ماهو إيجابي في حياتي.
قام بتدوين ملاحظة، ثم استطرد تحاوره معها:
-أو ربما لا تبحثين عن الإيجابية كما يجب.
-كيف ذلك.
ردت في حيرة، فنظر في عينيها وقال ببساطة:
-أنتِ تميلين إلى المقارنة بين ما يصنعه عقلك الافتراضي، وبين واقعك
الحالي.
لذا تهربين إلى أحلام اليقظة.
نظرت له وتفاجأت مرة أخرى لذكره الموضوع، الذي لم
تجد له تسمية من قبل.
هي بالفعل كانت تشرُد إلى عالم خيالي من صنعها،
تخلق أناسًا فيه بخيالها، وتنشئ علاقات لها معهم كما تحب....تتحدث بشكل أفضل و
تتفاعل بشكل أسهل..
لكن عندما طالت غيبوبتها، رأت هذا العالم مجسدًا
في أحلامها فباتت مرتبطة به أكثر وأكثر.
نزعت تلك الأفكار بعيدًا،
ثم ابتلعت ريقها ونظرت له
قائلة في خفوت:
-أحلام يقظة، إذن هذا مسمى ما أعيشه.
ابتسمت عيناه بلمعة انتصار لاعترافها بالأمر،
قال محاولًا انتقاء
كلماته:
-نعم، أنها ملجأ لبعض الشباب المراهقين إبان ثورة نضج مشاعرهم، بخاصة
الصنف الخجول منهم.
الذي يجد صعوبة في التعامل مع المحيطين به، مثلك.
نظرت له وقد شعرت بأن حديثه يمسها بشكل واقعي.
فاستطرد:
-لكن كلما زاد خيالك توسعًا في بناءها كلما قل تجاوبك وتفاعلك الواقعي
بالمحيطين بكِ في أرض الواقع. كما يقل ارتباطك بهم من الأساس.
ومن هنا تكمن خطورتها.
قال جملته الأولى بصيغة تحذير أكسبها بعض الخطورة،
فنظرت له بخيبة أمل.
استطرد هو بنبرة اهتمام:
-ليس من الضروري أن تسير حياتك وفق تخيلك كي تجدي السعادة.
فشعورك بالرضا والاكتفاء الذاتي شعور ينبع من
داخلك أنت، ليس انعكاس لواقع تعيشينه.
لذا علينا عكس الآية.
نظرت له بتساؤل، فاستكمل موضحًا معنى حديثه:
-سنتبع خطة هدفها تقليص العالم الخيالي ومحاولة تنشيط تفاعلك مع
المحيطين بك.
-كيف؟
قالتها متشبثة بالأمل، فردَ مبتسمَا:
-عليك إضافة بعض الأشخاص الحقيقين من عالمك الواقعي إلى عالمك
الافتراضي، ومحاولة بناء علاقات معهم والتمثل بها في أرض الواقع.
نظرت له ودمعت عيناها حينما شعرت بالتوهة:
--سنقوم بفعل ذلك إلى جانب الواجب اليومي لكِ، لكن.
اقترب من وجهها وأكسب صوته مزيج من الحنية
والاهتمام، مستطردَا:
-يجب أن تبذلي مجهود أكثر لتشعري بإيجابيات حياتك الحالية، لكي تتمكني
من المصالحة مع ذاتك الواقعية وتنجحي في الإبتعاد عن شهد الافتراضية التي تهرب
باستخدام خيالها الحالم عن واقعها الحالي.
نظرت له، فاستطرد بحزم:
بمعنى آخر لتقم شهد الخيالية بمساعدة شهد الخجول
الغير متفاعلة.
حديثه أكسبها حيرة وجزع، لكنها شعرت أيضًا ببعض
الأمل الذي انتقل لها من نبرة صوته التي بدا واثقَا من تمكنه من المساعدة.
***********************************
كان يوم الاختبار الثاني، في ذلك اليوم خرجت مريم
أولًا وقبل الجميع.
تحسنت حالتها كثيرًا منذ أن أطمأنت على أختها،
تمكنت هذه المرة من استذكار المادة كما تعودت.
بحثت بعيناها عن أصدقائها حتى وجدت آسر الذي ما أن
لمحها من بعيد، حتى أشار إليها في لهفة واقترب ملقيًا سلامه في ود:
-مريم كيف حالك؟ كيف كانت إجاباتك.
ابتسمت له مريم، ثم قالت:
-أهلا آسر، كيف حالك؟
أومأت برأسها بإيجاب:
-نعم لقد كان الاختبار جيد، كما كانت إجاباتي.
ابتسم لها وقال بصدق:
-الأجمل من ذلك هو استعادة ضحكتك المشرقة.
اتسعت ابتسامتها في حرج، فاستطرد في جراءة:
-ولمعة عيناكِ الفريدة من نوعها..
نظرت بعيدًا، ثم قالت محاولة تغيير الحديث:
-ماذا عنك؟ أم إنك غني عن السؤال. فإجابتك متوقعة.
ابتسم لثقتها في مستواه، ثم قال في هدوء:
-أنه توفيق الخالق، وبركته ليس إلا.
قالت بسرعة:
-ونعم بالله.
نظر حوله غير مصدق أنه وحده معها، فهو لم تتسنى له
تلك الفرصة منذ حادثة شهد، قال:
-هيا بنا نسبقهم إلى المقهى.
-لا داعي، أفضل انتظارهم هنا.
نظر لها في ضيق، ثم قال وقد استعاد ابتسامته:
-كما ترغبين، كنت فقط أتحين الفرصة للجلوس معك.
نظرت له بعدم فهم، فاستطرد:
-لقد افتقدت التحدث معك، وأرغب في الاطمئنان عليكِ.
نظرت له وقالت:
-أنا بخير، لا تقلق.
همَ باستكمال حديثه، لكن في نفس اللحظة ظهر عمرو
من بعيد، أقترب منهم فحزن آسر لانتهاء فرصته التي جمعته منفردًا بمريم.
ألقى عمرو السلام وأنهى حديثًا مقتضبًا مع آسر، ثم
استأذن قائلًا:
-عن إذنك يا آسر، أرغب في الحديث مع مريم في أمرًا هام.
نظرت له مريم في استنكار، لكنها تبعته بعد إن قال
لآسر:
-سنسبقكم للمقهى، لحين خروج الجميع.
ألقت مريم نظرة سريعة على آسر، ثم سارت إلى جوار
عمرو في لهفة.
شعر آسر باستنكار ما فعلته للتو، وما لبث أن حدّث
نفسه:
-تذهبين معه بكل سهولة، بعد أن رفضتِ دعوتي.
انعقد حاجبيه في تأثر وتبعهم بعيناه، حتى اختفوا من
أمامه، لكن بدا له تقاربهم من بعيد..
***********************************
قامت عائشة بدعوة جيرانها على الفطور، بعد أن وجدت
صعوبة في إقناع تهاني بالمرور لقضاء بعض الوقت معهم قبل ذهابها إلى المشفى لزيارة
ابنتها.
اكتفت بتشغيل آيات من القرآن الكريم بصوت قارئ
مريح للأذن اعتادوا الاستماع إليه، نظرت صافي إلى طبق الإفطار الخاص بتهاني وهزت
رأسها قائلة:
-ماذا بكِ؟ لقد اطمأن قلبك على ابنتك....
تدخلت عائشة:
-نعم، أنتِ في حاجة إلى العودة لحياتك الطبيعية، وممارستها كسابق عهدك..
بدا لهم أنها شاردة بعيدًا عن كلماتهم، ينما ألقت
نظرة خاوية وهي تُتمتم:
-هل تصدقون بأن مصطفى يلومني على ما حدث....
نظرا لها في دهشة، فاستطردت وقد تعلقت بعيناهم ثم
قالت في غيظ:
-يُحملني وحدي المسؤولية، تخيلوا؟!!
تبادلا النظرات كعادتهم، ثم قالت عائشة:
-كلهم يفعلون ذلك؟! يلقون باللوم على الأم
وكأنها المتسبب الرئيسي
والوحيد.
نظرت لها تهاني، واستطردت بعصبية:
-وعلى الأم تَحمُل ذلك الاتهام، بالإضافة لشعورها بالقلق على ابنتها.....
أومأت صافي برأسها إيجابًا، وقالت متفقة:
-الرجال وتفكيرهم.....وما الجديد.
طرأ على بالها موضوع أخر للتحدث لتصرف انتباه
تهاني إليه:
-هل تعلمون أن أختي تفتقد جلساتنا، ترسل إليكم السلام جميعَا.
ابتسما لها فاستطردت وقد حملت ملامحها بعض الأسى:
-هي أيضَا تواجه بعض المشاكل مع زوجها....
نجحت في توجيه اهتمامهم إلى حديثها...فقالت عائشة
باستنكار:
-معقول؟!....بداخلها لي أنها تكن له المشاعر الطيبة.
زمت صافي شفتيها، وقالت:
-هي كذلك، ولكن لا يوجد بيت يخلو من المشاكل الزوجية.
نظرت لتهاني وتنهدت، لكن راودها شعور بالحيرة اتفق
تمامًا مع شعور عائشة، لانشغال تهاني كعادتها بالتفكير في خلافاتها مع زوجها حتى
في أحلك الظروف التي تمر بها.
******************************
-موضوع هام؟!
تساءلت مريم في حيرة وهي تتابع عمرو بعيناها، الذي
ابتسم في خبث:
-نعم، أنه كذلك. لماذا تستنكرين السؤال؟
ابتسمت في فضول، فاستطرد هو:
-بداية، أفتقدك بشكل لم يسبق أن شعرت به من قبل..
زوت ما بين حاجبيها، ثم تفاجأت بملامحه التي
انقلبت دون إنذار.
عندما صاح غاضبَا:
-ثانية، ممنوع الوقوف مع آسر بمفردك مرة أخرى.
توقف ناظرًا إليها في حزم، وقال:
-مفهوم؟
شعرت هي بغبطة كانت الأولى من نوعها عندما شعرت
أنه يغير عليها.
فنظرت بعيدَا، تتبع عيناها في إصرار، ثم قال
مكررًا:
-مفهوووم؟
أومأت برأسها في صمت وقد تلون وجهها، تنهد هو ثم
تابع سيره، ثم قال وهو ينظر لها نظرة جانبية:
-تزدادين جمالًا حين تشعرين بالخجل.
توقفت عن السير وتغضن وجهها، ابتسمت له وقالت في
خفوت:
-عمرو،
نظر لها وقال في حنية:
-عيوني.
-أرفق بحالي ولا تغمرني بمشاعرك واهتمامك دفعة واحدة.
دمعت عيناها من التأثر، فنظر لها متعمدًا نظرته
التي طالما شهدت بريقها يأسر قلوب جميلات الجامعة.
استطردت في تمهل:
-لازالت مشاعري في بدايتها، وأنوي التمهل هذه المرة.
قال هو بسرعة ولوم:
-لا أنتِ تعلمين جيدًا، ليس التمهل من صفاتي.
أنها علاقتي الحقيقية الأولى،
فكيف تطلبين مني التمهل.
شعرت بالحبور لتمييزه لعلاقتهم، اقترب منها وقال
بصدق:
-هل تخافين وإنتِ معي؟
نظرت له وعجزت عن الرد بإجابة لسؤالهِ، فقد سبق
وجاوبت نفس السؤال في الليلة السابقة حينما تحدثت مع يمنى.
قالت محاولة استدراك موقفها:
-أخاف من الحب بوجه عام.
ابتسم لها وقال:
-الحب معي مختلف، أنت تعلمين. أعدك بأجمل قصة حب آمنة مع صديق الطفولة.
أنهى حديثه واتسعت ابتسامة عيناه التي ظلت محدقة
بها، فعادت هي للشعور بالحرج الممتزج بالرهبة، ألقت نظرة لائمة ثم دخلت المقهى
هاربة من نظراته، فتبعها هو محاولًا السيطرة على فيضان مشاعره تجاهها.
********************************
خرج هيثم من الاختبار، فلم يجد أحدًا سوى مريم
التي نظرت له باستنكار، ثم تفقدت ساعة يدها، وقالت في قلق:
-أين الجميع؟!
نظر هيثم حوله بدوره ثم هز كتفيه، وقال مازحًا:
-يبدو بأنني الوحيد المتاح أمامك.
نظرت له وابتسمت في خجل، ثم قالت وهي تشير إلى
المقهى من بعيد:
-من المؤكد أنهم خرجوا فلنبحث عنهم في المقهى.
فكر قليلًا ثم قال:
-أرغب في الحديث معك...
نظرت له في حيرة وتساءلت:
-هل من جديد؟
ابتسم قائلًا، وقال باهتمام:
-ليس من الضروري أن يحدث شئ كي أحتاج التحدث معك.
نظر بعيدا وبدا عليه التوتر ثم عقد ذراعيه حول
صدره وبدأ بالتحرك إلى جوارها:
-فمن الممكن أن أشعر بأنني مفتقدك دون سبب، أرغب في قضاء بعض الوقت
معك كي....
تتحدثي أنتي.
نظرت له في شك شابه بعض الفرحة، لإفصاحه برغبته في
التقرب لها، فاستطرد وهو يتأملها:
-يمنى، أسألك للمرة الثانية لمَ لا تتحدثين معي عن نفسك؟!....تستمعين
إليّ فقط، لماذا؟!
قال سؤاله في حيره وقد توصل الى حقيقة لم يدركها
من قبل، صمتت هي ثم توقفت أيضًا:
-لا أعلم، ربما لم أعتاد التحدث عن مشاعري....
تأملها فابتسمت، ثم أشاحت بوجهها بعيدًا:
-لكن تأكد حينما أشعر بالرغبة في ذلك.
تأملته في إعجاب وقالت بعد أن أزاحت خصلة من شعرها:
-ستكون أنت المتلقي بالتأكيد....فأنت المتاح كما قلت....
قالتها ببساطة وهي تحرك كتفها، ثم سارت خطوة
مبتعدة.
خفق قلبه ليس لكلماتها ولكن وقعها على أذنه
بطريقتها المدللة التي نطقتها بها أثلجت صدره، وأمدته بشعور أنه مميز لديها.
*******************************
دلف عمرو خلف مريم، التي ذهبت على الفور على
المائدة الخاصة بهم، لكنه أشار إلى مائدة أصغر في إحدى الأركان،
ثم مال هامسَا في أذنيها:
-أرغب في إنشاء حياتنا الخاصة بملامح مختلفة.
تأملته للحظات ثم تحركت وقد ابتسمت شفتاها في
إعجاب برومنسيته التي لم تشهدها عن قرب، جلست وقد شعرت بداخلها ببعض الخجل، وكأنه
ليس عمرو جارها التي اعتادت قضاء الوقت معه.
كأنه حبيب مختلف تشعر بالخجل في بداية علاقتها به،
أزال هو كل شعور بالخجل من داخلها حينما قال متغزلًا:
-هل أخبرتك أن جمالك اليوم فاق أي يوم سبق ورأيتك فيه.
نظرت له باستنكار وهو يتأملها، وقد تميزت ألوان
ملابسها مؤخرًا باللون الداكن الذي أظهر بياض وجهها الصافي، كما ساهم تقليلها
لتجميل عيناها باستخدام مستحضرات التجميل إلى إظهار لون عيناها الفاتح بوضوح،
ابتسمت بزاوية فمها (ضحكتها الخجول) وحاولت تغيير الموضوع:
-ماهو الموضوع الهام الذي ترغب في التحدث معي بشأنه.
نظر لها وابتسم:
-أُريد حلًا....
نظرت له بقلق فاستطرد في هيام:
-فأنا أنجرف في مشاعري نحوك، كما تزداد أحلامي توسعًا، والأمر خرج عن
سيطرتي تماما..
ضحكت لأول مرة منذ أيام، وهزت رأسها في دلال،
فاقترب ونظرات إعجابه لها تزداد:
-أخبريني، ماذا فعلت بي فجأة هكذا.
خرج لضحكتها صوت محبب دغدغ قلبه، لحظات واستعاد
وجهها جديته، وقالت محاولة الهروب من عينيه التي تطاردها في إصرار:
-عمرو....أرغب في التحدث معك بجدية....من فضلك.
-كلي آذان صاغية.
أسندت ظهرها على مسند مقعدها وحدجته بنظرة طويلة
قبل أن تسأل في حيرة:
-وأنا أيضًا أرغب في معرفة سبب تحول مشاعرك نحوي إلى هذه الحالة.
صمتت وشردت بعيدًا ثم عادت لتقول:
-أنت تعرفني جيدًا....
ابتسمت وقالت متهكمة على حالها:
-كما تقول يمنى دومًا، أنا قلب وخرج منه إنسان.....
قاطعها متسائلًا:
-وهل مال هذا القلب الغالي إلىّ.
نظرت له واكتفت بذلك، فابتسم فقد بات يفهمها من
عينيها، استطردت بنفس الجدية وكأنه لم يقاطعها:
-لكن....وبصراحة أشعر ببعض القلق..
نظرت حولها ثم استطردت:
-علاقاتك السابقة، والبنات من حولك،
وتحديدًا...
قبل أن تستكمل عبارتها اتسعت عيناها لنقطة خلف
أذنيه، وبدا انها استكملت حديثها بشكل طبيعي عندما نطقت بالاسم في استنكار:
-نورا؟!!!
تفاجأ من نظرة عيناها فاستدار كرد فعل طبيعي،
حينما ظهرت نورا على باب المقهى تحدق فيهما بعينين دامعتين، ثم اقتربت في سرعة
تتأملهم وصاحت بعصبية:
-ما شاء الله، لقد فتشت الجامعة كلها بحثًا عنك، وأنت هنا.
نظرت لمريم بعدم استيعاب وصاحت في لوم:
-أنتِ؟ أخر من توقعت منه الخيانة..
ازداد الموقف اشتعالًا حين التف الجمع حول نورا،
التي زادت حدة أعصابها، وبدا ذلك على نبرة صوتها المرتفع وهي تتحدث متهمة إياهم
بالخيانة.
شعرت مريم بالحرج الشديد وتذكرت خلافها السابق مع محمود.......فشعرت أن الارض تكاد تميد بها وأنها ترغب في إنهاء الموقف بأي شكل.
***
مواعيد النشر: الثلاثاء
(((لقراءة الفصل العشرين إضغط هنا)))
تعليقات
إرسال تعليق
شاركنا رأيك في هذه التجربة