BlogLabels

القائمة الرئيسية

الصفحات

 



(((لقراءة الفصول السابقة اضغط هنا)))



"فراق الأحبة "

 

قبل هذا الوقت بقليل، اتجها هيثم ويمنى إلى مكانهم المعتاد.

جلس هيثم مفترش الأرض يتأمل يمنى التي بدت شاردة، فسألها في حيرة:

-هل لازال لديك شعور بالخوف من هذا المكان.

 

تأملت المكان من حولها، وتحديدًا مكان وقوفه على السور يوم محاولته السابقة للانتحار، ثم أشاحت بوجهها. فاستطرد:

-لن أمتنع عن إحضارك هنا حتى ينتهي شعورك بالخوف منه...

 

نظرت له ثم هزت رأسها، وقالت في ملل:

-ليس هذا السبب الوحيد.

قال ببساطة:

-لقد مررنا بالمقهى كما طلبتِ، ووجدنا أصدقائك يتبادلان الحديث الرومانسي، هل رغبتِ في اقتحام خلوتهم حقًا.

 

ابتسمت حينما تذكرت نظرات عيناهم الهائمة، وشعورها بعدم الرغبة في مقاطعتهم.

ارتشفت من مشروبها رشفة وهي تنظر أمامها، ثم قالت متذكرة:

-هل تعلم، لقد أصابتني الغيرة حينما عَلمت بعلاقتهم العاطفية في بدايتها.

 

نظر لها محدقًا وقال مازحًا:

-أحقًا؟ عمرو!!!! لم أتخيل أنه نمطك المفضل.

نظرت له غاضبة، فبادلها نظرة مرحة لانت على أثرها واستطردت مبتسمة:

-أنت تعلم أن عمرو هو صديقنا المشترك المفضل، أنا ومريم.

 

فحينما تبدلت علاقتهم وأخذت ذاك المنحنى، أصبح اهتمامه وخوفه عليها بَيّنْ، في حين قلَ اهتمامه بي عن المعتاد.

 

هزت كتفيها ثم استكملت بابتسامة حزينة:

-أحسست ببعض الغيرة..

زمت شفتيها، فنظر لها وقال بسرعة:

-لا تقلقِ فهنا يأتي دوري.

 

نظرت له بعدم فهم، فاستطرد:

-أنا هنا لتعويض النقص، كلما أحسست بالوحدة أو رغبتِ في التحدث.

فأنا موجود فقط تذكري ذلك.

تأملته لحظة ثم قالت بعد تردد بابتسامة:

-لقد فعلتْ للتو....

نظر لها بحيرة فاستطردت:

-تحدثت عن مشاعري، التي لم أصرح بها من قبل لأحد.

 

نظر لها َفلمعت عيناه ورفع حاجبًا، حدقت في وجهه لحظات.

ثم أخفت وجهها في كوب القهوة لتُخفي حرجها.

 

تأملها صامتًا، حتى عادت لطرح موضوع آخر:

-كيف حال صديقتك المتزوجة؟

استاء وجهه على ذكر السيرة وشعر ببعض الاشمئزاز، قال في لامبالاة:

-ترغب في رؤيتي.

 

تفاجئت ملامحها لوهلة، ثم ما لبثت أن حركت رأسها في تفهم:

-حقها، كان ذلك متوقعًا.

تنهد والتزم الصمت، فبادرته بسؤال:

-ماذا تنوي أن تفعل؟!

-لا أعلم.

 

فكرت قليلَا ثم تساءلت بعد تردد:

-أين اعتدت أن تراها؟ 

شعرت بحرج بالغ بعد طرحها للسؤال، لكنه أجاب بسرعة وبساطة:

-في منزلها...

 

ارتفع حاجبيها، فاستطرد وهو يهز رأسه موافقًا:

-نعم...الذي أجره لها والدي، لكن في مواعيد مختلفة عن ذهابه إليها.

 

سادهم الصمت لفترة ثم قالت هي:

-والآن 

-لا أعلم، ولكني لا أرغب...

قالت قبل أن ينهي عبارته:

-يجب عليك أن تقوم بذلك

 

نظر لها ساخطًا، فقالت في هدوء:

-أنت تعلم خطتنا جريئة، ولا يوجد بها أي مجال للمشاعر الحقيقية.

-ولكن.....

-ستجده بداخلك

 

نظر لها بتساؤل، فاستطردت:

-أكيد مازال موجودًا....هيثم المزيف.

هز رأسه قائلًا في شك وهو يتأملها ويشعر بصعوبة ذلك في هذه اللحظة:

-أشك في ذلك..

 

نظر في عينيها وهام بهم، ثم ردد متذكرًا:

-وهذا المكان يشهد.....

نظرت له والتمعت عيناها تأثرًا ونظرت حولها، شعرت أنهم بالفعل لا يأتون إلى ذلك المكان، إلا لمواجهة احدى مخاوفهم التي لا تنتهي.

 

أرادت أن تُبدل السيرة، فنظرت له وسألته فجأة:

-كيف حال والدتك؟

نظر لها مندهشًا، ثم قال:

-بخير....على ما أعتقد

 

نظرت له في شك، ثم تساءلت:

-تعتقد! متى أخر مرة رأيتها؟.....

أجاب بسرعة وبساطة أثارت استنكارها:

-أنا لم أعود إليهم منذ أن انتقلت إلى هنا...

 

صمتت يمنى لحظات قبل أن تقول بلهجة حازمة:

-اذًا تعددت الأسباب، أنت في حاجة الى زيارة سريعة.

التقت عيناهم في تناغم وقد أدرك صحة حجتها......

 

لكنه غاص في أعماقه يبحث عن هيثم آخر.

هيثم قادر على مواجهة الصعاب والتغلب عليها للقيام بدور العاشق المخادع وفي نفس الوقت الابن البار الذي سيحاول تعويض ما فاته من علاقته بوالدته، العلاقة التي تدهورت كثيرًا.

*********************************

بدأت شهد في التحسن والاستجابة للعلاج العضوي بشكل جيد، حتى بات خروجها من المشفى وشيكًا.

لكن تحسنها النفسي كان أقل درجة. فقد بدأ يراودها الشعور بالتوهة رغم اقتراب الكل منها

ففي ذلك الوقت أصبحت شهد محور اهتمام الجميع، مما أكسبها بعض الثقة في حالها والشعور أخيرًا بوجود حي لكينونتها

 

مريم تعلمت الدرس جيدًا ولم تبخل في إعطاءها الكثير من وقتها. كما اختلف أسلوب والدتها الهجومي وتحول من اللوم والتأنيب إلى التشجيع والدعم، أما والدها فقد استعاد علاقته الطفولية بها..

كما ساهم ظهور بعض الشخصيات في حياتها مثل هيثم والدكتور الخاص في خلق شعور داخلي بالتجدد وامكانية إنشاء علاقات سوية جديدة.....لكن وعلى الرغم من كم المشاعر التي أغدقوا بها عليها.

 

لكنها كانت تتذكر أحمد من وقت لآخر، تذكرت جرحه لها وتفضيله صديقتها عليها وإعجابه بها...

لذا قررت هي أن تطلب الدكتور كي يأتي لها، قررت أن تتحدث لأول مرة عن مشاعرها لعلها تجد الراحة.

 

مرت قرابة الربع ساعة حتى دلف الدكتور أنس بهدوئه المعتاد....تأمل وجهها المبتسم وقام بقياس نبضها وضغطها كعادته، ثم قال ببطء:

-لقد أخبروني أنك ترغبين في التحدث معي.

 

هزت رأسها موافقة:

-نعم ذلك صحيح.

-تفضلي..

قالها مُظهرًا اللهفة متعمدًا في صوته، فقالت في حرج:

-نعم نويت التحدث ولكن.....يمكنك توجيه الأسئلة كما تفعل دومًا، أجدها طريقة جيدة لتدفعني للحديث.

 

نظر لها مبتسمًا ثم فكر قليلًا، لم يكتفي برغبتها في التحدث، لكنه اختار طريقة مثيرة للانتباه ليجعلها تفعل، يعلم جيدًا طبيعة المراهقين وحبهم للاختلاف، فتح دفتره أولًا.

ثم قال بعد لحظات:

-حسنًا، لدي ٣ أسئلة سأطرحهم عليكِ لكي حرية اختيار ترتيب الاجابة عليهم. ولكن بشرط.

نجح في لفت انتباهها بسهولة. نظرت له بتساؤل.

 

فاستطرد:

-ستجيبين على كافة الاسئلة في جلسة اليوم....اتفقنا؟

فكرت قليلًا ثم قالت في حسم:

-اتفقنا.....

 

-من الشخص الذي قمتي بإدخاله إلى عالمك الافتراضي من عالمك الواقعي؟

أوقفته في حيرة:

-مهلًا، تبدو واثقًا من امتثالي للأمر

 

نظر لها في ثقة ثم قال:

-بنسبة كبيرة أتخيل ذلك....

 

ابتسمت في خبث، ثم نظرت له بتساؤل، فاستطرد:

-هل سبق أن راودك شعور بالإعجاب او الحب نحو أحد؟

اتسعت عيناها لذكره تحديدًا الموضوع الذي تنوي الحديث عنه،

أنهى حديثه بطرح السؤال الاخير:

-السؤال الثالث هو واجبك اليومي.

ردت في سرعة:

-الشيء الايجابي....نعم لقد وجدته. دعنا نبدأ من أخر سؤال.

 

ابتسم في خبث وقد لمس اهتمامًا خاصًا بسؤاله الثاني الذي ظهر في لمعة عيناها، قالت هي في ارتياح:

  -والدي.........هو قدوتي ومثلي الأعلى والوحيد الذي اقترب منه بسهولة ودون قيد وخوف.

قال الدكتور أنس مستغل الفرصة:

-والدك.....إذن لماذا لم تختاريه حينما سألتك عن الشخص الذي تبوحين له بهمك؟

 

صدمها سؤالًا لم تتوقعه، فكرت قليلًا ثم أجابت في بطء:

-لا أعلم....فأنا أحبه وهو أقرب شخص في عائلتي لي، ولكن....ليس لهذه الدرجة.

-هل تخافين منه؟!

-لا أعتقد ذلك.

 

-هل تخافين أن يبدأ في محاكمتك كما يفعل الكبار دومًا.

انزعجت وبدا على محياها التوتر، لكنها هربت بذكاء:

-لقد أتممت إجابة هذا السؤال، فلننتقل للسؤال التالي.

 

قالتها بعصبية حاولت السيطرة عليها، فابتسم في ظفر وقال بلمعة في عينيه:

-فليكن...على ما أعتقد توصلت لإجابة السؤال الأول.

نظر لها فبادلته نظرة لامعة، استطرد هو مستوضحًا

-هل والدك هو الشخص المختار؟!

نظرت له ولم تجيب، فقال في حسم:

-إذن لي حق تغيير السؤال؟

 

نظرت له متفاجئة واتسعت عيناها مستنكرة، لحقها بالسؤال الثاني على الفور:

-من هو الشخص الذي نال إعجابك؟!

نظرت له في صمت وبدا عليها التوتر، فقال:

-أم فلنقل حب؟!

 

أشاحت بوجهها بعيدًا، فاستطرد هو:

-شهد، أنا أرغب في الاستماع وليس التحدث،،،هلا فتحتِ لي قلبك؟ كي أتمكن من مساعدتك.

صمتت قليلًا ثم تنهدت، وقالت في غضب:

-نعم، أشعر أنني أُحبه.....لكنه حب من طرف واحد...

 

تماشى مع موجة حديثها دون ان يتوقف:

-فلنتحدث إذًا عن مشاعر هذا الطرف.....

كان يدون ملاحظاته كلما أجابت على سؤال، لكنه في ذلك الوقت أغلق دفتره، وأولاها كثير من اهتمامه قاصدًا، فقال:

-بماذا تشعرين نحوه؟

 

ابتسمت عيناها حين تذكرت ثم قالت:

-أحب رؤيته، واستمتع بقربه لي، نظرة عيناه تُشعرني بأني ملكة، أحلم به كثيرًا حين يغيب عن ناظري...وانتظر الساعات التي أراه فيها.....

صمت ونظر اليها، ثم قال:

-تتحدثين عنه كأنه الحلم وليس واقعًا.....

 

نظرت له ولم تبدِ اعتراض، فاستطرد بلهجة حاول أن يكسبها بث الثقة:

-شهد.....أنتِ ملكة بالفعل.....ولا يجب أن تنتظري من الاخرين إعطائك هذا الاحساس....

يجب أن تجدينه بداخلك أولًا.....

-من قال ذلك؟!.....

نظر لها بتساؤل، فاستطردت كأنها تُحدث نفسها:

-كثير من البنات صديقاتي أجمل مني، وشخصيتهم تجذب أى فتى....يمتلكون مظهرًا جذابا ويتزينون بِعلم من ذويهم......كما أنهم أغنى مننا..

 

نظر حوله يبحث عن شئ بعينه، ثم ما لبث أن اشار إليها لتنظر إلى أقرب مرآة إلى جوارها، ثم قال بصوت واثق:

-لا يا شهد....أنتِ مخطئة تماما، فأنت بالفعل ملكة...أنظري الى جمالك الطبيعي بدون أي زينة.

 

نظرت لوجهها ثم نظرت إليه في شك، فاستطرد:

-كل بنت خلقها الله بجمال مختلف لكنه يظهر بشكل تدريجي ويزداد كلما مر بها العُمر

 

نظرت له بفضول فاستطرد بابتسامة واثقة:

-حينما تشعرين بالثقة في نفسك، ليس جمالك فقط ولكن قدراتك وهدفك من الحياة

والاهم من ذلك فهمك الجيد لكينونتك.

 

نظرت له مبهورة بكلماته التي قالها بثقة وصدق، فنظر في عينيها مستطردًا:

-أنت تمتلكين وجه جميل.

ومن حديثي معك شخصيتك مرحة لكنك خجولة بعض الشيء....مشاعرك نحو زميلك طبيعية لكنها ليست حُب إنه إعجاب

أراهنك بأنه أذا اختفى من حياتك لن تبحثين عنه الا بدافع الوهم.....يجب عليكِ أن تبحثي عن ذاتك ولا تنظري حولك على الآخرين....وتأكدي أنك أغنى منهم بما تملكينه من صفاتٍ حسنة.....

 

دمعت عيناها تأثرًا وفتح هو دفتره، دون بعض الملاحظات، ثم قال سؤاله الأخير:

-وهذا يوجهنا الى سؤالي الاخير.....

نظرت له بفضول، فاستطرد:

-ما الذي اكتشفتِه في نفسك حتى الان؟....

 

بدا عليها عدم الفهم فاستكمل موضحًا:

-مواهبك قدراتك....اهتماماتك.

حركت رأسها وقد أدركت معنى حديثه، فأجابت بصوت مبحوح لم يخلو من التأثر:

-أحب القراءة.....كما....

قبل أن تتردد في استكمال حديثها بادرها هو بسؤال:

-هل لديكِ موهبة الكتابة؟!

 

نظرت له متفاجئة، وشردت بعيدًا بعيناها الحالمة، كيف اقتحم حياتها وقرأ افكارها بهذه السهولة، وما هذا الشعور بالراحة الذي يزداد بداخلها نحوه......ترددت كثيرًا لكنها تحدثت بعد تفكير ودون أي قيود.

***********************************

قامت مريم من مكانها في هلع، وتبادلت النظرات مع عمرو، ثم اقتربت من نورا تحاول تهدئتها:

-نورا، أنتِ

ما آن لمستها مريم حتى نزعت يدها عن كتفها.

 

وقاطعتها في صيحة هادرة:

-اصمتي، لا أريد أن أسمع منكِ المزيد.....

نظرت لها مريم باستنكار؛ فاستكملت اتهامها في لهجة حزينة:

-كيف أتقنتِ الدور هكذا، استمعتِ إلى شكوتي ثم اتخذتِ مكاني إلى جواره بكل مَكر.

 

شعرت مريم بالحرج البالغ فدمعت عيناها، وتحركت في سرعة لترتدي حقيبة يدها عازمة الرحيل.

لكن عمرو استوقفها بنظرة حازمة، بادلته النظرات المليئة بالدموع الحبيسة.

لكنه تصدر للموقف، باعثًا نظرة غضب إلى نورا، ثم قال:

-أرجوكِ، كفى تجريحًا.

 

نظر حوله واستكمل بصوت خافت:

-وجودك غير مرحب به على الإطلاق.......لقد أطلقت سراحك، فلترحلي ابتعدي وكفى.

 

اقترب منها وخطى بعض الخطوات ليُزيحها عن مائدتهم متعمدًا إبعاد مريم عن الصورة التي اجتذبت الكثير من زملائهم الفضوليين، سار في مواجهتها وقد استكمل حديثه معها بنبرة غضب متزايدة:

-لقد أوضحت لكِ مشاعري أكثر من مرة.....ماذا تريدين مني الآن؟

 

 نظرت له بقهر، وسألته بصوت مبحوح موجهة نظراتها إليه:

-هل تُحبها؟! هل هي السبب في ابتعادك عني؟

صمت عمرو رافضًا أن يجيب.

 

تابعته بعينيها وهو يحاول أن يتهرب، لكنها أصرت على إعادة السؤال:

-من حقي أن أعرف ماهو سبب ابتعادك عني؟!

أخبرني أرجوك.....

أعدك، لن تراني مرة اخرى فقط أعترف.....

 

استمرت في إلقاء أسئلتها الواحد تلو الاخر، حتى استسلم ونطق بالحقيقة رغمًا عنه:

-نعم نعم نعم.....أُحبها وأرغب في الارتباط بها، وشعوري بها يختلف تماما عن شعوري نحوك.

 

حدقت في وجهه غير مصدقة تلك الحقيقة الصادمة التي ألقاها في وجهها دون مواراة، استدار ليعود إلى مريم لكنه لم يجد لها أثر بحثت عنها عيناه في لهفة، لكن لم يمهله القدر الوقت للبحث عنها حين انتبه خلفه إلى صوت ارتطام جسد بالأرض.

 

استدار ثانية ليجد نورا وقد سقطت مغشية عليها، اتسعت عيناه وقفز نحوها وقد تسارعت أنفاسه شاعرًا بالقلق على من كانت في يوم صديقة نوعًا ما.

*******************************

خرجت مريم من باب الجامعة في سرعة، شعرت بأنفاسها تختنق وصدرها يضيق.

تبعتها يمنى التي تلقت اتصالًا منها، جاءها صوت مريم بلهجة باكية لم تفهم منه شئ.

 لكنه أنذرها بخطورة الموقف؛ فتركت الدنيا وتبعتها للخارج كما طلبت.

 

لمحتها من بعيد، فاستوقفتها:

-مريم ماذا حدث؟ ما بك؟

لم تتوقف مريم بل جذبت صديقتها لتتبعها، ثم قالت في خفوت:

-ليس هنا، أريد أن ارحل من هنا حالًا.....من فضلك سأشرح لكِ حينما نبتعد.

-إلى أين؟

 

أبطأت سرعتها وهي تفكر في حيرة:

-لا أعلم، ولا أرغب في الذهاب للمنزل

فكرت يمنى قليلًا، ثم صاحت في ظفر:

-وجدت المكان المناسب.

سبقتها يمنى هذه المرة؛ فتبعتها مريم في هدوء وثقة ودون تفكير.

*********************************

 

دلفا إلى صالة الجيم النسائية، دخلت مريم في استسلام وقد شعرت أنها افتقدت ممارسة الرياضة في الفترة السابقة، نظرًا للأحداث الجارية، بالإضافة الى بُعدها عن يمنى التي كانت تتولى دائمًا مهمة تشجعيها على الذهاب مرتين اسبوعيًا، وقضاء الوقت في هذا المكان.

انبعث صوت عمرو الدياب منتشرًا في المكان عبر السماعات :

"عايز تسيب صورتك كدا سييها، وتعالى على نفسك وعذبها

 

تركتها يمنى لبعض الوقت تُخرج طاقتها المكبوتة، وتُنفث عن أحزانها المتراكمة، ثم التقيا على جهاز المشي جنبًا إلى جنب، مستخدمين سرعة مناسبة ليتمكنا من التحدث سويًا أثناء حركتهم.

-ماذا حدث؟! فلتبدأِ بالحَكي.

 

قالتها يمنى، وألقت نظرة مشجعة ومطمئنة لصديقتها، التي تنهدت أولًا، ثم تحدثت في هدوء:

-اُتُهمَت بالخيانة

لفتت انتباه يمنى، التي حدقت في وجهها بعدم فهم، فاستطردت في آسى:

-وَجهت لي نورا اتهام صريح بذلك أمام أعين الكثير من زملائنا.

 

عقدت يمنى حاجبيها في ضيق، ثم تساءلت في حيرة:

-وما الذي دفعها لذلك؟

ابتلعت مريم ريقها في قلق، واستطردت حديثها:

-لقد شاهدتنا نجلس سويًا في المقهى، وشعرت بالشك وواجهتنا في لحظة مُفاجئة.

 

تذكرت يمنى مشهد جلوسها مع عمرو، وابتسمت في خُبث.

فنظرت لها مريم باستنكار، فاستطردت مازحة:

-لا ألومها، فقد سبقناها أنا وهيثم للانضمام إليكم...لكن لم نجرؤ على ذلك.

 

نظرت لها مريم في غيظ، وقالت لائمة:

-ليتكم فعلتم.

أجابت بسرعة بلهجة تدليل، وغمزة من عينيها:

-لم نرغب في قطع الوصال.

 

ذرفتها مريم نظرة نارية، جعلتها تستعيد نبرة الجدية، قائلة في اهتمام:

- وعمرو؟! ماذا فعل؟! ماذا كان رد فعله؟!

هزت كتفها واختفى غيظها تدريجيَا، وأجابت في حيرة:

-بدأ في منعها من الاسترسال، لكني....

 

نظرت لها يمنى تستحثها لاستكمال حديثها، فاستطردت في حزن:

-لكني غادرت المكان، قبل أن اشاهد ذلك.

ردت يمنى باستنكار:

-ماذا؟! لماذا فعلتِ ذلك؟!

 

أوقفت مريم جهاز المشي فجأة، ونظرت لصديقتها في غضب، وقالت بعصبية:

-لأني تذكرت خلافي مع محمود.

تذكرت كيف تَجَمّع زملائنا ليشهدوا فضيحة أثارها هو بتصرفه الأهوج.

 

نظرت لها يمنى بتأثر وشفقة، فدمعت عين مريم وهي تستطرد حديثها، بينما أوقفت يمنى جهاز المشي بدورها:

-كما فعلت نورا، تدفعها الغيرة ومشاعر الحب البلهاء.

التي لا أرغب في مشاركتها فيها، أو مشاركتها في عمرو....

 

نظرت مرة أخرى ليمنى، وقالت بلهجة حازمة هذه المرة:

-أذا أرادت عمرو فلتستعيده للأبد، لا أرغب في دخول سباق من أجل أيًا ما كان.

 

نظرت لها يمنى باستنكار، وحركت رأسها في حيرة قائلة:

-ماهذا الحديث، تستعيد من؟! أنتِ تعلمين جيدًا أنه لا يحبها وأنها هي من تقوم ب

قاطعتها مريم بصوت مرتفع جذب انتباه بعض رواد الصالة:

-لماذا إذن تركني والتفت إليها؟ لماذا لم يشعر بي حين غادرتهم بهدوء.

 

أخرجت هاتفها واستطردت في عصبية مجنونة:

-ولماذا لم يحاول الاتصال بي منذ حدث ما حدث؟

نظرت لها يمنى متأثرة بمشاعرها، ولم تجد إجابة مقنعة للرد على تساؤلات مريم.

لكن....بعد مرور لحظات من الصمت جاءتهم الإجابة بصوت جرس هاتفها الذي تعالى بنغمة الرنين المميزة.

***

مواعيد النشر: الثلاثاء

(((لقراءة الفصل الحادي والعشرين إضغط هنا)))

تعليقات