(((لقراءة الفصول السابقة اضغط هنا)))
(رحلة
جبلية)
وضعت خمارها ليطوق أنفها،
تقدمت بقدم وتراجعت بأخرى، ومدت السيف أمام وجهها بتأهب، بدأ الزبير يسدد ضربات
خفيفة لها وتردها بسهولة.
علمت أنه يجاريها، لم
يأخذ النزال على محمل الجد، أرادت أن تستفزه بكلامها:
_أهذه
قوتك أيها الزبير؟! أهكذا تخوض المعارك؟!
بدأت أنفاسها تعلو وتهبط،
وهي تستجمع كل قوتها، سددت الضربات المحكمة له، كان يردها بكل قوته، تعجب من مهارة
ضرباتها:
_لم
أعلم أنك ماهرة إلى هذا الحد!
_ لم ترَ شيء بعد.
استل سيفه بجدية أكبر،
راحت تغير مكانها وتدفعه إلى التراجع مرة والتقدم أخرى، تسدد الضربة لرأسه مرة،
ولقدمه أخرى.
ترى الصالة حولها كيف
تناثرت الأشياء فيها يمينًا ويسارًا، احتد النزال بينهما، تقدم الزبير بكل قوته
مهاجمًا، تبعثرت بأحد الأشياء في الأرض، وسقطت، فوضع الزبير السيف على
رقبتها:
_الأن،
ماذا ستقولين؟!
لم تستسلم، باغتته بحركة
مرتدة، وقامت من مكانها بكل قوة وخفة، كأنها تنبعث من جديد.
تراجع خطوة إلى الوراء،
عاد يسد الضربات التي تكاثفت عليه.
للحظة شرد الأمير وهو
يقول في نفسه "كيف تخفي تلك العينان كل هذه القوة؟! ما أجمل الكحل الرباني الذي
خط فوقهما ليزيدهما اتساع وجمال"
لاحظت شروده واستغلت ذلك
لصالحها، أسقطت سيفه من يده، وضعت سيفها بالقرب من رقبته:
_الآن
ما رأيك بنزالي؟!
رفع يديه باستسلام:
_إنها
الجولة الأولى، سيكون لنا جولات أخرى.
أسدلت خمارها بلطف، لتكشف
وجهها وتلتقط أنفاسها:
_اعترف
أنك أتعبتني، منذ فترة طويلة لم أخض نزال كهذا.
_لم أعلم أنك ماهرة
باستخدام السيف بهذا القدر!
_تدربت كثيرًا على
استخدام السيف، وركوب الفرس، لكنني لست ماهرة بالصيد أو استخدام القوس.
_في صباح الغد، سنخرج إلى
الجبل، أعلمك الصيد واستخدام القوس، كوني جاهزة.
خرج من الباب وهو
يقول:
_صباح
الغد كوني جاهزة، لا تتأخري.
ابتسمت، وشردت بالمكان
الذي دلف منه، لوجوده لذة تضفي للمكان رونق آخر، شعرت أن قلبها بدأ يترنح بدقات
مختلفة، لم تفهم تلك الدقات فهي لم تسمعها من قبل.
هرعت إلى دفترها، تشعر أن
عليها أن تبثه سر جديد، لا ترغب أن يطلع عليه أحد إلا سطوره.
"إلى
معشوقي المجهول، لعناق يليق بك، علي أولًا أن أحتضن نفسي، ألملم شتاتها، أخلقها من
جديد من رمادها، أصنع منها فتاة تليق بك وبقلبك.
أشعر برغبة جامحة
لأحتضنك، لكن سيكون عناقي بروحي المتعبة، بروحي الواهنة، لذلك سيكون مجرد وهم، لا
تشعر به إلا في رحاب عقلك أو قلبك.
أعلم أن هذا الأمر عصي عن
الفهم، لذلك سأختزل من دمائي تفاح ورمان، أقدمها لك كفاكهة مفضلة، تحبها ولكن تعجز
أن تقترب منها.
أنا هنا وأنت هناك، لكن
يومًا ما سنلتقي، إن لم يكن نحن ستكون أرواحنا"
بمكان آخر في أرض القمر
نزل نادر إلى السرداب، حاملًا الشمع الذي ينير الطريق، تناها إلى مسامعه الأنين
الذي يعشق سماعه، إنها سيمفونيته المفضلة.
إنه الشاب
الثلاثيني(أواب) الذي خطفه من عائلته، ثقب يديه وقدميه، أوصل بهم أنابيب شفافة
لتسحب الدماء النقية من الجسد.
طريقته القذرة للحصول على
الدماء، لا يختار إلا الفقراء الذين لا يسأل عنهم أحد.
يختطفهم وينزلهم إلى
سردابه السحيق، يتفنن بتعذيبهم، يصفي دمائهم حتى يموتوا ببطء، تلك الطريقة الوحيدة
التي تشعره بالراحة والاسترخاء، وبلذة طعم الدماء.
يحصل في النهاية على
دمائهم ليشربها في طقوسه الشيطانية، فلا أحد يعلم لما يعشق الدماء، حتى هو نفسه لا
يعلم، شعر بذلك لأول مرة عندما بلغ الثامنة عشر.
أشتم رائحة الدماء، التي
تقدم قربان للآلهة، لحق الرائحة وتناول فضلات القربان، لم يجرؤ أن يخبر أحد بذلك،
احتفظ بذلك السر لنفسه.
إلى أن تعرف على شيخور في
أحد الكهوف التي يختلي بها بنفسه هناك.
عقد صفقة معه فكل منهما
بحاجة لقوة الآخر.
خرج شيخور أمامه
مجددًا:
_ستجدني
في كل مكان تذهب إليه، سأكون كظلك الذي لا يفارقك حتى الموت.
كان الشاب يناظرهما
بعينيه الواهنة، تحت ضوء الشموع الباهته، وأنفاسه تخرج ببطء ووهن شديد، تكلم بصوته
الواهن الخافت:
_ستأخذ
جزائك يومًا، انتظر ذلك اليوم الذي يدور به الدولاب وتأتيك نتيجة أفعالك، الجزاء
من جنس العمل.
ألتقط آخر أنفاسه بصعوبة
شديدة وهو يقول:
_حسبي
الله ونعم الوكيل، شكوت أمري إلى الله، شكوتك إلى الله يا نادر.
كررها مرات عديدة، لأول
مرة يشعر نادر أن تلك الكلمات يكون لها وقع في نفسه، شعر أنه ضعيف من دعاء ذلك
الفتى، وقعت حبات العرق من جبينه من ارتباكه.
لم يكف شيخور عن القهقهة،
وهو يقول:
_أنا
خير من يعرفك يا نادر، أشعر بخوفك، مهما حاولت أن تخفيه.
أنت شيطان مثلي، شيطان
بهيئة إنسان، لكن لكل إنسان نقطة ضعف.
نظر نادر لمكانه لكنه لم
يجده، لا يعرف نادر متى يخرج ومن يختفي؟!
كل ما يعرفه أنهما
متشابهان في القذارة والشرور.
***
كوهندار تقلبت في فراشها
كثيرًا، تأبى عيناها أن تغلقان أو قلبها أن ينام، لأول مرة تطول ليلتها إلى هذا
الحد!
تنتظر الصباح أن يشرق، أن
يرسل خيوطه الأولى الواهنة على المكان.
خرجت أسيل من غرفتها
لتشرب الماء، تفاجئت من وجود كوهندار بالقرب من النافذة، تضم يديها إلى صدرها،
تناظر الجبل، قطعت شرودها، مستهجنة تواجدها بهذا الوقت أمام النافذة:
_ألم
تنامي يا سيدتي؟! سيهل الصباح بعد قليل.
_هرب النوم من عيني يا
أسيل، كالطفل الذي ينتظر العيد.
_هل تحبينه؟!
_لا أعرف إن كان حب، أو
تعلق، لا أعرف أن أصف هذا الشعور الذي أشعر به.
اقتربت منها أكثر وهي
تقول:
_حدثيني
أكثر عن الحب يا سيدتي.
_هو كسهام خرساء تقتل بلا
صوت، سهام الشوق التي تخترق أبعد نطاق القلب.
أجابتها أسيل:
_شعور
صامت لا تفهمه ولن تفهمه لكنك تشعر به.
أكملت كوهندار كأنهما في
ميدان سباق:
_تشعر
به في رحاب عينيك، وأنت تناظر من تحب، في رحاب ثغرك عند الابتسامة الممزوجة بالود،
في رحاب صدرك عندما يؤلمك
غياب من تحب.
أردفت قائلة:
_تخاف
أن تخسر الحبيب، لأن الخسران الأكبر سيكون لذلك الشعور الذي استسغته وتجرعته بحب،
حلاوته ما زالت داخل مقلتيك.
ضحكتا في وقت واحد وهما
تقولان:
_أصبحنا
شاعرات، دون أن نعلم.
حضنت كوهندار أسيل بحب،
وهي تقول:
_الآن
وقت النوم، هيا بنا، لكن لي حديث مطول معك، أرى عيناك تتحدثان.
تمددت كوهندار في سريرها،
غفت وهي تعانق شبح الزبير، وتحلم بلقائه في الصباح.
استيقظت مع صهيل حصان
الزبير، هرولت مسرعةً إلى نافذتها، ابتسمت وهي تراه بلباس الصيد الجلدي، وعلى ظهرة
بوق من السهام والقوس يعتلي كتفه.
يمتطي حصانه الأسود، الذي
يضاهي ضخامة حصانها الأشقر، عقدت حاجبيها؛ عندما تذكرت أن حصانها مريض.
طرق الزبير طرقات خفيفة على
نافذتها، أشار إليها لتفتح النافذة، فتحتها وأطلت برأسها:
_إنني
انتظرك، لا تتأخري.
_دقائق معدودة وأكون
جاهزة.
ارتدت ملابسها بسرعة،
فستان صوفي مزركش بألوان مخملية هادئة، تحته حذاء مبطن بالفراء مرتفع لمنتصف
ساقيها، لبست فوقة الإسدال، وقفت تدندن أمام مرآتها، غطت وجهها بخمارها الأسود
ليظهر جمال عينيها الزرقاء كأنهما بحار ممتدة دون شواطئ.
دلفت من الباب مبتسمة بحب
وهي تقول بعيني ملؤها الدلال:
_حصاني
مريض، كيف سأذهب؟!
نزل عن حصانه، أخذها بين
أحضانها بسرعة خاطفة، بدت كدمية بين يديه، حملها عاليًا كريشة خفيفة، وهي
تصرخ:
_ماذا
دهاك هل جننت؟! انزلني، انظر إلى الجنود كيف ينظرون إلينا؟!
تبسم وهو يقول:
_نفعل
ما يحلوا لنا، من له سلطة على الأمير وزوجته؟!
ثم وضعها على ظهر حصانه،
وجلس خلفها، احتضنها من خصرها وهو ممسك بلجام حصانه:
_ماذا
تفعل، هل سنصعد الجبل هكذا؟!
لن يتمكن الحصان من حملنا
إلى أعالي الجبل.
أخذ يحث حصانه؛ كي يسرع،
وهو يقول بصوت أقرب للهمس في أذنها:
_ثقتي
بحصاني كبيرة، إنه أقوى مما تظنين.
بدأ الحصان بالركض، تمسكت
بالأمير بكل قوتها، عندما جرتها الرياح المندفعة من شدة وسرعة الحصان.
تهلل وجه فرحًا من حركتها
الطفولية، تخاف وهي بين يديه، لا تعلم أنه يخاف عليها أكثر من روحه، تمنى أن يطول
الطريق ولا ينتهي، لكنهما وصلا بسرعة، نزل ومد يده لها لتنزل.
غلغل أصابعه داخل أصابعها
وشد على كفها قليلًا، أمسك بيدها كوردة يخشى فقدانها.
تقدما الجبل سيرًا على
الأقدام، أشعل النار ليحيط بهما بعض من الدفء، وضع علامة على إحدى الأشجار وهو
يشرح لها:
_انظري،
تمسكي السهم هكذا وتضعينه داخل القوس، تركزي على هدفك، تسحبينه إلى الوراء، ثم
تطلقينه.
وصل سهمه لمنتصف الهدف،
حاولت تقليد حركاته لكنها لم تنجح:
_ستفعلينها،
أنا واثق من ذلك، لكن تحتاجين لتدريب مكثف.
رفعت كتفيها وأنزلتهما؛
بمعنى لا أعرف إن كنت سأنجح.
مرت ساعة أو أكثر، وهي
تحاول أن تسدد ضربة موفقة، كانت تقترب من الهدف لكنها لا تصيبه، والأمير
يشجعها:
_أحسنتِ،
ستنجحين في المرة القادمة.
شعرت أن قواها منهكه،
جلست على جذع أحد الأشجار المقطوعة بالقرب منها، جلس بالقرب منها، احتضن ذراعها
بحب، نظر داخل عينيها:
_سأعترف
لك بسر.
_أنتظر سماعك.
_كنت دائمًا أكره كوني
الأمير، أخاف أن يعاقبني الله، بذنب أحد من رعيتي لم أعلم بحاله، هذا في السابق،
أما الآن فالأمر تغير.
_كيف تغير؟!
_لقد زينتي أيامي بنكهتك
الخاصة، كأنك وردتي التي جبلت بمياه العطور مجتمعة، قلت لك من قبل" أنت
ريحانة قلبي"
تبسمت هذه المرة، شعرت أن
للاسم من بين شفتيه رونق عذب، كترانيم تعشق سماعها.
قطب حاجبيه، أكمل بنبرة
جدية:
_ستخضعين
لتدريبات مكثفة حتى تتقني استعمال القوس.
تبسمت وهي تقول:
_إن
كنت أنت مدربي، لا مانع لدي.
_بل ستدربك إحدى أمهر
مدرباتي.
نظرت له باندهاش متسائلة
بعد أن وقفت ووضعت يديها على جانبي خصرها:
_وأنت،
أين ستكون؟!
_سأقود حملة إلى بلاد ما
وراء البحر.
شعرت بانقباض في صدرها،
ذبلت عينيها مجرد أن سمعت بالخبر، شعر الزبير أن للخبر وقع كبير عليها، إنها المرة
الأولى التي يتركها ويسافر لحملة ما.
_هل ذهابك ضروري؟!
_ضروري طبعًا، لن أتقاعس
عن نشر دين الإسلام لأخر يوم في كل عمري، ولن أترك شعبي يغادر وحده، فهم بحاجة
لقائد ينظم صفوفهم، ويدرس تحركاتهم، أم تريدين أن يقولون تزوج وجلس بجانب
الأميرة؟!
خنقتها العبرة التي تقف
بتجويف بلعومها، نظرت له بعينين يملئها الحب:
_لكن
أنا.
صمتت لبعض الوقت، ثم
أردفت:
_سأشتاق لك.
لم يعتد على كلمات الغزل
من شفتيها، كاد أن يقول وأنا سأشتاق لك، لكن خانته الكلمات، ولم تخرج من بين
شفتيه.
خلعت من معصمها سوار
صوفي، وضعته في يده، وهي تقول:
_هذا
ليذكرك أن هناك قلبي، الذي ينتظرك بشوق الكون، لتعود لي سالم في أسرع وقت.
حمل يدها ووضعها على جانب
صدره الأيسر وهو يقول:
_أنت
محفورة هنا، من الصعب علي نسيانك.
اقتربت ووضعت أذنها على
قلبه:
_ماذا
تصرخ كل تلك الدقات المضطربة؟!
استجمع قوته وهو يبوح
بحبه:
_تصرخ
باسمك، تقول كم أحبك يا ريحانة قلبي!
اقترب من حافة الغابة
وأخذ يصرخ بكل قوته:
_أحبك
يا ريحانة قلبي.
تكرر الصوت وعاد الصدى
عدة مرات، كأن الغابة والجبل يشهدان بحبهما، اقتربت واحتضنته برفق، سندت رأسها على
ظهره بحنو وهي تقول:
_وأنا
ايضًا أحبك، أحبك من اليوم ولأخر يوم في عمري.
نظرت إلى السماء وهي
تقول:
_ليشهد
الله وتشهد جميع مخلوقاته على حبي الذي لا يسعه صدري ولا حتى رحاب الكون.
انحنى يبتهل العشق من
عينيها، يتراقص بنغم عذب على خديها، إنها المرة الأولى التي يرتوي من بحار عشقها.
عادا إلى البيت عندما
أرسل الشفق خطوطه الأخيرة كقبلات وداع إلى الأرض.
دخلت تتراقص فرحًا،
ابتسمت أسيل من هيئتها، إنها المرة الأولى التي تراها سعيدة إلى هذا القدر:
_ما
حالك هذا؟!
_لأول مرة أكون مبتهجة
لهذا الحد.
أطرقت أسيل رأسها وهي
تقول:
_لدي
أخبار لكن أخشى أن تفسد فرحتك.
_تكلمي.
أخبرتها أسيل بما جرى
معها اليوم، فقد طلب ماهر حضورها إلى ساحة القصر، تكلما بالكثير والكثير، لكن هناك
أمر مهم أطلعها عليه.
جلست بالقرب منها، تسترق
السمع باهتمام وهي تسألها:
_ألم
تسألي نفسك كيف علم الزبير بأمر نادر؟!
_تسألت وسألت الزبير
طبعًا، قال لا يخفى عليه شيء في مملكته.
_لماذا هذا السؤال الآن؟!
أمسكت أسيل سيدتها من
يدها وهي تجرها لداخل غرفتها، أغلقت الباب وهي تقول بصوتها الهامس:
_في
بيتنا جاسوسة يا سيدتي!
_ماذا؟! كيف؟!
_ لقد أخبرني ماهر، أن
الأم الملكة أرسلت زمردة كي تنقل لها حركتنا، ولم يرسلها الزبير، لقد علم ماهر ذلك
مصادفة عندما رآها تدخل لحجرتها.
علم فيما بعد أنها من
أرسلها إلى هنا.
فكرت قليلًا وهي
تقول:
_إذا
الأمر هكذا! هي من أحضرته لنفسها.
تجهز الزبير للحملة وهذه
المرة بأسطول بحري ضخم، سيخوض هذه المرة حملات بحرية عديدة لتوسيع نفوذ مملكته،
وقف على الشاطئ مودعًا الأهل والشعب، لكنه لم يتمكن من وداع كوهندار، الوقت لم
يتسع له، ذبلت عينيه لأنها لن تراها لفترة، وضع قدمه على السفينة ملوحًا بالوداع،
كاد أن يأمر جنوده بالمغادرة.
سمع صوتها يخرج من بين
الحشد الغفير وهي تركض بكل سرعتها:
_انتظر
أيها الأمير.
تقدمت إليه وعيون الجميع
تناظرها، لقد بدأ يحبها الشعب كما يحبها الأمير، تقدمت والحزن مكتسح
ملامحها:
_ستذهب
دون وداعي يا مولاي.
_عيناي لا ترغب أن تراك
لآخر مرة، لكنك موجوده هنا، وأشار إلى قلبه.
صعدت درجات السفينة،
انحنت بخفة وارتفعت؛ لتحييه، ضمت يدها لخصره المتسع، ووضعت رأسها على صدره، كانت
لا تصل لمنتصف قوامه الضخم.
قبل رأسها والجميع يناظر
ملكهم، الذي عشق أميرة غريبة، وتزوجها لتعلن فيما بعد إسلامها.
كتب الله لها الهداية على
يدي الأمير، بدأت تلملم دموعها التي تجمعت تحت مقلتيها:
_تذكر دائمًا أنني سأشتاق
لك؛ فلا تتأخر، كن كما عهدتك دائمًا أسد يزئر بوجه الحق.
أشار برأسه بمعنى نعم؛
فقد هربت كلماته أمام دموعها.
نزلت درجات السلم ملوحة
بيدها:
_سأنتظرك
بفارغ الصبر.
لوح بيديه لها، إنها
المرة الأولى الذي يترك قلبه هناك، أبى أن يحمله معه، سيبقى بجانبها.
انفضت الجموع المحتشدة من
أمام البحر، ما زالت واقفة تلملم بقايا نفسها، للمرة الأولى تشعر بغربة لا مثيل
لها، اقتربت منها أسيل عندما غابت السفن عن الأعين:
_هيا
لنعود يا مولاتي.
_ليتني أستطيع أن أبقى
هنا حتى أراه عائد.
لم تكن أسيل بأقل منها
تأثر، فقد بدأت براعم الحب لماهر تنبت في قلبها، كما بدأت ونمت واخترقت جذور
محبتها كيان ماهر.
عادت إلى بيتها وعندما
دخلت من الباب، تذكرت ما فعلته زمردة، أشارت إلى أسيل:
_ارسلي
لي في طلب زمردة.
حضرت بين يديها من ثواني
معدودة:
_أمرك
مولاتي؟!
_زمردة أرى أن الأم
الملكة بحاجة لخدماتك أكثر مني أنا، الآن غادر الزبير وتحتاج لأحد يؤنس وحدتها؛
لذلك قررت أن أعيدك
لقصرها.
أردفت قائلة:
_لم
يتسنى لي شكرك، لأنك من قربني بأفعالك من الأمير.
تلون وجه زمردة بألوان
الشتاء القاتمة، عينيها كانت كغيوم سوداء متلبدة، تكاد أن تهطل أمام كوهندار، لا
يسمح لها أن ترفض طلب الأميرة وخاصة في غياب الزبير.
أجابت بحنق:
_لكن يا سيدتي.
أشارت إليها ألا تتكلم،
وتنفذ الطلب:
_علي
أن أغادر إذًا.
_رافقك السلامة، بلغي
سلامي للملكة الأم.
عصفت بها رياح الكره
مجددًا، لن تستطيع العودة من جديد، ضربت الأرض بقوة خطواتها وهي تقول:
_ستندمين أيتها الأميرة المتعجرفة، إنها البداية صدقيني، سأرسم الخطط؛ حتى يطلقك الأمير ويتزوجني، حتى لو اضطررت أن أتحالف مع الجن الأسود.
تعليقات
إرسال تعليق
شاركنا رأيك في هذه التجربة