BlogLabels

القائمة الرئيسية

الصفحات

 



(((لقراءة الفصول السابقة اضغط هنا)))



( أرض ما وراء البحر)

 

في أرض ما وراء البحر، وقف الزبير بقوته وجبروته، وهو يزمجر بغضب: 

_إذًا لا بد من الحرب، رفضوا الاستسلام أو المعاهدة.

 

_ليس رفضًا وحسب يا مولاي، بل أغمضوا أعين رجالنا الذين أرسلناهم، ورموهم أمام أحد الأبواب؛ كي نلتقطهم دون أن يروهم.

 

زفر بحنق وهو يقول: 

_قابلنا الكثير، لكنهم الأشرس.

 

نزل الأمير إلى الأرض بجولة تفقدية، نظر عاليًا، حصن مرتفع بأحجار سوداء متراصفة كالقلعة، تدخل إليها من أبواب محددة، أحد الأبواب خلفي خارجي منعزل، وهناك باب رئيسي جسيم، يفتح على مصراعيه كصفحات كتاب، وباب يتوسط أحد الجوانب يكاد الشخص الواحد لا يدخل منه.

 

نادى ماهر يسأله: 

_عندما راقبتم المدينة، هل من أحد خرج أو دخل من غير هذه الأبواب؟!

 

_لا يا سيدي، الباب الرئيسي يفتح ويغلق لكن لم نرَ بشر، أما الأبواب الفرعية لم تفتح أبدًا.

 

أردف قائلًا: 

_يخرجون العسل بجرار مرتفعة ولا يدخلون إلى أرضهم إلا البقر، هذا ما رأيناه خلال أيام مراقبتنا.

 

فكر الزبير قليلًا ثم قال بذكاء:

_ وجدت خطة لكن لا أعرف إن كانت ستنفع، انزل نصف الجيش للحراسة، سنوزع الجنود على الأبواب، سنمنع دخول أو خروج شيء، سنفرض حصار حتى يستسلموا، القلعة صامدة، والناس غريبي الأطوار حتى أننا إلى الآن لم نرهم، ستكون المهمة شبه مستحيلة، لن يفيدنا المنجنيق الذي أحضرناه في شيء.

 

_أوافقك الرأي يا سيدي، إنها قبيلة الداني، أراها من أغرب القبائل أطوارًا.

 

_ثقتي بالله كبيرة.

 

_لا إله إلا الله.

 

تقدم الجنود، وزع الناس على الأبواب، وهو يقول شارحًا: 

_ستكون الخطة كالتالي، نقسم الجنود لمجموعات، تحرس كل مجموعة ست ساعات، تعود لترتاح وتستلم منها الأخرى، إلى أن نجد حلًا أو يأتي أمر الله.

 

مرت ثلاثة أيام على ذلك الحال، ترى المدينة كأنها خالية من البشر، لم يخرج أو يدخل إليها أحد، كأنهم علموا خطتهم، حتى القبائل المجاورة ممن تحضر الأبقار لم تظهر.

 

وقف الزبير أمام المجموعات التي تبدل أوقاتها، وهو متعجب: 

_ألا ترى معي أن الأمر غريب، فنحن إلى الآن نفرض حصار على أناس لا نعرف أشكالهم حتى.

 

_لقد سمعت الكثير عن هذه المدينة، لكنني لم أصدق إلا القليل، والآن أرى بعيني.

 

_هل نحارب أشباح؟!

 

أحنى ماهر رقبته يمينًا ويسارًا، رافعًا كتفيه؛ أي لا أعلم.

 

اقترب الأمير من الباب، مع ضخامة حجمه يبدو كالدمية أمامه، تتوسطه مطرقتان، أحدهما مرتفعة بنهايته من الأعلى من المستحيل أن يصل إليها أحد، والأخرى منخفضة جدًا.

 

أثار ذلك الباب دهشته، لا تناغم فيه، تظن جزئه الأعلى من الشرق وجزئه الأسفل من الغرب.

 

نزل إلى المطرقة السفلية، طرق طرقات عديدة عليها ظهرت بصوت خفيف، حتى هو لم يسمعه، طرق مرة أخرى، لعل الباب يفتح أو يظهر منه أحد، لكن دون جدوى!

 

عاد أدراجه، اعتلى الهم وجهه، لا يعرف لماذا القلق اجتاح قلبه، إنها عادته عندما يحصل لمن يحب مكروه ما، تحدث مع نفسه قائلًا" اللهم أجعله خير"

 

ونار الشوق تلفح قلبه بل تأكله، اشتاق للأميرة كوهندار.

لاح له من البعيد أحد الطيور، اتخذ من كتفه العريض مكان لإقامته، نظر له بتعجب: 

_كيف قطعت كل تلك المسافة يا صديقي، من علمك المسار؟! أم أنك تتبعت رائحتي.

 

مسد رأسه بلطف، ونقله إلى أحد أصابعه، ثم نقله إلى الأصبع الأخرى، قربه إلى عينيه، حدثه كأنه يفهمه: 

_سأحملك أمانه وأعرف أنك ستوصلها.

 

***

دخل ساعي البريد غريب الأطوار والملابس إلى قصر الزجاج، نظرت الأميرة له من خلال النافذة كأنه شيء اعتادت وجوده بين الحين والآخر، دلف لموضع جلوسها وهو يقول بصوته المتناغم مع شكله:

_لقد وصلتك رسالتين يا سيدتي، أحدها من أرض القمر، والثانية من أرض ما وراء البحر.

 

حملت الرسالتان بين يديها، تتلهف لتقرأ حروفهما، فشوقها لأهلها يوازي شوقها للأمير.

 

الشوق كالباب الذي تأتيك منه الرياح على مصراعيه، تقف به مناديًا، لكن لا أحد يسمع ندائك، لأن صوتك يضيع مع الهواء المتدفق يحمله ويحوله لذرات هواء مندثرة كأنه لم يكن.

 

وضعت الرسالتين بين يديها، تقلبهما إلى الأمام وإلى الخلف.

قررت أخيرًا أن تبدأ برسالة الزبير، فتحتها وأخذت تقرأ.

"إن وصلتك هذه الرسالة، فاعلمي أنها ليست الأولى يا حبيبتي، فقد أرسلت لك الملايين من الرسائل.

 

خطوت بخيالي البحار والجبال حتى وصلت متلهفًا إلى عينيك، إلى ذلك الفضاء الذي لا أرغب أن أخرج منه، ليت بيني وبينك باب يفتح، أو نافذة تطلين منها كل مساء، فيتماهى وجهك مع القمر، حتى يختلط علي الأمر، ولا أعرف أن أميز بينكما" 

 

أرادت أن تقرأ المزيد من كلماته العذبة، لكن الرسالة كانت قصيرة توقفت عند هنا، نزلت دمعة من عينيها؛ من فرط شوقها، احتضنت الرسالة بحب كأنها كنز تخشى فقدانه، وهي تقول: "ليت المكان والزمان لم يفرقا بيننا"

 

فتحت الرسالة الثانية وبدأت بقراءتها" أرسلت لك هذه الرسالة مع طيورنا يا ابنتي، أمل أن تصلك قبل فوات الأوان، إن والدتك تشتاق لك كثيرًا؛ حتى من فرط شوقها مرضت مرض عضال، الطبيب يقول لن تكون بصحة جيدة حتى تراك أو تحتضنك.

 

أنت تعلمين أن لديها رهاب البحر، لقد ركبت البحر مرات عديدة لتأتي إليك، لكنها تعود بعد قليل أشبه بالجثة الهامدة، إننا ننتظرك بفارغ الصبر يا كوهندار، لا تتأخري في القدوم" 

 

اضطربت دقات قلبها، شحب وجهها وهي تسمع خبر كهذا، جف بلعومها، من هول الخبر، لم تعد ترى أمامها من كثرة البكاء، وقفت وهي تقول: 

_أمي، أمي. 

 

*** 

صباح ومساء يتشابهان في الانتظار، لا يعرف الزبير ماذا ينتظر، وإلى أين ستقوده تلك الحملة مجهولة المكان والسكان، يدعو الله في سره أن يساعده، فلم يفتح الباب منذ فرضه الحصار، وماهر يجلس بالقرب منه، أكل التفكير عقله أيضًا.

 

بدى عليه علامات الاستسلام وهو يقول: 

_هل نعود أم نبقى؟!

 

_مر على حصارنا المزعوم خمسة عشر يومًا يا سيدي، لم نرَ بشر حتى البقر التي كانت تدخل عندما راقبنا المكان من البحر، لم تعد موجودة.

 

_أمر هذه القبيلة عجيب، لقد وصلتني الكثير من الرسائل من هذه الأرض تحديدًا؛ كي أقدم إلى هنا وأحرر الناس من دهاليز الظلم والجهل، تُرى من كان يكتب تلك الرسائل يا ماهر؟!

 

_كل شيء مجهول بالنسبة لي يا سيدي، ليتني أستطيع أن أجيبك.

 

هبت رياحًا شديدة فجأة، كادت أن تقتلع السفن من مكانها، بعثرت الرياح الشديدة كل شيء حولهما، ما هي إلا دقائق حتى وصل أحد الجنود إلى الزبير، تحولت شفاهه للون الأزرق القاتم، أراد أن يتكلم لكن الحروف هربت من شفتيه.

 

وقف الأمير وهو يقول باستهجان:

_ما الأمر، ماذا حدث؟!

 

_أ، أ.

 

لم يتمكن من النطق، كان يشير إلى مكان تواجد الجنود للحراسة.

أرسل الأمير ماهر؛ ليطلع على ما يحدث.

نظر إلى الرجل وهو يقول:

_ هدأ من روعك يا رجل.

 

أحضر له الزبير الماء، أخذه الجندي وابتلعه دفعة واحدة.

دثره الأمير؛ ليهدأ من الرجفة التي ضربت جسده، أراد أن يطمئن قلبه وهو يقول: 

_هل هدأت؟! أنظر عاد ماهر ولا شيء هناك.

 

دلف ماهر إلى جانب الأمير وهو يقول:

_لم يشعر باقي الجنود بالرياح التي هبت، فقط الباب الصغير الذي يقف عنده الحارسين، هو من فتح وأغلق، يؤسفني أن أخبرك أن أحد الجنود اختفى يا سيدي.

 

كان الجندي الذي جواره يبكي، تعالت صوت شهقاته، والأمير يقول: 

_كيف اختفى؟! 

 

أعلن الزبير الاستنفار العام، لم يترك الجنود مكان لم يبحثوا عنه، حال صديقه لا يسر، يبكي بعض الوقت ويسكت لبعض آخر، كأنه طفل صغير.

 

أخيرًا نطق الجندي وهو يقول: 

_لقد أخذوه إلى الداخل.

 

تقدم الأمير لقربه، يريد أن يسمع منه المزيد: 

_من أخذه؟! إلى أين؟! كيف ذلك؟!

 

_كنا نجلس مثل كل يوم، نتحدث ونراقب التحركات، كان يقول أنه اشتاق لعائلته وبيته، غاب بعض من الوقت، عاد وقد أحضر حقيبته التي تحتوي على أشياء وضعتها له ابنته.

 

فتح الحقيبة التي كانت تحتوي على صابون عذب الرائحة، صعدت الرائحة في الأجواء، أظن أن تلك الرائحة هي من جذبتهم.

رأيت الرياح تهب بكل قوتها، فُتح الباب وخرجت منه زوبعة ملتفة، دارت حول صديقي، لقد سحبته تلك الزوبعة أمام عيني.

 

عاد للبكاء مجددًا وهو يقول:

_أغلقت عيني لثواني وعندما فتحتها لم أجده، لم أجد صديقي الذي كان يقف بالقرب مني.

 

يكاد الزبير لا يصدق ما يسمع، لكن حال الرجل كادت تقطع قلبه، لقد رأى هو وماهر الرياح الشديدة التي هبت على الأرض.

 

أمر الزبير الجنود:

_تشدد الحراسة أكثر، لا يقف جندي لوحده؛ أن تكون مجموعة دائمًا، الانتباه للباب الذي اختفى منه الجندي بشكل أكبر.

 

لكن تلك التعليمات لم تنفع، ففي اليوم الثاني اختفى جندي آخر، من الباب الخلفي.

فقد الزبير صوابه، عندما تكرر الأمر للمرة الثالثة، ثلاثة جنود اختفوا من أمام أصدقائهم، كأن يد خفيه تسحبهم، أو أشباح لا ترى.

 

في اليوم الثالث حاول أن يرسل الحبال إلى الأعلى ليصعد أحدهم ويرى ما داخل القلعة، لكنهم لم يتمكنوا من إرسال الحبال فالجدران عالية جدًا.

 

جمع الجنود وهو يقول: 

_احضروا لي المنجنيق، سنقوم بضرب المدينة.

 

أنزلوا المنجنيق على الشاطئ، وضعوا كرة من النار في وسطه، أرسلوها إلى الفضاء لكنها عادت سريعًا لداخل الماء وانطفئت.

 

صاح الزبير: 

_ليشرح لي أحدكم ما الذي يحصل.

 

شعر أن قوته لم تعد تكفي، إنها المرة الأولى التي يتعرض لشيء كهذا.

 

أعادوا الكرة مرة ثانية وثالثة، تعود الكرة من فوق جدران القلعة المرتفعة كما هي، إلى البحر وتنطفأ.

 

خر الزبير على ركبتيه، كأن قواه اندثرت مع رمال الشاطئ، هل جنوده أصبحوا طعام لقبيلة غريبة الأطوار، يقال عنهم يأكلون للحوم البشر.

 

عاد من جديد إلى الباب الرئيسي وهو يصرخ: 

_افتحوا يا عباد الله، لا تؤذننا ولا نؤذيكم.

 

رفع يديه وهو يصرخ، من جديد افتحوا، أرجوكم، لن أسبب لكم الأذى.

 

فتح الباب على مصارعيه، دون بشر، كأن من يفتحه أيدي وهمية، أشار إلى الجنود ألا يقترب أحد منهم، دخل لوحده إلى القلعة البهية، عاد الباب للإغلاق خلفه وعيون الجنود تناظره من الخارج 

 

غابة متشابكة، هذا ما رآه أمامه، شجيرات صغيرة تكاد أن تكون بحجم القدم، وأخرى مرتفعة بمد البصر.

 

لم ير بيوت أو قلعة أو حتى بشر، تقدم نحو الغابة وهو يقول: 

_السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 

اقترب من الأشجار، أراد أن يدخل للغابة، وضع قدميه عند أحد الأغصان، اهتزت الأرض تحت قدميه، كأن زلزال قد ضرب المكان، مالت قدميه تحته وسقط مترنحًا على الأرض.

 

عدل هيئته وأراد القيام، خرج إنسان صغير جدًا من تحت قدميه، بحجم أصبع اليد أو حجم دمية صغيرة، شهق الزبير من شكله، فرك عينيه بعدم تصديق، فخرج شخص آخر من الجهة المقابلة، نظر للخلف شخص ثالث، إلى أن أصبح هناك ملايين من الأقزام تظهر خلف بعضها البعض، كأنهم بحر ممتد.

 

تقدم زعيمهم كما يبدو، واضع يديه خلف ظهره وهو يقول: 

_وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، أهلا بك أيها الزبير.

لقد أرسلنا لك الرسائل الكثيرة، لتأتي، فرضت علينا حصارًا، دون أن تسأل من نحن؟!

 

كان صوت ذلك المخلوق أشبه بزقزقة عصفور يكاد أن يظهر، ضحك الزبير من شكله.

 

اقترب منه أكثر، ليتأكد أن هذا صوته، فتح كف يده ليصعد عليه، وقف عليه وحمله إلى الأعلى، يشبه البشر بكل شيء سوى حجمه الضئيل للغاية.

 

اقترب من أذنه وهو يقول: 

_نحن لا نريد الحرب أيها الزبير، إنما خطفنا جنودك بدافع الفضول، لنحصل على أشيائهم الثمينة، فقد وجدنا بداخل حقائبهم الكثير من الأشياء.

 

كان الزبير يبدو عملاق بالنسبة لهؤلاء القوم، صرخ القزم بوجهه وهو يقول: 

_سنعرفك على باقي قومنا.

 

تقدم الزبير بعد أن فتحت له هؤلاء المخلوقات الغريبة، طريق في المنتصف، سار في الغابة مع زعيمهم، والأقزام يتبعون خطاه.

 

إلى أن وصل لصحراء ممتدة باللون الأسود، لأول مرة يرى رمال سوداء بهذا الشكل، نزل إلى الأرض يحمل الرمل بين يديه: 

_سبحانك ربي! هل هذا حقيقي؟!

 

جاءه الصوت من إحدى جوانبه كالرعد الذي يصدح في الأجواء: 

_نعم أيها الزبير، حقيقي.

 

نظر وإذا به عملاق ضخم للغاية، أنزل رأسه مرحبًا: 

_انتظرنا قدومك بفارغ الصبر، لقد تأخرت يا سيدي.

 

نظر إلى القزم الذي بين يديه، ونظر إلى العملاق الذي أمامه، هناك فرق شاسع بينهما، كما السماء والأرض.

أول سؤال خطر في ذهنه: 

_كيف تعيشون مع بعضكم؟!

 

_سيشرح لك زعمينا الداني.

 

الآن فهم فكرة الباب الموجود في الخارج والمطرقتين، أحدهما الصغيرة من أجل الأقزام، والعملاقة المرتفعة من أجل العمالقة.

 

وضع العملاق كف يده ليصعد عليها الزبير؛ المسافة شاسعة، جلس في منتصف كفه عندما بدأ العملاق بالمشي، ترنح يمينًا ويسارًا، ظن نفسه يسبح مع الغيوم أو يطير مع الفضاء.

 

نظر خارجًا فشاهد أصدقائه، يقفون بالقرب من الباب متأهبين، صرخ بكل قوته: 

_ماهر أنا هنا، لا تقلقوا علي سأعود قريبًا.

 

أجابه العملاق بصوت أقرب للهمس، لكن وصل صوته للزبير قوي جدًا: 

_لن يسمعوك أيها الزبير، الجدار عازل للصوت.

 

فهم الأن لماذا شعر أنه يهاجم أشباح، فلا صوت ولا بشر تظهر خارجًا.

 

وصل إلى زعيمهم، حط على الأرض، يبدو شخص ودود، لكنه عظيم الهيئة كما العمالقة.

 

حيا الزعيم وهو يقول:

_إلى الآن لم أشاهد أصدقائي الذين اختطفهم قومك.

 

_افتحوا الأبواب من أجل الزبير. 

 

رأى أصدقائه محبوسين في أقفاص حديدية، تشبه التي يحتجز بها الحيوانات، اقترب منهم وهو يصرخ: 

_لماذا حبستم أصدقائي، فكوا وثاقهم.

 

_سنفك وثاقهم ولكن لدينا شرط، أن تتركهم في بلادنا يعلمونا كيف يتصرف البشر الطبيعيين.

 

اقترب من جنوده وهو يقول:

_هل أساء إليكم أحد منهم؟!

 

أشاروا له بالنفي، وأتاه صوتهم كأنهم شخص واحد: 

_بل قدموا لنا مشروبهم المفضل "العسل" 

 

تحدث زعيمهم، بعد أن تجمع الشعب كله من عمالقة وأقزام في الساحة المقابلة له:

_نحن مسلمون أيهما الأمير، أرسلنا لك الرسائل الكثيرة لتأتي إلينا؛ كي تخلصنا من الجهل والتخلف.

 

_الإسلام هو النور، كيف تقولون أنكم تعيشون الجهل والتخلف.

 

_نعيش في غياهب القلعة لم يتقبلنا أحد، أما أن يخافون منا لأننا أقزام أو لأننا عمالقة.

 

_كيف استطعتم العيش هنا إذًا، كل تلك السنين؟!

 

_استطعنا أن نتدبر أمرنا، فطعامنا المفضل لحم البقر، غذائنا اليومي العسل.

 

أردف بحزن:

_لا أحد يزور أرضنا، يظنون أنها أرض الأشباح.

 

_كيف وصل الإسلام إليكم؟!

 

_يخلق الله الإنسان على الفطرة السليمة" الإيمان" لكننا بحاجة لنتعلم أكثر، عندما سمعنا بفتوحاتك وبدينك الجديد، قررنا أن نرسل لك الرسائل مع طيورك التي تزورنا، إنها من تحدثنا عنك.

 

قال بتعجب:

_هل تفهمون لغة الطيور؟!

 

_بل لغة الحيوانات جميعًا.

 

_ستترك لنا رجالك الثلاثة، فأحدهم يحمل الصابون، سيعلمنا كيف نصنعه، والثاني يحمل قلم ودفتر سيعلمنا كيف نكتب، والآخر يحمل الفاكهة والخضار سيعلمنا كيف نزرعه.

 

نظر إلى جنوده الثلاثة، كأنه يستشف الجواب من أعينهم، عاد بنظره إلى الأمير الداني:

_أولًا فكوا وثاقهم فلن يهربوا داخل هذه القلعة العظيمة.

 

اقترب من جنوده يسألهم بصوت هامس: 

_هل متأكدين أنكم تريدون البقاء هنا؟!

 

فكروا قليلًا ثم أجاب أحدهم:

_لتكون إقامتنا هنا يا سيدي، جهاد في سبيل ديننا العظيم، سيعيننا الله.

 

_هل تأمنون لهؤلاء القوم؟! هل أنتم متأكدون؟!

 

_لم نرَ منهم إلا الخير يا سيدي، قيدونا هنا؛ كيلا نهرب لكنهم أحسنوا استضافتنا. 

 

وقف في الشعب مخاطبًا، وقد أذهله هذا التناغم بينهم، ترى الأقزام على أكتاف وأيدي العمالقة، ومنتشرون في كل مكان، منسجمون ومتفاهمون.

 

قال بصوته الجهوري:

_جنودي الثلاثة سيبقون هنا، سيعلمونكم أصول دين الإسلام، والقراءة والكتابة، وسنرسل لكم بذور الفاكهة والخضار لتزرعون وتأكلون، وأيضًا سيعلمونكم أصول الطهارة والنظافة، واستخدام الصابون.

 

أردف قائلًا: 

_لهؤلاء الجنود عائلة وأهل، وهم أمانة لديكم، يجب أن تنتهي مهمتهم هنا سريعًا ويعودون إلى أرضهم. 

 

تعالت الهتافات، وهم يقولون: 

_يحيا الزبير، يحيا الزبير.

 

ودع الزبير أصدقائه وشعب الداني العجيب، وعاد بكف أحد العمالقة إلى الباب الذي فتح من الأقزام في الداخل، تهلل وجه الجنود في الخارج، ركضوا جميعًا لاستقبال أميرهم.

 

وقف خارج القلعة، هل ما حدث معه حقيقة أم خيال؟!

 

أراد أن يعود مجددًا، ليتأكد مما حصل معه، لكن أوقفه صوت ماهر وهو يتحسس جسد الأمير ووجهه: 

_هل أنت بخير يا سيدي؟

 

_أين جنودنا؟! ماذا حدث معك؟!

 

ربطت الصدمة لسانه، هز رأسه للأسفل إيجابًا وهو يرد:

_بخير يا ماهر، بخير.

 

نظر إلى سوار القلعة رأى الأقزام يلوحون له مودعين، لوح بيده ليرد الوداع.

نظر ماهر لموضع نظره، لكنه لم ير أحد عاد لسؤال الزبير؟!

_هل أنت بخير يا سيدي.

 

ضحك الزبير باستهزاء وهو يقول: 

_لو أخبرتك ما حدث لن تصدقني.

 

_ماذا حدث؟!

 

صرخ بصوته القوي:

_شدوا الرحال أيها الجنود سنعود إلى أرضنا اليوم.

 

ركب الزبير البحر مجددًا، لقد حدث ماهر والجنود عما حدث معه، لولا أن الأمير الزبير من يتكلم لقالوا إنه كاذب.

 

لكن أميرهم وزعيمهم، من المستحيل أن يتوهم أو يكذب، وعندما يعود الجنود سيأكدون قوله.

 

قال ماهر متعجبًا: 

_ما حصل معنا في هذه الرحلة لا يصدقه عقل.

 

_خمس عشر يومًا من الحصار، دون جدوى، ليتنا جربنا طرق أخرى من البداية.

 

_نعم يا سيدي، فهناك أحباب في أرضنا ينتظرون عودتنا بفارغ الصبر.

 

ضحك الزبير؛ فقد فهم أن ماهر يشتاق لوصيفة كوهندار أسيل، عينيه كانت تقول ذلك.

 

مشت السفن في البحر وهو يقول: 

_احملي أيتها الرياح ريحنا لمن نحب، احملي شوقنا أيضًا.

 

تبسم عندما تذكر أنه سيعود إلى أرضه، وأنه سيلتقي برحاب عيني حبيبته وزوجته كوهندار.

***

مواعيد النشر: الجمعة

تعليقات