(((لقراءة الفصل السابقة اضغط هنا)))
ظلت سوبين في المنزل كما أخبرها يونغي تنتظره بفارغ
الصبر. تمر الساعات وعينيها تأبى إبعاد النظر عن الساعة تراقب الوقت بتمعن.
قضمت اظافرها بقلق شاردة بالكثير من الأفكار التي
تخص حياة يونغي وإذا كان لازال على قيد الحياة أم لا فهيئته لم تكن مجرد شيء سيمر
بهذه السهولة بل جحيمًا فُتحت أبوابه.
تَصارع عقلها الذي يؤمرها بالبقاء مع قلبها الذي
ينبض بعنف يزجرها لسبب بقاءها دون فعل شيء لمساعدته وايجاده إلى هذه اللحظة.
سئمت من مهاتفته التي لم تجدِ نفعًا فهو لم يجب على
أي من مكالماتها وبالحق كيف لرجل يصارع الموت أن يُجيب على الهاتف!!
خطر على بالها ربط هاتفها بهاتفه عندما كان يحضر
الطعام لها الليلة السابقة فلقد استيقظت دون انتباهه ووضعت اشارة تعقب بخاصته.
اخت هاتفها سريعًا تنقر على بعض الأحرف والأرقام
لكنها لم تستطع تحديد موقعه بسبب الاشارة التي تمنعها.
لعنت داخليًا لترفع يدها تخلخلها بين خصلات شعرها
المبعثرة تقبض عليها بعنف فهي تعلم جيدًا ان المحامي مين خصص هذا كي لا يجده أحد
بهذه السهولة ففي النهاية قدراته تفوق الجميع.
تذكرت الفتى الذي جاء للمنزل منذ اسبوع لتبحث عن
اسمه بهاتفها. كعادتها حصلت عليه دون موافقة المحامي مين الذي سيتهمها بالخيانة
العظمى بالحصول على أشياء تخصه دون معرفته.
تمنت في قرارة نفسها ألا ينتبه يونغي لفعلتها كي لا
يقتلها ويخبرها أن الذي لم يبدأ بينهما قد انتهى بالفعل.
لم تفكر مرتين قبل النقر على اسم يوهان الذي توسط
الشاشة تهاتفه بنبرة مرتجفة إلى حد ما:
"
مرحبًا أنا بيون سوبين شريكة المحامي مين. هل وضعت إشارة على هاتفه تمنع تحديد
مكانه؟ "
"
لماذا؟ ايضًا كيف حصلتي على رقم هاتفي لا أظن أنه سيعطيكِ الرقم! لماذا تحاولين
تتبع هاتفه، وهل هو يعرف هذا؟"
صاحت سوبين بغير رضى فيبدو ان الخِصال واحدة لدى
الاثنين لتنطق بنبرة حاسمة:
"رجاءً
هذا ليس الوقت المناسب فقط فلتحذف هذه الاشارة. اريد معرفة موقعه أعتقد انه تأذى
لقد غادر منذ ساعات دون إخباري بأي شيء لكن ملامحه لم تبشر بالخير لذلك دعنا لا
نتأخر ربما يحتاج لمساعدتنا."
ظهرت نبرة القلق في صوت يوهان فهو كان يحاول معرفة
مكان يونغي كذلك لكنه لا يستطيع.
علمت سوبين أن هناك خطبٌ ما بسبب تلعثمه بكلماته
لتهتف بتوجس:
"
أنت لا تستطيع الوصول اليه صحيح؟!"
زفر المعني بالحديث الهواء بضيق يخبرها في النهاية
أنه لم يستطع بسبب يونغي الذي رفض مشاركة
الكود الخاص بإزالة الاشارة.
"
اخبرني بكود هاتفه واعطني هذه الأرقام وسأحاول اختراق الاشارة معك."
همهم يوهان بالإيجاب ليشارك سوبين في البحث عن موقع
هاتف يونغي لإيجاده. استغرق البحث ساعة متواصلة إلى أن نجحوا.
"
سأغادر إلى هناك أولًا أذا استطعت المجيء لا تتأخر فربما احتاج لمساعدتك."
"
لا تقلقي انا في طريقي بالفعل."
غادرت سوبين المنزل بخطوات أشبه بالركض تصعد لسيارة
يونغي الذي اعطاها لها بالأمس. أمسكت الهاتف بإحدى يديها تتابع الاشارة التي
التقطتها واليد الاخرى كانت تضعها على المقود.
استغرق الطريق ساعة ونصف لكنها شعرت بأن هذه الفترة
كالدهر الذي لن ينتهي إلا بإيجاد يونغي والاطمئنان أنه لم يصبه مكروه.
ترجلت من السيارة عندما وصلت لحائط سد يمنعها من
إكمال طريقها. رفعت الهاتف امام وجهها تركض في الانحاء بتشتت بحثًا عن المحامي مين
بأنفاس مسلوبة بسبب الامطار الغزيرة التي هطلت في وقت غير مناسب.
استندت على ركبتيها بتعب متنهدة بحسرة بسبب عدم
إيجادها للأخر. بعد دقائق من شعور اليأس والتعب الذي اجتاحها هاتفت يوهان تسأله
إذا وجد يونغي وعن سبب اختفاء الاشارة.
اجاب يوهان بلهاث هو الاخر أثر ركضه:
"
الارسال اصبح سيء للغاية بسبب الامطار."
اغمضت عينها بقلة حيلة تعود للبحث مرة اخرى. توقفت
عن الركض عندما التقطت اشارة الهاتف بعد اختفاءها.
ابتسامة أمل نمت على ثغرها عندما رأت أنها تقترب من
مكانه. بخطوات متثاقلة خطت داخل الزقاق الضيق.
علت نبضات قلبها وارتجاف جسدها خوفًا مما ستجده
فعقلها قد ابدع بخلق أبشع السيناريوهات.
لمحت جسد أحدهم بالقرب من صندوق كبير لكنها لم تستطع
التمييز بسبب رؤيتها الضبابية.
بخطى متوترة وقلب يرقص داخل أضلعها على طبول صوت
الرعد الذي يصدح بالأرجاء.
رفعت يدها ترفع خصل شعرها الملتصقة بجبينها أثر
الامطار التي تهبط بغزارة. زادت الأجواء الأوضاع سوءً لكنه ما ذنب الطقس فلقد نوه
علماء الأرصاد بهذه الموجة السيئة وحثت الجميع على البقاء في منازلهم.
اتضحت هيئة يونغي الرثة شيئًا فشيء مع اقترابها منه.
كان هو المستلقي على الأرض كجثة هامدة غارقًا بدمائه التي اختلطت بمياه الأمطار.
لوهلة من الزمن توقف قلب سوبين لرؤيتها المحامي مين في
هذه اللحظة لكنها تمالكت نفسها وركضت سريعًا إليه تنخفض لمستواه.
بدأت تعدل وضعيته من كونه يستند بظهره على الحائط
فاقدًا للوعى لتساعده في الاستلقاء على ظهره ووضع رأسه على قدمها تنقر بخفة على
وجهه كي يستيقظ.
هتفت باسمه بنبرة ذاعرة قلقة بعدما تأكدت من بقاءه على
قيد الحياة. رفعت يدها عن جسده بارتجاف لتجدها مليئة بالدماء.
انتابها حالة من الهلع عندما رأت دمائه على يدها
لتبدأ في التحدث بطريقة تبدو وكأنها في عالمها الخاص:
"
يونغي..لن ادعك تموت مثلهم صدقني سأنقذك فقط تحمل قليلًا وستكون بخير..أنت لن تموت
الآن أيها الوغد الوقح."
تمردت دموعها على وجنتيها بسبب محاولاتها الفاشلة في
إيقاف النزيف وجعله يستيقظ لترى مدى وعيه.
نزعت المعطف التي كانت ترتديه في لحظة وأحاطت جسد
يونغي تفرك بيديها على طول ذراعيه كي تشعره ببعض الدفيء.
مسكت هاتفها بأيدي ترتعش تنقر على بعض الأرقام ببطيء
بسبب تجمد أصابعها لتصرخ بحدة فهذا ليس وقت الارتجاف؛ إذا لم تتصرف قريًبا سيموت
فلقد نزف الكثير من الدماء.
اجاب يوهان سريعًا على مكالمتها يقابل ارتجاف صوتها
وتلعثمها بكلماتها:
"
سيد يونغي هو..هو لا يستيقظ لقد نزف كثيرًا ، لا أعلم ماذا أفعل! هل سيموت؟"
"
دقيقتين وسأكون أمامك . حاولي إيقاف النزيف بالضغط على مكان الجرح لحين
قدومي."
همهمت سوبين تُرجع الهاتف لجيبها تفعل كما أخبرها
يوهان. ضغطت على جرح معدة يونغي تتمتم بترجي أن يبقى على قيد الحياة مستمرة في
الهتاف باسمه.
تمنت موته مرات عدة لكنها لم تقصد أي منها فرؤيته في
هذه الحالة هزت كيانها، وجعلها في حالة من التخبط بسبب قلبها الذي ينبض بعنف خوفًا
عليه.
في هذه اللحظات المصيرية تأكدت من حقيقة مشاعرها
تجاهه والتي تتجاوز الاعجاب بمراحل كثيرة وهذا أغبى ما تشعر به تجاه الشخص الذي
ينتهز أي فرصة في اهانتها والتقليل من احترامها لذاتها.
فتح يونغي عينه قليلًا يحاول رؤية شيء لكنه لم
يستطع، وصل لمسامعه صوت انتحاب احدهم ونطقه لاسمه بقلق واضح.
سمع الكثير من اللعنات بسبب ذهابه وتعرضه للإصابة
بهذا الشكل. ابتسم بسخرية داخليًا متحدثًا في قرارة نفسه:
"
هذه الغبية لا تكف عن لعني حتى وأنا على وشك الموت."
حاول تحريك يديه لكنه لا يشعر بشيء. فرج بين شفتيه
ينطق بخفوت يحاول جذب انتباه سوبين التي تغلق عينها مستمرة في النحيب عليه كما لو
ان روحه غادرت جسده.
عاد الألم يفتك به ليغلق عينه يغشى عليه بسبب ما
يشعر به من تمزق جسده. كان الألم شيء اعتاد عليه لكن الم قلبه كان أسوء من أي ألم
جسدي شعر به من قبل.
للحظات شعر ان هذه النهاية عندما رأى والدته تبتسم
له كأنها تناديه للذهاب إليها والتخلص من العبء الذي أثقل كاهله لسنوات ضاعت في
التخطيط والمواجهة.
ابتسم بضعف وكم كان يرغب بالذهاب لكنه لن يغادر هذا
العالم قبل تحقيق مراده الذي اصبح مرادين. الانتقام لوالدته والانتقام لخاله الذي
مات بسبب حقد الجميع عليه.
وصل يوهان بخطى راكضة يجلس بجانب سوبين للحظة يتفحص
نبض يونغي الذي يكاد يكون معدومًا.
ساعده الرجال الذي حضروا من عصابة جونغ عندما علموا
بما حدث. جلست سوبين في السيارة وعلى قدمها رأس يونغي الذي شحب وجهه كشحوب الموتى.
نطقت بلهفة:
"
يجب أن نذهب للمشفى الآن! اسرع"
هز يوهان رأسه نافيًا:
"
سنذهب لمنزله لقد ارسلت طاقم طبي لمساعدته، سنجدهم بمجرد وصولنا."
صاحت سوبين بغير رضى:
"
عن أي لعنة تتحدث! سيموت إذا لم يذهب للمشفى."
بدا يوهان يقود السيارة مُتجنبًا صراخ سوبين عليه
وأمره بالذهاب للمشفى لكنها لا تعلم ان أكثر ما يمقته يونغي في الحياة هي المشفى،
لا يذهب إلى هناك إلا في كامل وعيه غير هذا لديه طاقم طبي يساعده في الحالات
الحرجة.
وصلوا للمنزل وقام بعض الرجال بحمل يونغي لغرفته.
باشر الأطباء سريعًا بنزع ملابسه وإخراج الرصاص من جسده وامداده بالدماء تعويضًا
لما فقده.
شرع الاطباء في اجراء العمليات اللازمة. وقفت سوبين
في الخارج تدعي أن ينجو يونغي متناسية هيئتها المبعثرة فالدماء تلطخ ملابسها وكلتا
يديها، ملابسها المبتلة التي تزيد من ارتجاف جسدها. لم يهمها أي من هذا فقط التأكد
من سلامته أصبح اولى اولوياتها.
اقترب يوهان يمنع تجولها ذهابًا وإيابًا قائلًا
بنبرة هادئة يطمئنها:
"
لا تقلقي هو سيكون بخير، لقد مر بهذا كثيرًا."
قاطع حديثهم خروج الطاقم الطبي من الغرفة يطمئنوهم
على حالة يونغي.
تنهدت سوبين براحة لتنمو ابتسامة صغيرة على ثغرها
وقبل أن يختفي الاطباء من امامها تساءلت:
"
متي سيستيقظ؟ "
"
جسد السيد يونغي قوي وفي العادة يتعافى في
وقت القليل لكن الآن أعتقد أن الأمر سيستغرق يومين بسبب المسكنات التي حصل
عليه."
تفهمت سوبين الحديث وانحنت باحترام تشكر الجميع
لمجهودهم.
جذب انتباهها تمتمة يوهان:
"
أتمنى أن يطول نومه هذه المرة كي يرتاح."
عقدت سوبين حاجبيها بتعجب جاهلة لما يتمنى الأخر شيء
كهذا لتسأل عن سبب قوله هذا
"
إذا استيقظ يونغي الآن سيبيد الجميع فلقد خسر الشخص الأقرب لقلبه منذ ساعات وهو لن
يصمت على هذا. اريده أن يبقى نائمًا كي يرتاح. "
لم تعي سوبين مقصده عن أي شخص يقصد ولما هو من الأصل
في هذه الحالة لكن يوهان لم يتحدث فهذا يخص حياة يونغي إذا لم يتحدث هو لن يتحدث.
غادرت سوبين لغرفتها تغير ملابسها ثم دلفت لغرفة
يونغي الذي يتسطح فراشه بهدوء.
جلست على طرف الفراش تمسك يده بتردد. مررت ابهامها
بخفة على وجنتيه تتمنى له التعافي بشكل أسرع وأنها ستتحمل غضبه لأنه الشخص الذي
اختاره قلبها منذ وقت طويل.
مرت الأيام مع ركود المحامي مين في فراشه ومراعاة
سوبين له مع زيارات يوهان الكثيرة للاطمئنان على حالة الاثنين وتغير ملابس يونغي.
ففي حياته لا يسمح لأحد برؤية جسده بسبب الندبات التي تزينه.
في صباح اليوم الرابع فتح يونغي عينيه بوهن يغزو
اجزاء جسده. حاول التحرك والاعتدال في جلسته لكنه توقف عندما رأى سوبين تستند
بجزئها العلوي بجواره تغفو بعمق.
لحظات من الصمت والتفكير اتخذها يونغي صديقته لدقائق
بعدما ادرك أنه مر ثلاثة أيام منذ غيابه عن الوعى. دمعة ساخنة تمردت على وجنتيه
عندما تذكر ما حدث مع خاله وكيف أنه تركه بهذه السهولة.
رفع يده يمسح دموعه بخشونة مع تهجم ملامح وجهه.
استيقظت سوبين تفرك عينها بخمول عندما شعرت بحركة.
فتحت عينها لتجد يونغي يبعد الفراش من فوق
جسده ليهم بالنهوض. اشرق وجهها بسعادة عندما رأته لكن هذه السعادة اختفت في لحظات
وحلت محلها الدهشة لتنطق بغير تصديق من تصرفه.
"
ماذا تفعل يجب ان ترتاح."
لم يهتم المعني بالحديث وأكمل ما يفعله بالوقوف على
قدميه.. اسرعت سوبين من الجهة الاخرى من السرير تسند جسد يونغي ضد خاصتها بعدما
خارت قواه بسبب بقاءه راكدًا لفترة طويلة.
أغلق يونغي عينه بغير رضى يُبعد جسده عن خاصة سوبين
لينطق بتعجرف:
"
ماذا تفعلين في غرفتي؟ لقد استيقظت بالفعل لذلك يمكنك المغادرة."
هزت الآخرى رأسها بيأس:
"
اعتقدت ان بعد هذه الحادثة ستتعامل بلطف ولو بقدرٍ طفيف."
تجاهلها يونغي يجذب هاتفه يُجري بعض الاتصالات برجال
عصابته يعلم منهم ما حدث الأيام الفائتة وما حدث لجثة جونغ.
رأت سوبين خيبة الامل على وجهه لأول مرة بعدما أغلق
الهاتف. جلس على مقدمة الفراش يسند ذراعيه بين يديه.
انخفضت الاخرى لمستواه تربت على ذراعه لكن يونغي
باغتها عندما دفع جسدها بعيدًا عنه صارخًا بكل قوته:
"
هل انتِ غبية ام لا تفهمين؟ غادري غرفتي حالًا."
ابتلعت سوبين الغصة التي تشكلت بحلقها تكافح في
الاحتفاظ بدموعها غير راغبة بجعل الأخر يراها تبكي على هذا الشيء فلطالما صرخ
عليها واهانها لكنها لم تكترث من قبل كالآن.
اختلف كل شيء منذ تأكدها بمشاعرها تجاهه لهذا ألمها
قلبها عندما تلقت هذه المعاملة بمجرد استيقاظه. في خيالها توقعت انه سيقدر وجودها
وبقاءها بجواره الأيام الفائتة.
لو رأى حالة الخوف التي كانت بها لسب نفسه حتى الموت
فهي لا تستحق هذه المعاملة الجافة بعد كل شيء.
نهضت بصمت واستدارت لتغادر لكن يونغي أمسك يدها
يديرها إليه في لحظات يعانقها بقوة دافنًا رأسه في عنقها متمتمًا بنبرة اذابت
قلبها:
"
أعتذر، لم أقصد ما حدث منذ قليل."
عاااا انفصام يونغي بيجهر😭💘💘💘
ردحذف