BlogLabels

القائمة الرئيسية

الصفحات

مائدة الشيطان-الفصل الثاني والعشرون (محمد بهاء الدين)

 




(((لقراءة الفصول السابقة اضغط هنا)))



لم تدري كاترين أشعرت بالسعادة لتلبيته وعدها أم بالحزن لعدم تردده في الأمر، لكن في نهاية الأمر تبسمت

وهمت لفك أربطة بنطالها الرياضي أسود اللون.

 

فتساءل فدريكو في دهشة:

-ماذا تفعلين؟

 

أجابته بلهجة تحدي وإغراء كما كانت تفعل في الماضي:

-إن كُنّا سنُحدث بعض الفوضى فيجب أن أرتدى ملابس لا تعيق حركتي.

 

أبرزت فخذيها المنتفخين بالعضلات، ونزعت ثوبها لتبقى بلباسٍ من قطعتين أسودين اللون كأنها في طريقها

للخوض في السباحة.

 

تدلى لسان فدريكو أمام هذا الجسد البرونزي اللامع، لاحظته كاترين فتنحنحت قائلة:

-أين ذلك الجبل اللعين اذًا؟

 

***

 

في أحد المنازل الفارهة بروما، كانت مارتينا تحاول ممارسة دورها الأموي مع طفلها، لكنها لم تفقه أيًا من

كلمات المناهج الدراسية؛ فقد عاشت حياتها مشردة وترعرعت في الشوارع رفقة ثائر وفدريكو وبقية الرفاق

من أعدم بيترو منهم ومن نجى منهم حينما استسلم ثائر وأفداهم بنفسه.

 

رغمًا عنها كانت تسهو وتقص لإبنها هذه القصص عن بطل حقيقي أفدى رفاقه بحريته ولفّ الأغلال بيده

وعنقه لتنجو والدته من الموت.

 

لم يكن أريوزولا يعلم شيئًا عن ماضيها سوى أنها مجرد فتاة جميلة جامحة تعيش وحيدة في نابولي، لكن كثرة

 ترديدها هذه القصة على مسامع إبنها الصغير جعله يتشكك أن هناك شخص بالفعل يحمل اسم ثائر.

 

لم يتوقع أبدًا أن ثائر هذا هو ذاك المجرم في الزقاق، فلم يعرف هذا إلا حينما طلبت منه الطلاق، فأجابها

أنه رجل كثوليكي لا ينفك عن زوجته حتى الموت.

 

فلم تجد بدً سوى الانفصال عنه، لم يعرف أريوزولا السبب أو الخطأ الذي ارتكبه، فقط رحلت في الليل تاركة

كل شيء خلفها حتى طفلهما الوحيد.

 

من بعدها صار الأمر شاقًا عليه، فقد تولى منصبًا حساسًا في نابولي وسيقيم هناك، لكنه لن يأخذ طفله إلى

هذا المكان الخطر بالأخص وهو قائد شرطة نابولي؛ يُمكن لأي وغد استغلال الطفل في اخضاعه، فلم

يجد حلًا سوى ترك ابنه وحيدًا رفقة مربية عجوز تتولى تنظيم شؤونه.

 

حتى أتت هذه الليلة التي وجد مارتينا تقف عند بابه، مرتعدة خائفة كأنها ارتكبت جُرمًا عظيمًا.

 

سألها عن سبب امتناعها عن الدخول فلا زال مفتاح المنزل معها، فكانت اجابتها واضحة على ملامحها؛ فلن

تستطيع مواجهة ابنها بعد تركها له بلا سبب.

 

بل كان ذلك هينًا مقارنة بما تخفيه مارتينا؛ فما تركت زوجها وإبنها الوحيد إلا للزواج برجلٍ آخر.

 

سمح لها أريوزولا بالدخول وقدّم لها الطعام والشراب لكنه لم يجلس معها، فقط راقبها من بعيد في انتظار أن

تنتهي.

 

كذلك لم يهتم ابنها بشأن رؤية والدته بل تجاهلها وأغلق عليه باب غرفته.

 

في حين أتاها أريوزولا متسائلًا عن موعد رحيلها؛ فكما تركته بلا مبرر لا يحق لها العودة بلا مبرر أيضًا.

 

فاسترجته للمكوث في بيته لبعض الوقت، لكن أريوزولا رفض، فلم تجد مارتينا بُدًا من قص قطوف من

الحقيقة.

 

فقد اختلقت رواية مفادها أنها كانت على علاقة بثائر قبل زواجها به، لكنه قطعت صلتها به حينما غادر

إيطاليا، وحينما عاد أُضطرت للهرب حتى لا تُسبب له ولإبنها المتاعب.

 

لم تكتفِ بهذا فحسب، بل زادت قائلة أنها ذهبت إليه تترجاه ليتركها وشأنها لكنه إختطفها وإحتجزها، فقتلت

نورينا لتستطيع الخلاص والهرب.

 

كان أريوزولا رجل شريف متزن ولم يكن أبدًا بالأحمق، فأدرك أن هذه الحقيقة منقوصة، فتحرى حول ثائر

ومارتينا حتى إكتشف شيئًا من الحقيقة.

 

فمارتينا حبيبة ثائر السابقة ومن تربت معه في الشوارع والزقاق وليست بالفتاة المستقلة التي تعيش وحدها كما

أخبرته.

 

بل هي من المافيا الايطالية التي يقودها الوريث الهجين، فاستنتج أن خلافًا دب بينهما وهناك خطر حقيقي

على حياتها.

 

فتكت به الحيرة؛ فرغم بُغضه لها إلا أنها أم ولده ولا زالت زوجته، فلم يجد حلًا سوى تركها بمنزله.

 

ثم حدثت هذه الثورة في نابولي المطالبة برأس مارتينا، فتولى التصدي لهم إلا أن سقط أمام الوريث الهجين.

 

عاد هذا اليوم إلى بيته يتمنى الموت من فرط الذلة والمهانة التي شعر بها هناك.

 

قطبت مارتينا جرحه وتولت الاعتناء به، لكنه كره النظر إليها وإزداد بغضه لها أكثر من ذي قبل لدرجة أنه

تمنى لو يصرفها من منزله بأي طريقة كانت.

 

اتخذ القرار، وهم بطردها ذات ليلة فلم يجدها في غرفتها، بل في غرفة إبنهما، تحتضنه بين ذراعيها لتُضفي

عليه ما كان ينقصه من حنانٍ أموي.

 

تراجع وأغلق باب غرفة إبنه، ثم إنزوى في ركنٍ من غرفة المعيشة يبكي بحُرقة على ما ألمّ به؛ فلم يكن أبدً

إلا رجل شريف مجد في عمله.

 

لماذا يحدث له كل هذا، لماذا يتزوج بإمرأة ويُنجب منها إبنًا ثم يكتشف أنها من المافيا وهناك من يلاحقها؟

 

لماذا يتعرض لهذه الذلة ويُقتل جنوده أمام عينيه ومن يتبقى منهم إما خانه وألقى سلاحه من البداية أو ألقى

سلاحه غصبًا؟

 

ما الخطأ الذي إرتكبه في حياته حتى يعاقبه الإله بهذه الطريقة القاسية؟

 

لم يجد الجواب ولن يجده مطلقً، فطلب اجازة من المحافظ المؤقت لكن الأخير رفضها وأخبره عن رغبته في

شن حصار حول نابولي.

 

أهو الانتقام أم رحلة لهزيمة أخرى؟، رجّح أريوزولا الثانية فطلب عدم إشراكه بالأمر وجلس في منزله عدة

أشهر.

 

يراقب مارتينا تداعب طفلها، تحاول أن تشاركه التعلم فلم تنل فرصة الالتحاق بمدرسة في طفولتها.

 

وقد كان أريوزولا يعلم حقيقتها الكاملة لكنه لم يُخبرها يومًا، ليس لأجلها بل لأجل طفلها الذي لا ذنب له في

كل ما يحدث.

 

بعد هذه الأشهر قرعت مارتينا باب غرفته، فسمح بالدخول دون أن يعلم من الطارق، فقد اعتاد على أن

الطارق غالبًا ما يكون إبنه.

 

لكنه فوجئ بمارتينا تدلف إلى الغرفة، أراد طردها على الفور لكنها جثت على ركبتيها في خنوع هاتفة:

-أعلم أن الاعتذار لن يُفيد شيئًا، لكنني آسفة حقًا..

 

فار الدمع من عينيها وهي تردف:

-لن أتحمل هذه العزلة أكثر من ذلك، سأغادر الليلة إن كنت ستظل تعاملني بهذا الجفاء، لم أفعل كل هذا

إلا لأجلك ولأجل طفلنا.

 

تجاوزها أريوزولا ليتأكد أن آذان ابنه لن تلتقط هذا الحديث، ثم عاد إليها قائلًا بحُرقة وهو يلوح بيده أمام

عينيها:

-تعلمين ماذا أخبرني حينما جرح يدي هذه في نابولي؟

 

انقبض قلب مارتينا وهي تسأله:

-ماذا؟

 

بكل إشمئزاز وتقزز أجابها أريوزولا:

-ان كُنتُ استمتعت بكِ في شهر العسل، لأنه سبق وجرب هذه المشاعر مع عاهرته المفضلة مارتينا..

 

تحشرج صوته من شدة القهر وهو يردف:

-كيف تريدينني أن أسير مع امرأة بينما هذا الوغد يتشدق باستمتاعه بها.

 

أطرقت مارتينا رأسها وهي تسأله بانكسار:

-أهذا ذنبي أنا، أذنبي أن وغدًا يريد أن يفضحني؟

 

فأجابها أريولا بنبرة الكره والاحتقار:

-بل ذنبي أنا لأنني لم أتقصى عنكِ قبل أن أرضا أن تكوني أم لإبني.

 

ثم أردف وهو يتابع عمله من حاسوبه المحمول:

-فلتبقي هنا كما شئتِ فلست بمن يُلقي إمرأة للكلاب ولو كانت بائعة هوى.

 

حرقتها كلماته وسحقتها سحقًا، لكن أيحق لها الاعتراض!!، أيحق لها أن تشعر بالعار وهي العار ذاته؟

 

نهضت لتغادر وهي تُتمتم بصوتٍ خافت يصل إلى مسامعه:

-لكنني إنسانة في نهاية المطاف.

 

ثم عادت إلى غرفتها ترتعد خوفًا ورعبًا من أن يلقيها أريوزولا إلى ثائر فيفتك بها، أو يأتي ثائر إلى هنا فيفتك

بهما معًا وبإبنها أيضًا.

 

فهرعت إلى أحد أدراج المكتب بغرفتها لتطمئن من سلاحها الناري الذي كان برفقتها منذ كانت من رفاق

الزقاق، تحسبًا لأي شيء.

 

ثم ألقت بجسدها على الفراش تتفحص نفسها في المرآه وهي تهمس في ندم:

-ما الذي فعلته، تبًا لي، ما الذي فعلت؟

***

مواعيد النشر: السبت

((لقراءة الفصل الثالث والعشرون اضغط هنا))

تعليقات