BlogLabels

القائمة الرئيسية

الصفحات

مجرم أربكان-الفصل الثاني (محمد بهاء الدين)

 




((ما هي تصفيات الآلهة أيها الغراب؟))

 

أجابه الغراب ذو الصوت الأنثوي بضجر:

-اسمي ليس غراب، بل أنا فريا إلهة الحب أيها الأحمق.

 

آزر بارتياب:

-أفعلتي شيئًا خاطئًا فسخطكِ الآلهة الآخرون غرابًا أشعثًا؟

 

حطت فريا على كتف آزر العاري قائلة:

-لا نستطيع أن نظهر للبشر بهيأتنا الحقيقية، لهذا يتخذ كل إله شكل الغراب أثناء مصاحبته للمحارب

الخاص به.

 

آزر بفظاظة:

-لم تجدوا سوى هيئة الغراب، هذا مدعاة للتشاؤم في بلدي.

 

لكزته فريا بمنقارها موبخة إياه، ثم قالت:

-هذه أربكان حيث الغربان أسمى الكائنات.

 

ملّس آزر على خده متأوهًا، ثم تساءل:

-حسنًا فريا، ما هي تصفيات الآلهة هذه؟

 

فريا بصوتٍ حالم:

-حرب دموية يخوضها المحاربون لإثبات أنفسهم لأب الجميع وأعظم الآلهة أودن، والمنتصرون فقط

سينضمون إلى مائدة أودن في فالهالا للمشاركة في القتال الأعظم ضد الإله الشرير لوكي.

 

اقشعر بدن آزر مما ذكرته فريا؛ فهاهو ذا يأتي إلى هذا العالم ليشارك في قتالٍ آخر وهو الذي لم ينتصر في

قتالٍ قط.

 

لكن ربما يختلف كل شيء الآن؛ فقد بات له جسدًا صلبًا ووجهًا جديدًا، لكن خصومه سيكونون محاربون

أقوياء بالتأكيد.

 

((من أين سأحصل على ملابسي؟))

 

نظرت فريا إلى الأفق مجيبة:

-من أتيغا؛ حيث الميناء التجاري والدباغون والحدادون، ستبتاع من هناك الفراء والملابس وسيقرع الحداد

أريندال سلاحك الخاص الذي ستخوض به تصفيات الآلهة.

 

ثم رمقت جسده الصلب بنظرة جانبية مُثارة وهي تتمتم:

-رغم أنني لا أمانع أن تظل هكذا.

 

انتفض آزر فزعًا وهو يصيح:

-ما الذي ترمين إليه بالضبط أيتها الإلهة المنحرفة؟

 

لكزته فريا في جبهته ثم صاحت:

-من هي المنحرفة أيها الأحمق؟

 

حك آزر جبهته متألمًا، ثم قال:

-كيف سأشتري هذه الأشياء وأنا لا أمتلك مالًا؟

 

أجابته فريا:

-بمجرد التحاقك بسفن الصيادين ستحصل على ملابس صوفية ورمح لتصطاد الحيتان، حينما تنجح في

صيد واحدٍ منهم ستحصل على صرة من الذهب لتبتاع بها أغراضك.

 

آزر بجزع:

-حي..حي..حيتان، أنا سأصطاد حيتان؟

 

فريا بدهشة:

-ألم تصطد واحدًا من قبل؟

 

هز آزر رأسه مجيبًا:

-مطلقًا، حتى ان أمي هي من تُفرغ لي السمك من شوكه.

 

بدت خيبة الأمل على فريا وهي تقول:

-لا جدوى منك، لمَ جلبتك الملائكة إلى هنا إذًا؟

 

بحيرة أجابها آزر:

-لا أعلم ظننت الجنة مآلي بعد ما لاقيت من جحيم الدنيا، لكن عوضًا عن ذلك أنا هنا لأقاتل مرة أخرى.

 

فريا بقلة حيلة:

-على أي حال أتيغا تقع خلف هذا التل حيث المنحدر، فلتحرص على العودة حيًا من رحلة الصيد هذه.

 

ازدرد آزر ريقه بصعوبة، وهو على مشارف مدينة غنية مليئة بالبشر وهو لا زال عارٍ الجسد فأي انطباعٍ

سيحصل عليه يا ترى؟

 

***

لم تكن نظرات الاحتقار والسخرية التي تلقاها آزر، بل نظرات من المهابة والاحترام، وبسمات من العذارى

اللاتي رحن يشحن بأبصارهن في خجل وقد توردت وجناتهن.

 

في حين أطلت الحسناوات من المواخير يعرضن مفاتنهن البارزة فصرفتهن فريا بغلظة.

 

سيطر الانبهار على محيّا آزر؛ فما هذه المدينة التي لا تنظر إلى شخص عارٍ باحتقار؟

 

سرعان ما تحول التساؤل إلى إعجاب من كثرة الأسواق وصخبها، فالتجار هنا في غاية النشاط يبيعون كل

شيء.

 

فستجد في أتيغا أندر الوجبات وألذها كما ستجد أنواعًا مختلفة من الأسماك والمواشي، ستجد أيضًا النخاسون

والعبيد ونواخذة السفن.

 

((أهذه المدينة هكذا دائمًا؟))

 

أجابته فريا بينما يحيد نظرها إلى المرفأ:

-أتيغا لا تنام؛ فقد باركتها الآلهة وأغدقوا عليها بالعطايا، ستجد في الحانات ألذ الخمور والنساء، كما يُمكنك

أن تشتري عبدًا ليحمل أمتعتك.

 

آزر بسخرية:

-أين هي أمتعتي، أترى الغربان ما لا نراه؟!

 

لكزته بمنقارها مرة أخرى في غيظ، ثم أشارت بجناحها إلى مرفأ السفن قائلة:

-هنا ستجد أكثر البحارين تمرسًا، لا تقلق سيتهافتون عليك فور رؤيتك؛ فلا يأتِ شخص عاري مفتول

العضلات إلى هنا إلا لو كان محاربًا.

 

بالفعل التف حوله حشد من البحارة الشقر الذين تبدوا عليهم أمارات الصلابة والجلد.

 

فتراجع آزر إلى الخلف فزعًا من كثرة العروض حتى أتى هذا العجوز الصلد ذو الجسد عريض المنكبين،

أسنانه من ذهب وعينه اليسرى من ياقوت.

 

أصلع الرأس، يحمل على ظهره رمحًا مدببًا، له صوتٌ مهيب بدا جليًا حينما قال:

-إذًا أنت آخر المحاربين المنضمين إلى تصفيات الآلهة؟

 

التفت آزر إلى فريا متسائلًا عن ما يقصده، فوجدها وقد ذابت واختفت عن ناظريه، فردد متسائلًا:

-آخر المنضمين إلى تصفيات الآلهة؟!

 

اخترق الرجل الحشد ليفسح له الجميع طريق المرور حتى بات على مقربة من آزر وهو يُجيب:

-من أتت قبلك كانت امرأة رفضت أن تنضم إلى أي طاقم هنا؛ فرجل عارٍ ليس كامرأة عارية وسط حفنة

قذرة من الرجال.

 

ثم بصق أرضًا في تقزز وهو يقول:

-النساء، سُحقًا لهم.

 

في حين سأله آزر بفضول:

-كيف يبدو شكل هذه المرأة؟

 

بعدم اكتراث أجابه البحار:

-قصيرة ممتلئة الجسد إلى حدٍ ما، شقراء فاتنة كأي امرأة ستجدها في أربكان.

 

لم تكن دانا بالفتاة الشقراء، كما لم يكن هو بالرجل الصلب الأشقر عريض المنكبين، ربما تغيرت هيئتها هي

الأخرى بقدومها إلى هنا.

 

بحماس هتف البحار:

-أترافقني أيها المحارب إلى بحر الترنيمات حيث الحيتان تُغني في انتظار بعض البحارة الحمقى لتلتهمهم؟

 

قصد بكلماته تحفيز آزر لكن على العكس تمامًا؛ امتقع وجهه كأن غثيانٌ أصابه، وولى الأدبار قائلًا:

-أعذرني أيها البحار لكن..

 

((سأعلمك كيف تُخرج قوتك الخارقة وتحصل على الشجاعة أيها المحارب.))

 

نطقها البحار فالتفت له آزر ليردف الأخير:

-يسمونني آغار مدرب المحاربين؛ فقد دربتُ من سبقك من المحاربين يا فتى فلا تضيع فرصتك..

 

ثم انصرف مضيفًا:

-ستجدني حيث سفينتي (راقصة المحيط).

 

راقبه آزر حتى غاب عن ناظريه، فآتته لكزة مفاجئة من فريا ثم صاحت به:

-لمَ لا تلحق به؟

 

بيأس أجابها آزر:

-أمضيت حياتي كلها أفر من قتالٍ تلو الآخر حتى صرت أكبر هارب يمكن أن تقابليه..

 

ثم إتجه للجلوس على أحد الأرصفة وهو يقول باستنكارٍ محبط:

-الآن تريدينني أن أقاتل الحيتان، هل جننتم لتأتوا بأمثالي إلى هنا لخوض حرب بين الآلهة؟

 

((أجننت أنت حتى تصير جبانًا في حياتين متتاليتين؟))

 

اتسعت عينا آزر اثر هذه الكلمات، في حين حطت فريا على ساقه مردفة:

-قلة فقط هم من تنتقل أرواحهم إلى هنا كهيئة محاربين..

 

ثم أشارت إلى النخاسين الذين يجرون العبيد خلفهم مضيفة:

-كان من الممكن أن تنتقل روحك إلى أحد هذه الأجساد لتغدو عبدًا للأبد، فلتكن ممتنًا.

 

آزر بدهشة:

-أهؤلاء أشخاص مثلي، ليسوا جزء من أربكان؟

 

أجابته فريا:

-لم تكن أربكان لأحد سوى الآلهة، حتى تراكمت الأرواح لتنشأ بلدانها.

 

ثم عاودت التلاشي والاختفاء كالسراب وهي تضيف بصوتٍ يتباعد شيئًا فشيئًا:

-فلتحسم أمرك أيها المحارب، إما أن تصير مقاتلًا أو تظل عبدًا للأبد.

                                                  ***     

مواعيد النشر: الأربعاء

#محمد_بهاء_الدين

#مجرم_أربكان

تعليقات