(((لقراءة الفصول السابقة اضغط هنا)))
(
لقاء غير متوقع)
ما زال يناظر النافذة
التي أمامه، وقف فوق رأس حبيبة:
_أنا
هنا يا حبيبتي، بالقرب منك يا حبيبة، أرجوك افتحي عينيك، انظري إلى حبيبك بقربك.
تمنى أن تستجيب له أو
تفتح عينيها، لكن لم تبدِي أية ردة فعل.
تمدد على سريره مرة أخرى،
أخذ يردد"اللهم اذهب البأس ربّ النّاس، اشف وأنت الشّافي، لا شفاء إلا شفاؤك،
شفاءً لا يغادر سقمًا، اذهب البأس ربّ النّاس، بيدك الشّفاء، لا كاشف له إلّا أنت
يا ربّ العالمين"
غفى من جديد وهو يردد ذلك
الدعاء، وفي صباح اليوم الثاني، دخل إليه الطبيب المختص بالمعالجة الفيزيائية وهو
يقول:
_هل
أنت جاهز يا سيد فرناس؟
_جاهز.
_تفضل معي إلى صالة
المعالجة.
مشى فرناس بالقرب منه؛
ليبدأ العلاج الفيزيائي، يرى أن قدميه ويديه تتحسنان كثيرًا عن السابق، بدأت يديه
تستجيبان لحركته المعتادة، وآلامه تتقلص عن السابق، لكن آلام قلبه ما زالت مستعرة
لا تأبى أن تخمد.
عاد في اليوم الخامس عشر
من غرفة الطبيب المعالج، يرى لجنة من الأطباء بالقرب من حبيبة، اقترب أكثر:
_ماذا
هناك؟! ما الذي حصل؟!
رد عليه أحد الممرضين
الموجودين:
_قرر
الأطباء نزع الأجهزة عن حبيبة، فجسدها لا يستجيب للعلاج، يرفض المحاليل.
_ما هذا الكلام؟! هل
الأمر كما يريد الأطباء؟ ستبقى المحاليل والأجهزة حتى تفيق من الغيبوبة.
_مع الأسف فعلنا كل ما
بوسعنا، لكنها لا تستجيب.
سنأتي غدًا ونجرب رفع
المحاليل والأجهزة.
تكلم طبيب آخر:
_نحنا
أمام خياران، إما أن تفيق وتعود لحياتها العادية، وإما أن تغادرنا إلى الأبد.
ضرب الحائط الذي
بجانبه:
_كيف
تقول ذلك بهذه البساطة، لن أسمح لأحد أن يقترب من حبيبة.
_ أرجوك سيد فرناس أن
تهدأ، لقد خرجت من أزمتك الصحية منذ أيام.
_ نحن نرى هذا لمصلحة المريضة،
قد يموت دماغها، عندها لن تستطيع أن نفعل شيء آخر.
وقف أمامها وهو يقول:
_متأكد
أنها ستعود، لن أسمح لها أن تذهب بعيدًا.
نام مجددًا وهو يكلمها
كأنها تسمعه:
_كوهندار
أنا هنا انتظرك، انتظر قدومك لا تبقي هناك.
عاد إلى أحلامه التي تقبع
بها كوهندار، رأها تجلس على شاطئ البحر وهي تبكي، تمسح دموعها بكف يدها وهي تكتب
على الرمل
"الزبير"
جلس بالقرب منها، صرخ بكل
قوته:
_كوهندار
هل تسمعينني؟!
لوح بيده أمام وجهها،
لكنها لم تره كأنه وهم أم خيال.
وضع يده فوق يدها التي
تخطو بها على الرمال، وكتب " أنا هناك انتظرك"
نظرت لما كتبت، شعرت أنا
هناك يد أخرى تخط على الرمال، نظرت لموضع وجوده، وهي تقول:
_الزبير،
هل أنت هنا؟!
_نعم هنا بالقرب منك.
رفعت يدها فلامست
وجهه وهي تقول:
_أشعر
بروحك قربي، وإن كنت لا أراك.
فتح عينيه مجددًا وجد
نفسه على السرير في المشفى، يكاد أن يجن، كيف حبيبة هنا وكوهندار تزوره في الحلم؟
رفع يديه بحنق وهو
يقول" لم أعد أميز بين الحقيقة والوهم"
أراد أن يستنشق بعضًا من
الهواء النقي، جلس على أحد المقاعد الجانبية في حديقة المستشفى.
رأى فتاة قادمة من
الظلام، تخيل أنه يعرفها، عندما تقدمت أكثر انكشفت له صورتها، صرخ بذهول:
_إيمان.
_نعم إيمان يا حبيبي،
إيمان التي انتظرت أشهر على أمل أن تستيقظ، وتعود إليها، إيمان هنا بالقرب منك.
اقتربت منه أكثر وجلست
إلى جواره، وضعت يدها على وجهه، وهي تقول بحب:
_كم
اشتقت إليك يا فرناس!
نظر إليها نظرة عميقة،
يحاول أن يتذكر ذكرى عميقة تجمعهما، بحث في تلافيف عقله الواسعة، لكن ذكراها
أبت أن تخرج.
عادت لتقول له من
جديد:
_ألم
تشتاق لي.
لكن السؤال ظل معلق في
الهواء دون إجابة.
_هل نسيتني يا فرناس؟!
_لا لم أنساك، لم أنسى
أحد، ذاكرتي تعمل بشكل رائع.
_هل نسيت وعدك لي
بالزواج؟!
_إنني الآن مشتت، علي أن
اطمئن على حبيبتي، انتظرها حتى تصحى من غيبوبتها.
أمسكت يده بحب، أرادت أن
تفصح أكثر، لكنه تذكر يدي حبيبة التي كانت كوهندار في أحلامه.
أنزل يديه بقوة كأن إعصار
ضرب كيانه:
_اسمحي
لي ان أغادر.
أسقطت دمعة من عينيها،
عندما رأته يغادر كأن حية لسعته، تشعر أن مشاعر فرناس قد تغيرت تجاهها.
لكن بقي لديها أمل، فالحب
الذي توهمته بينهما كبير.
عاد إلى غرفته المشتركة
مع حبيبة، يشعر أنه سافر بالزمن لمكان آخر وهيئة أخرى ليتعرف عليها مجددًا؛ ليحبها
ويعشقها، ويتمنى أن تكون زوجته، أما إيمان فلم يكن لها المشاعر.
أسدل عينيه عن الظلام
الموحش، الظلام يملئ قلبه قبل محيطه.
وفي صباح اليوم التالي،
قدمت مجموعة من الأطباء، وقدم ماهر، وزوجة عمه وعمه، والدموع بللت وجوههم عندما
قال الأطباء:
_علينا
أن نرفع الأجهزة عن المريضة.
قال أحد الأطباء متجهًا
بحديثه إلى الممرض:
_جهز
لي جهاز الصعق من أجل ضربات القلب.
وقفت والدة حبيبة تمسك
يدها، شعرت بدفئ الدماء التي تتجمع في أصابعها، واليد الثانية أمسك بها فرناس.
كان لديها إحساس قوي أنها
ستفقد ابنتها، فقدت الأمل في عودتها.
أشار أحد الأطباء إلى
زملائه:
_سأبدأ
العد، واحد ، اثنان، ثلاثة؛ لترفعوا الأجهزة.
فرناس يناظر الجميع كأن
شلل حل في كيانه، لا يأخذ ردة فعل تجاه شيء.
صدح صوت توقف القلب عندما
ارتفعت الأجهزة عن الجسد:
_ضع
لي الحقنة في المحلول، قرب لي الصدمات الكهربائية.
_واحد، اثنان، ثلاثة،
اصعق.
رأى فرناس جسد حبيبة
يرتفع ويهبط من تأثير الصدمات الكهربائية.
_ضع المسحوق مجددًا هنا،
اشحن على درجة أعلى، ابتعد، اصعق.
ارتفع جسدها بشكل أكبر
وهبط على السرير، وهو ممسك بها بكل قوته كاد أن يدخل أظافره في جسدها الرقيق.
_لا تستجيب يا سيدي،
الصدمات لا تجدي نفعًا.
والدة حبيبة أستندت على
السرير؛ فقد شعرت أن الأرض تحتها تترنح، كاد أن يغمى عليها، نشف دمعها وهي تبكي
وتصرخ:
_انقذوا
ابنتي، أرجوكم انقذوها.
والدها لم يعد يستطيع
الوقوف أكثر من ذلك، كان يبكي كالطفل الصغير.
لكن فرناس وقف كالطود
الشامخ وهو يقول:
_لن
أسمح لك أن تبقي هناك، حبيبة عودي إلي، حبيبة أنا هنا.
_يكفي، اخرجوا الجميع إلى
الخارج.
صوت صفير الجهاز على نفس
الوتيرة لم يتغير، اصطدام الجهاز مع قصبات صدرها يصدر ارتطام حاد، بكاء والدتها
ووالدها وصراخ الأطباء، ارتطام المعدات التي كانت بجانبهم.
شعر أن الرؤية مشوشة
لديه، وميض أبيض، تشوبه رؤية غير واضحة للأطباء وهم يرتدون اللباس الأخضر، واضعين
على أفواهم الكمامات، يد أمسكت به وسحبته إلى الخارج.
لم يعد يرى شيء أمامه،
المشفى خالية من الوجوه، وجه كوهندار وهي تبتسم بفستانها الأبيض هو ما كان يراه،
أرضه أرض الزبير في الزمن السحيق.
رأى صورة أخرى تخرج منه
بهيئة الزبير يقف أمامه ويحادثه.
تقدم إليه ووضع يده على
كتفه وهو يقول:
_لا تسمح لها أن تبقى
هناك، حافظ على حبك، حافظ على وعدك.
شعر أنه حبس داخل أحد
أحلامه، مسلوب الإرادة، لا يستطيع أن يصرخ أو يتقدم خطوة.
خرج الطبيب من الداخل،
يمسح حبات العرق المتجمعة على جبينه، وهو يلوح برأسه يمينًا ويسارًا؛ بمعنى أننا
فقدناها.
ركض فرناس إلى الداخل،
الدموع تجمعت في عينيه، لم يسمع الأصوات التي تناديه.
كان نصب عينيه هدف واحد
وهو حبيبة، وضع كلتا يديه على قلبها يضغط بقوة للأعلى والأسفل:
_حبيبة
عودي، حبيبة أنا هنا انتظرك، حبيبة فرناس ينتظرك هنا.
_البقاء لله سيد فرناس.
أراد أحد الأطباء أن يغلق
عينيها، لكن فرناس زئر بوجهه بكل قوته:
_لم
تمت، حبيبة ما تزال على قيد الحياة.
هزها بقوة وهو
يقول:
_كوهندار،
تعلمين أنني أحبك، لا تفعلي ذلك بي، هيا افتحي عينيك، انظري إلي.
_سيد فرناس، فقدنا
المريضة ولم يعد يجدي ذلك.
اترك يديك، ابتعد
أرجوك،
لا تصعب الأمر أكثر.
أمسك يدها باستسلام وهو
يبكي، سقطت دمعة من عينيه على يدها، بدأ الجهاز الذي بجانبه، يصدر صوت مختلف.
نظر الدكتور إلى جهاز
قياس القلب، كأنه لا يصدق، تحول الخط المستقيم، لخط متعرج قليلًا، صرخ:
_ليس
من المعقول، إنها معجزة.
_نعم سيدي الطبيب،
المريضة ما تزال على قيد الحياة.
_من المستحيل أن يحصل
ذلك.
تقدم إلى رسغ يدها، أمسك
به؛ ليشعر بالضبط الباهت:
_كم
أنت قوية يا حبيبة!
_متمسكة بالحياة، متمسكة
بمن تحب.
تعالت ضحكة فرناس، كأنه
غير مصدق، راح يقفز أمام الطبيب من الفرح:
_نعم،
لم تمت، إنها على قيد الحياة.
خرج إلى عمه وزوجة عمه،
والفرحة لا تسعه:
_حبيبة
لم تمت، حبيبة ما زالت على قيد الحياة.
_ماذا؟!
_كيف ذلك؟! أشفق لحالك ما
زلت تتوهم يا صديقي!
_أقسم لكم أن حبيبة لم
تمت، عاد النبض إلى قلبها دون أجهزة.
_أنت تمزح؟!
راح يركض وهو يقول:
_حبيبة
لم تتركني، حبيبة متمسكة بالحياة من أجلي، حبيبة لم تمت.
ركض والدها ووالدتها
وماهر إلى الداخل، ليتأكدوا أن الخبر صحيح:
_نعم
قلبها يعمل دون الأجهزة، وعقلها أيضًا، لكنها لم تفيق بعد من الغيبوبة.
_لكن الآن الأمل أصبح
أكبر، والمسألة مسألة وقت وستعود لحياتها الطبيعية بينكم.
حضنت والدتها والدها،
ووالدها حضن ماهر، الفرحة تتوسم وجوه الجميع.
وفرناس يقف أمام الباب،
لا يعلم هل يبكي أو يضحك؟! هل حبيبة كانت كوهندار في أحلامه حتى استجابت للاسم؟!
هناك أشياء لم يستطع
فهمها إلى الآن.
كانت حبيبة تعي كل ما
يحصل حولها، وهي أيضًا لا تعلم هل هي حبيبة أم كوهندار؟!
بالعودة لقبل أيام في
الماضي، إلى يوم زفاف الزبير من كوهندار، كانت الاحتفالات تتوسط الساحة، الوجوه
تتوسمها السعادة.
وصل ماهر وطلب من الزبير
أن يوافيه في الحال في غرفتهم السرية فهناك أمر طارئ:
_عليك
ان تغادر يا صديقي!
_اليوم زفافي كيف
سأغادر؟!
_جهزت لك كل شيء، ما عليك
إلا أن تتدبر الأمر وتخرج من الباب الخلفي.
_ما الأمر أخبرني، وإلا
لن أخطو على بعد ميل.
_أرجوك اسمع كلامي هذه
المرة فقط.
نظر له نظرة ارعدته:
_أقول،
ما الأمر؟!
_سمعت أنهم سيقتلونك أيها
الزبير، بسهم فيه سم، عندما تذهب إلى قصر الزجاج، سيعلنون الانقلاب عليك.
أكمل قائلًا:
_الفوضى
عارمة ولا أحد سيتمكن من حمايتك أو حماية زوجتك.
_ماذا تتكلم؟! من تقصد؟!
_إنها مكيدة كبيرة، ولا
وقت للكلام الآن.
_إذا كانت مكيدة فعلي أن
أواجهها، أفضل من تركي لعروسي في يوم زفافها.
_أعدك أن أصلح كل شيء،
لكن الآن أسمع كلامي وغادر العرس.
_ستنهار كوهندار، لن أفعل
ذلك.
_ستنهار من فقدانك لبعض
الوقت، أفضل من أن تنهار من مقتلك.
عاد فرناس إلى ساحة الرقص
من جديد، كانت تبتسم وتتمايل أمامه كلحن عذب، أمسك يدها وقلبه يؤلمه من تلك
الابتسامة الجذابة، أخذ يرقص أمامها، عندما دارت دورتها كان قد اختفى من أمامها.
استقل حصانه الأسود إلى
الجبل على أمل أن تلحق به.
بحثت عنه بين الحضور، بين
الوجوه لكنها لم تجده، سألت والدته:
_أين
الزبير؟!
لكن لا أحد عنده الإجابة.
بكت حتى جف دمعها، انهارت
وتركت الطبول تقرع، والناس ترقص، وتوجهت لقصرها قصر الزجاج، على أمل أن تجده،
يمازحها أو مختبأ هناك، قد يكون يحضر لها مفاجئة ما.
بحثت في أرجاء البيت،
تبكي وتصرخ:
_أين
أنت أيها الزبير؟! أرجوك يكفيك مزاحًا، اخرج إذا كنت هنا.
لكنها لم تلقى أيه إجابة.
جلست تحاول أن تكلمه
بعقلها، كما علمها سيدها وحكيمها في التخاطر، نظرت لفستانها الذي اتسخ، وكحلتها
التي مدت على وجنتيها، شعرها الذي تناثر بعشوائيه، كأن صاروخ ضرب في منتصفه وهي
تقول:
_إن كنت هنا، اخرج أرجوك.
لكنه لم يخرج، عادت
للبكاء مجددًا، وهي تقول:
_أشعر
بروحك بقربي، أعطني إشارة إذا كنت قريب مني.
فتحت نافذة غرقتها ليتدفق
الهواء منها، تطايرت الطرحة التي علقت على رأسها، تبسمت وهي تكلم نفسها:
_إنه
هنا، الزبير هنا.
راحت تحتضن الهواء متنقلة
من مكان إلى آخر.
تلك ليست المرة الأولى
التي تشعر به وبروحه، فقد جلست على الشاطىء، تخط على الرمال اسمه، فخطت يداه
"أنا هنا انتظرك"
تأكدت وقتها أن هناك شيء
خارق للطبيعة يحصل معها ومع الزبير،
فكرت كثيرًا لكن لم تجد
التفسيرات المنطقية لما يحدث.
توجهت إلى والدته:
_علي
أن اغادر يا أمي!
_إلى أين ستذهبين يا
ابنتي؟!
مشت خطوات واهنة:
_إن
الزبير يناديني، علي أن أذهب.
_حفظ الله لك عقلك يا
ابنتي، أنا أعرف ابني، أعرف الزبير جيدًا، مهما ابتعد سيعود.
أردفت وهي تبتسم:
_لا
أعرف ما الذي حصل معه، لكنه كالسمك إن خرج من الماء سيموت.
_سأعود لبيت والدي، إلى
أن يعود حبيبي الزبير.
_أفضل أن تبقي في بيتك،
لكن إذا كنت ترين ذلك مناسب، رافقتك السلامة يا ابنتي، لن أستطيع أن أمنعك.
عندما عادت لتحزم حقائبها
حضر إليها ماهر:
_اليوم
في الليل سأنقلك للإقامة مع الزبير.
_ماذا؟! الزبير أين
هو؟!
_إنه في انتظارك، عليك أن
تغادري اليوم يا كوهندار، ستكونين عنده في الصباح الباكر.
أردف شارحًا:
_سأرسل
معك حارسان، انتبهي لنفسك جيدًا، العيون الكارهة كثيرة، تنتظر منا خطأ بسيط.
_فهمتك، لكن سيذلل الله
لنا الصعاب، لنكون معًا، تلك ثقتي بالله.
مشت في طريق الغابة،
يتقدمها حصانها، ويلحق بها جنديان،
تعرضت لهجوم مفاجئ في
منتصف الغابة، قتل الجنود الذين كانوا معها، ظلت تصرخ:
_أين أنت أيها الزبير؟!
أيها الملك!
تبكي وترتجف، وصل الأشقر
لوحده إلى الزبير؛ عندها علم أن مكروه قد حصل، أستل سيفة ومشى متتبع خطوات حصانها.
وكوهندار سقطت على الأرض،
شعرت أن الهواء انقطع من حولها، والظلام حالك، لا ترى شيء ولا تسمع إلا صراخ أحدهم
باسم حبيبة، لكنها استطاعت أن تميز صوت الزبير.
يد تحملها وتهزها من
كتفيها بقوة:
_كوهندار،
تعلمين أنني أحبك، لا تفعلي ذلك بي، هيا افتحي عينيك.
تبسمت في خلجات نفسها وهي
تقول إنه الزبير، سقطت دمعة من مقلتي الأمير على يدها، فتحت عينيها بوهن وهي
تقول:
_أنا
هنا.
استمر الظلام حولها،
كعباءة سوداء منسدلة على عينيها، سمعت صوت أحدهم يقول:
_كيف
ذلك؟! إنها معجزة.
شعرت أن الهواء دخل إلى
رئتيها مجددًا، إنها تتنفس وتسمع كل ما يحيط بها، لكنها لم تتمكن من تحريك يدها،
أو فتح عينيها.
عادت من جديد إلى نوم
عميق، وهي تشعر أنها في أحضان الزبير.
دخلت أمها إلى الغرفة:
_إنك
فرحتي الأولى، أنت نبض قلبي، قلبي الذي وضعته بين يديك، عندما ولدت لم أعد أشعر ان
قلبي بين أضلعي، إنما كان معك دائمًا.
اقتربت منها أكثر، حملت
كفها برفق، تخاف عليها من نسمة الهواء، دثرتها بلحافها المفضل، جلست بالقرب منها
تقص عليها كل ما يحصل معها.
دخلت والدها :
_كيف
حالها الآن، ألم تستيقظ؟!
_ليس بعد، ما زالت تسرح
في أحلامها، إنها عادتها منذ الصغر، عندما تستاء من الحياة تهرب للنوم.
_إنها ابنتي القوية،
ستتجاوز المحن، تعود لنا أقوى من ذي قبل.
دخل فرناس من الخارج،
سأله عمه باهتمام:
_كيف
حال يدك؟!
حركها يمينًا ويسارًا:
_الحمد
لله كل يوم تتحسن عن اليوم الذي يسبقه.
_عليك أن تنتبه لصحتك
جيدًا يا ولدي، لقد خرجت حديثًا من الغيبوبة.
_الأهم بالنسبة لي هي
حبيبة الآن،
نظر إليها بحب:
_ليتها
تعود لنا وكل شيء سيكون بعده بخير.
دلف ماهر إلى الغرفة، وجد
فرناس يقف بالقرب من حبيبة، تصادف مع والديها وهما يخرجان، ألقى التحية وتقدم إلى
الداخل:
_ليتني
أعرف ما أصابك يا صديقي وأنت داخل الغيبوبة.
_عن أي شيء تتحدث يا ماهر
لم أفهمك؟!
_بل تفهمني، أريد أن أعرف
ماذا حصل معك حتى تغيرت لهذا القدر، فأنت لم ترغب بحبيبة زوجة،والآن..
_الآن ماذا؟!
_أرى في عينيك لهفة لم
أرها من قبل.
كاد أن يفتح فهمه ليتحدث
عن الحياة التي عاشها في غيبوبته، سمعا صوت قرع الباب.
تعليقات
إرسال تعليق
شاركنا رأيك في هذه التجربة