(((لقراءة الفصول السابقة اضغط هنا)))
( بداية النهاية)
_أنا اخترت اسم ابنتي "ريحانة" وأنت اختاري اسم الطفل القادم.
_هل سيكون هناك طفل قادم؟!
تبسم وهو يقول:
_ألا تحتاجين طفل يشبهني؟
بقي السؤال معلق دون إجابة.
مر أسبوع آخر وحبيبة ما زالت تعاني من ذات الآلام، حجز فرناس موعد عند الطبيبة، تمددت حبيبة على السرير:
_ارفعي عن بطنك، لنرى وضع الجنين.
وضعت الطبيبة جهاز صغير على بطن حبيبة وهي تقول:
_ما زال الجنين صغير، لكن بدأ قلبه ينبض.
كان فرناس منتبه بكل حواسه وهو يقول:
_ما زال كحبة العدس صغير جدًا.
_هل لي ان أسمع دقات قلبه أيتها الطبيبة؟!
_طبعًا يا ابنتي.
بدأ الجهاز الذي يشبه التلفاز أمامها يصدر صوت ضربات قلب خفيفة، وضع فرناس هاتفه على مسجل الصوت ليسجل صوت ضرباتالقلب، كانت الدنيا لا تسعه من الفرحة.
توجه إلى حبيبة، والبسمة ملأت وجهه:
_حبيبة هل سمعتي؟!
شعرت حبيبة بشعور مختلف، طفل ينمو في احشائها تتقاسم معه الطعام والشراب، وحتى الفرح والتعاسة، حضنت يد فرناس بحب،ووضعتها على بطنها.
سرت قشعريرة في جسده، يكاد قلبه يخرج من مكانه.
عادت الطبيبة للكلام:
_حجم الطفل ما زال صغير جدًا سأكتب لك الفيتامينات، أتمنى أن تهتمي بغذائك، ولا تهملي تناول الخضراوات الطازجة والفاكهة، وشربكل يوم كوب من الحليب.
حمل فرناس الصورة التي خرجت من الجهاز بين يديه، وفي طريق عودته دخل لمصور فوتوغرافي:
_ستلتقط لنا صورة تذكارية بالأبيض والأسود لنا ولطفلنا.
حملا الصورة من المنتصف، والتقط المصور لهما العديد من الصور الجميلة، خرجا وفرناس يقول:
_لا أزال غير مصدق!
عاد لسماع التسجيل الصوتي، وهو يقول:
_كم كنت أتمنى أن يكونا أمي وأبي معنا، يفرحان لحملك، ويذهبان معنا إلى الطبيبة، يهتما بطفلنا ويلعبان معه.
_إنه القدر الذي لا ينصف أحد.
مرت أيام حبيبة أفضل من قبل، توقف الغثيان، عادت للدراسة، قدمت الامتحانات وهي حامل، وبطنها أمامها، علمت أن مولودتها ستكونفتاة وأخذت تجهز ثياب المولودة مع والدتها وفرناس.
خرجت من المدرسة في اليوم الأخير والتعب واضح على وجهها، استقبلها فرناس بالسؤال المعتاد:
_كيف كان الامتحان؟!
_الحمد لله، اللغة العربية كانت الأفضل.
جلست بالقرب منه في مقعد السيارة، تتنفس الصعداء، وضع يده على بطنها ليطمئن على ريحانة، ركلة بطن والدتها بسرعة خاطفة، قالبذهول:
_إنها تركل، يا لها من مشاكسة.
_نعم تركل دائما.
أردفت قائلة:
_فرناس إنني متعبة، أحتاج أن أنام.
_سنذهب الآن للبيت، تأخذين حمام دافئ ينعش روحك ويزيل عنك حرارة الجو، وفي المساء تجهزين نفسك.
_إلى أين؟!
_مفاجئة، كيف سأقول لك؟!
نامت حبيبة، لكنها كانت غير مرتاحة، تشعر بألم في أسفل ظهرها، وعندما استيقظت جهزت نفسها، تشعر أنها أهملت نفسها كثيرًا في فترةالامتحانات، وكانت متعبة من الحمل أيضًا.
حملها فرناس، ووضعها في السيارة، انطلق بها إلى شاطئ البحر، من هناك استقلا باخرة صغيرة لتناول العشاء في وسط المياه، جلسفرناس على إحدى الطاولات، نادى للموظف:
_لو سمحت لدينا عشاء خاص من السمك البحري، هل تستطيع أن تحضره لنا؟
_منذ زمن بعيد لم نتناول العشاء في الخارج.
_كنت أنتظر أن تنتهي من الامتحانات، لنزور كل يوم مكان مختلف.
تناولت العشاء، لكنها تشعر أن الألم بدأ يزيد:
_فرناس هل نعود؟!
_ألم يعجبك المكان، ما بك أشعر أنك غير مرتاحة؟
_كان ظهري يؤلمني في البيت، والآن اشتد الألم.
أخبر قبطان السفينة ليعود فورًا إلى الشاطئ، بدأت الآلام تزداد بشكل أكبر، تصرخ حبيبة:
_فرناس أرجوك اسرع، أشعر ان ابنتنا ستأتي.
_لكنك لم تتمي الشهر الثامن، كيف ستأتي ابنتا الآن، قبل موعد ولادتها؟!
تعالت صرخاتها، أخذت يتردد صداها في الأجواء، يأخذها البحر دون أن يعيدها.
اتصل فرناس بوالدة حبيبة:
_أرجوك يا زوجة عمي، احضري ملابس الطفلة وتعالي إلى المشفى.
_لكن موعد ولادتها لم يحين بعد.
_سأجعل الطبيبة تفحصها، لنرى ماذا ستقول؟!
وصلت حبيبة إلى المشفى، صراخها يملأ المكان، بدأ يتسرب منها مياه الجنين.
وضعت الطبيبة السماعة على بطنها وهي تقول:
_نبض الجنين ضعيف، تحتاج لولادة قيصرية سريعة.
أمسك يدها وهو يحثها على الصمود:
_ستكونين بخير، ستكون ابنتنا بخير لا تخافي.
_فرناس موعد الولادة لم يحين بعد.
_كل ما يأتي من الله خير، هيا كوني قوية كما عهدتك يا حبيبة.
أخذوا حبيبة إلى غرفة العمليات، وصلت والدتها، فوجدت فرناس يجلس أمام الباب، هموم الدنيا اعتلت وجهه:
_فرناس، ما الذي حصل؟!
_فجأة شعرت بالألم، ونبض الجنين ضعيف، كما تقول الطبيبة.
_اللهم أجعله خير، وأخرجها سالمة.
بعد انتظار حوالي الساعة أمام الباب، خرجت الطبيبة، وقف فرناس وهو يقول:
_قولي أخبار جيدة، أرجوك أيتها الطبيبة.
_وضع الأم مستقر، أما الطفلة ستحتاج لحضانة ورعاية خاصة، الرئة لم تكتمل لديها؛ بسبب الولادة المبكرة.
_هل نستطيع أن نرى حبيبة؟!
_سننقلها لغرفة خاصة بعد قليل، لكنها ما زالت تحت تأثير التخدير، تحتاج وقت لتستيقظ، الحمد لله على سلامتها مجددًا.
خرجت حبيبة، وجهها شاحب، هناك طرف دمعة لاحت في عينيها، ركض فرناس:
_حبيبة، يا حبيبتي، الحمد لله على سلامتك.
اقتربت والدتها، طبعت قبلت على جبينها:
_سيكون كل شيء على ما يرام، أعرف كم أنت قوية!
بعد قليل، استيقظت حبيبة، ما تزال تحت تأثير التخدير:
_أين ابنتي؟! أريد ريحانة.
_حبيبة نحن هنا، أنا وأمك هنا، هل ترينا؟!
تبكي لبعض الوقت وتصمت لوقت آخر، الجملة الوحيدة التي تكررها:
_أريد ابنتي.
حضرت الطبيبة طمأنتهم عن وضعها:
_لا تخافا، هذا الوضع طبيعي، من تأثير التخدير، عندما تستعيد كامل وعيها، تستطيع أن تذهب وترى ابنتها.
لحق فرناس الطبيبة إلى الخارج:
_اشرحي لي الوضع كامل من فضلك.
_هذه الحالات تحصل عادة، تسمى الولادة المبكرة، الرحم لا يتحمل أكثر من ذلك، قد يكون نتيجة التعب، وقد يكون لأسباب أخرى، لكن أنتمتأخرتم عن موعد زيارتي، آمل ألا نفقد الطفلة.
_ماذا؟!
_لن أكذب عليك سيد فرناس، نحن فعلنا كل ما نستطيع، لكن قد تفقد الطفلة فالرئة لديها غير مكتملة.
عاد فرناس لحبيبة، التي بدأت تفتح عينيها، وتستعيد وعيها، حاول ألا يظهر لها كلام الطبيبة:
_الحمد لله على قيامك سالمة.
قبل جبينها وحمل يدها التي تحمل المحلول:
_هل هناك شيء يؤلمك؟!
_فرناس، أين ريحانة؟!
_إنها في الحاضنة، لكن لا تقلقي ابنتنا بخير، قوية كوالدتها، سنذهب إليها بعد قليل، هيا كوني قوية من أجلنا.
اقتربت والدتها، طبعت قبل على جبينها، وغيرت ملابسها، بدأت حبيبة تتحسن، وتستعيد جزء من قوتها، تحاملت على نفسها واستطاعتالنهوض والمشي البطيء:
_هيا لنذهب إلى ريحانة.
لبسا فرناس وحبيبة اللباس الخاص بهما، دخلا كانت ابنتهما صغيرة جدًا بحجم الكف، متصل بجسدها مجموعة كبيرة من الأجهزة، هناكأنبوب في أنفها.
انهارت حبيبة، وبدأت بالبكاء، وقلب فرناس يبكي لكنه شجعها:
_جاءت قبل موعد ولادتها، لا تخافي ستكون بخير، بتلك الطريقة كأنها في بطنك، قد تحتاج أيام وأنت يجب أن تكوني قوية من أجلها.
عادت إلى غرفتها، لكن بعد أن رأتها، اشتعلت نيران قلبها، تكررت زيارتهم لها من خلف الزجاج، حبيبة خرجت من المستشفى وبقيت ريحانة.
مر على ذلك الحال شهر، لا جديد من حالتها، ذهبت حبيبة إلى المستشفى وأصرت على حملها:
_لكنني أريد أن أحملها فقط، نادي لي الطبيبة.
جاءت الطبيبة:
_لكن ذلك سيصعب الأمر علينا وعليك.
_لن أذهب حتى احتضنها بين يدي.
حملتها حبيبة بين يديها، قربتها من قلبها، شعرت بدفء يديها، وفرناس يمسك يدها، وهو يقول:
_اسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن يشفيك يا ابنتي.
واليوم التالي اتصلت بهم المشفى لتقول إن الطفلة بخير، بدأت تستجيب للعلاج، راح يقفز فرناس من السعادة:
_ابنتي قوية كوالدتها.
وبعد أيام أحضر فرناس ابنته ريحانة إلى بيتهم لتزينه.
وفي نفس اليوم صدرت نتائج الثالث الثانوي، نجحت حبيبة، وسجلت في الجامعة" لغة عربية"
حضرت حبيبة، عرس مروة هي وطفلتها، كانت أجمل فرحة في الكون، وقف الجميع يتصورون حاملين ريحانة في المنتصف وما تزال صغيرةجدًا.
بعد أربع سنوات:
كان حفل تخرج حبيبة من كلية الآداب، العائلة كلها اجتمعت، وريحانة كانت بأبهى صورها، ترتدي فستان أصفر كالأميرات.
صعدت حبيبة على المنصة وهي تقول "أود أن أهدي تخرجي هذا لعائلتي، لزوجي وابنتي وأمي وأبي وأخي، لكل من ساعدني ووقف إلىجانبي خلال تلك المدة، إن كنت اليوم ناجحة فهذا بسببكم"
تعالى التصفيق لها، أخذت ريحانة في أحضانها، وأخذها فرناس في أحضانه، قبل جبينها:
_مبارك لنا نجاحك.
توظفت حبيبة في المدرسة القريبة منهم، وفي أول يوم لها، أخذ فرناس ريحانة، ووقفا على نافذة صفها، يلوحون لها ويشجعونها.
أرسلت ريحانة قبلة لوالدتها من خلف النافذة.
توجهت إلى طلابها وهي تقول:
_سيكون درسنا الأول عن العائلة.
حملت حبيبة بطفلها الثاني ومروة بطفلها الأول في نفس الوقت، مع خبر حملها الثاني كانت يتصدر اسمها الواجهات في روايتها الأولىالتي أصدرتها ورقي، تتحدث فيها عن رحلة حياتها بعنوان" كوهندار"
دخلت مروة تهنئ صديقتها وتقول:
_سيكون الاحتفال اليوم في بيتنا كوني جاهزة.
حملت ريحانة بين يديها وهي تقول:
_ليت الله يرزقني بفتاة مثلك، لكنه صبي.
_الحمد لله على عطاء الله والخلق السليم، لا يهم ما يكون صبي أم فتاة.
انتهت الحفلة والعشاء، وراحت تتراقص مروة وحبيبة أمام ماهر وفرناس، وبطنهم أمامهم، ريحانة تضحك وهي تقول:
_أمي في بطنها ولد وخالتي مروة في بطنها ولد.
ومع بزوغ شمس الصباح بدأت مروة بالصراخ أنها ستلد، وكان ذلك اليوم يصادف موعد حبيبة للولادة القيصرية.
دخل ماهر وهو يصرخ:
_ساعدونا زوجتي تلد.
صرخ بكل قوته عندما عضت مروة يده، دون وعي من شدة آلمها.
دخل بعد قليل فرناس وتفاجئ بوجود ماهر قبله:
_لا تقل أن مروة تلد.
_بل قلتها، وانتهيت.
دخلت حبيبة قسم العمليات، ومروة صوتها ملأ أرجاء المشفى في غرفة الولادة.
شحب وجه ماهر وهو يقول:
_لماذا تصرخ بهذا القدر؟!
_ إنها ولادة يا صديقي، انتزاع روح من روح أخرى ليست بالأمر السهل.
ربت على كتفه وهو يقول:
_سيكونون بخير لا تقلق.
خرجت الطبيبة بعد قليل تحمل الطفل بين يديها:
_مبارك سيد ماهر طفل كالقمر.
بقي فرناس على أعصابه، يخاف أن يحصل مع حبيبة كما حصل في ولادتها الأولى، مع أنهما تابعا مع الطبيبة كل شهر.
خرجت بعد قليل، الممرضة تحمل الطفل بين يديها:
_مبارك سيد فرناس، إنه يشبهك.
حمله بين يديه ومشى في الممر وهو يضحك، وماهر يمشي بالمقابل له يحمل طفله أيضًا، نظر لماهر وابتسم، لاحت له من خلف الزجاجكوهندار تلوح بيديها، نظر إلى جانبه الآخر كانت حبيبة على سرير المستشفى نائمة، لوحت كوهندار له بكلتا يديها وظهر من خلفها الزبير،شعر أن عقله لم يعد يستوعب ما يحصل.
فرك عينيه وأعاد النظر فلم يجد أحد، تقدم حامل طفله بين يديه باتجاه حبيبة وهو ينظر للخلف لموقع الزجاج ليتأكد أنه يتوهم، لكن دقات قلبهكانت مضطربة.
فتحت حبيبة عينيها، تقدم يسألها:
_هل أنت بخير يا عزيزتي؟!
هزت رأسها؛ بمعنى بخير.
ترك الطفل في أحضانها وذهب للخارج لخلف الزجاج ليتأكد أن لا أحد هناك.
بحث كثيرًا وسأل كل الموجودين لكن لم ير أحد الشاب والفتاة الذي كان يصفهم.
عاد إلى حبيبة وهو يحدث نفسه" لا شك أنني كنت أتوهم"
تعليقات
إرسال تعليق
شاركنا رأيك في هذه التجربة