(((لقراءة الفصل السابق اضغط هنا)))
(السرداب المجهول)
_أرى أن هذا البيت طلبك يا سيدتي، فما رأيك به؟!
نظرت سيبال بتمعن للبيت حولها:
_المهم أن يكون بقدر أموالي، قلت لك لا أستطيع أن أدفع الكثير.
_إنه عبارة عن غرفتين صغيرتين، والمطبخ ملتصق بأحد الغرف، وأرى أنه مناسب لسيدة مثلك.
رقمته بنظرة غضب:
_ماذا تقصد بسيدة مثلي؟!
_لا أقصد شيء يا سيدتي، لما أنت حادة الطباع هكذا؟! أقصد أنك لوحدك دون عائلة، وما تحتاجينه بيت صغير كهذا.
تكلم مع نفسه بصوت أقرب للهمس "الآن أعلم لما لم تتزوجي إلى هذا الوقت"
أردف قائلًا، وهو يتجول بين الغرف:
_كما أنه منفصل عن البيوت الأخرى، وهادئ من أجل عملك.
_من أين لك أن تعرف طبيعة عملي؟!
_ألست الكاتبة المشهورة سيبال أوزاي؟! أعرفك فأنت أشهر من نار على علم، وأنا أعشق رواياتك يا سيدتي، أنتظر أجزائك بالدقيقة.
تبسم بخبث، وهو يرمقها بنظرة من الأعلى للأسفل:
_لكنها المرة الأولى الذي أحظى بمعرفتك شخصيًا.
_هل شخص مثلك يقرأ الروايات؟!
تساءلت وأجابت نفسها:
_أشك بهذا!
ثم نقلت عينيها بين الغرف، إن البيت كما تتمنى، مع أنها لم ترتاح لذلك الشخص، الذي ستحصل على البيت منه.
مررت يديها في خصلات شعرها الأحمر الناري:
_سأحتاج لمن يساعدني في تنظيفه، فهل لديك سيدة تعمل بأجرة مناسبة؟! قالت سيبال
_طبعًا يا سيدتي، كل ما تطلبين موجود لدي، فأنا كفانوس علاء الدين السحري.
دفعت له مبلغ من المال وهي تقول:
_لتأتي السيدة وتنظف المنزل.
قالت وهي تدفع الباب خارجة:
_ففي الغد سأنقل أثاث بيتي لهنا، كن أمام بيتي باكرًا.
إنه يشبه بيتها القديم كثيرًا، وأجاره الشهري مناسب لدخلها؛ لذلك لن تتردد ستنتقل إليه بسرعة، فبيت كهذا لن تحصل عليه بتلك السهولة.
نامت ليلتها الأخيرة في بيتها القديم، ومع بروز الخطوط الأولى للشمس، كان صاحب مكتب العقارات أمام بيتها القديم.
ألقى التحية وصرخ على اثنين من الشباب؛ لحمل الأمتعة:
_هيا يا أولاد فأمامنا الكثير من العمل.
حمل أحدهم الأريكة المنفردة، "أريكتها المفضلة" باللون الأرجواني، وأما الثاني فحمل التلفاز ونزلا، تواليا في حمل أشيائها حتى انتهيا بسرعة.
وما إن وصلت للبيت، حتى وجدت فتاة شابة تقارب عمرها، تنظف المنزل.
ألقت عليها التحية:
_سلمت يداك، أرى البيت أنظف مما كنت أتوقع.
_خادمتك يا سيدتي، أنا كلير.
_لا تقولي هذا الكلام، فأنا لست سيدة أحد، وأنت لست خادمة لأحد، بل تعملين وتأكلين لقمتك بعرق جبينك.
ربطت سيبال منديل المطبخ على صدرها وراحت تساعدها:
_أحب أن أعمل بيدي، وخاصة أمور المطبخ والطعام، ولكن كما ترين صحتي لا تساعدني.
_أراك بصحة جيدة، مما تعانين؟!
_من السمنة المفرطة، ألا ترين وزني الزائد؟!
_لماذا لا تتبعي نظام غذاء صحي؟! أو تستخدمي الأدوية؟! فالسمنة ستسبب لك مشاكل صحية كثيرة على المدى البعيد.
زفرت بحنق:
_لم أترك نوع حمية، لم أترك دكتور تغذية، وذهبت إلى أمهر الأطباء، لكن مهما تناولت من الأدوية لا تفيد، إنني أفكر أن أخضع لعملية تكميم معدة، لكن ما زلت خائفة من المضاعفات.
أومأت كلير برأسها؛ بمعنى نعم، فهي لم تفهم معنى تكميم المعدة، لكنها خجلت من سؤال تلك السيدة، ترى فرق شاسع في الثقافة بينهما، مع أنهما تبدوان بنفس العمر.
نظرت كلير لها وهي تعمل في تحضير الطعام، شعرها مجعد كخواتم لامعة، بشرتها سمراء جذابة، تبدو في العشرين من عمرها، لا عيب فيها سوى سمنتها المفرطة، مع ذلك تعمل بهمة ونشاط.
تقدمت كلير إلى جانبها:
_لقد انتهيت من تنظيف البيت كله، هل أساعدك في الطبخ أم أعود لبيتي؟! قالت متسائلة
_سلمت يداك، اصنعي لنا فنجانين من القهوة، نشربها بينما ينضج الطعام، تتناولين طعامك وتغادرين إذا أردت.
_لست جائعة يا سيدتي، لكن سأشرب القهوة معك.
زفرت بغضب:
_عدنا لكلمة سيدتي.
وضعت فنجان القهوة أمامها، فبدأت كلير تسرد لها تفاصيل حياتها، فتحت سيبال عينيها على وسعهما وهي تقول:
_إذا تسكنين مع أمك المعاقة في البيت لوحدك.
أومأت برأسها؛ بمعنى نعم.
_وأنت من تتكفلين بمصروف البيت! كيف تترك أم "ابنتها" تدخل لخدمة البيوت؟ وكل يوم بيت مختلف، ألا تخاف عليك؟!
_لا يا سيدتي، أنا لا أعمل إلا عند العائلات أو السيدات، فلا أجيد شيء آخر لأفعله.
_الفتاة بعمرك، يجب أن تذهب إلى المدرسة، تتعلم وتدرس لتبني مستقبلها.
نزلت دمعة من عيني كلير وهي تقول:
_ليتني أتعلم القراءة والكتابة فقط، فإنها أقصى أمنياتي.
_ألا تعلمين القراءة والكتابة، ألم تدخلي مدرسة أبدًا؟!
أومأت برأسها بمعنى لا، علامات الخجل رسمت وجهها، كأنها تعتبر ذلك عار عليها.
_أمي كانت تخاف أن أذهب للمدرسة، فهي لا تستطيع أن تذهب معي أو تتابع دروسي؛ لذلك فضلت ألا أذهب وأتعب نفسي وأتعبها.
كانت سيبال تفكر أن الحياة لم تنصفها وحدها، خجلت من نفسها عندما سمعت قصة كلير.
عندما رأت كلير للمرة الأولى شعرت بأنها تعرفها منذ وقت طويل، وشعرت باطمئنان تجاهها لا تعرف سببه.
أخذت تسكب الطعام في الأطباق، وقد أصرت أن تتناول عشاءها برفقة كلير.
حركت سيبال اللقمة في الطبق وهي تقول:
_هل تقبلين أن أعلمك القراءة والكتابة؟!
تهللت عيني كلير فرحًا:
_هل تسأليني سؤال كهذا؟! قلت لك إنها أقصى أمنياتي.
أطرقت رأسها بحزن وهي تقول:
_لكن لا مال لدي، كيف سأدفع لك أجرتك؟!
_أحضري قلم ودفتر، وتعالي من الغد لنبدأ الدروس، لا تفكري في المال إنه آخر همي.
_لكن يا سيدتي، لدي عمل في الغد، يمكن أن آتي في نهاية الأسبوع أعمل لديك وأتعلم.
وضعت يدها في يدها برفق وهي تقول:
_اتفقنا.
بدأت بهار تقفز من الفرحة، وأخيرًا جاءتها الفرصة التي ستتمكن من خلالها من تعلم القراءة والكتابة.
كانت كلير تفرك يديها بحركة طفولية متسائلة:
_هل سأقرأ وأكتب حقًا؟!
_طبعًا، إنه ليس بالأمر المستحيل.
تكررت زيارات كلير للسيدة سيبال في نهاية الأسبوع، كانت تتعلم بسرعة فائقة، وكل أسبوع تتقدم بشكل أكبر، فما أن انتهى الشهر حتى بدأت تقرأ الجمل.
قالت سيبال تثني صنيعها:
_لم أتوقع أن تكوني ذكية لهذا الحد؟! تفاجأت من سرعة تعلمك.
سأكتب لك بيت شعري فيه بعض من الصعوبة! ما رأيك ؟! هل أنت جاهزة؟!
_نعم يا سيدتي، متحمسة جدًا، فأنا لم أقرأ شعر في حياتي.
كتبت سيبال على الورقة، أول بيت شعري خطر على بالها.
فقرأت كلير بتلعثم في المرة الأولى، شجعتها سيبال؛ لتكرر قراءتها بشكل أفضل:
_سأحمل روحي على راحتي
وألقي بها في مهاوي الردى.
يا إلهي ما أجمله من قول! هل هذا الشعر؟!
_نعم يا كلير إنه شعر، وقائله شاعر فلسطيني.
وقفت سيبال وتقدمت بخطوات بطيئة إلى مكتبتها الصغيرة:
_الآن يا كلير أصبحت تقرئين بشكل جيد، سأختار لك رواية من الروايات القديمة التي احتفظت بها في مكتبتي المتواضعة، تقرئينها وتأتين في الأسبوع القادم؛ لنتناقش بتفاصيلها.
حملت الرواية بين يديها كأنها تحمل الدنيا، واشتمت رائحتها بحب؛ تعشق رائحة الورق، وما يميز الرواية أنها قديمة جدًا، خطت على ورق بني كلون الكستناء، وبخط اليد دون عليها بخط صغير، كتبت عام ١٩٧٠م، دون أن تجد اسم الكاتب.
رفعت عينيها بحب وهي تقول:
_كلمة شكرًا لا تفيك حقك يا سيدتي، فلا أعرف كيف أشكرك.
تبسمت لها سيبال دون كلام، وأشارت بيدها بمعنى؛ اسكتي.
_أنت الآن أختي وصديقتي، فلا داعي للشكر.
توجهت إلى بيتها وهي تخفي الرواية بين ثيابها؛ كيلا تراها والدتها، فهي لم تخبرها أنها ستتعلم الكتابة والقراءة، لطالما وجدتها لا تحبذ الفكرة، وترفضها؛ ففضلت ألا تخبرها.
ثم دخلت إلى غرفتها مباشرة، ودون أن تلقي التحية، فسمعت صوت والدتها تنادي باسمها، ردت باقتضاب:
_قادمة يا أمي.
_أراك دخلتي إلى غرفتك مباشرة، ماذا هناك؟!
_لا شيء أردت تغير ملابسي، فرائحتي كريهة من العمل والجو الحار.
_انظري إلي، لم تعتادي أن تخبئين شيء عن والدتك.
نظرت لها محاولة أن تثبت عكس كلامها:
_لا شيء يا أمي، قلت لك دخلت لأغير ملابسي فحسب.
_أين عملت اليوم؟!
_عند السيدة سيبال؟! حددت لي موعد ثابت في نهاية الأسبوع، أذهب لبيتها وأنظفه، إنها سيدة طيبة، لم أرَ مثلها في حياتي.
_المهم أن تدفع لك مرتبك، أراك تذهبين وتعودين دون شيء.
أخرجت من حقيبتها الصغيرة، مبلغ من المال، مدته لوالدتها، التقطته منها بلهفة وهي تقول:
_وأخيرًا تكرمت وقدمت لك مرتبك.
شعرت كلير أن والدتها لا تحبها، إنما تعشق المال الذي تحضره لها فحسب.
أطرقت رأسها بحزن وهي تقول:
_قلت لك إنها سيدة فاضلة، ولن تأكل حق أحد.
ثم ذهبت إلى المطبخ، فصنعت العشاء، وقدمته لوالدتها، وأعطتها دوائها، ثم دخلت إلى غرفتها؛ تتظاهر أنها ستنام.
فتحت الرواية وبدأت تقرأها على الضوء الخافت؛ كيلا تشعر والدتها، أحبت التفاصيل، شعرت أنها الفتاة التي تتحدث عنها الرواية، فبكيت وبكيت وهي تقول بصوت هامس "ستنصفها النهاية".
لكنها نامت قبل أن تصل إلى النهاية، وفي صباح اليوم التالي، دست الرواية في ثيابها وخرجت، ستعمل لدي سيدة جديدة، بيتها يطل على البحر، ولديها شاب رسام هكذا أخبرها العم "صالح" الذي يحضر لها العمل.
خرجت من الباب وهي تقول:
_لا تقلقي إن تأخرت يا أمي، فقد قال لي "العم صالح" البيت كبير ويحتاج إلى عمل كثيرًا.
كانت يديها تعمل بهمة ونشاط؛ كي تنتهي بأسرع وقت، وأما عقلها يعمل ويفكر بنهاية فتاة الرواية، انتهت من عملها باكرًا، ستسرق ساعة تجلس بها على الشاطئ، تقرأ النهاية.
جلست تقرأ وكأن الحروف تجذبها، تسمع همهماتها في أذنها، كأن شخصيات الرواية تكلمها، لكن البطلة ماتت في النهاية على يد زوجة أبيها، فانهارت كلير من البكاء وهي تصرخ:
_حتى الروايات لا تنصف الضعفاء، لماذا كل هذا الظلم؟! لماذا ماتت؟!
أخذت تبكي ودموعها تسقط على الحبر المرصوف بشكل حروف، لمعت السماء ببرق أخاذ، راحت السماء تدلف مياهها السخية، مع أن الجو صيفي لكن تلك طبيعة المدينة المختلفة، اختلطت دموعها مع دموع السماء، كأن كلاهم حزين لما حصل في الرواية.
لم يتسنى له أن تفعل شيء، فحملت الرواية بين يديها ومزعتها إلى قطع صغيرة، رمت القطع في البحر وهي تقول:
_سأخبر السيدة سيبال أنني لا أحب النهايات الحزينة.
مسحت دموعها المتجمعة بكف يدها، تجمع فتات الأوراق على الشاطئ بالقرب منها، دارت الأوراق خلف بعضها البعض بشكل عجيب؛ لتشكل فجوة بيضاء أثارت انتباهها، قالت بتلعثم:
_بسم الله الرحمن الرحيم، ما هذا الشيء؟!
اقتربت أكثر تتلمس الفجوة بذهول، نور ساطع ضرب عينيها، رأت نفسها تنسحب ضمن المياه، لتجد نفسها بعد دقائق في غرفة مظلمة.
بيت السيدة سيبال:
كانت تكتب الروايات كعادتها كل يوم في هذا الوقت، وبالتزامن مع وجود كلير على الشاطئ، كانت السيدة سيبال تصنع القهوة، عادتها عندما تريد أن تكتب، فانزلقت قدمها في المطبخ؛ بسبب سمنتها المفرطة، وقعت على الأرض.
وفجأة ضغطت على أحد أحجار الحائط المقابل لها، ففتح باب صغير كأنه باب سري متماهي مع الحائط، شاهدت درج طويل وممتد، لا يدخل النور إلا للدرجات الأولى منه.
صرخت بصوت قوي:
_يا إلهي ما هذا؟!
دوى صوتها في الأرجاء وتكرر مئات المرات، لقد مضى على إقامتها في البيت شهر كامل، لم ترَ شيء كهذا، أو حتى تلاحظه.
حملت الكشاف بين يديها، ووضعت قدمها على الدرجة الأولى، ونقلتها إلى الثانية، لتجد أن الباب أغلق خلفها.
صرخت بخوف:
_يا إلهي! ماذا حدث؟!
سرت قشعريرة في جسدها، من الهواء البارد المندفع من الأسفل، فبدأت ترتجف.
صرخت كأنما تشجع نفسها:
_هل أرتجف من الخوف أم من البرد الذي حل فجأة؟!
عادت أدراجها وقررت ألا تكمل فقد تملكها الخوف، لكن الباب أغلق ولا تعرف كيف ستفتحه!
صرخت، وصرخت، لكن لا يوجد أحد من البيت؛ ليسمعها، ولا حتى في جوارها أحد ليسمع صراخها.
حاولت أن تضغط على الأحجار كما حصل معها في المرة الأولى، جربت جميع الأحجار المحيطة بالباب دون فائدة.
إنها لا تعرف الله والآيات القرآنية إلا في مواقف كهذه، راحت تدمدم بالآيات القرآنية التي تحفظها.
تقدمت بخطوات واهنة إلى الأمام، إنه نفق ضيق أو سرداب هذا ما كانت تراه أمامها، لكنه صغير لن تتمكن من المرور من خلاله، بذلك الجسد البدين الذي تمتلكه.
جثت على ركبتيها ويديها، ووضعت الكشاف بيدها بشكل عكسي؛ ليظهر الطريق أمامها، بدأت تتقدم زاحفة على الأرض:
_إلى أين سيؤدي هذا السرداب؟!
أخذ الطريق يضيق، وأنفاسها تضيق معه، تشعر أن الهواء أنعدم والأرض تحت قدميها بدأت تهتز، حاولت أن تسرع تقدمها، كانت تخشى أن تنظر خلفها، لكنها تشعر أنه النفق الذي تتقدم به يغلق، وكأنها يدفعها إلى الأمام.
ضربت بشيء ما، سقطت الكشاف من يدها، وسقطت في فناء واسع،
فتحت عينيها بوهن، وكأنها نامت بعض الوقت، فشعرت بصداع في رأسها.
نهضت بتثاقل وهي تقول:
_أين أنا؟!
نظرت لنفسها ترتدي فستان طويل من العصور القديمة، نظرت إلى الفناء حولها:
_يا إلهي! هل هذا قصر حقيقي أم أنني أتخيل؟!
نفضت الغبار الذي غطى أطراف فستانها.
قالت بتعجب:
_من أين سقطت؟!
نظرت حولها لكن لا أثر لسقوط أو ارتطام، صوت أحدهم قادم، ستبدأ الآن تستكشف أين هي:
_سيبال ماذا تفعلين هنا؟!
فكرت قليلًا تمتلك نفس الاسم، اسمها لم يتغير كما تغير شكلها.
عادت المرأة للصراخ:
_سيبال أكلمك ألا تسمعين؟!
_نعم أسمع.
لكن لا تعرف بما ستبرر تواجدها هنا.
_هيا أعدي الطعام، ستتأخرين في غداء فريد ومارت.
أومأت برأسها بمعنى نعم، خمنت مكان المطبخ من خلال رائحة الطعام المنتشرة في الأجواء.
سألت نفسها بتعجب:
_هل أنا طباخة هنا؟!
راحت تكلم نفسها كالمجنونة:
_ما سر ذلك السرداب، لماذا نقلني إلى هنا؟!
راق لها شكلها المختلف، قوامها الممشوق، فراحت تتحسس جسدها بكلتا يديها، لا أثار للتكتلات، لا أثار للوزن الزائد.
ظهر لها انعكاس بشرتها على أحد الأواني الزجاجية في المطبخ، اقتربت أكثر تتحسس وجهها، شهقت وهي تقول:
_هل هذه أنا؟!
أردفت بتلعثم، وهي تتلمس وجهها:
_لقد أصبحت نحيلة كما كنت أتمنى، هذا لا يصدق!
دخلت العجوز المسؤولة عن كل شيء، وهي تصرخ:
_لما كل هذه الفوضى، أين أنت يا سيبال؟!
جاءت سيبال مسرعة:
_أنا هنا، عن أية فوضى تتحدثين؟!
أشارت لتلك الأواني الفخارية المتجمعة على أحد الرفوف:
_لم أعهدها منك يا سيبال.
تذكرت كلمة والدتها، كانت دائمًا عندما تريد تأنيبها تقول ذات الكلمة" لم أعهدها منك يا سيبال".
ركضت مسرعة للأواني وهي تقول:
_سأنظف كل شيء حالًا يا سيدتي.
رفعت العجوز حاجبيها بعدم فهم:
_منذ متى تناديني بالسيدة؟! أرى تصرفاتك اليوم غريبة.
اقتربت منها تتحسس حرارة جبينها:
_أين قولك أمي داملا، أم أنك لم تعودي تعتبريني والدتك؟!
اقتربت منها، رفعت قدمها للأعلى؛ لتصل لمستواها، ورمت نفسها في حضنها وهي تقول:
_أفضل أم في الدنيا.
تبسمت السيدة داملا وهي تقول:
_هل قدمت الطعام لفريد ومارت.
_نعم، منذ وقت طويل.
_هيا نظفي الأواني، وبسرعة إلى النوم، فأمامك عمل كثير في الغد.
انتهت من عملها سريعًا، ودخلت إلى الغرفة التي أشارت لها، سمعت ضوضاء في الغرفة المجاورة لها، وضعت يدها على الحائط وراحت تطرق ثلاث طرقات متوالية.
عادت إليها نفس الطرقات وبنفس الترتيب، مما أثار فضولها، راحت تتساءل من جديد:
_ما الذي يحدث معي؟! أين أنا؟!
مواعيد النشر: الأربعاء
(((لقراءة الفصل الثالث اضغط هنا)))
ما شاء الله ربي يوفقك
ردحذفجميلة أوي، بقالي كتير مقرتش حتجة تشدني كدا. بالتوفيق متابعة باقي الفصول
ردحذف