BlogLabels

القائمة الرئيسية

الصفحات

 



(((لقراءة الفصول السابقة اضغط هنا)))


‏(إسلام كوهندار)

 

دخلت الأم الملكة لمجلس الزبير، تستأذنه بالكلام: 

_تكلمي يا أمي، منذ متى تطلبين الأذن؟!

 

_أرسل الحراس إلى الخارج، هناك أمر أريد أن أحدثك به لوحدنا.

 

أشار إلى الحراس أن يخرجوا، جلس بجوار والدته، يبدو أن الأمر خطير، لم يسبق أن تحدثت معه بهذه اللهجة

 

أثار الفضول عقله، استعجلها لتتكلم: 

_ما الأمر يا أمي؟! لقد اقلقتني.

 

_أترى السائس الذي قدم لقصر كوهندار؟!

 

صمت لبعض الوقت كأنه يتذكره، اقترب منها وهو يقول باستهجان: 

_نعم يا أمي، ما به؟!

 

_إنه خطيبها السابق نادر، لقد خدعك ليصل إليها، حتى سمعت أنها تريد أن تعود لبلادها معه.

 

عم السكون المكان، يحاول الزبير أن يفهم الأمر:

_من يا أمي؟! لعل لم أسمع جيدًا.

 

_أقول لك إنه نادر، خاطب كوهندار القديم.

 

قام من مكانه مسرعًا، أستل سيفه من الحائط، خرج من الباب دون أن يرى أمامه.

 

بصوته الجهوري صرخ في منتصف الشارع:

_ذلك اللعين عاد مجددًا، عاد ليأخذ زوجتي، سيكون عقابه عسيرًا.

 

لحقت به كتيبة من الجنود، كانت أمه تصرخ ورائه: 

_الحقوا سيدكم قبل أن يتصرف تصرفات لا تحمد عقباها.

 

كالرعد إذا ضرب في سماء واسعة، أو زلزال اجتاح أرض ما، كان جسده يرتجف من الغضب، استحال وجهه أحمر كالرمان.

 

وقف الجنود الذين يحرسون الباب، احترامًا لقدومه، أشار إليهم: 

_احضروا لي ذلك الحقير، سائس الخيل الجديد، مقيد اليدين، معصوب العينين.

 

دخل الحراس إلى نادر، نائم على سريره الخشبي، دون القماشة التي تحيط إحدى عينيه. 

وضعوا كيس قماشي على رأسه بحركة مباغتة، استيقظ وهو يصرخ: 

_اتركوني أيها الأوغاد، من أنتم؟!

 

جاءته لكمة قوية على رأسه، وأخرى على بطنه، وأحد الجنود قال له: 

_اسكت وإلا اسكتك بطريقتي، إن الأمير من طلب احضارك.

 

انحنى يمسك بطنه يتأوه وهو يقول:

_ستدفعون الثمن غاليًا، أعدكم بذلك.

 

لم يكف عن الصراخ، وهم يقيدون يديه، كالذئب الشرس الذي برزت مخالبه وأنيابه في وجههم، حاول أن يفك يديه لكنه لم يستطع، رفعوه عن الأرض من يديه وكتفيه، يضرب بجسده يمينًا ويسارًا، وإلى الأعلى والأسفل وهو يصرخ: 

_كم مرة سأقول لكم؟! اتركوني، ستندمون، اتركوني. 

 

رموه تحت أرجل الملك، يحرك جسده؛ محاولا أن ينزع الكيس عن رأسه، والقيد عن يديه، لم يصمت لبرهة.

أشار الزبير لأحد الجنود؛ ليرفع الغطاء عن رأسه وهو يقول: 

_أهلًا وسهلًا بنادر، لم تعرفنا بنفسك عندما جئت، كنا هيئنا لك استقبال يليق بك، افترشنا الأرض ورودًا.

 

علامات الغضب بدت على وجه الزبير وهو يناظره، كأنه أراد أن يذبحه كي يشفي غليله من فعلته الشنيعة تلك.

 

اقترب منه أكثر، حمله من القميص الذي يرتديه، ورفعه إلى الأعلى بقبضة يد واحدة، بدى نادر كالعصفور يترنح بين يديه، أو كالصفر أمام جبروت وقوة الأمير:

_لعلك لم تعرفني بعد، سأعرفك من أكون.

 

أشهر سيفه الذي يحمله بيده الثانية، قربه من رقبته، بدأ نادر يرتعد من الخوف، يبدو أن الأمر جدي، فكر قليلًا:

_هل سيذبحني كما يذبحون القربان في أرضنا؟! إنهم المسلمين لقد سمعت عنهم الكثير.

 

سمع صوت الزبير يرتعد:

_أعدك أنك ستندم، لأنك تجرأت ودخلت أرضي بتلك الطريقة الدنيئة.

 

أشهر سيفه إلى الأعلى، كاد أن يهوي به على رقبته، أطبق نادر عينيه، فقد شعر أنها النهاية.

 

تخيل الزبير أحد الأشباح والتي رآها في منامه الليلة الماضية، تقف فوق رأس نادر، تحول وجه نادر لشيطان يقف أمامه، أو وحش بقرون، فرك مقلتيه بعدم تصديق وهو يردد:

_أعوذ بالله من الشيطان الرجيم.

 

أراد أن يطبق بسيفه على رقبته مجددًا.

جاءه صوت كوهندار، من جانبه، فقد سمعت ضوضاء في قصرها وخرجت لترى ما الذي يحصل:

_توقف أرجوك.

 

_ابتعدي، ليس لك علاقة فيما يحصل هنا، عودي إلى داخل قصرك.

 

_ستنشب الحرب من جديد، توقف لا تفعلها أرجوك، إنه بمثابة الابن الروحي لوالدي.

 

وقفت أمام نادر، ونظرات الاستعطاف تعصف بها: 

_لن أسمح للحرب أن تدمر بلادي، أو بلادك، الحرب مثل اللعنة، متى بدأت لن تنتهي حتى تأخذ طهارة أنفسنا معها.

 

جثت على ركبتيها، وهي تقول: 

_اعفو عنه، خذه بشفاعتي هذه المرة يا سيدي.

 

نظر داخل عينيها، يتلمس هل هذا حب دفين لنادر أم شفقة عليه؟!

 

أنزل سيفه وأشار لجنوده:

_ اتركوه مقيد اليدين، اعيدوا الكيس القماشي على رأسه، ارسلوه بأحد قواربنا إلى أرض القمر، قد قبلت شفاعة كوهندار له.

 

اقترب منها رفعها عن الأرض: 

_لن أسمح لك أن تنحني مرة ثانية أمامي من أجل أحد، لتكون هذه المرة الأخيرة.

لن يعيش من يذلك أو يلوي يديك، أنت زوجتي، زوجة الأمير.

 

ابتسمت له بحب، دفنت نفسها في أحضانه، تلك الحركة قتلت نادر وهو حيٌّ، تمنى لو أنه مات بسيف الأمير، ولم يرَ كوهندار تحتضن الأمير بكل هذا العشق.

 

ضربت زمردة قدميها بالأرض؛ من شدة غضبها، تلك الحيلة لم تنفع مع تلك اللعينة، حتى أن الأمير كرمها أمام أعين الجميع.

وقال لها "إنك زوجتي" 

 

لم تكن النار التي ضرمت في قلب الأم الملكة بأقل من نار زمردة، فقد شاهدت والدة الزبير كل ما يحصل، كانت تقف أمام قصر كوهندار، قالت بحنق: 

_استطاعت تلك الأفعى، أن تقلب الموازين لصالحها، أشعر أن الزبير، ليس ابني الذي أرضعته لبني، متساهلًا معها، إنه يحبها فعلًا.

 

جرت ذيول الخيبة خلفها، فقد استطاعت كوهندار أن تنقذ ذلك اللعين، وتنقذ نفسها من المكيدة.

 

بقيت كوهندار لبعض الدقائق، تحتضن الأمير أمام أعين الجنود، وهو ساكن بين يديها، انتبهت لنفسها أخيرًا، ودخلت إلى قصرها بسرعة وعلامات الخجل بدت على وجهها.

 

ابتسم الزبير في سره، فهم من نظرة عينيها لنادر أنها لم تعد تحبه.

يرى أن الطريق إلى قلبها مفتوح أمامه.

 

غادر نادر على متن قارب الزبير، إلى أرض القمر، ومعه جنديان من جنوده، لم يكف عن الشتم واللعن طوال الطريق، يهدد ويتوعد: 

_ستندم أيها الأمير، ستندمون جميعًا.

 

أمسك أحد الجنود يد صديقه قبل أن تطاله:

_سأقتله، اتركني، ألا ترى بماذا يهذي ويهدد؟!

 

_عليك الامتثال لأوامر الأمير يا صديقي، فلقد حذرنا ألا يقترب منه أحد.

 

وضع يده على أذنه: 

_صم أذناك مثلي عن سماع صوته، الذي يشبه نهيق الحمار وسط البحر.

 

وصلا أرض القمر، مشيا به أمام أعين الناس، إلى أن وصلا مجلس الأمير "والد كوهندار"، ما يزال نادر يجاهد ليحل وثاق يديه، أو يبعد القماش الذي غطا وجهه، دفعاه للأمام، تعثرت خطاه ووقع على الأرض:

_لولا شفاعة كوهندار لكان الآن في عداد الأموات.

 

قال الجندي الآخر: 

_الزبير يقرئك السلام، ويقول من جاء لبلاده بخير فأهلًا وسهلًا به، أما من جاء بالحيل سيعود هكذا.

 

***

أرادت كوهندار أن تشكر الأمير لقبوله شفاعتها، مشت مع أسيل قدم إلى الأمام وقدم إلى الخلف: 

_هل نعود؟! إنها المرة الأولى التي أزور بها قصر الأمير.

 

_لماذا الخوف يا سيدتي؟! من يراك بهذا الشكل، لا يسمع كلامك عن الزبير مساء الأمس.

 

أمسكت يد أسيل تريد أن تعود أدراجها، شاهدها ماهر، الذي كان يقف بالقرب من القصر:

_كيف حالك يا مولاتي؟!هل حصل مكروه ما؟! أراك بجوار قصرنا.

 

_لاشيء، كنا نمشي بالقرب من هنا.

 

نطقت أسيل: 

_بل جئنا لنرى الملك.

 

عصفتها كوهندار بنظرة ساخطة، عندما قال ماهر: 

_تفضلوا سيكون من دواعي سرور الملك حضروكما.

 

تقدم أمامهما فهو يعلم مقدار حب الملك لكوهندار، شعرت أن النار تسيطر على كيانها، ليس وجهها فحسب.

 

تقدم الأمير إلى باب مجلسه، وهو يرحب ويهلل: 

_أنذبح الأضاحي أم نكسر الجرار؟! الأميرة كوهندار في قصري.

 

تبسمت بخجل، وهي تقول: 

_لم يتثنى لي شكرك يا مولاي، فما فعلته ليس بالشيء القليل.

 

_لم أفعل إلا واجبي، فأنتم وصية رسول الله(صلى الله عليه وسلم) عندما قال "رفقا بالقوارير"

وأنت زوجتي، ولك علي حق التكريم قبل كل شيء.

 

_أهكذا يقول دينكم؟!

 

سكتت لبرهة كأنها تفكر كيف ستسأل، نطقت أخيرًا:

_ماذا يقول في خلق الله؟! كيف نعلم أن الله موجود؟!

 

جلس بالقرب منها؛ ليشرح لها بإسهاب:

_الدلائل على وجود الله كثيرة، أولها جسدك، المكون من أجزاء، من عضلة قلب ورئة ودم وكلى، كلها تعمل بانتظام وبأمر خالق مبدع.

 

أردف قائلًا: 

_كل ما تقع عليه عيناك، لو تفكرت بوجوده؛ امتلأ قلبك بالإيمان وشُرح له.

 

شعرت بكل كلمة يقولها، سرحت في حاجبيه المتصلين بقفل رباني، كأنهما عقدة توسمت جبينه.

قالت:

_اقرأ لي القرآن بصوتك العذب.

 

أغلق عينيه وراح يرتل الآيات من سورة يوسف، إنها تعرف هذه القصة لقد سردها لها الحكيم، عشرات المرات ولكن باختلاف بسيط.

 

دلف الزبير خارجًا، عاد بعد قليل، حاملًا بيده كتابه المقدس، مده إليها وقال: 

_تصفحيه، ستجدين الكثير من الأسرار داخله.

 

_حتى وإن لم أكن مسلمة؟!

 

_يحق للجميع قرأته.

 

تناولته في يدها كأنه كنز، ففي ديانتها الآلهة لا تحتاج لتعبد النساء، فهم مخلوقات ضعيفة، أما الإسلام فالعبادة ليست حكر على أحد إنما هي واجبة على الجميع.

 

سألت الزبير:

_ما يقول إسلامكم عن المرأة؟!

 

_لو كان لديك جوهرة، كيف ستحتفظين بها؟!

 

_سأخبئها في مكان لا تراه الأعين، قد يكون في صندوق مجوهرات، أو في صندوق أسراري.

 

_المرأة لدينا كالجوهرة الثمينة، لذلك نخبأها عن أعين الجميع، ونحتفظ بها في مكاننا المفضل في البيت، نكرمها عندما نغطيها عن الأنفس الواهنة الضعيفة. 

 

مرت الساعات دون أن تمل من حديثه، دائمًا متعطشة للأكثر من بين شفتيه، عادت لبيتها تحمل كتاب المسلمين المقدس بين يديها، جلست لوحدها تتأمله، تساءلت بينها وبين نفسها:

_هل سأفتحه؟! هل سأكون مسلمة يومًا؟!

 

علمها حكيمها الكثير من الأشعار، حتى أنها تحفظ دواوين، تعرف حق المعرفة اللغة الثقيلة، الممزوجة بين الفصاحة والبلاغة.

 

لكنها تشعر أن لهذا الكتاب رهبة، كأنها تسكنه روح، لكنها روح طيبة لا تخيف.

 

أسيل جالسة عند حافة النافذة، تناظر الطبيعة المتناغمة، تبتسم في سرها كأنها تكلم أحدهم:

_أراك في عالم آخر يا أسيل، أين سرح عقلك؟!

 

_عند ذلك الشاب.

 

_عن أي شاب تتحدثين.

 

_ماهر! مساعد الأمير الزبير، إن في عينيه سحر، تشعرين أنك ترغبين في اتباعهما، أما شعره الأسود المسدل على جبهته، فحكاية أخرى.

 

_حفظ الله لك عقلك، أتتغزلين به الآن؟!

سأخرج لأطمئن على الأشقر، هل تأتين معي؟!

 

بقيت أسيل تعانق أفكارها، وخرجت كوهندار، اطمأنت أن الأشقر في تحسن ملحوظ، فقد أحضر له الملك سائسه الخاص؛ ليعالج جروحه: 

_كيف حال حصاني اليوم؟!

 

_بخير يا سيدتي، لقد تحسن كثيرًا.

 

_هل علمت ما مرضه؟!

 

_إنه ليس مريض يا مولاتي، إنما تعرض لضرب شديد بأداة حادة الرأس، وترك دون علاج، حتى تقرحت جراحه.

 

_ذلك اللعين نادر.

 

اقتربت من حصانها بحب، فركت رقبته بحنان:

_هيا يا صديقي، تماثل للشفاء قريبًا، أمامنا مسافات طويلة لنخوضها معنا.

 

عاد لصهيله لكن هذا المرة خرج صوته أفضل من السابق، كأنه يطمئن قلبها أنه بخير.

 

***

عاد نادر إلى الكهف ليقابل الساحر شيخور يقول في نفسه "لا ثقة لي بذلك الخرف" 

 

خرج من بين أقدامه، وهو يقول: 

_أسمعك حتى وإن تكلمت مع نفسك، ماذا تقول هل أنا عجوز خرف؟!

 

أرتعد نادر من شكله، لأول مرة ينظر لعينيه الجاحظتين وسط النهار، يبدو أنهما خارج أجفانه، دون أهداب كعيني تمساح أو حرباء.

 

أسنانه متراصة فوق بعضها حادة ومدببة خارج فمه، كضبع بري يريد التهام ضحاياه، يسيل اللعاب الأزرق الممزوج بالدماء منها.

 

كاد نادر إن يختنق من رائحته؛ هرب بعيد خارج الكهف، وهو يقول:

_سأحرمك من القرابين التي أقدمها لك.

 

_لولا مساعدتي لكان الزبير دفنك في تلك الأرض، دون أن يعلم عنك أحد.

 

_لست من ساعدني، بل حبيبتي كوهندار، حبيبتي لم تتركني أموت.

 

_بل ساعدتك يا غبي، قبل أن تحضر حبيبتك، لماذا تراجع الزبير عن قتلك في المرة الأولى؟!

 

_لعلك نسيت ما فعلت، فأنا ساعدتك أيضًا فقد رسمت بدمي على جذوع إحدى الأشجار.

 

زفر شيخور بعدم تصديق:

_إن سلطتي قليلة على تلك الأرض مهما حاولت، لا تتعدى الأحلام والهواجس، لم أستطع أن أنفذ لأذن أو جسد أحدهم، أرى الأرواح الطاهرة تحيط بالمكان وتمنعني أن أدخل، الأرض محصنة للغاية، كأن أحدهم يعرف مخططي.

 

لكن سأفكر لك بخطة، نتمكن من السيطرة على كوهندار، أو نأتي بها إلى هنا.

 

_لن يطول صبري كثيرًا يا شيخور، وأنت ستضعف قوتك دوني.

 

***

حملت كوهندار القرآن بين يديها، تقلبه يمينًا ويسارًا، فتحت تقرأ بعض من صفحاته لغة ثقيلة، بلاغة وفصاحة لم تعهدها من قبل، قرأت في الصفحات الأولى، وفي الوسط، وقفت عند الآية التي تقول (أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ) 

 

أعادتها عشرات المرات، شعرت أن تلك الآية، تحدي عظيم من الله لجميع البشر.

 

لن يستطيع أحد أن يأتي، بسورة متناسقة ومرتبة، يحتوي الفصاحة والبلاغة دون خطأ، إلا إذا كان شيء معجز وخارق، فوق قوى البشر.

 

تناقشت مع أسيل في كثير من المواضيع: 

_إن المسلمين لديهم أخلاق حميدة، عكس ما ينتشر عنهم.

 

_أوافقك الرأي يا سيدتي، لم أرَ إلى الآن سوء خلق من أحدهم.

 

_أرسلي لي في طلب الشيخ طلحة، أخبأ في جعبتي الكثير من المسائل التي أريد أن يشرحها لي.

 

تقدم الشيخ طلحة، متكأ على عصاه، يشع وجهه كما الزبير بنور الإيمان، سألته عن الكثير من قضايا المسلمين.

 

أنهكته أسئلتها التي كان آخرها: 

_هل نطق الشهادة يكفي لأكون من المسلمين؟!

 

_نعم، تكفي يا ابنتي.

 

_أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمد رسول الله.

 

تهلل وجه الحكيم بإسلامها: 

_الحمد لله الذي كتب لك الهداية.

 

غادر بعد أن وعدها أن يرسل زوجته؛ لتعلمها أمور دينها، وتثقل معرفتها كل يوم أكثر.

 

دخل الحكيم طلحة إلى مجلس الزبير، لا يقدم لمجلسه إلا لأمر جسيم، وقف لاستقباله:

_حَلَلْتَ أَهْلًا وَنَزَلْتَ سَهْلًا.

 

_أهلا بك أيها الأمير، أحمل في جعبتي خبر سار، سيفرح قلبك.

 

أكمل قائلًا: 

_إن الأميرة أعلنت إسلامها.

 

تعالت ضحكت الزبير كأنه بشر بالجنة: 

_هل هذا صحيح؟! الحمد لله الذي رزقني إسلامها.

 

لم يدرِ كيف سيعبر عن شكره، خر ساجدًا لله، ارتفع وقبل رأس الحكيم.

لم يكف عن التسبيح والتهليل، والتكبير. 

 

_هل أرسل لها الشيخة فاطمة "زوجتك" لتعلمها أمور دينها؟!

 

_لقد شرحت لها ما يجب أن تعرفه، ستكمل الشيخة فاطمة مكاني.

 

الفرحة لا تسع صدره، شعر أن الليل طويل لا ينتهي، لم ينم من فرحته بأمر إسلامها، ليست هي وحسب بل كل شخص يسلم على يديه ويكون سبب في هدايته، يفرح قلبه به.

 

بسط الفجر أذرعه على أرض الزبير، أرسل قبلات الصباح على سفوح الجبل الأبيض الذي غطاه الثلج الكثيف، كل يوم يشعر أنه يحبها أكثر من اليوم الذي قبله، محبتها كالبرعمة الصغيرة، التي تسقى بعناية وحب وتكبر كل يوم أكثر.

 

توجه إلى قصرها فلم يعد بوسعه أن ينتظر أكثر، مع أن الوقت مبكرًا، إلا أنه رأى كوهندار مستيقظة، حاملة السيف وتتدرب على القتال به.

 

حياها بتحية الإسلام لأول مرة تردها عليه، ابتسم ثغره وهو يناظرها، يشتاق إليها وهي قربه، أعطاها الإسلام حياء وهي تكلمه؛ فلم ترفع عينيها، خطا بذهنه لخديها المتوردين بألوان الصباح فقبلهما في خياله.

 

اقترب منها أكثر احتضها وهو يقول: 

_مبارك لي إسلامك.

 

_الحمد لله الذي كتب لي الهداية.

 

أراد أن يطبع قبله على جبينها، تراجعت بخفة وأشهرت سيفها أمامه: 

_السيف سيحكم بينا.

 

ابتسم وهو يستل سيفه الذي طوق خاصرته من غمده: 

_أنتِ من أحضرته لنفسك.


***

مواعيد النشر: الجمعة

تعليقات