(((لقراءة الفصول السابقة اضغط هنا)))
((الخواطر المذكورة من تأليف كاتبة الظلام شهد محمد "كاتبة الظلام"))
“لعبة المشاعر”
""تائها كالرياح بين
ظُلُمات الحياة، اتخبط بين مشاعري.
يتحطم ما بداخلي، لا يوجد
للصمود عُنوان، فقد انجرفت مشاعري كالوديان.
وأصبحتْ حياتي صراعٌ بين
أمواج بحري الهائجة، أريد الصمود لكن تتحد السيوف لتحطيمي.
لا يوجد للسعادة مكانٍ
بين فروعي.
لا تنظر لي وتطلب مني
الخروج من ظلامي. فهو أكثر مكان أذاب جروحي.
لا تُخبرني بعدم البكاء
فهو وسيلة لإزالة الثقل من قلبي.
أنا ضعيف فلا تُحاول محاربتي.
لا تخبرني بأكاذيب قد
علمتني الحياة عدم الاكتراث، لا تحاول مساعدتي، انا لن اتغير.
فالوقت شارف على
الانتهاء، وما يدوم لا يتبدل بل يعش كما هو على ذكرياتٍ من دموع"".
صمتت شهد بعينٍ لامعة،
شعرت ببعض الحرج عندما أنهت قراءة ما كتبته، تحاشت على أثره النظر إلى دكتور أنس
الذي حدق بملامحها مبتسمًا في إعجاب، قال في صدق:
-موهبتك جميلة.....لماذا
تخّفِينها؟!
-أشعر بأنها كلماتٍ غير
جيدة...
كان يدون بعض الملاحظات،
فانتبه لجملتها المُحبطة، فترك القلم من يده.
ثم نظر إليها بجدية قائلا:
-هل يمكنني طرح سؤال؟!
أومأت برأسها في فضول:
-هل شعرتِ بالراحة حين
كتبتِ تلك الكلمات؟!
فكرت قليلًا ثم حركت
رأسها إيجابًا وقالت:
-أظن ذلك.
-إذن هو المطلوب..
اقترب منها وأغلق دفتره
ثم قال بلهجة اهتمام بالغ:
-شهد...استمعِ
إلى....المطلوب منك هو التعبير عن ما بداخلك....
نظرت له بعدم فهم فاستطرد
موضحًا:
-ليس من الضرورة أن
تُخرجين أفضل الكلمات بأحسن التعابير....
عبري عن ما يبوء به صدرك
وأخرجيه بشكل ترضين عنه.
حتى تَخرج كلماتك على
طبيعتها، فتعكس بالفعل حقيقة شعورك .
لا تعبئين بما يظنه
الناس.....الأهم هو ما يُريحك أنتِ.
أومأت برأسها بفهم، تردد
قليلًا ثم وجه سؤاله إليها:
-شهد....هل تشعرين بالتحسن
على أثر جلساتنا السابقة؟
أومأت برأسها صامتة ولمعت
عيناها حين أحست بخطر الوداع يقترب، فاستطرد وهو ينظر إليها:
-والدك يطلب السماح لكِ
بالمغادرة، فهل أنتِ مستعدة؟!
تجهم وجهها على أثر
حديثه، فنظر لها وتساءل:
-ما الذي يُثير قلقك؟!
فتح دفتره وأكسب نظرته
الثقة، ثم بدأ في قراءة بعض الملاحظات مرتديًا نظارته الطبية:
-في أول حديثِ
معك....أحسست بأنك تشعرين بالوحدة....برغم تواجد أكتر من شخص في حياتك.
لكن على ما يبدو أنهم
ليسوا قريبين لك كما بدا لي.
كما أنك تفتقدين الشعور
بالثقة في شخصك وقدراتك....تفتقدين وجود صديق دائم في حياتك...
نظرت إليه منبهرة من
كلماته التي وصفتها بدقة....
ثم تابعته بشغف، حين
اعتدل ليستطرد في اهتمام:
-نصيحتي لك....لا تخشين
الاقتراب ممن حولك....فأنتِ قادرة على ذلك....فقد تغيّرتْ شهد كثيرًا عن الطفلة
الخجول التي كانت عليها.....بداخلك طاقة لاكتساب محبة من حولك...لكنك تقيدينها
بسلاسل مصنوعة من وهم عدم الثقة......
نظر في عينيها وأكسب
لهجته بعض الحزم ممتزجًا بالحنان والخوف عليها:
-تخلصي من تلك السلاسل،
وتسلحي بتطور شخصيتك المحبب...مارسي هوايتك المفضلة بدون خوف أن تتحدثي عنها بكل
فخر...
ابحثي عن صديق
داعم....أختك والدك جارك...صديقة في مدرستك.....ولا تكتمين المشاعر بداخلك...
دمعت عيناها تأثرًا،
فأغلق دفتره مره اخرى وقال في أسف:
-أرغب في استكمال جلساتنا
العلاجية بالتأكيد....ولكن ليس لدي الثقة أن أهلك سيسمحون بذلك...
قام بكتابة رقمه في
ورقة......وأعطاها إياها ثم قال:
-لا يحق لي متابعة علاجك
رغما عنهم، ولكن يمكنك التواصل معي كصديق في أي وقت حين تحتاجين إلى ذلك.
نظرت له وانهارت
بالبكاء.....دموعها هذه المرة كانت تطهيرية عبرت عن تخلصها من طاقات سلبية امتصتها
من أفكار باتت ونمت بداخلها نتيجة لطريقة تفكير خاطئة اعتادت هي عليها....ولم تجد
العون ممن حولها في مواجهتها....مثلما فعل معها الدكتور أنس الذي أطمئن حين رأى دموعها
وأحس أنها بالفعل تحسنت، كما شعر بأنه نجح في علاج هذه الحالة.....
******************************
حل الليل سريعًا في هذا
اليوم المليء بالأحداث بالنسبة لعمرو.
الذي أنهى يومه في المشفى
التي نقل نورا إليها، حيث قابلتهم والدتها بعد أن قام بالاتصال بها وقص
عليها ما حدث.
بعد أن فاقت نورا واطمئن
عليها....استأذن منهم لينصرف وقبل مغادرته نظر لوالدتها وقال في صدق:
-إذا احتجتِ شئ لا تترددي
في الاتصال بي....
نظرت له والدتها في طيبة
وقد بدا عليها القلق بعض الشيء....فأومأت برأسها وهي تتأمل ابنتها....
أضاف عمرو قبل أن يغادر،
باعثًا نظرة ذات معني لنورا:
-ليتك تعتبريني مثل أخ لها.
أرسلت نورا نظرة غاضبة
معترضة، فتلاقت عيناهم للحظة غادرهم بعدها بهدوء.
كان يحاول الاتصال بمريم
طوال الوقت، لكن بعد محاولات فاشلة عديدة.
تبين له أنه لا يوجد شبكة
تواصل بداخل هذا المكان.....كان ذلك واضحًا عندما حاول تفقد أحد برامج التواصل
الاجتماعي......فلم يجد أي رسائل جديدة...
ما أن غادر المكان حتى
أجرى أتصالا اخر....وأشرق وجهه حين سمع جرس لكن خفتت سعادته حين لم يتلقى الرد
.....حاول أكثر من مرة وعندما شعر باليأس أوقف سيارة أُجرة متجهًا إلى منزله......
شرد في أفكاره أثناء
تأمله الطريق.....شعر بالاستنكار حينما تفقد رسائله ولم يجد شئ مرسل منها رغم
اتصاله الحالي بالشبكة.
ولا محاولة اتصال
واحدة.....راوده شعور ممتزج من الغضب منها وتوقعه لاضطراب مشاعرها بسبب الموقف
التي تعرضت له حين واجهتها نورا باتهامٍ واضح بالخيانة..
لكنه لم يكن مبرر كافي
بالنسبة له كي تتركه وحيدًا ولا تحاول الاتصال به.
فكر أن يتصل
بيمنى....فنظر في ساعته، لكنه شعر بالحرج لتأخر الوقت.......
*******************************
في صباح اليوم التالي....
تأملت مريم هاتفها الذي
كان على الوضع الصامت....وجدت أكثر من محاولة اتصال من عمرو...
كانت ليلتها السابقة
مضطربة.......انتظرت اتصاله طويلًا وعندما لم يأتي استسلمت ووضعت هاتفها على الوضع
الصامت وقامت بالاحتفاظ به داخل دولابها حتى لا تترقب أي اتصال....ثم ذهبت لقضاء
ليلتها في حزن واستسلام..
حتى حينما رأت محاولات
اتصاله.....ورسائله لم تفكر في الرد......
حاولت الانشغال في دروسها
قبل أن تجهز لتذهب كعادتها لرؤية أختها.
كان ذلك اليوم المنتظر
لخروج شهد ورجوعها إلى المنزل......حاولت أن تجد بداخلها الحماس لهذا الأمر أخيرًا
ولكن مشاعرها المكلومة طغت على الموقف وطفت على سطح أفكارها.....
قابلت يمنى التي مرت
عليها ليذهبا معًا.....تأملتها يمنى في قلق...ثم طبعت قبلة على وجهها وقالت في
استنكار:
-ما بالك؟! يبدو عليكِ
الارهاق.....أراهنك أنك لم تذوقِ طعم النوم...
أومأت مريم برأسها
إيجابًا، فبادرتها يمنى بسؤال:
-مؤكد حاول الاتصال بكِ.......
نفت الأمر وهي تقول:
-لم يحدث ذلك حتى ساعة
متأخرة من الليل.....
نظرت لها يمنى بعدم فهم،
فاستطردت في عصبية وقد وصلا إلى مدخل البوابة من الداخل:
-من الواضح أنه قضى ليلته
معها......ولم يتذكرني إلا في نهاية يومه...
حاولت يمنى الاعتراض وهي
تتابع خروج مريم إلى الشارع بعينيها، لكنها شردت مُفكرة في حيرة:
-ولكن......ليس من المعقول
أن...
قاطعتها مريم بلهجة لائمة
بعد أن تبعتها، وقد لفح وجوههم أشعة الشمس:
-لا تعطيه أي
مبررات....لقد تسرعت في مشاعري....من المحتمل أنني قرأت الموقف بشكلٍ خاطئ...
نظرت للطريق أمامها وأخذت
نفس عميق لتستنشق نسيم الصباح العليل أثناء سيرهم، ثم قالت كأنها تُحدث نفسها:
-ربما لم يقصد هذا النوع
من المشاعر.....
نظرت إليها يمنى مستنكرة،
لكنها لم تمهلها فرصة للتحدث مستطردة:
-أنا أتوهم......أتوهم أن الحب ينبعث دومًا من كل شخص يقترب مني.....
نظرت لصديقتها لتستشهد
بحديثها السابق مستهزئة بحالها:
-أرغب في التفافهم حولي......
-مريم....كفى بالله
عليكِ.....توقفي عن تذكر حديثي في هذا اليوم....
نظرت لها مريم ودمعت
عيناها تأثرًا، توقفا حين وصولهم لمحطة الأتوبيس، حيث استطردت يمنى في لوم باعثة
نظرات لوم إلى صديقتها، وقد توقفت عن السير:
-لقد مر موقف سَيطرّتْ فيه
مشاعري على حديثي معكِ....
فلا تَجلدينني طوال الوقت
بكلماتي الغير منصفة.....
سادهم الصمت لحظة....حتى
وصول الأتوبيس.....فقالت مريم بعد شرود:
-أعتذر لكِ.....لكني أخذت
قراري بالانسحاب من هذه العلاقة الآن وليس بعد حين.
**********************************
وصلت الصديقتان إلى
المشفى، ليتفاجأ بوصول عمرو وهيثم من قبلهم....
صوّبَ عمرو نظراته إلى
مريم التي أشاحت بوجهها بامتعاض، ثم تقدمت لتتخطاه ودخلت إلى غرفة أختها...
كما اندهشت يمنى لرجوع
هيثم بهذه السرعة، لكن شعرت بفرحة داخلها على أي حال.
فسددت نظرة اشتياق إليه
حاولت كبح جماحها، على النقيض فعل هو.
حيث أطال النظر إليها،
شعر بأنه في حاجة إلى ملئ عيناه بطاقة النقاء الصادرة من عينيها.
شعرت بالحرج ونقلت بصرها
إلى عمرو مُلقية نظرة غضب لم يفهم سببها ....كما لم يتمكن من التحدث إلي مريم بسبب
تواجد الأهل من حولهم....لكنه اقترب من يمنى متسائلًا في فضول وهو يشير في اتجاه
مريم:
-لماذا تتجاهلني هكذا؟!
عقدت يمنى ساعديها وهي
تنظر إليه، ثم قالت في لوم:
-أحقًا تتساءل؟....ولماذا
لم تحاول الاتصال بها طوال اليوم بالأمس؟
همَ بالتحدث لكن نظر
حوله، فشعر أن المكان غير مناسب لقص عليها ما حدث، فاكتفى بقول:
-بالتأكيد حدث شئ ما....
نظرت له يمنى في لا
مبالاة ثم اومأت برأسها تستأذنهم وتحركت تتبع صديقتها.....
في هذه اللحظة دخل
الدكتور أنس غرفة شهد....وطلب مقابلة ذويها على انفراد قبل المغادرة...
أومأ والدها له برأسه
وتبادل نظرة مع والدتها، التي نظرت للدكتور في تساؤل.
ثم تحركت رغمًا عنها...
دخل ثلاثتهم مكتب دكتور
أنس.
جلس هو خلف مكتبه مسددًا
نظرات تفحص على استحياء لوالدها ووالدتها.....
ثم بدأ حديثه في هدوء
وثقة:
-أعتذر عن اجتماعي بكم في
لحظة مغادرتكم للمشفى....للعلم
لقد ترددت كثيرًا قبل
التصريح لها بالخروج...
نظر له والدها بعدم فهم،
وتساءل في حيرة:
-هل مازالت مريضة لهذه
الدرجة؟!
هز الدكتور أنس رأسه
نافيًا:
-لا ابدا....فقد تحسنت
حالة شهد كثيرًا منذ أول يوم عادت فيه إلى وعيها..
لكن ترددي كان رغبة في
استكمال برنامج علاجها.
تدخلت تهاني في لهجة لا
تخلو من العصبية:
-برنامج علاجها؟!.....لقد
طمئننا دكتور الجراحة أن العملية نجحت تماما ولا يوجد اي اثار سلبية تؤثرعلى صحة
شهد.
نظر لها الدكتور أنس وعاد
بظهره للخلف، فاستطردت بعد أن ألقت نظرة على زوجها:
-إذا كانت في حاجة إلى
علاج....يُمكنك كتابته وسأحرص على التزامها به في الموعد المحدد.
وجدها فرصة جيدة ليتأمل
ملامحها في صمت أثناء حديثها، استمر في صمته لحظات ثم ابتسم قائلًا:
-هي ليست في حاجة إلى دواء
ابدًا....قصدت بحديثي العلاج النفسي، كنت أتبع معها برنامج
قاطعته في استنكار واضح:
-علاج نفسي؟! وما الداعي؟
ابنتي لا تحتاج إلى ذلك أبدا....ما الذي تقوله؟
أشار لها مصطفى ليوقفها،
وقال بلهجة حازمة:
-تهاني....نحن هنا لنستمع
للدكتور...فهل تسمحين له باستكمال حديثه؟
هنا شعر الدكتور أنس أن
نظرته لهم كانت صحيحة، فاقتناع الأب وحده لا يكفي....في حالة إنكار الأم حالة
ابنتها.....ستضيع فرصته في استكمال علاجها....نظر إلى كلاهما ثم قال محاولَا أن
يختصر كلماته وينتقيها:
-مهندس مصطفى....شهد تتعرض
لحالة من انعدام الثقة أو فلنقل قلة الثقة في حالها.
تحتاج منكم إلى الدعم
والاقتراب منها.....كما لا يوجد لديها أصدقاء مقربين...فتشعر بالوحدة دائمًا.
ألقى نظرة سريعة على
السيدة تهاني وشعر برفضها التام لحديثه، لكنه استطرد رغمًا عنها:
-لقد شَبت على الخجل وعدم
القدرة على التفاعل الطبيعي بالشكل الذي يتناسب مع عمرها...
لكنها في هذه السن
الصغيرة يمكنها أن تتقبل اقتراب الاخرين منها وتشجيعهم لها على الاختلاط والتفاعل
مع المجتمع من حولها.
المهم أن تأتي الخطوة
الأولى منهم، بشكل طبيعي وغير مفتعل.
فينتج عن ذلك كسر حاجز
الخوف والخجل لديها.
استمع له والدها في
اهتمام...بينما اكتفى الدكتور أنس بالنظر إلى والدتها، التي تابعت حديثه دون
اكتراث.
أنهى حديثه بطلب كان على
يقين أنه لن يُلبى:
-أرغب في استكمال جلسات
العلاج معها بعد خروجها إذا سمحتم لي.
نظرت له والدتها وتبادلت
النظرات مع مصطفى الذي أومأ برأسه موافقًا قبل أن يلمح نظرة استهجان على
ملامحها...ثم قام ليلقي سلامه الأخير....كذا فعلت تهاني فتقدمته في غضب...
اصحبه الدكتور أنس وقبل
أن يبتعد، مال على أُذنه بعيدًا عن مسمع والدتها، فقال في خفوت:
-في حالة عدم القدرة على
ذلك....لقد قمت بإعطائها الكارت الخاص بي...
إذا احتجت إلى السؤال عن
أى أمر أرجوك لا تتردد...
نظر له مصطفى وأومأ
برأسه...فشعر أنس بأنه أراح ضميره المهني حينما أخبر والدها بهذا الأمر
ليتمكن من متابعة حالتها
دون حرج وعلى علم ومعرفة من إحدى ذويها....
********************************
بعد خروج والدي شهد مع
الدكتور، انتهز عمرو الفرصة ليقترب من مريم قائلًا في جدية:
-أرغب في التحدث إليكِ.
نظرت له مريم في غضب،
وقالت في خفوت وسرعة:
-وأنا لا أرغب في ذلك.
نظر لها باستنكار، بينما
تابعتهم يمنى بعينيها بعد أن تبادلت مريم معها نظرات الاستغاثة.
قال عمرو مستنكرًا:
-ما الذي حدث؟! كي تمتنعين
من الرد على اتصالاتي...وتبتعدي هكذا...
-لم يحدث شئ.
شعرت يمنى بتأزم الموقف،
خاصة بوجود شهد على مقربة منهم، فقالت وهي تجذب مريم معها:
-هل من الممكن التحدث في
الخارج.....أشعر بأنكم ستتسببون بإزعاج شهد.
ألقت يمنى نظرة شفقة على
شهد التي بدت شاردة بعض الشيء....ثم خرجت مصطحبة كلا من عمرو ومريم إلى خارج
الغرفة....بقي هيثم بمفرده مع شهد....فابتسم لها واقترب:
-وأخيرًا سنحت لي الفرصة كي
أتحدث معكِ.
بادلته ابتسامة واسعة في
إرهاق، فاستطرد:
-كيف حالك الآن؟!...مستعدة
للمغادرة؟!
ابتسمت باستهزاء، وشردت
ببصرها بعيدًا، ثم حركت رأسها نافية بعد تردد.
فتجهم وجهه قائلًا في
حيرة:
-لماذا؟! ماذا بكِ....بدا
لي أنك مرهقة لكن.... تبين الآن أنه حزن...
ابتسمت له وقالت:
-لا أعلم....أعتقد ذلك.
-من غير المعقول أن تتمنين
البقاء هنا؟!
نظر حوله في عدم فهم،
فتنهدت ثم قالت في هم:
-بالفعل اشعر بالراحة هُنا
كثيرًا...وأخشى أنني سأعود إلى حياة....
حاولتْ أن تجد كلمة تناسب
ما تشعر به في الوقت الراهن..
لكن عجز لسانها عن ذلك..
فحاول مساعدتها مستكملًا
عبارتها ببساطة:
-حياة تهربين منها دومًا.
نظرت له بابتسامة تؤكد
صحة اختياره للجملة...
اقترب هيثم منها متأمل
ملامحها، ثم قال وقد تذكر شخص كان يعيش بداخله منذ فترة قريبة:
-مهما حاولتِ الهروب...لن
تستطيعين الابتعاد أكثر...لابد من المواجهة.
مهما نجحتِ في الابتعاد
سيُثقلك وجع الضمير إن عاجلًا أو آجلا.
نظرت له طويلًا، وأحست
بوقع كلماته التي لم يتبين لها إن كانت تشجيعية أو مُحبطة.
فما كان عليها إلا أن
حاولت تغيير دفة الحديث فجأة:
-هيثم.....أخبرني، بمن أنت
مُعجب؟
نظر لها بدهشة واستنكار،
فابتسمت في شقاوة:
-أختي أم صديقتها؟!
اتسعت عيناه وهو ينظر
إليها، ثم حرك رأسه:
-وهل تحتفظين بالسر؟!
نظرت له بثقة، وأومأت
برأسها بقوة...فقال محاولًا التهرب:
-هل تعلمين أن ثمة احساس
ينمو بين مريم وعمرو..
نظرت له في دهشة، وهو
يشير إلى خارج غرفتها عبر زجاج الجدران، ثم قال:
-كثير من الاحداث تنتظر
خروجك....هل ترين؟
نقلت بصرها عبر الزجاج
لتشاهد ثلاثتهم بالخارج...ثم أشارت إليه قائلة بتهكم:
-لا تقلق، أختي لا يدوم
لها علاقة طويلة الأمد...
نظر حيث تنظر عيناها،
ليجد عمرو يبدوا متعصبًا، ومريم غاضبة.....
نظرت له شهد وأشارت إلى
يمنى، التي بدت أنها تائهة بينهم تحاول التدخل دون جدوى، نقلت بصرها إليه وقالت في
خبث:
-هنيئًا لك، فقد اخترت
أكثرهم عقلًا.....
ابتسم لها وقد شعر
باضطراب؛ لسرعة قراءتها مشاعره ومواجهتها به..........
********************************
في أثناء ذلك، وخارج غرفة
شهد.
خرجت مريم غاضبة رغمًا
عنها وخلفها عمرو الذي قال في حدة:
-على ما أتذكر فأنا لم
أفعل شئ يستدعي غضبك.
عقدت ساعديها وهي تنظر
له، بيننا تبعتهم يمنى محاولة التدخل، قالت مريم في غل:
-بالضبط...لم تفعل شئ منذ
صباح أمس.....لم تحاول حتى الاتصال للاطمئنان عليّ.
حاولت يمنى التدخل، لكن
لم يعطوها فرصة للحديث، حيث رد عمرو في عصبية:
-أنت لا تعلمين ما الذي
حدث، وعلى الرغم من ذلك فقد حاولت ولكني تواجدت في مكان لا يوجد به تغطية.
أشاحت مريم برأسها
بعيدًا، في حين قالت يمنى في فضول:
-ما الذي حدث؟!....فلنستمع
إليه....
نظرت موجهة حديثها لمريم،
ثم استطردت:
-هل تتمهلي لتعطيه
الفرصة....كي نفهم.
نظر عمرو إليهم في غضب،
وقد جرحه أن تتوسط يمنى له في أول خلاف لهم سويًا..
تنهد ثم قال بصوت منفعل:
-لقد فقدت نورا الوعي بعد
مغادرتك...
تبادلا النظرات سويًا، ثم
رفعت مريم حاجبها في استنكار ونظرت له في شك، فاستطرد وهو يوجه نظره ليمنى وحاجبيه
معقودين:
-اضطرت إلى نقلها إلى أقرب
مشفى ومكثت معها حتى جاءت والدتها....
نظرت له مريم طويلًا ثم
هزت رأسها رافضة، وقالت بتهكم:
-وهل تأخرت والدتها إلى
هذا الحد....حيث قضيت اليوم بأكمله معها....وهل استدعى اغماءها طوال هذه الفترة...
نظرت لها يمنى واستغرقت
في التفكير، حتى نطق عمرو في غضب وهو يقترب منها بانفعال:
-هذا ما حدث فعلا.....لم
أشعر بمرور اليوم....هل تُكذبين قولي..
وقفت مريم تواجهه في
ثبات، ثم قالت في برود وسرعة:
-بل أُكذب فعلها....نورا
تهوى التمثيل.
تبادل عمرو نظراته
النارية الغاضبة مع يمنى، حتى أنها شعرت بالخوف لعلمها بعصبية عمرو المعتادة. لكنه
لم يكترث لنظراتها، بل وجه نظراته لمريم وقال باستنكار وهو يضرب الحائط من خلفها:
-مريم....ليس لهذه
الدرجة....منذ متى وأنتِ تتحاملين عليها بهذا الشكل...
أرتفع صوته بعصبية دون أن
يدري....فلفت انتباه من حولهم مستشهدًا بكلماتها السابقة:
-ألم تكن ضحية من
قبل؟....وكنتم أصدقاء....كيف تغيرت مشاعرك نحوها؟!
دمعت عيناها تأثرا،
وحاولت أن تنطق فخرجت الكلمات خافتة بصوت بالكاد خرج من فمها:
-تغيرت لأنني أحبب
قاطعهم صوت جرس هاتفها،
فصمتت وانقطعت عن قول الكلمة التي كادت أن تُريح قلبه...استبدلت نظرة الانكسار،
بنظرة كبرياء فجأة وهي ترد قائلة بلهجة قصدت أن تكون مستفزة:
-ألو....آسر كيف حالك؟!
ابتعدت عنهم أمام عيناه
المشتعلتان، فاستشاط غضبًا، حاولت يمنى تهدئته:
-عمرو...فلتهدأ
قليلًا....لقد كانت حالتها غير جيدة بالأمس....فلترأف ب
قاطعها قائلا في غضب
هادر، كأنما لم يسمع كلماتها للتو:
-لماذا يتصل بها؟ هل تواصل
معها من قبل؟
شعرت يمنى بالخوف من
لهجته الغاضبة، لكنها قالت بصراحة:
-لا أعلم.....ربما مرة او
اثنين..
تابعها بعيناه من بعيد،
وقد تسارعت أنفاسه.
بينما قصدت أن تطيل
المكالمة وهي تتلذذ بتعذيبه، كما فعل هو بالأمس....
كاد أن يتحرك لينزع
الهاتف من يدها، بادرته يمنى فأمسكت بذراعه قائلة في رجاء وهي تنظر حولها:
-عمرو....من فضلك ليس
الوقت أو المكان مناسبين لخلافاتكم...أرجوك.
ضرب الحائط بيده مرة أخرى
في غيظ وتبادل نظرة غضب معها قبل أن يبتعد
ليغادر المكان بعد أن ألقى سلاما سريعًا على شهد....ونظرة غضب على مريم.
***
مواعيد النشر: الثلاثاء
تعليقات
إرسال تعليق
شاركنا رأيك في هذه التجربة