(((لقراءة الفصول السابقة اضغط هنا)))
"اقتحام حذر"
في ذات الوقت ولكن في
بقعة أخرى...
دخل الجامعة كلا من يمنى
ومريم، بدت الأخيرة متخفية خلف نظارتها الشمسية، شعرت برغبة في دخول الاختبار على
الفور دون أن تصادف بأحد، تساءلت يمنى في حيرة:
-مازال لدينا بعض الوقت،
لماذا تُسرعين الخطى؟
نظرت لها مريم مقطبة
الجبين، ثم قالت:
-لا ارغب في رؤية أحد....
-وهل سيبقى الوضع معه
كذلك؟ لا صداقة ولا حب!
مطت مريم شفتيها:
-هل تعلمين أنه لم يحاول
الاتصال بي منذ أن رأيته في المشفى...
حركت يمنى رأسها في
اعتراض:
-لقد أشعلتِ غيرة صدره
بتلقي اتصال آسر في ذلك اليوم.
نظرت لها مريم باهتمام،
ثم قالت في سخرية:
-غِيرَتهُ؟! كان هذا
واضحًا....غيرة أدت إلى تجنبي بدلًا من الدفاع عني والتمسك بي..
-أنتِ من تسببتِ
بذلك...أنت تعلمين عمرو لا يتميز بهدوء الأعصاب كما يسهل إثارة انفعاله.
أغمضت مريم عينيها، وقالت
في لامبالاة:
-فلنُغير السيرة، كيف حالك
مع هيثم؟
شردت ملامحها بعيدًا،
وبدا عليها الشجن حين قالت:
-كما نحن، لا يوجد أي جديد.
توقفت مريم مكانها وحدقت في وجه يمنى قائلة:
-من كان يتوقع خطواتكم
البطيئة هذه.....أين ذهب حماسكم الذي دفعك إلى خيانتي؟!
قالت جملتها الأخيرة
بتهكم واضح بهدف المزاح.
فنظرت لها يمنى وأجابت
بكل بساطة متجاهلة نبرة التهكم:
-كان ذلك إحساسي منذ
البداية...إحساسي وحدي.
قالت كلماتها الأخيرة
بحزن أكبر كأنها تنعي حالها، لكن منعها من الاسترسال صوت من خلفها:
-يمنى....
التفتت في حيرة لتجد هيثم
يتصبب عرقًا وقد بدا عليه أنه ركض لمسافة طويلة ليلحق بها، تأملت يمنى ملامحه في
تجهم، ثم ابتسمت رغمًا عنها، قائلة:
-هيثم، كيف حالك؟
ألقى السلام على مريم، ثم
اقترب من يمنى قائلًا:
-أنا بخير، أردت إن ألحق
بكِ كي.....كي أراكِ قبل دخولي...
اتسعت ابتسامتها وهي
تتأمله، كعادته يخطف أنفاسها دومًا، قال مستطردًا:
-أتفاءل برؤية وجهك قبل
دخولي اللجنة...
هذه المرة اتسعت ابتسامة
مريم وهي تنظر إليهم في خبث، وقد تناست وجعها أمام اهتمام هيثم بصديقتها التي صرحت
لتوها بمشاعر إعجاب به.....لكن ما لبثت ابتسامتها ان اختفت وتجهم وجهها حين رآت
مشهد أثار حفيظتها..
من بعيد رأت عمرو قادم من
اتجاه مدخل الكلية مصطحبًا نورا، التي تمارضت لتستند على كفه وبدا عليها الضعف
الزائف....الذي لم يكن سببًا كافيًا لها لإعطائه مبرر لدخول المكان معها بكل هذه
الجراءة...
*******************************
أجفلت شهد ثم حدقت في
الوجه الناظر إليها.....متأملة ملامحه في شرود....
بدت ملامحه الوسيمة غامضة
بالنسبة إليها....تذكرت ملامح شبيهة، لكن لم تستطع التذكر أين شاهدتها ومتى، حتى
نطق باسمه فتأملت ملامحه في محاولة للتذكر.
بدا أسمر الوجه بذقنٍ
نابتة، عين سوداء وحاجبين كثيفين، فم واسع يمتلك ابتسامة تجعل وجهه
يشرق وعيناه تلمعان......سألته في حيرة وشك:
-أستمحيك عذرَا، هلا تُعيد
الاسم مجددًا؟
مد يده إليها وهو يكرر
ببساطة أثارت استنكارها:
-شهاب صلاح.....
حدقت في يده الممتدة في
توجس، ثم حركت يدها في بطء لتتلقى السلام وعينيها لا تفارق عيناه.
استطرد هو:
-اسمحِ لي أن
أقدم نفسي بشكلٍ
آخر.....أنا زميلك في نفس المدرسة.
كما نتشارك بعض الدروس
معًا.
أرجعت رأسها للخلف
لتتأمله وقد تذكرت أنه يمتلك وجه مألوف بالفعل، لكنه ابتسم في حرج واستكمل:
كما سمعتِ.....أنا
المتسبب في الحادث الذي تعرضتِ له...-
اتسعت عيناها في عدم
تصديق لجرأته، فصمتت لحظات قبل ان تتساءل في ارتياب وقد بدأت في التحرك للابتعاد
عنه:
-وماذا تُريد مني؟!
أجاب بسرعة وهو يمنعها من
المغادرة:
-فقط أرغب في شُكرك لأنك
أنقذتِ مستقبلي.
نظرت له وقد استعادت شعور
الطمأنينة التي لزمها فور تنازلها عن القضية، لكنها أومأت برأسها رغمًا عنها،
وقالت:
-لا شكر على واجب....
-واجب؟ لا أرى فيما فعلته
أمر وجب عليك فعله....
تأمل ملامحها، ثم استطرد
في امتنان:
-ولكنه نبل أخلاق لا أكثر.
تأملته للحظات ثم تحركت
مبتعدة:
-عن إذنك..
استوقفها بإشارة من يده:
-لن أتسبب في تأخيرك، لكن
همت بقول شئ، فسبقها
قائلًا:
-أرغب في التحدث معكِ بعد
انتهاء الاختبار، فهل تسمحين لي؟!
نظرت له وشردت بعينيها
تغوص في عينيه لعلها تقرأ أفكاره....لم يمهلها فرصة للاعتراض، واختفى فجأة كما ظهر
فجأة...
تركها بسؤال واحد ألح على
عقلها طوال فترة الاختبار.
"ماذا يُريد هذا الشاب
غريب الأطوار؟!"
**********************************
انتهى اختبارهم في الجامعة،
فخرج الجميع تباعًا....
سبقهم آسر الذي تحين
الفرصة لمقابلة مريم....فوقف أمام لجنتها يترقب.
حتى ظهرت هي بملامح
حزينة، فاقترب يسألها في اهتمام:
-مريم كيف حالك؟
تفاجأت برؤيته فور خروجها
فنظرت حولها في قلق، ثم أجابت في بطء:
-بخير....كيف حالك أنت؟
-أنا أيضًا..
سارت إلى جواره وعيناها
شاردة تبحث عن شخص حولها، فقال مبتسمَا:
-كيف كان الاختبار؟!
أومأت برأسها فقال
معاتبًا:
-لم تسمحِ لي هذه المرة
بمراجعة المادة؟!
ابتسمت وقالت ببساطة:
-لم يكن هناك
داع....المادة بسيطة وغير معقدة.
تأمل ملامحها، فأبعدت
بصرها حتى قال في اشتياق:
-اشتقت إلى رؤياك.
ابتسمت ولم تجيب، حتى
وقعت عيناها على عمرو يقترب من بعيد فتحدثت مبتسمة مفتعلة الانسجام:
-أنا أيضًا....أعتذر عن
المرة السابقة.
اقترب عمرو وسلم على آسر
بخشونة وهو يتابع مريم بعينيه:
-اهلا.
تفاجأ آسر من ظهور عمرو
المفاجئ ونظراته التي سددها لمريم....التي شعرت بالحرج وحاولت أن تبتعد عن كلاهما،
فاستوقفها آسر قائلًا:
-مريم إلى أين؟! لم نتحدث
بعد.
حاولت أن تجيب لكن سبقها
عمرو الذي قال غاضبًا بعينٍ مشتعلة، ناظرًا لمريم:
-تتحدثا؟! وهل يوجد بينكم
ما يستدعي؟!
سددت له نظرة غاضبة، قاطع
حديثهم زميلة نورا التي جاءت تستنجد بعمرو قائلة في فزع:
-عمرو من فضلك نورا في
حاجة إليك....فقد حاولت مغادرة اللجنة ولكنها لم تقوى على الحركة وكادت أن تسقط من
طولها.
نظرت لها مريم بعين دهشة
وحاجبين مرفوعين من الاستنكار، بينما سارع عمرو ليتحرك
مبتعدًا.
لكن قبل أن يبتعد مال على
أذن مريم وقال لها في حزم:
-من مصلحتك أن تستحثي
الخُطا على المنزل....حذار أن أراكِ مع هذا المتزمت....هل تسمعين؟!
شعرت برهبة داخلها من
صوته المنفعل الآمر، كادت ان تبتسم لولا ان لمحت ابتسامة تهكم من زميلة نورا...
التي لم تصدق تمثيلها
ابدًا....مما أشعل نار الغيظ بداخلها لتعصي الأوامر بنفسِ راضية.
********************************
خرجت شهد من الاختبار
مسرعة، تستحث الخطى نحو البوابة، خائفة أن يراها شهاب
فيوقفها، فقد شعرت بالحرج
منه بما يكفي...كادت أن تقترب بالفعل من الوصول لكن استوقفها
صوته وهو يلهث خلفها:
-شهد....شهد.
توقفت واستدارت له في
بطء، فاقترب وقال مبتسمًا وهو يلتقط أنفاسه بتسارع:
-لحقت بك قبل
مغادرتك....أخبريني ماذا فعلت في الاختبار؟
نظرت له غير مصدقة بساطته
في التحدث، كأن ما يجمعهما علاقة اعتيادية... فأجابت في سرعة:
-جيد....عن إذنك.
نظر لها باستنكار عندما
بدأت تتحرك مبتعدة، ثم استوقفها قائلًا:
-انتظري، لم نتحدث بعد....
تأملت ملامحه ثانية ثم قالت وهي تحتضن حقيبتها كعادتها:
-لن أستطيع الوقوف معك...فأنا لم اعتاد التحدث إلى شباب لا أعرفهم.
نظر لها صامتا ثم نظر
حولهم وقال مازحًا:
-شباب.. أين هم؟
نظرت له في استنكار، فنظر
لها في إعجاب، ثم أشار إليها بأصبعه:
-فتاة حسنة الخُلقْ، أُشجع
صفاتك الجيدة.
نظرت له وهي تحاول منع
الابتسامة، فقال بلهجة جدية:
-هل تحتاجين إلى علاقة أقرب من التي تجمعنا.... تشاركنا في حادث واحد....
ساعد كل شخص فينا على
التغيير.
نظرت له صامته وهو مسترسل
في حديثه ناظرا لعينيها في اهتمام:
-فقد أنقذتِ مستقبلي....في
حين قيامي بتعريضك للخطر
نظر في استياء مستطردًا:
-بسبب استهتاري.
شرد بعينيه، ثم قال بتأثر
واضح وقد تحول كلية من الشخص المرح إلي شخص بدا اكبر سنًا:
-الأيام التي قضيتها
بالسجن وتهديدي بضياع مستقبلي ساعد على تغيُر الكثير بداخلي.
صمتت متأملة عيناه وهو يستطرد:
-أما أنتِ، أشعر أنك في
حاجة إلى بعض التغيير.
نظرت له باستنكار وقبل أن
تسأله، استطرد محاولًا إعادة صياغة عبارته:
-معرفة شخص مثلي....إضافة
في حياتك...على الرغم.
قطع حديثه ورجع برأسه
للخلف يتأملها، قائلًا في إعجاب:
-من تألق وجهك
مؤخرًا...منذ مغادرتك المشفى.....أشعر بأنك تغيرتِ كثيرًا.
حدقت في وجهه، غير مصدقة
كل كلمة تفوه بها شعرت أنه اقتحم حياتها فجأة دون اذن.
فرض نفسه، ملقيًا عبارات
من الإعجاب تسمعها لأول مرة، كما تفاجأت من سابق معرفته بها.
حاولت مقاومته في ضعف؛ فقالت
في خفوت:
-تغيّر؟!
هل كنت تعرفني من قبل؟
نظر لها بدهشة حقيقية،
وغمغم بتهكم:
-بالطبع....نحن زملاء في
درس اللغة الإنجليزية...كما تجمعنا مدرسة واحدة.
ألم تلاحظين تشابه
أسماءنا...نحن نتشارك ذات اللجنة.
اتسعت عيناها وهي تحاول
التذكر، كيف أغفلت عيناها رؤية هذا الشاب.
على حد قوله كان حولها في
كل مكان تقريبَا، حتى منذ دقائق قليلة شاركها لجنة اختبار واحدة ولم تلاحظ شيئًا......
استمعت لملاحظته الاخيرة،
وقد شعرت بالخطر يترصدها من كل كلمة ينطق بها، خاصة حينما قال بلهجة إعجاب واضحة:
-كما إنها ليست أول مرة
تلفتِ انتباهي إليكِ.
************************************
أصرت يمنى هذه المرة على
تجنب الذهاب مع هيثم للمكان المعهود.
كان يكفيها شعورها الحالي
بالخوف عليه، فلم تستطع تَحمُل مضاعفة خوفها برهبة المكان السابق.
لذا أصرت أن تتمشى معه
داخل الجامعة ولكن في بقعة بعيدة حتى لا يصادفهم أحد.....
نظر لها متأملًا ملامحها
بابتسامة إعجاب، ثم قال:
-لا أعلم ما سبب خوفك؟!
أليس هذا ما كنا نهدف
إليه....الم يُعدْ ذلك نجاح للخطة التي وضعتيها بنفسك.
نظرت له في شرود ثم
ابتلعت ريقها بصعوبة وقالت:
-أتفق معك....ولكن لم
أتوقع أن يصل شكه للمراقبة...
-يمنى.....هل تخافين عليّ؟!
نظرت له بتأثر واضح وشحب
وجهها، فاستطرد باستنكار متزايد:
-مِن والدي؟!
اومأت برأسها في ايجاب،
ثم قالت محاولة تغيير دفة الحديث:
-فلنراجع خطتنا
ثانية.....هدفنا هو دفعها لطلب الطلاق منه....حتى يعود لوالدتك.
والتأكد من ذلك قبل أن
تتركها.....
شرد بعيدًا، ثم قاطعها
كأنه لم يستمع إلى حديثها:
-أُفكر في مواجهته....
نظرت له بفزع حقيقي،
وارتعشت شفتاها قبل أن تقول باعتراض:
-لم يكن ذلك اتفاقنا....
-لكنها فرصة لا تقاوم.....
-هيثم....أرجوك....لا تجعل
قلقي يتضاعف....
لانت ملامحه فجأة وشكت هي
في جدية حديثه، خاصة حينما قال في تأثر:
-يمنى....أنت تخشين على
حياتي بالفعل....ما كل هذا الصدق في عينيكِ؟!
استدارت لتخفي عيناها عنه
وشرعت في الهروب من أمامه لكنه استوقفها بيده،
قائلًا في حنان:
-لماذا تُخفين مشاعرك؟!
وهي بهذا الصدق البيّن؟!
ابتلعت ريقها وقالت في
ثبات وحزم:
-هيثم....بالطبع لا أُريدك
أن تتعرض لأي نوع من الأذى....ولا أريد أي اضطراب في علاقتك بوالدك بسببي
-بسببك؟!
-نعم بسبب خطة قمت بوضعها
في تهور دون أن.
قاطعها في صرامة:
-خطة ناجحة ساعدت على
رجوعي لمواجهة كل مخاوفي بقوة.....
نظرت له في لوم، فقال وهو
شارد في عينيها:
-لن أخطو خطوة دون أن
أخبرك قبلها.....
قالت في سرعة:
-وعد؟!
أومأ برأسه في
صدق...فقالت هي في حزم:
-من فضلك أريد أن أسمعها
واضحة...
-أعدك.....
ارتاحت ملامحها بعض
الشيء، لكن ظل قلبها ينبض بقلق، كما بات عقلها يصور سيناريوهات مرعبة لم تستطع
مقاومتها......
******************************
راقبت مريم المشهد الصادم
في غيظ، وكادت أن تنطق لتُخبر عمرو بالابتسامة الخبيثة التي شاهدتها لتوها، لعله
يتوقف عن مساعدة نورا وينتبه لعدم أحقيتها في رعايته....لكنه تحرك سريعًا دون أن
يعبأ بها.. بينما انتهز آسر الفرصة واقترب منها قائلًا في خفوت:
-مريم....
نظرت له باهتمام وقد
تناست وجوده، فاستطرد يسألها في حيرة:
-هل تطورت علاقتك بعمرو
بشكل أو بأخر؟!
تفاجأت من سؤاله، ونظرت
له في صمت، ثم مطت شفتيها وهي تقول في شك:
-ماذا؟! ما الذي دفعك
للشعور بذلك..
أشار حيث اختفى عمرو ثم
قال ببساطة:
-نظراتكم اختلفت...ظهوره
المفاجئ كلما رأيتك...وقوفه بيننا دائمًا وتعامله كأنه يمتلكك..
ظهرت ابتسامة سريعة في
نظرة عينيها سرعان ما اختفت في لحظتها، مال آسر لتصديق تكذيبها للأمر، حين قالت
تنفي اتهامه:
-إذا كان ذلك شعوره...فأنا
أتعامل معه كأخي....لا يجمعني به أي علاقة من نوع آخر.
ابتسم آسر وشعر
بالاطمئنان في داخله، واستكمل طريقه معها، مستكملًا:
-هل يمكنني إضافة سؤال خاص
أخر؟!
نظرت له في ارتياب ولم
تجيب، فأضاف هو:
-هل تسمحين لأحد آخر من
الاقتراب منكِ والتعبير عن شعور جميل يشعر به نحوك.
نظرت له في حرج وهو يعترف
اعتراف صريح بمشاعره التي طالما حدثتها يمنى عنها، وكانت تُعارض الاعتراف بها...
واجهت صعوبة في رفض
مشاعره خاصة بعد حرصه على التأكد من عدم ارتباطها بعمرو....
وكم كانت كاذبة!!!!!
فقلبها كان ينبض في كل
لحظة باسم عمرو صارخًا يستجديه ليعود لبث شعور الأمان الذي لم تصادفه ابدا في وجود
آسر....ولكن كرامتها لم تسمح لها بالاعتراف بهذا.....
فقط ظلت محدقة في وجه آسر
وهو يستكمل حديثًا حالمًا طالما تمنى أن يبوح به إلى عينيها.
******************************
في نفس يوم الاختبار،
وبعد أن حل الليل على البناية التي تحوي معظم أبطالنا....
جلست شهد على مكتبها بعد
أن غادر معلم المادة القادمة، مكلفًا إياها بمراجعة ما قام بشرحه للتو.
لكنها ظلت محدقة في
هاتفها شاردة للحظات، قبل أن تحسم قرارها، فحملته بيدها تنقر أصابعها على حروفه
جملة أرسلتها بسرعة للدكتور أنس بعد تردد:
--كيف حالك؟!
هل يمكننا التحدث؟!
أنهت إرسالها إليه، ثم
تركت الهاتف على مقربة منها، وتظاهرت بالنظر إلى كتابها، محاولة الاستذكار في
جدية...ماهي إلا لحظات حتى جاءها صوت خافت انبعث من هاتفها، فأسرعت يدها تحمله في
شغف محدقة في شاشته وقد ابتسمت عيناها:
--شهد....كيف حالك؟! هل كان
الاختبار جيدًا؟
اتسعت ابتسامتها حينما
أحست منه بالاهتمام بمعرفة تفاصيل في حياتها، ثم أجابت بسعادة:
--نعم، حمدًا لله كما كانت
إجاباتي.
--مبارك وبالتوفيق.
صمتت تترقب رسالة أخرى
منه، وعندما لم تجد كتبت هي في إصرار:
-أرغب في الحديث معك عن
موقف مررت به اليوم.
مرت لحظات قبل أن يُجيب
إجابة اثارت اندهاشها:
--انتظري.....
توقفت يدها عن الكتابة
قبل أن تسترسل في الحكي، وتابعت حديثه باهتمام:
--هل أنت بالمنزل؟!
ظهر على ملامحها
الاستنكار أولَا، ثم أجابت في هدوء:
--نعم...لماذا؟!
--ومن يتواجد معكِ في نفس
المنزل....
نظرت إلى باب الغرفة نظرة
لا إرادية، ثم جاوبت بعدم فهم:
--والدتي، ومريم ويمنى
جارتنا اعتقد..
--إذا رجع إليكِ
الاختيار...من فيهما يمكنك الاستعانة به، في البوح بما يعتمل به صدرك بدلا مني.
قطبت جبينها وفكرت
قليلًا، ثم أجابت في حيرة:
--يمنى.....من الممكن مريم
أيضًا.
--إذن فلتتوجهي إليهن
ولتفتحِ صدرك، لتَقُصين ما حدث عليهن، فإذا لم تشعري بالراحة المطلوبة
يمكنك العودة إلى متى
شئتِ....اتفقنا.
أنهت حديثها معه، ولم
تبارح مكانها لمدة ربع ساعة حاولت تهيئة حالها لتفعل ما
لزمها به.
محدقة في باب غرفتها الذي
يؤدي للخارج، كأنها ترفض الولوج إلى عالم أبسط من عالمها وأكثر
واقعية من أحلامها المعتادة....حاولت مقاومة شهد الخجول المنعزلة بداخلها....في
محاولة منها لمساعدة الدكتور أنس.
الذي قرر استكمال خطة
علاجها عن بعد، بتحريكها قربًا ليزيد ارتباطها بمن حولها رغمًا عنها....فهل ستنجح
محاولاته؟!
***
مواعيد النشر: الثلاثاء
((لقراءة الفصل الخامس والعشرون اضغط هنا))
تعليقات
إرسال تعليق
شاركنا رأيك في هذه التجربة