BlogLabels

القائمة الرئيسية

الصفحات

 


                                                      (((لقراءة الفصول السابقة اضغط هنا)))



الفصل الخامس وعشرون

"الاختبار الاخير"


في غرفة مريم المجاورة وقبل لحظات قليلة، وتحديدًا في مرسم الأخيرة كانت يمنى جالسة إلى جوار صديقتها يتجاذبا أطراف حديث يفيض بما في داخلهم. يحيط بهم أصوات سيارات منبعثة من الشارع على أثر زجاج احدى النوافذ المنفرج إلى جوارهم متداخلًا مع صوت "عمرو الدياب" الذي ينجح دومًا في عكس ما يشعرون به:

"لو صدقت عيوني لو حسيت بحناني ، كانوا عينيك عشقوني ومكنتش تنساني، وكنت كمان تقولي كمان و اغنيلك في كل مكان. "



-أعترفَ؟!

قالتها يمنى بعدم تصديق، فأومأت مريم برأسها موافقة بابتسامة خجل. 

ثم قالت:

-شعرت بالخجل حين فاجأني ونطق بكلماتٍ صريحة هذه المرة....


قالت يمنى في لهفة:

-ماذا قال؟! أخبريني....

أجابت مريم في سرعة:

-لا أتذكر، فقد شردت بعيدًا عنه حين بدأ الاندماج في الحديث. 


-شردتِ؟! كيف ولماذا؟!

هزت رأسها في امتعاض، ثم قالت في ضيق وبعد تردد:

-في عمرو.

الذي انسحب وسار مع صديقة نورا بعد أن تظاهرت بالخوف عليها وقام هو بتصديقها بسهولة.


نظرت لها يمنى صامتة، ثم قالت في شك وقد انصرف انتباهها هى الأخرى بعيدًا عن الموضوع الاساسي:

-هل تعلمين أن علاقتك بعمرو، تفتقد كثيرًا إلى الثقة.


-وكيف أثق بمن يملك مثل ماضيه؟!

-كان اختيارك من البداية، لهذا وجب عليكِ الثقة.

قالت مقاطعة وهي تهز كتفيها بلا مبالاة:

-او تغيير الاختيار.


حدقت يمنى في وجه صديقتها، ورفعت حاجبها في دهشة..

-ماذا تقصدين؟!

صمتت قليلًا، ثم ابتلعت ريقها قائلة:

-أرغب في تغيير ما بداخلي، أرغب في خلق مريم جديدة تختار الشخص المناسب بعقلها.

تبًا لاختيارات القلب التي تفشل دومًا.


همت يمنى بالتعليق، في حين بادرتها مريم بالتحدث في موضوع آخر كأنها ترفض الاسترسال في حديث يحكمه العقل:

-فلنقم بتغيير الموضوع....كيف حالك مع هيثم؟! 

الذي يقطع الجامعة ركضًا فقط ليتباهى بوجهك المشرق.


قالت جملتها الاخيرة بتهكم استعراضي فظهرت ابتسامة واسعة على وجه يمنى، ثم نظرت إلى صديقتها في تردد، تبعته قائلة في خيبة أمل:

-هذا ما يفعله بالضبط.

نظرت لها مريم بتساؤل، وألفت التردد على محياها؛ فنظرت لها تشجعها على الحديث:

-اكملِ....يفعل ماذا؟!

-هل أنتِ واثقة أنني يمكنني التحدث.

نظرت لها مريم بعدم فهم، فنظرت لها يمنى نظرة حرج، فحركت رأسها في تهكم وأجابت ببساطة:

-بالتأكيد، يمكنني الآن الاكتفاء بشخص خائن واحد على سبيل التغيير.

ابتسمت يمنى وقد شعرت بحرج أكبر، فاستطردت مريم موضحة شعور صديقتها بدلا منها:


-يلفت الانتباه إليه حتى تشعرين أنه سيتحدث ويعترف....

ثم فجأة تجدي حديثه ينجرف إلى جمل عادية خالية من أي معنى....

أومأت يمنى برأسها:

-كم افتقد شخص يفهمني مثلك.


شردت مريم بعيدًا متذكرة آسر الذي استطاع في دقائق قليلة من توصيل شعوره بها بوضوح وجراءة رغم التزامه وتشدده، فقالت:

-هذا هو مربط الفرس، لماذا لا يتحدثون بوضوح....لماذا يتركوننا بين القيل والقال.

نظرت لها ثم ابتسمت ببراءة:

-لماذا لا يفعلون مثل آسر.. لماذا يخرج الكلام الذي نرغب في سماعه من الشخص الخطأ.


انهت حديثها في حزن، وصمتت للحظات. 

أخرجت يمنى وجهها تشتم هواء الليل المنعش وأغمضت عيناها وسمحت للنسيم البارد بمداعبة شعرها باعثا في عقلها شعور بسلام داخلي.....افتقدته كثيرًا في الفترة الأخيرة.....بدت مشتتة الانتباه بعض الشيء كأن شئ يشغل عقلها.......


تأملت مريم ملامحها وقالت قاطعة الصمت:

-كلما اقتربت اختباراتنا على الانتهاء.....أشعر باقترابنا للبدء في حياتنا العملية....مرحلة انتقالية جديدة تستدعي القلق.......هل ستلائمنا ونتمكن من تحقيق ما حلمنا به؟....هل سنشعر أخيرًا بالحرية؟ والخروج وقتما نحب وعدم التقيد بالمذاكرة والاختبارات الدورية....


أنهت حديثها وانتبهت إلى شرود صديقتها التي ظلت عينيها محدقة في الفضاء الخارجي فقالت لها في لوم وهي تلوح بيدها أمامها:

-يمنى هل مازلت معي ؟!


أجفلت يمنى وانتبهت إليها، في نفس اللحظة دلفت شهد بعد أن أطرقت الباب مرتين قائلة:

-كيف حال خريجاتنا الحسناوات

تأملت يمنى ملامحها، ثم ابتسمت لها وقالت وهي تغلق زجاج النافذة بيدها:

-شهد حبيبتي كيف حالك؟!


 تأملت مريم أختها ثم اقتربت منها وطبعت قبلة على وجنتها، فنظرت يمنى لهما باستنكار، ثم قالت في سخرية:

-غير معقول، منذ متى بدأت قصة حبكما؟


وكزتها مريم برفق وهي تحتضن أختها:

-منذ شعوري بالخوف عليها.

تذكرت يمنى في تلك اللحظة شعورها بالخوف على أحبائها الذي سيطر عليها هذه الايام، فقالت في جدية اندهشت لها مريم:

-معكِ حق، نطلب من الله أن يبارك لنا في كل غالي.


جذبت شهد إليها، وطبعت قبلة بدورها على وجهها، فأشرق وجه الأخيرة، ثم قالت في شقاوة:

-لقد جئت لأُذكرك....إنك مررت لتستمعِ إلىّ في المرة السابقة.

رفعت إحدى حاجبيها ثم استكملت في مرح:

-لكني لاحظت أنني لم أفعل حينها...


وضعت يمنى يدها على فمها وعضت شفتها السفلى ثم قالت:

-نعم تذكرت الان....كيف فعلت هذا بك ثانية؟!

اقتربت شهد من أذنها، ثم قالت في خفوت:

-لقد طرحت سيرة تثير شغفك لذا انشغلت عني واندمجتِ في الحديث.


أشارت بأصبعها على فمها كإشارة لها لتخرس...بينما تابعتهم مريم بنظرة فضول قائلة:

-سيرة تثير الشغف.....

نظرت ليمنى في خبث ثم قالت:

-حتى مع شهد.... لا يخلو حديثك من سيرته ابدَا....


-ومن قال ذلك؟!....

-أراهنك....تضمنت السيرة....ه ي ث م.

كادا أن يبدأ شجارا مفتعلًا كعادتهن، فتدخلت شهد قائلة في جدية:

-كفى كفى حديثًا....لقد جئت لأتحدث أنا هذه المرة...


حدقا في وجهها في انتباه فشعرت بالحرج، فقالت مبررة:

-وبأمر من طبيبي الخاص، هلا تستمعون من فضلكم...

صمتا وأجلساها بينهم، وأغلقت مريم باب المرسم، لتتيح لها حرية التحدث دون رقابة....


كانت شهد تحاول تطويع حالها لتجد بداخلها الرغبة في التحدث، كما فكرت في هذه المداخلة لفترة من الوقت ونظمت الكلمات في عقلها قبل الدخول عليهم، لكن كالعادة كان خيالها مختلف عن واقعها معهم لكنها هذه المرة اضطرت للارتجال كي تتحدث.

وبالفعل حين سُلطت الأنظار عليها، وجدت حالها تتحدث بطلاقة وتشرح شعورها بسهولة على الرغم من أن حديثها غلفه الحرج، لكنه لم يمنعها من الاسترسال، ساعدها على ذلك تشجيعهم لها.

الذي ساعدها على الشعور بأنهن صديقات مقربات لها.


حاولت طيلة اليومين السابقين اكتساب علاقات قوية بزميلات الدراسة...لكن لم تتخيل إن تتحدث الى إحداهما عن إحساس يصعب عليها وصفه أو التحدث عنه على غير المعتاد.

لكنها اعترفت بعد وقت بأن البوح بما يجري بداخلها لأحد المقربين ومشاركتهم تجاربها والاستماع إلى رأيهم هو فعل صحي أضفى إليها شعور بالراحة والحميمية.....

********************************


أنهت شهد حديثها ونظرت إليهم، بينما تبادلا النظرات القلقة فيما بينهم، ثم قالت مريم في حيرة:

-وماذا يريد هذا الشاب؟! ألا يكفيه ما تسبب به من أذى وخطر على حياتك، فلتبتعدي عنه.


نظرت لها شهد وشعرت بالخوف، عقدت ذراعيها حول صدرها حائرة، نظرت يمنى لشهد ثم قالت في هدوء محاولة طمآنتها:

-اختلف معكِ....

انتبه إليها الأختان فاستطردت في جدية:

-لقد اعتذر الشاب عن ما بدر منه دون قصد....وهو زميل لكِ ما الضرر في الاستماع اليه واعطاءه فرصة كي تعلمين ماذا يريد....


نظرت لها مريم باستنكار، فقالت بحنان وقد اقتربت من شهد:

-شهد نحن نثق بكِ كثيرًا، يمكنك السماح له بالاقتراب داخل ساحة المدرسة.

مع الاعتبار بأخذ الحذر، لا تخشي شئ هو لن يضرك.

فأنتِ لن تسمحين بذلك...أليس كذلك؟


تدخلت مريم تسألها في قلق:

-ماهو شعورك نحوه؟!

تفاجأت شهد بالسؤال، فأخذت وقتها في التفكير، ثم حركت كتفها قائلة:

-لا أعلم، أشعر بأنه اقتحم حياتي فجأة دون حرج او تردد.....يتحدث كأننا أصدقاء معتادين.

كما أنه.....


نظرت لهن أولا في توتر، ثم استطردت:

-لا يسمح لي بالانسحاب والمغادرة...

ابتسمت يمنى ابتسامة جانبية لمريم، ثم قالت في هدوء:

-صغيرتي، أنتِ مازلت صغيرة على العلاقات المعقدة...

فقط ابقي ما بينكم بسيطًا واقرب إلى الزمالة.


نظرت لها شهد وقطبت جبينها....بينما تبادلت مع مريم النظرات، ثم سادهم الصمت فترة، استطردت يمنى بعدها:

-في اي وقت ترغبين في التحدث أنا موجودة.

نظرت لها مريم باستهجان فابتسمت ثم قالت في مرح:

-كلتانا موجودتان....


ارتمت في أحضانهن بامتنان، قبل أن تغادرهم قائلة:

-احذروا....اذا بدأت في التحدث....لن اصمت بعد اليوم.

-من فضلك انقذيني من احداث حياتنا البائسة، فلتضيفي بعض الاثارة أرجوكِ.


قالتها مريم بتمثيل متهكم، ثم قالت يمنى قبل أن ترحل شهد:

-سيجمعنا حديث أخر....هناك الكثير لم تحكيه بعد.

نظرت لها بعدم فهم، ثم ما لبثت أن تذكرت قصتها مع أحمد....


وقد أدركت حقيقة هامة، حقيقة عدم تذكرها له او تفكيرها فيه منذ فترة غير قصيرة.

تذكرت حديث الدكتور بأنها أذا امتنعت عن رؤيته لفترة ستنساه حتمًا.

أم أن اقتحام شهاب لحياتها كان هو السبب الأكثر إقناعًا.

************************************

خرجت شهد من مرسم مريم شاعرة لأول مرة بالراحة نتيجة لتحدثها معهن.

هذه المرة لم تستسلم كالعادة..

في كل مرة حاولت الاقتراب من مريم ويمنى وجدتهن منشغلين عنها بالتحدث عن أنفسهن.

مثلما فعلوا اليوم.

لكنها تمسكت بحقها وأفاضت بما في داخلها من شعور متناقض عن احساسها بالخوف منه واستحسانها أسلوبه في التقرب منها.


ارتاحت لحديث ونصح يمنى لها عندما اعطتها الأمان الكامل والثقة في حالها وتصرفاتها.

على نقيض مريم التي عكست علاقتها بها بعض التحكم المُقيد متأثرة بأسلوب والدتهم الحاد المنغلق.


لذا فضلت شهد حديث يمنى الخالي من تقييدها وأمرها بالابتعاد أو استحضار الخوف من القادم في حياتها.

بالفعل هي في حاجة الى من يزيد الحياة تبسيطًا في عينيها.

ارتفع صوت هاتفها النقال، فنظرت في شاشته ثم اجابت حين رأت رقم غير مسجل:

-ألو....


استمعت إلى صوت ذكرها بصوت احمد؛ فانتبهت قائلة في خفوت:

-من يتحدث؟!

ضيقت ما بين عينيها، ثم قالت في عصبية:

-إذا لم تنطق، سأضطر إلى إغلاق الخط أسفة.


اتسعت عيناها وخفق قلبها وهي تنطق بالاسم في رهبة:

-من؟ شهاب؟ كيف توصلت إلى رقمي؟!

استمعت إلى حديثه معها الذي حاول فيه إقناعها بأنهم زملاء ويمكنهم تبادل الأرقام والتحدث.


لكنها رفضت طلب الصداقة قائلة في حزم:

-شهاب...اعتذر ولكن لا يوجد علاقات تجمعني بشباب....لم يسبق لي الخوض في علاقة كهذه من قبل

لذا أرجو منك التفضل بالتخلص من رقمي وعدم الاتصال به مرة أخرى...

أراك قريبًا...مع السلامة.


أنهت حديثًا كان يحسبه سيطول، وأغلقت الخط متسارعة الأنفاس وفي رأسها تتكون ألف فكرة وفكرة.

فكرت أن تعود لتتحدث إلى مريم ويمنى لكن....شعرت أنها في حاجة إلى الرجوع لغرفتها والاختلاء لتنظيم أفكارها.


على الرغم من مرورها بمشاعر مختلطة ومختلفة التصنيف عن ذي قبل.

عندما كانت حياتها فارغة من اضطراب المشاعر وتنويعه....لكنها الآن شعرت بمسئولية ألقت على عاتقها. 

فهي لم تصده بالشكل الكافي لكنها في نفس الوقت لن ترضخ لإنشاء علاقة لم تعتاد عليها من قبل. 

*********************************

أنهت يمنى حديثها مع مريم، وخرجت بتزاحم أفكارها في طريقها للعودة إلى منزلها، أخذها التفكير في حديث مريم عن مشاعرها تجاه عمرو ومشاعر آسر تجاهها، شردت أيضًا في شعورها بهيثم وعلاقتهم الغريبة.

حتى وصلت إلى غرفتها بداخل المنزل، على الفور فتحت نافذة غرفتها لتتطلع على شرفة منزل قريبة منها لتحدق فيها بعينيها وتذكرت حديثًا استمعت إليه بالصدفة منذ قليل، وهي تقف في مرسم مريم الذي يعلو شرفة عمرو بدورٍ واحد.


حديث جمع بين صافي وأختها أمينة....حيث بدا على صوت أمينة أثار بكاء واضحة وهي تقول:

-هذه المرة تأكدت بنفسي.....استمعت إليه وهو يتحدث إليها..

بدا على صوت صافي الدهشة وهي تتساءل:

-كيف حدث ذلك؟!

-كان يتحدث معي على الهاتف، حين ورده محادثة عمل هامة على حد قوله. 

فاضطر أن ينهي محادثتنا ليجيب على الاتصال الاخر ولكن....


كان من المفترض أن يغلق معي الخط ويبدأ المحادثة الأخرى، لكني وجدت نفسي معهم في نفس المحادثة.....لا أعلم كيف؟! ولكنه حظي السيء.

لم تستمع يمنى إلى تنهداتها، لكنها حاولت التركيز لتلتقط باقي الحديث في اهتمام وفضول:

-كان يتحدث معها كأنها على ذمته.....تَوْعّد شاب هي على علاقة به.


انتبهت يمنى للحديث عندما طال سيرة هيثم، لكنها حاولت أن تخفي ذلك أمام مريم التي كانت مندمجة في الحديث عن آسر وعمرو فلم تنتبه لشرود صديقتها، التي تابعت في تركيز:

-من الواضح خيانتها له مع هذا الشاب....كان متعصبًا بدرجة لم أعهدها به من قبل..

الدكتور المحترم يتوعد شاب لوقوعه في حب تلك السيدة الخائنة دون اكتراث لخيانتها له.

هل تصدقين ذلك؟ 


فاقت يمنى من شرودها بنسمة هواء لفحت وجهها ليتطاير شعرها في عبث، وشعرت بخفقان يسري في قلبها خوفًا على هيثم، سيطر على مشاعرها الشفقة على حال والدته التي بدا صوتها مكلوم بلا حيلة،

كما سيطر عليها الخوف من القادم.....ابتلعت ريقها وقد تذكرت أنها خطتها منذ البداية. 

شعرت بالذنب وبالرغبة في أخذ موقف لإنقاذ ما يمكن إنقاذه....شرعت في التفكير في خطة بديلة 

تُريح وجع ضميرها وتعطيها فرصة لتنقذ حياة زوجين، حين شهدت بنفسها بقايا قصة حب قديمة أكثر أصالة من علاقته بزوجته الخائنة.

*******************************

في اليوم الأخير لاختباراتهم، أنهى الجميع الاختبار واتفقا على أن يجتمعوا في مقهى الجامعة..

وافقت مريم على مضض وهي تَكِنْ في صدرها كل مشاعر الاستياء من عمرو، الذي حاول الاتصال بها مرة واحدة وحينما لم تجيب لم يعيد الاتصال ثانية.

وافقت بعد إلحاح من يمنى وبالفعل التقى الجميع في المقهى، انتبه آسر الى تغير عمرو معه كلية.

فسأله في اهتمام:

-عمرو....ماذا بك؟!


نظر له عمرو الذي ذهب معهم رغمًا عنه نتيجة لإلحاح هيثم بتوصية من يمنى.

ماذا تقصد؟!-

اقترب منه وقال في خفوت:

-لا أعلم ولكن أشعر بأن الأمور بيننا لم تعد كالسابق.


نظر له عمرو وتنهد، ثم قال في برود:

-ربما كانت الاختبارات على ما اعتقد.

شعر بأن كلامه مقتضبا، قصد عمرو أن ينهي حديثه.

بالفعل كانوا اصدقاء قريبين، لكن تقرب آسر الغير مقبول من مريم جعل مشاعر عمرو تجاهه تتغير كثيرًا دون أن يكون قادرا على التبرير. 


نظرت يمنى لمريم التي ظلت ملامحها متجهمة محافظة على صمتها منذ ظهور عمرو، ثم قالت في حزم:

-هل من الممكن أن تنهوا ما بينكم الآن...هذا آخر يوم لنا.....لن نرى هذا المكان بذكرياته مرة أخرى.


ألقت مريم نظرة حنين على باب المقهى وراودتها ذكرى قديمة حين غادرتها غاضبة دون أن يشعر بها عمرو؛ فنقلت نظرات غاضبة إليه.

فاستقبلها باستنكار.. اخفضت وجهها بعدها في حزن....ثم نظرت ليمنى، قائلة في استياء:

-ما المطلوب مني؟

 أن ابدأ حديثًا معه وهو يتجاهلني....أنظري كيف يتحدث لآسر بانفعال....ما ذنب هذا المسكين؟ 

نظرت لهم يمنى نظرة جانبية سريعة، ثم قالت في غيظ:

-ذنبه...أنه لم ينتبه لوجود مشاعر بينكم رغم وضوحها، لكن مرآة الحب عمياء.

قالت جملتها الاخيرة بتهكم واضح، ثم رطبت شفتيها بلسانها وهي تقول لصديقتها:

-كما أنني أخبرتك....أن عمرو يشعر بالغيرة من تقاربكم سويًا....وأنتِ تستغلين ذلك.


نظرت لها مريم بعدم فهم، فاستطردت يمنى:

-من الجيد الاستمتاع بغيرته.....لكن خذي حذرك....أنتِ تعلمين أنه شخص سريع الانفعال. 

اكتفت مريم بأن حدجتها بنظرة لوم.


مال هيثم على أذن يمنى ليقول:

-ما هذا التوتر؟! لم أعهدكم مجموعة صامتة هكذا..

نظرت يمنى بحزن على أصدقاءها، ثم قالت له مبتسمة:

-معنا يجب ان تعتاد التنوع....لكن، لابد لأحد مننا التصرف.


صاحت بصوتٍ عال، قاصدة كسر حاجز الصمت:

-لا أسكت الله لكم حسًا.....هل يشغلكم المستقبل القريب إلى هذه الدرجة؟!

نظر لها عمرو وحاول التحدث بمرح:

-ما المستقبل الذي تتوقعينه لكلٍ منّا أيتها العقل المدبر.


نظرت للجميع ثم ابتسمت في شقاوة، ثم قالت بعد تفكير:

-يمكننا إنشاء شركتنا الخاصة....

لمعت عيناها رغم مزاحها، تدخل آسر قائلًا:

-ولم لا....من الممكن أن يساعدنا والدي...وننشئ فرع تابع لشركته.


تساءل هيثم في حيرة:

-والدك؟! 

رد عمرو ساخرًا:

-نعم...والد آسر لديه شركة مقاولات كبيرة....

 ربت على ركبته وهو يقول بلهجة لم تخلو من التهكم:

-على الاقل ضَمَنَ أحدنا منصب مرموق....واسطة بصلة قرابة من الدرجة الأولى.

أشار هيثم برأسه معجبًا في صدق:

-متفوق في دراسته....ولديه منصب في انتظاره...فلنتبادل شخصياتنا أرجوك.


ضحك الجميع، ثم قالت يمنى في جدية:

-لكني أميل إلى تخيل مسار مستقبلي غير متوقع.

نظر لها الجميع باهتمام، فتابعت وقد تركزت معظم نظراتها على هيثم:

-أشعر بالرغبة في عمل مشروع خاص....أشعر بأن المستقبل يستدعي ذلك...بدلا من انتظار فرصة العمل المعتادة.


بدا هيثم تائهًا وكذا مريم التي قالت في إحباط:

-أشعر بالرغبة في ألا أفعل شئ، وأن استمتع بالبطالة...فما الداعي للعمل التقليدي أو غير التقليدي.

-انهزامية كسولة.

نطقتها يمنى في مشاكسة، في حين قال عمرو وقد انتهز فرصة مشاركتها الحديث:

-هو العقل بعينه....فالمرأة مكانها الحقيقي منزلها.


نظرت له مريم بغيظ، وهمت أن تتحدث لكن تدخلت يمنى لمنع خلاف جديد:

-سي السيد مثل والدك....

ضحك الجميع. ثم وجهت هي سؤالها لهيثم قائلة:

-وأنت يا هيثم...لم تشاركنا الرأي؟!


ابتسم لهم قائلًا في حيرة:

-أتساءل من الاساس...هل سيتشكل مستقبلي هنا أم في بلدي؟!

قالها ونظر لها نظرة طويلة دغدغت مشاعرها دون أن تعلم لماذا....هل بسبب نظرة عينيه، أم ابتسامة شفتيه التي وجدت فيها صفاء الدنيا.....لكن سؤاله منعها من الاستطراد في الحديث وملؤها شعور بالرهبة من القادم.


قطع حديثهم جرس الهاتف الخاص بعمرو، الذي أجاب وقد قام من مكانه ليبتعد عنهم.

في حين تابعته مريم بعينيها وهي واثقة أنه يتحدث إلى نورا. 

التي توقعت ظهورها في أي حين.

بينما مال آسر على أذنها قائلًا:

-مريم.....لا أصدق أنه أخر يوم لنا في الجامعة....


نقلت مريم نظراتها إليه وهي تقول بتلعثم:

-ماذا؟ نعم وأنا ايضًا.....أشاركك الشعور.

حاولت أن تنظر لآسر أن تعطيه فرصة كما قررت....بدا له أنه يتفوه بأمور هامة، في حين انصرف عمرو منشغلًا عنها كالعادة....فتابعته

-لكنني.....أشرع في اتباع وسيلة تجعلني أراكِ باستمرار بشكل يُريح ضميرنا.


قالها آسر في اهتمام فاستمعت إليه بنصف أذن، بينما انصب اهتمامها رغمًا عنها بمتابعة عمرو بدافع الفضول.

لكنه واصل الحديث في الهاتف، لحظات وظهر أصدقاء آسر فقام على أثر ندائهم له....بعد ما استأذن من مريم بأدب.

فأشارت له برأسها....وعادت لمتابعة عمرو الذي أنهى اتصاله وعاد بوجه متجهم.

 لملم متعلقاته من المنضدة. ثم اشار إليهم ليرحل..


في حين لاحظت يمنى نظرات مريم المغتاظة وهي تتابعه في قلة حيلة وصمت:

-بهذه السرعة.. أين ستذهب؟!

حاولت يمنى أن تشير له بعينيها لكنه نظر لمريم نظرة غضب وقال ببساطة:

-سأمر على بعض الرفاق ثم أقابلكم عند البوابة.


أشار له هيثم موافقا، بينما استطردت يمنى وهي تشير له مرة أخرى لعله يدرك مقصدها:

-ولكنه آخر يوم....فهل قمت بإنهاء كل ما يلزم.

نظر لها عمرو نظرة عدم فهم وقال بسذاجة:

-ماذا تعني؟!


تدخلت مريم قائلة في غيظ:

-كفى تعطيلًا، من المؤكد أن نورا لن تطيل الوقوف منتظرة فهي متعبة كثيرًا كما تعلمين.

قالتها بتهكم وقد ضيقت عينيها في خبث.


فنظر لها عمرو مستنكرًا، ثم قال ليزيد غيظها اشتعالَا:

-أولى بكما السؤال عنها...بدلا من التهكم من بعيد.

اشتعلت نيران الغيرة عندما أكدَ وجهته، كاد أن يرحل قبل أن تقول له:

-من الصعب تصديق ما تتظاهر به.....فللآسف لا يمكنها التلاعب بنا مثلما تفعل معك.


ارتفع صوتهن في نفس المقهى الذي جمع خلافهم مع نورا من قبل، فتدخلت يمنى في حرج قائلة في خفوت تلحقهم كالعادة:

-من الأفضل أن تستكملا الحديث بالخارج....حتى لا نلفت الانتباه إلينا. 

انتبهت مريم إلى اندماجها في اللحظة دون وعي. فقامت ليتقدمها عمرو في غيظ.


بينما تحركت يمنى لتتبعهم مثل المرة السابقة، فاستوقفها هيثم بلمسة لذراعها قائلا:

-اتركيهم....ألم تتعلمِ من اخطائك السابقة؟

نظرت له بعدم فهم وهي تتابعهم بعينيها، فاستطرد:

-دعيهم يمارسوا خلافهم بطريقتهم...فوجودك غير مناسب بينهم في هذه المرحلة. 


كادت عيناها أن تدمع، لكنه لحقها مستطردا:

-كلاهما في حاجة اليكِ كصديقة.....لكنهم زوجين الآن اعطيهم بعض الخصوصية ليختفي الشعور بداخلك تدريجيًا بانعدام دورك معهم.

ساعدت كلماته في تضميد شعورها بأنها مُهمشة، فأضاف بنظرة إعجاب:

-كما أنني سأنتهز الفرصة لانفرادنا معا أخيرًا في يومنا الأخير. 


بادلته نظرة الاعجاب وقد ارتخى قلبها من ألمه وأطلق نبضاته السريعة الهائمة، تساءل في حيرة:

-هناك سؤال يراودني.

نظرت له بتساؤل فاستطرد في قلق:

-نحن لا يجمعنا غير هذا المكان....ماذا أفعل حين أرغب في رؤيتك بعد الآن؟!

اتسعت ابتسامتها وقد شعرت به محتارا مثل شعورها، فقد راودها نفس السؤال عندما تخيلت حياتها بعد انتهاء الجامعة...خاصة بعد رجوعه الطبيعي إلى بلده، وانتهاء بقاءهم في بناية واحدة كما اعتادت.

**********************************

                                                                                 

مواعيد النشر: الثلاثاء

((لقراءة الفصل السادس والعشرين اضغط هنا))


#بالحب_الفصيح

#رنا_منير



تعليقات