BlogLabels

القائمة الرئيسية

الصفحات

مائدة الشيطان-الفصل الحادي والعشرون (محمد بهاء الدين)

 



(((لقراءة الفصول السابقة اضغط هنا)))


بلا أي ردة فعل، اتخذت ماريا المقعد بجوارها، فوجدت بعض الشطائر ومشروبٍ غازي منعش داخل السيارة،

فرمقت المشروب الغازي بضع ثوان، ثم تجرعت منه لتتخلص من حرارة الأجواء، في حين استقلت دينا مقعد

القيادة بعد أن تأكدت أن سيارة ماريا محكمة الغلق.

 

رمقتها بنظرة متفحصة دون أن تتطرق لما حدث؛ فقد أخبرها أحمد بكل شيء، لكن هذه المفكرة بيد ماريا

تتذكر جيدًا غلافها أسود اللون، فقد كانت دائمة المكوث على سطح مكتب ريان رفقة قلم حبري اللون.

 

فاستنتجت سبب سؤال ماريا، أرادت أم تخلق من اجابتها قصة شيقة تهون عنها قليلًا؛ فقالت:

-كان يكبركِ بعامين تقريبًا، لم أكن على علاقة به في هذه الفترة، لكن كان له صديقًا مقربًا يُدعى أكرم

أخبرنا ذات يوم بكل شيء..

 

سرحت في بحور الماضي وهي تردف:

-لم يكن ريان على علم أن جدكِ آدم والده كما تعلمين، فكان يعمل لديه دون أن يعلم الحقيقة، وأغدق عليه

بالكثير من الصفقات المربحة، لكن عند نقطة ما، رفض أن يكون الرجل الثاني بعد آدم، فاستقل بنفسه وضخ أمواله في شركة توريدات صاعدة..

 

تبسمت قبل أن تضيف:

-أكرم والبقية كانوا يراهنون على سقوطه من اليوم الأول؛ فماذا سيفعل هذا الشاب العشريني أمام جحافل

السوق، لكن المفاجأة أن والدكِ في عامٍ واحد فقط نقل شركته الناشئة إلى القمة، وكوّن تحالف من الشركات

الأخرى الناشئة حديثًا ليسيطر على سوق التوريد..

 

تحول وجهها إلى الأسى في هذه اللحظة وهي تضيف:

-لكن كما قال أباكِ؛ ما بُني سريعًا يسقط بذات السرعة؛ فقد تكاثر عليه أوغاد السوق وأسقطته المطامع حتى

فقد كل شيء بعد عام واحد فقط من النجاح المبهر.

 

ماريا بتهكمٍ مرير:

-يبدو أن الفشل في العشرين متوارث في هذه العائلة.

 

ضحكت دينا بصخب ثم قالت:

-كانت أكثر سنوات الفشل لوالدك وأكثرها صخبًا، لكن الفشل ظل يلاحقه طويلة حياته حتى مات.

 

ماريا باستنكار:

-كيف تقولين ذلك وهو من طوّر ثمرة الجنة؟

 

((لقد خسر أمكِ وخسر نفسه وخسركِ في النهاية.))

 

نطقتها دينا فشعرت ماريا بألم الجملة، وبعض اليأس من عدم وجود نهاية سعيدة لأسطورتها الخالدة التي

تتمثل في والدها.

 

لاحظت دينا ذلك، فأرادت أن تمحي هذه الملامح الكئيبة عن وجهها بقولها:

-الفشل يلاحق الجميع لكن النهاية لا تكون واحدة؛ فلا متعة في الوصول إن كان الطريق ممهدًا بالورود.

 

لم تعقب ماريا على حديثها، بل احتفظت بصمتها لأكثر من ساعة من الزمن حتى صارت فيلاها على مرأى

البصر، فنطقت أخيرًا:

-غدًا.

 

رمقتها دينا بتساؤل، فأردفت ماريا:

-غدًا ستبدأ منافستي الحقيقية لأبي وجدي حينما أبدأ في سحق ثمرة الجنة؛ فقد تحطمتُ بالفعل وسُحقت

بقسوة، فلم يعد هناك شيء قادر على كسري بعد اليوم.

 

القلق والنفور من الفكرة كان رد الفعل الأول لدينا؛ فهي تحبها لدرجة انعدام الثقة بها، تعلم جيدًا وهنها

وضعفها في مجابهة التيار.

 

لكن ماريا لم تكن تنتظر موافقتها، بل هبطت من السيارة مضيفة:

-من الغد، أنتِ وأحمد ستكونون برفقتي في هذا الطريق العاثر الذي نويت قطعه، والرفض ليس خيارًا لكم.

 

تهللت أسارير دنيا من كلمات ماريا ووافقت على الفور والتقطت هاتفها لتنقل البُشرى إلى أحمد.

 

في حين كانت ماريا تسير إلى باب فيلاها، عازمة الأعين، مكفهرة الملامح، تتشبث بمفكرة والدها بقوة وهي

تُتمتم:

-أقسم بشرفك يا أبي أن أنتقم، أقسم أن أتغلب عليك وأجعلك فخورًا بي في السماء، فلتراقب ابنتك وهي تعبر

إلى الجحيم.

 

***

 

كثرت سفن الشحن في موانئ نابولي، وكثرت العمالة في المدينة بشكل كبير جدًا وملحوظ للجميع، وصار

لرفاق الزقاق السيطرة على بحر نابولي بالكامل.

 

فقد تخلى الأمن الحكومي عن الميناء تاركًا كل شيء تنظيمي في يد مافيا الوريث الهجين، في حين صب

ثائر جل خبراته الإدارية التي تلقنها في ثمرة الجنة بهذا المرفأ الكبير.

 

فصارت الرقابة صارمة والعمالة ملتزمة بدرجة فائقة لا ترحم، فلك أن تتخيل أن مشرفك في العمل من رجال

المافيا لديه سلاحًا ناريًا في جيبه.

 

في حين أُرسلت آسيا الممثلة الخارجية لثائر لتعقد الصفقات وتبني صورة ذهنية ساحرة جعلت الجميع يلتف

حول ثائر.

 

فقد لعب ثائر على أوتار العاطفة وصدر صورة أنه المنقذ لشعب نابولي من الجوع بينما تحاول الحكومة

الايطالية محاصرته من كل جانب.

 

وقد دشن آلة إعلامية عظيمة استثمر بها عديد الأموال ليبث هذه الصورة للعالم أجمع ويحفرها في الأذهان.

 

وبزيارات آسيا لبقة اللسان لمختلف الشركات والحكومات حول العالم صارت الآلة الإعلامية لثائر صادقة

وصار اسمه يتردد بكثرة.

 

فلم يلعب الوريث الهجين بالإعلام والبروبجندا فقط، بل من خلفه كانت ثروة هائلة وملف اقتصادي محنك

وثمرة الجنة بكل مواردها.

 

ولم يمس خالد أي من مصالح ثائر حتى لا يلفت ناظراه ويجلب على نفسه خصمًا عاتيًا لا طاقة له به في

الوقت الحالي.

 

في الجهة المقابلة لم تكن الحكومة الايطالية والمحافظ المؤقت على وجه الخصوص بالمتضررين وحدهم من

سيطرة ثائر التامة على نابولي، بل ان أمير الكريستال كان يئج نارًا من سيطرة الوريث الهجين على بحر

نابولي، فقد أوقف ثائر ما كان يأتي إلى سباليتي من بضائع دون أن يتصادم معه.

 

فالقرار في مظهره صادر من شعب نابولي بالكامل الذي التف حول الوريث الهجين، أما في باطنه كانت

ضربة قاسمة موجهة من ثائر لتشل سباليتي تمامًا.

 

فأرسل أمير الكريستال كاترين لتُبلغ رسالته إلى ثائر، فكان فدريكو في استقبالها في الكنيسة حتى ينتهي ثائر

من عمله ويلحق بهم.

 

مد لها فدريكو يده بلفافة تبغ فتلقفتها كاترين بين شفتيها ثم قربتها منه ليشعلها لها، ويُشعل لنفسه أخرى وهو

يقول مازحًا:

-لا يبدو أمير الكريستال سعيدًا هذه الأيام.

 

رسمت كاترين ابتسامة ساخرة على وجهها وهي تنفث أدخنة التبغ قائلة:

-ومن سيكون سعيدًا بما يفعله صديقك الجشع هذا؟

 

فدريكو بتلقائية:

-نابولي بالكامل، هل ألقيتِ نظرة على المقاهي ومراكز التسوق؛ لقد انتعش كل شيء وملأت البضائع

المتاجر، حتى السائحون صاروا يتهافتون على هذه المغامر الشيقة رفقة رجال المافيا.

 

هزت كاترين رأسها موافقة وهي تقول:

-حقًا صديقك عبقري فيما يخص الأعمال؛ فمجانين المغامرة سيجتمعون كالبعوض ليجربوا يومًا من حياة

المافيا الصاخبة، لكن أعمالنا تعطلت؛ المدمنون قلوا للغاية للشروط العلاجية التي فرضها صديقك اللعين

على كل من يريد الحصول على وظيفة.

 

تبسم فدريكو باستفزازٍ مرح:

-هل سبق ورأيتِ شركة تقبل المدمنين ليعملوا لديها؟

 

كاترين بحنق:

-ماذا عن تجارتنا التي أوقفها، البحر يسع الجميع.

 

أتاها صوت ثائر من الخلف مجيبًا:

-سمعت أن تجارة الدمى مربحة، لمَ لا تجربوها عوضًا عن الكوكايين؟

 

التفت الاثنان إليه وهو يدلف من بوابات الكنيسة، فبصقت كاترين لفافة التبغ ودهستها بقدمها قائلة بغيظ:

-ها قد جاء الوغد.

 

ثائر بتأثرٍ ساخر:

-فدريكو، لمَ تكرهني فتاتك هكذا، أفعلت لها شيئًا؟

 

تلعثم فدريكو في الكلمات، في حين هتفت كاترين باستنكار:

-فتاته!!، أهو من أخبرك ذلك؟

 

تخطاها ثائر ليجلس على مقعد الكنيسة مجيبًا بهدوء:

-يتحدث عن جسدكٍ البرونزي المفتول كثيرًا، لهذا ظننتكما تتبادلون شيئًا من الحب، أأنا مخطئ؟

 

قبضت كاترين على تلابيب فدريكو بغلظة كافية لانتشال رجلٍ سمين من موضعه، لكن فدريكو ضخم الجثة

محمر الوجه لم يتحرك قيد أنمله وهو يسمعها تصيح:

-أحقًا ما يقول؟

 

ألقى فدريكو نظره خاطفة عليها كانت كافية لفضح كل شيء، فضمت قبضتها لتلكمه وهي تهتف:

-أيها الوغد..

 

((يكفي هذا أيتها الغوريلا الشقراء، لقد جئتِ إلى هنا لنقل الترهات التي كلفكِ بها زعيمكِ.))

 

بغضبٍ عارم انتشلت كاترين سلاحها وصوبته إلى ثائر، لكن الأخير لكم يدها في طرفة عين ليطيح سلاحها

بعيدًا وهو يقول بتؤدة:

-أحذركِ أيتها اللامعة، لست مغرمًا بكِ كصديقي هذا، فلن يكون قتلكِ عسيرًا عليّ.

 

تدخل فدريكو في هذه اللحظة لتهدئة الموقف:

-فلنهدأ جميعًا ونتحدث كرجالٍ بالغين..

 

ثم التفت إلى ثائر قائلًا بجدٍ مازح:

-كاترين ليست من الأعداء فقد ضمتني إلى صدرها في عزاء الأخت نورينا.

 

هز ثائر رأسه بتفهم وهو يقول:

-إن كانت ضمتك إلى صدرها فهي ليست من الأعداء بالتأكيد.

 

كانت كاترين تقف بينهم تستشيط غضبًا وهي تصيح:

_عن ماذا تتحدثون أيها الأوغاد؟

 

تلقف فدريكو يدها ناعمة الجلد على عكس جسدها الصلب، ولثمها مجيبًا:

-عن العمل عزيزتي كاترين، ماذا يريد هذا الوغد اللعين سارق الأحبة الذي يلقب نفسه بأمير

الكريستال؟

 

لامست كلمات فدريكو شيئًا من ذاكرة كاترين عن هذه الفترة التي قضوها معًا في الخنادق والثكنات العسكرية.

 

كان هيام عشقٍ لا يُنسى، أدرينالين يُضخ بجنون فيزيد من اثارة كل شيء، فسكبوا المزيد من الأدرينالين في

عقولهم جراء ممارستهم ل..

 

ثائر وهو يتفحص ساعة يده:

-فلتستفيقي من أوهامك؛ ليس لدينا اليوم بطوله.

 

انتشل ثائر كاترين من هيام مشاعرها، فازداد حنقها اتجاهه، لكنها كظمته؛ فهي هنا لأجل العمل في نهاية

المطاف:

-أمير الكريستال يُجدد عزائه لموت الأخت نورينا، كما يُشدد على دوام الثقة والسلام في نابولي، وهذا يتطلب

من الجميع أن يكونوا..

 

بتر ثائر عبارتها وهو يهم واقفًا:

-في سلام وتناغم وجنة من الزهور الحمراء، حسنًا سوف أتذكر ذلك.

 

التفتت كاترين إلى فدريكو وهي تُشير إلى ثائر بغيظ:

-أنظر إلى صديقك كيف يتحدث، لم أنهِ كلامي بعد.

 

كعادته حاول فدريكو تهدئة الأجواء قائلًا:

-فلنستمع لما لديها يا ثائر، فقد عزّانا سباليتي في موت الأخت نورينا.

 

تنهد ثائر بقلة حيلة، ثم سأل كاترين بملل:

-هل لديكِ ما تضيفينه؟

 

جلست كاترين جوار ثائر مباشرة كأنها تُغلق عليه طريق الهروب والنفاد من هذه المناقشة، وهي تضغط على

كلماتها:

-لأجل هذا الوغد الوسيم الذي يقف هناك سأخبرك بما يجري ان كنت لا ترى..

 

اتسعت عينا ثائر في دهشة ممزوجة بروح الدعابة، في حين تهللت أسارير فدريكو لذكرها له، بينما أضافت

كاترين:

-أمير الكريستال لا يريد معاداتك، إنه يحترمك ويقدرك، بل يراك من قلده تاج عائلة الكامورا، فلا تشتري

عداء من يُمكنك أن تتخذه حليفًا.

 

حقًا كان جسدها عريضًا للغاية بالنسبة لامرأة حينما جلست جوار ثائر، لم تتحدث ككونها عدوة أو خصم له،

بل كناصحة لا تريد أن يندلع القتال فقط لا غير.

 

أيقن ثائر أن السبب في ذلك فدريكو، فعض شفته بحنق؛ فهاهي ذا العلاقة القديمة تعوق مخططاته كما

توقع، لكن لمَ لا يتخذ هذا الموقف لصالحه؟

 

هكذ وجدته كاترين يومئ برأسه في تفهم وهو يقول:

-لا أشتري عداء سباليتي يا كاترين..

 

كان ذكره لإسمها دون سخرية أو تهكم كالغوريلا الشقراء أو هذه الفتاة أو مشكوكة النوع واقعًا غريبًا لها،

جعلها تشعر كأنها باتت مقربة من زمرته بطريقة ما.

 

وقد ازداد شعورها هذا حينما أردف بنبرة ود:

-أنا رجل أعمال لا أُمسك السلاح سوى في مناسبات قليلة، ولأحصل على أعمال ناجحة أحتاج إلى موظفين

مستفيقين، كيف أحصل على هؤلاء الموظفين وزعيمكِ يبيع لهم الكوكايين في الخفاء؟

 

صمتت كاترين برهة مفكرة؛ فقد بدا ما يقوله منطقيًا، لكنها لم تأتِ إلى هنا لتقتنع، بل لتقنعه قبل نشوب حرب

شعواء مع زعيمها.

 

حرب لا ترى لزعيم الكريستال أي مكسبٍ بها أو وميض نصر ولو طفيف على الوريث الهجين، فقالت بلكنة

بها من النعومة ما يُظهر الود:

-عائلتي الأوروكا ونوسترا التي تريد استعادة عرشيهما، أليسو من المافيا الأوغاد الذين يبيعون الكوكايين

ويتاجرون في السلاح والبشر، ألن تحتاج إلى جبهة داخلية موحدة لا يطعنك بها أحدهم من الظهر أثناء

خروجك لإستعادة عرشك؟

 

شهد ثائر ببراعة كاترين في التفاوض؛ فقد نجحت في إيجاد ثغرته دون أن تبذل مجهودًا مضنيًا في التفكير،

فسألها:

-لمَ لا تنضمين إلينا يا كاترين؛ فكما أخبرتكِ سابقًا هذا الوسيم مفتول العضلات يليق بكي أكثر من هذا

النحيف الأشعث؟

 

اتسعت عينا كاترين وهي تقول باستنكار:

-أتريد شراء ولائي؟

 

انفجر ثائر ضاحكًا بصخب لتهتز جدران الكنيسة لضحكاته، فهتفت كاترين بفدريكو في ضيق:

-ما المضحك فيما قُلت بحق الجحيم؟

 

دنى فدريكو منها وتحسس رقبتها حتى وصل إلى قلادتها التي تحمل أرقامًا ورموزًا ذات معنى، مجيبًا:

-أنتِ مرتزقة يا كاترين، ولائكِ لمن يدفع أكثر؛ فلا قضية لكي هنا لتحاربي لأجلها.

 

انتشلت كاترين قلادتها من بين يديه في غضب وهي تقول باتهام:

-وما أدراك أنت، أتتحدث عن الولاء الآن حقًا؟

 

فدريكو بحزم:

-أجل، فقد تركت كل شيء حينما استشعرت خطرًا يقترب من عائلتي وأريد ضمكِ إليها.

 

اتسعت عينا كاترين، وتيبس وجهها وقد تفجرت بداخلها مشاعر قديمة دفنتها منذ زمن.

 

لمسها ثائر فهز رأسه متفهمًا، ثم نهض متنحنحًا:

-أعذروني يا ديناصورات الحب؛ فلدي عمل أنجزه.

 

تنبهت كاترين إليه، فقالت معترضة:

-لم ننهِ حديثنا بعد.

 

لوح ثائر لها بيده قائلًا:

-فيما بعد يا فتاة؛ أحتاج بعض الوقت لأفكر في عرضكِ.

 

همت للحاق به لولا أن فدريكو أمسك بيدها وجذبها إليه قائلًا بصوته الغليظ الحاني:

-ألا يُمكننا أن نقضي بعض الوقت معًا لنتحدث بهدوء بعيدًا عن صراعات المافيا والأعمال وهذه الأشياء،

أحتاج أن أتحدث معكِ حقًا.

 

جذبت كاترين يدها من بين أصابعه وهي تقول برفض، لكن أقل حدة من المعتاد:

-لا يوجد ما نتحدث بشأنه، أنت هنا لحراسة زعيمك وأنا هنا نيابة عن زعيمي.

 

ضحك فدريكو بصخب، قبل أن يتساءل بمداعبة:

-أتظنين ثائر يحتاج إلى حراسة، أنا من تعلقت به كالطفل الصغير حتى آتي لرؤيتك وأحصل على بعض

الوقت معكِ.

 

ما يقوله هو الحق بعينه؛ فقد تذكرت قتالها مع ثائر الذي لم يستمر سوى ثوان في هذه الكنيسة حتى أوقع بها

أرضًا وإطاحته لسلاحها منذ لحظات.

 

بتر فدريكو فيض أفكارها قائلًا:

-أتريدين تسلق الجبال؟

 

هزت كاترين رأسها نفيًا بعناد، وهمت بالرحيل قائلة:

-فلتتسلقها أنت ولتخبرني بمغامرتك حينما تعود.

 

((لقد تسلقتها عديد المرات وأحببتها حقًا، لكن أريد أن أتسلقها برفقتكِ.))

 

توقفت كاتين مكانها وإلتفتت إليه بنظرات متسائلة، فأردف بصدق وقد ترقرق صوته:

-أشتاق إليكِ حبيبتي كاترين، أشتاق لجنوننا سويًا، أشتاق لصرخاتك الحماسية حينما ندنو من الخطر..

 

ثم دنى منها وضمها لصدره بلا مقدمات وهو يردف:

-حياتي ستظل بها هذه الفجوة العظيمة بدونكِ، فلكي في قلبي ما لن يشغله أحد غيركِ.

 

كان من المفترض أن تزجره وتدفعه بعيدًا عنها، كان يجب أن تلكمه وتنعته بالحماقة على ما يفعل؛ فقد

هجرها دون أن ينطق بكلمة، لكنها لم تفعل أيًا من ذلك.

 

فقط ظلت يابسة متجمدة في مكانها بينما يحتضنها فدريكو حتى أطبق عليها ورفعها عاليا ودار بها.

 

ضحكت رغمًا عنها وهي تهتف بشيء من المرح:

-أنزلني أيها الأحمق.

 

طبع فدريكو قُبلة عميقة على رقبتها ليستنشق رحيقها، ثم أفلتها متسائلًا:

-ستأتين معي لتسلق جبل فيزوف..

 

ثم تابع بطريقة استعراضية ليشوقها للفكرة:

-سمعت أن هناك بركانًا قد لفظ نيرانه منذ فترة قصيرة.

 

صمتت كاترين برهة في حيرة، فتناول فدريكو يدها متوسلًا وقد ملأه العشق حتى غمره:

-أرجوكِ، فلنعد لنكون هذين المجنونين كما كنا.

 

رغم متانة جسدها وصلابة ملامحها إلا أنها لم تعشق يومًا كما عشقت فدريكو؛ أقوى رجل قابلته وأكثرهم

حنانًا وحُبًا لها.

 

الرجل الوحيد الذي لم يكن محض علاقة عابرة بها من التسلية ما بها، بل سكن وجدانها واستحوذ على فؤادها

لذلك كان هجرانه لها عسيرًا.

 

((ماذا ستفعل ان تقابلنا في ميدان القتال؟))

 

نطقتها كاترين في شرود ولم يتوقعها فدريكو، فظل صامتًا كما هي العادة وقد تاهت عن ذهنه الكلمات،

فبادرت كاترين بقولها:

-لم أعهدك خائنًا، فلن تخون صديقك الفظ هذا، لهذا سنتقابل يومًا ما، حينها لا تتهاون وإلا ستكون نهايتك

على يدي.

 

ثم قضمت طرف ابهامها ومدت له باصبعها الدامي مردفة:

-فلتعدني بذلك.

 

كان فدريكو عازمًا على ذلك من البداية؛ فمهما كان حبه لكاترين لكنه لن يقارع يومًا قُربه من شقيق ذاق

الويلات برفقته ولم يتخلى عنه يومًا.

 

فقضم ابهامه هو الآخر وألصقه بإبهامها قائلًا:

-أعدكِ.

 

***

مواعيد النشر: السبت

((لقراءة الفصل الثاني والعشرون اضغط هنا))

تعليقات