(((لقراءة الفصول السابقة اضغط هنا)))
( إيمان ضحية الحب)
صاح فرناس من الداخل:
_تفضل، من هناك؟
صمت مطبق خيم على المكان، ولم يدخل أحد.
عاد للصراخ من جديد:
_قلنا تفضل، من بالباب؟
ارتعد من الغضب، أسرع خطاه إلى الباب وفتحه بقوة حتى كاد أن يقتلعه من مكانه.
لكن لم يكن هناك أحد، كاد أن يسير في الممر؛ ليتبع أحدهم، لكن استوقفه ماهر وهو يقول:
_قد يكون من طرق الباب أخطأ في الغرف.
أمعن النظر في الخيال المتجه نحو الباب:
_كل شيء وارد يا صديقي، أشعر أنني أتوهم هذه الأيام كثيرًا.
_غير صحيح يا فرناس، فأنا سمعت الطرق أيضًا، لم تتوهم.
_كنت تريد أن تخبرني عن شيء، حدث معك في الغيبوبة.
تذكر فرناس كل ما مر به، لكنه تهرب مجددًا من أسئلته:
_لا شيء مهم، مع ذلك سأخبرك يومًا، لا تتعجل على رزقك.
رفع يديه بعدم تصديق:
_سأتركك لراحتك، عندما تشعر أنك بحاجة للبوح، أنا موجود.
_من لدي غيرك يا ماهر، شكرًا لوجودك بقربي يا صديقي.
_أنت أخي يا فرناس، أم أنك نسيت.
تبسما وهما يقولان:
_أخي في الدم.
بالعودة إلى الماضي، قبل عشرين سنة، طريق ترابي ممتلئ بالحفر، وأوراق الأشجار الصفراء المتساقطة، صرخ فرناسبأعلى صوته:
_أنا هنا، اقتربوا لست خائف.
مع أنه كان يرتعد خوفًا، فهي ليست المرة الأولى لشجاره مع هؤلاء المتنمرين.
مجموعة من الأولاد الشرسين كقطط الشوارع أمام محل جزارة، تجمعوا عليه كمجموعة الضباع التي تجتمع على أسد،لكن فرناس كان شجاع من صغره، يضرب هذا ويصفع هذا، لكنه لم يتمكن من التغلب عليهم.
مرت سيارة مسرعة أمام أعين فرناس، كاد أن يفقد الوعي، من كثرة الضرب، ترجل منها فتى يكبره بعامين او أقل، انطلقمسرعًا باتجاهه:
_ابتعدوا أيها الأوغاد، لم تجدوا إلا طفل أضعف منكم.
_لا تتدخل في شيء لا يعينك، أو ستكون نهايتك كهذه.
أشاروا إلى فرناس المضرج بدمائه، يتلوى من الألم وهو ممسك بطنه.
صرخ ماهر بوجههم:
_أعدكم أنكم ستندمون.
دافع ماهر عن فرناس، دون أن يعرفه، إنما دافع عن الظلم الواقع على طفل صغير وضعيف، لا تستطيع والدته أن تكون معهفي الشارع أربعة وعشرون ساعة.
استطاع بعد قليل ماهر أن يضرب الجميع، تفوق عليهم بقوته البدنية والجسدية، مد يده لفرناس وهو يقول:
_هل أنت بخير يا أخي؟!
استطاع أن يتمالك نفسه بصعوبة ويقف على قدميه:
_هل قلت أخي؟! بخير، شكرًا لك.
_أين بيتك يا..
_فرناس، اسمي فرناس.
_أين بيتك يا فرناس؟!
تقدم بعض من الخطوات وهو يشير لنفس البناء الذي سيقيم به ماهر، تقدم في الطريق يستند فرناس على ماهر، كان لهنعم الأخ والصديق.
قرع باب بيته في اليوم التالي ليطمئن عليه، فتح له الباب وهو يرد التحية:
_بخير، شكرًا لسؤالك
_أريد أن أخرج إلى سطح البناء، هل تخرج معي؟!
تحامل على نفسه وهو يصعد الدرج، كانت علاقتهما تقوى كل يوم، حتى أن ماهر دربه على كل الفنون القتالية التييعرفها:
_الآن تستطيع أن تدافع عن نفسك، إذا تعرضت لهجوم ما.
_سأطبق الحركات التي تعلمتها منك.
تبسم وهو يقول:
_نعم يا أخي.
_ ليتك تكون أخي يا ماهر.
تبسم ماهر، تقدم إلى أحد القارورات الزجاجية، كسرها وتناول قطعة زجاج صغيرة، جرح يده جرح صغير، طلب منفرناس أن يفعل مثله، ووضعا أصابعهما بالقرب من بعضها البعض، حتى اختلطت دمائهم:
_الآن أصبحت أخاك في الدم ما رأيك؟!
شرد في السماء التي تلبدت بالغيوم السوداء وهو يقول:
_أخي في الدم!
عادا من شرودهما كانت طفولة رائعة، منذ ذلك اليوم لم يتفرقا أبدًا.
_علي أن أغادر؛ كي ترتاح، أزورك في الغد إن سمحت لي الظروف.
_لا تنشغل عن عملك بي، الحمد لله أصبحت أفضل حالًا كما ترى.
احتضنه وربت على كتفه بحب، نظر إلى حبيبة وهو يقول بكل أسى:
_أراح الله قلبك يا صديقي.
خرج ماهر إلى بيته، تتشابه الأيام في الكآبة والحزن، يتشابه النهار والليل في الانتظار، ذلك الانتظار الذي يشبه الموتالبطيء.
نظر لموضع نومها:
_متى ستفرحين قلبي بوجودك إلى جانبي، متى تستيقظين؟!
تقدم بعضًا من الخطوات إلى نافذة غرفته، نظر لموضع جلوسه في الأمس، وجد نفس الفتاة، التي التقى بها البارحة إنهاإيمان، قرر أن ينزل ليكلمها فالجو بارد؛ كيف لها أن تجلس في هذا السقيع وحدها؟
حياها بتحية المساء، ردت بعيون ملؤها اللهفة:
_أهلا وسهلا، كيف حالك اليوم؟!
أجاب بشكل مقتضب:
_بخير.
ساد الصمت بينهما لدقائق قبل أن يبدأ فرناس الحديث:
_ أنت من قرعتي باب غرفتي، لكنك لم تدخلين!
_ نعم أردت الاطمئنان عليك، لكن سمعت صوت ماهر في الداخل، غيرت رأي، عدت أدراجي.
_منذ ذلك الوقت تجلسين هنا!
أشارت برأسها للأسفل؛ بمعنى نعم.
_إيمان دعينا نتكلم الآن بشكل جدي.
_هذا ما أرغب به حقًا.
قلب يديه يمينًا ويسارًا من التوتر:
_انتظرتي كثيرًا وأقدر لك ذلك، أما حبيبة ابنة عمي، تعرضت لذلك الحادث بسببي.
_هل تظن أنك السبب؟!
_نعم أنا السبب حقًا، فيوم الحادثة اكتشفت حبيبة الرسالة التي أرسلتها لك يوم عرسنا، عندها جنت وأرادت الطلاق،وفي الطريق تعرضنا لذلك الحادث المشؤوم.
صمتت إيمان من المفاجئة لبعض الوقت، لم تتوقع ان يكون ذلك السبب.
_إنه قضاء الله وقدره، لماذا تحمل نفسك المسؤولية؟ أنت إنسان مؤمن.
_لأنني المسؤول عن كل شيء، أنا في النهاية بشر، أبكي وأفرح، أحب وأكره، أم لأنني صلب وأتحمل، تعتقدون أنني لاأشعر.
تحجرت عينيه، أخذ يضرب على قلبه:
_هذا ليس ملكي.
أخذت تبكي عندما فهمت مراده، تمسح الدموع المنهمرة مرة بعد الأخرى:
_ الآن تقول هذا الكلام، أين وعودك لي؟!
تكلمت من بين شهقاتها:
_لم تخرج من عقلي لبرهة واحدة، ظللت تقبع هناك داخل غرفتك في المستشفى، وأنا أقبع في أحزاني.
_إيمان أرجوك افهمي.
_عفوا، ماذا سأفهم بالضبط؟! هيا قل.
_صدقيني لا أرغب أن أكون السبب لايذاء أحد، أنت من جهة وحبيبة من جهة.
لملمت دموعها بشكل أكبر، صرخت:
_اذهب، لا تبقى هنا، ماذا تنتظر؟! هل تنتظر أن أقدمك لها بيدي، لقد اخترتها إذًا، وهذا؟!
أشارت إلى قلبها:
_ماذا أفعل به، أقتلعه بيدي وأرمي به تحت قدميك، تدهسه وتمزقه إلى قطع، دون أن أتكلم.
_إيمان...
_لا تقل إيمان، لا تذكر اسمي على لسانك، اذهب لها.
تقدمت باتجاهه خطوات تدفعه ليذهب وتضرب على صدره ضرباتها الواهنة:
_اذهب لزوجتك، لن ترى وجهي مرة أخرى.
حملت حقيبتها وهي تتخابط في بحر أفكارها ودموعها، وهي تقول:
_جبان، أنا أكرهك.
مشت خطوات قليلة، انهارت وسقطت على الأرض، جاثية على ركبتيها، تضرب قلبها وهي تصرخ:
_بل أحبك، أحبك، لن أستطيع أن أكرهك.
ألمه قلبه لحالها، كره نفسه للحظات، تقدم؛ ليبرر لكن لسانه عجز عن النطق بكلمات مواسيه لها.
تحاملت على نفسها ووقفت تستند على الجدران كأنها تبثها همومها.
صرخ بكل قوته:
_إيمان توقفي، لا تذهبي.
اقترب منها خطوات:
_لم أظن يومًا أن أقول هذا الكلام، لكن صدقيني ستجدين الشخص الذي يضيء حياتك، تكونين شمسه التي تستيقظ كليوم ليراها.
مسحت دموعها مرة أخرى:
_ألم يكفيك ما قلته؟! ألم تكتفي من عذابي؟
_إنني أحتاجك.
ارتسمت علامات التعجب على وجهها، لكنها عادت للحزن عندما قال:
_هل تقبلين أن تكوني لي أختًا؟
نظرت له نظرة أشعلت نيران قلبه مجددًا، مشت وهي تلملم شتات نفسها.
إنه القدر الذي وضعها في طريقه العاثر، أولًا لم يكن يريد حبيبة، والآن لا يريد إيمان، ياله من شخص حظه عثر مع منيحب.
توجه إلى غرفته:
_متى تستيقظين، تبتسمين في وجهي، تلك الابتسامة التي تزيل هموم الدنيا عن كاهلي.
عاد ليسأل نفسه:
_هل ظلمت إيمان أم ظلمت حبيبة، أم ظلمت نفسي؟
تمدد على فراشه من جديد، يتناظر السقف فوقه، صورة إيمان لم تتزحزح من أمامه، لكنه مشفق لحالها، لم يكن يحبها،الآن فهم حقيقة مشاعره.
دخل ماهر ومعه فتاة، وقف فرناس أمامها وهو يقول بتعجب:
_أسيل؟!
_من أسيل، اسمي مروة، هل أشبه فتاة تعرفها اسمها أسيل؟!
قال بتعجب:
_مروة!
_نعم يا صديقي إنها مروة صديقة حبيبة.
_تستطيع أن تقول أختها.
أكمل ماهر كلامه:
_لم تتركها يومًا، كنت انا أزورك، ومروة تزور حبيبة كل يوم، تعرفت عليها هنا من خلال تواجدنا في المشفى.
خرج ماهر وفرناس يكملون حديثهم في الخارج:
_البارحة قدمت إيمان، إنها من قرعت الباب عندما كنا نتحدث!
_ماذا تريد؟! إنها لم تتركك، دائمًا كانت تأتي، حتى شاهدتها زوجة عمك.
_ماذا زوجة عمي رأتها؟!
_نعم، وعندما سألت الاستقبال كانت تقول إنها خطيبتك.
وضع يديه على وجهه من الصدمة:
_زوجة عمي سألتني، تريد أن تؤكد ظنونها إذًا.
_تعرف آلمني قلبي لحال إيمان، أشفقت عليها.
_هل من المعقول أن تدخل في غيبوبة وتخرج تكره إيمان وتعشق حبيبة؟!
_معك حق لن تصدق، لكن ما مررت به عصي عن الفهم!
_كيف ذلك؟!
_لقد عشت حياة أخرى، في زمان ومكان آخر.
فتح ماهر عينيه على وسعهما، بعدم تصديق، سرد له فرناس كل ما مر به، منذ لحظة الحادثة، إلى أحلامه مع كوهندار.
_أنت تمزح أليس كذلك؟!
_ليتني أمزح أقسم لك أنني "الزبير"، وتلك وقد أشار لغرفة حبيبة "كوهندار".
أردف بحزن:
_وأنت مساعدي ماهر، حتى مروة كانت وصيفة كوهندار وصديقتها أسيل.
نفض ماهر رأسه بعدم تصديق، تبسم وهو يقول:
_كم أنت وفي يا صديقي، حتى في الحلم كنت معك.
_ليس حلم يا ماهر، إنه حقيقية، مع أنني لا أؤمن بانتقال الأرواح أو التخاطر، أو كل تلك التخاريف، لكن ما جرى معيحقيقي، أقسم لك أنه حقيقي.
_أصدق يا صديقي، دون أن تقسم، لم أعهد منك الكذب في شيء.
وفي غرفة حبيبة أمسكت مروة يدها:
_إلى متى ستنامين يا صديقتي، أما آن الآوان كي تستيقظي، ننتظرك بفارغ الصبر يا حبيبة، إذا كنت تسمعينني،أضغطي على يدي.
انتظرت لدقائق، أرادت أن ترفع يدها، لكن حبيبة ضغطت عليها بوهن، بالكاد استشعرت حركتها.
صرخت بكل قوتها:
_حبيبة استيقظت، حبيبة عادت.
ركضت بسرعة في الممر وهي تقول:
_فرناس، ماهر، خالتي، أيها الأطباء، حبيبة استيقظت.
ركض الجميع بإتجاه غرفتها، كانت تفتح عينيها وتغلقها بوهن، تقدمت والدتها تقبل جبينها ووجنتيها:
_الحمد لله على سلامتك، فطرتي قلبي يا ابنتي.
تهافت الجميع حولها، مهنئين عودتها، نظرت لفرناس نظرة خاطفة، وأعادت النظر له مجددًا، ثم أشاحت وجهها.
تريد أن تعرف أين هي؟! والسؤال الذي يتردد في عقلها أيضًا
_من أنا؟!
شعر فرناس بآلامها، فهو عاش موقف كهذا قبل أيام، نحى الجميع عنها بيديه وهو يقول:
_اتركوها ترتاح قليلًا، هيا لنخرج.
تكلمت بصوتها الواهن:
_اتركوا مروة.
تقدمت إليها بحب، قبلت جبينها، سقطت دمعة من عينيها لحال صديقتها:
_أنا هنا يا حبيبتي بالقرب منك.
أردات أن ترتفع، لكن آلامها تضاعفت صرخت:
_أخ، يا الله، ما هذه الآلام.
_تعرضت لحادث سير مروع، أخذت النصيب الأكبر من الحادث، عندما اصطدمت بك الشاحنة.
_منذ متى أنا هنا؟!
_منذ أشهر، حتى أنني توقفت عن عدها.
_فرناس؟!
_ما باله ذلك الأبله.
_أرجوك لا تتحدثي عنه بذلك الشكل.
_أما زلت تحبينه؟
_أشعر أن ذاكرتي مسحت من أي شيء، إلا من حبه.
_فرناس أيضًا كان في غيبوبه، لكنه صحى قبلك بأيام.
_ترى هل كنت في حلم أم ما جرى معي حقيقي؟!
_ماذا جرى معك يا حبيبة؟!
تحسست يديها وأثار الدماء والكدمات على وجهها، تحسست لباس المشفى الذي ترتديه، والحجاب الذي غطا رأسها،كأنها كانت في عالم آخر وعادت حديثًا
نظرت لنظرات مروة المستهجنة، وقالت بوهن:
_لا شيء يا عزيزتي، إنني بخير.
عادت للنوم مجددًا بعد أن وضعت لها الممرضة، حقنة في الوريد لتهدأ آلامها.
وقفت أمام باب غرفتها، مرت أشهر وهي تفكر، لكنها لم تتخذ القرار المناسب، لكن اليوم رأت نظرات الحب لفرناس فيعيني حبيبة، وإن حاولت أن تخفي ذلك.
طلبت من ماهر أن تكلم فرناس على انفراد لوحدهما، أنتظرها في حديقة المشفى، تقدمت إليه وهي تنظر خلفها بحذر،أخرجت من حقيبتها دفتر صغير:
_إنه أمانتك التي ظلت على كاهلي إلى الآن.
_ما هذا لم أفهم؟!
_مذكرات حبيبة التي كانت تكتبها كرسائل لك في أولى أيام زواجكم.
_لماذا الآن؟!
_لا تسأل ولكن إياك أن تتخلى عن صديقتي من جديد، وقتها سأوجه ضربة قاسية لك، أعدك ألا تنساها.
مع أن شكلها يوحي لك كم هي هادئة ورصينة! ولكن إن كشرت عن أنيابها ومخالبها ستكون كقطة برية متوحشة، تخشىغضبها.
مشت أمام نظرته المستهجنة، وهو يقول:
_كان الله في عونك يا صديقي ماهر.
فقد فهم أن هناك بذور للحب في قلب صديقه لتلك الفتاة الشرسة.
فتح الدفتر الذي بين يديه وأخذ يقرأ ويقرأ إلى أن وصل لصفحة كتب فيها" رسالتي اليوم إلى نفسي، أدين لك باعتذاريملئ أرجاء الأرض، والسماء الممتدة، يجعلك تقفين شامخة كالجبل في منتصف العواصف.
ضحيتي كثيرًا، قدمت بمنتهى العطاء، لكنك ماذا حصدت؟ حصدتِ الخيبة والخذلان، كنتِ كنقطة مهملة في سطر أحدالروايات على رف مكتبة ما.
من الآن وصاعدًا عليك أن تعرفي قيمة نفسك، تحلقي بها إلى الأعالي، لا تسمحين لأحد أن يقلل من قيمتها، قفي أماممرآتك، ارتدي أجمل ما لديك، أظهري بأبهى صورة ليس لأجل أحد ما إنما من أجل نفسك، دون أن تنتظري المقابل من أحد،فأنت تستحقين لأنك أنتِ"
قلب بين الصفحات، يشعر أن حبيبة وضعت نفسها مكان كل كلمة قالتها، لقد أرسلت له بداية عشرات الرسائل التي تبثهحبها، ورسائل أخرى فيها عتابها، لكنها وفي النهاية أرسلت الرسالة لنفسها، كي تواسيها وتلملم جراح قلبها وتخيطجراحها بنفسها.
توجه إلى غرفتها، لعله الآن يعلم أنها كانت تحبه، وترغب به، لكن لا يعلم هل مشاعرها تغيرت تجاهه أم لا، وجدها تناظرالسقف، بصمت مطبق:
_كيف حالك؟! هل ما يزال جسدك يؤلمك؟!
_بخير، الحمد لله أفضل من ذي قبل.
أراد أن يبدأ حديث معها، صدته:
_أنا متعبة، هل لي أن أرتاح، أشعر أنني خرجت من معركة منذ قليل.
_إنها معركتك مع ذاتك ومع مشاعرك.
_شعرت بذلك أيضًا.
أما إيمان دخلت إلى بيتها، دموعها ملأ عيونها، لا تجف، توجهت مباشرة إلى غرفتها، تمسك ما يقع في يديها، وترميهابعيدًا، جاءت والدتها على صوت التكسير:
_ما الذي يحدث يا ابنتي؟
_اتركوني لوحدي، لا أريد أحد.
_أخبريني يا إيمان ما الذي يحدث معك، أنا أمك، من سيفهمك غيري.
_لا شيء، كم مرة سأعيد كلامي.
_مر على حالك هذا أشهر، كل يوم أقول تعودين لسابق عهدك، أراك كوردة تذبل كل يوم أكثر، أرجوك أخبريني لأتمكن منمساعدتك.
_تريدين مساعدتي حقًا؟!
_نعم يا ابنتي.
_اخرجي إلى الخارج، لا أريد أن أسمع صوت أحد.
سقطت دمعة من عيني والدتها، فهي تريد أن تخفف عنها، وإيمان ترفض ذلك:
_كما تريدين.
ابتعدت عنها خطوات قليلة، نادت بأعلى صوتها:
_أمي، أرجوك توقفي، أنا أحتاجك أكثر من أي وقت مضى.
عادت بسرعة البرق إليها، حضنتها وهي تقول:
_لا تقلقي يا إيمان، أنا هنا يا ابنتي، أنا بقربك لن أتركك أبدًا.
عادت للبكاء بين يديها من جديد، تشهق وتبكي على كتف والدتها، دون أن تعود لسؤالها مرة أخرى، بل اكتفت بالصمت؛حتى تهدأ نوبة غضبها.
بكت كطفل صغير، تعرض للتعنيف من أحدهم، مسدت على رأسها بحب.
_أمي سأقص عليك ما حصل، لكن لست بصدد أن تبدئي عتابي مجددًا، قلبي لم يعد يحتمل كلام آخر، أرجوك افهميني، لاسلطة لي على قلبي، إنه سبب كل آلامي.
هزت والدتها رأسها بتفهم، تريد أن تفتح قلبها وتحدثها بما جرى، حتى تتمكن من مساعدتها، أمسكت يدها بحب وهيتقول:
_يقال أن الشوكة التي تطول يد طفلي أشعر بها في قلبي، فما بالك بآلامه، هل أنت جاهزة لتتكلمين، أم نؤجل حديثناليوم آخر؟
هزت إيمان رأسها بأنها جاهزة، بدأت تقص لها ما حدث معها، منذ تعرفت على فرناس إلى هذا اليوم، وحديثه معها بأنه،لم يعد يملك السلطة على قلبه.
كانت معالم وجه والدتها تتغير، كلما تغيرت نبرة إيمان في الحديث، حتى انتهت وأمها ما تزال صامتة.
تعليقات
إرسال تعليق
شاركنا رأيك في هذه التجربة