BlogLabels

القائمة الرئيسية

الصفحات






(((لقراءة الفصول السابقة اضغط هنا)))



شك وإعجاب 


قبل ذلك الوقت بقليل، دخلت يمنى مقهى الجامعة أفكارها مشتتة بين الإقدام والإحجام.

تتبع هيثم الذي انتقى لهم منضدة جانبية بعيدًا عن ازدحام الطلاب، جذب لها مقعد ثم أشار إليها، نظرت له بعينٍ مستنكرة، ثم جلست في بطء وهي تتابعه بعيناها، انتبه هو فسألها:

-لماذا تنظرين إليّ هكذا؟


ابتسمت وقالت في بساطة:

-تتميز بذوق مختلف ليس إلا؟

قطّب جبينه للحظة محاولًا تفسير ردها، فاستطردت:

-من الذوق الزائد أن تدعوني للجلوس أولًا.


قال في بساطة:

-أمر بديهي.

أشارت بإحدى أصابعها:

-هذا أمرًا آخر، لقد فعلتها بعفوية، على ما يبدو أن الذوق من صفاتك.


أبتسم بعيناه فشعرت بقلبها يهوى، هز رأسه ثم قال:

-ها أنتِ تستدرجيني في الحديث، حتى أتغاضى عن هروبك من إجابة سؤالي.

قطبت جبينها محاولة أن تتذكر:

-أي سؤال؟


اقترب منها مكررًا سؤاله في إصرار:

-ماذا عنكِ؟ هل إحساسي بكِ صحيح؟ هل أنتِ شخصية مريحة مثل صديقتك؟


اتسعت عيناها في استنكار، وهي تشير مرة أخرى بيدها:

-ثلاث أسئلة مرة واحدة!!!!

ابتسما معًا، ثم سألها بلهجة مازحة:

-أضيفي السؤال الرابع، ماهو مشروبك المفضل؟


قالها وأشار إلى النادل، نظرت هي إلى البوفيه البعيد: نسكافيه..

أنهى طلبه ثم عاد ينظر إليها بعين متسائلة، فردت محاولة الإجابة: أنا .....



صمتت قليلًا ثم ضحكت في حرج:

-لا لا أعلم.

نظرت له وابتسمت بخجل:

-هل يوجد بنات تستطيع الكلام عن نفسها، أو الإطراء على حالها بلسانها؟

نظرت له متسائلة بصدق، وقد كسا وجهها حمرة الخجل فزادت جمالها جاذبية.


فبادلها نظرة استنكار مكررًا في لهجة ساخرة:

-هل يوجد؟! ......كل البنات كذلك.


نظرت بعيدًا بعدم تصديق ثم حاولت أن تجد إجابة مناسبة:

-بالنسبة لي، أجد صعوبة دائمًا في التعبير عن ما بداخلي.

فما بالك بأن أتحدث عن حالي......لا الفكرة مستحيلة.


شرد قليلًا في عيناها ثم قال فجأة:

-أتعلمين أنني ومنذ فترة طويلة لم أقابل فتاة مثلك.

انتبهت لحديثه في اهتمام فاستطرد مستكملًا

-يحمر وجهها حينما تشعر بالخجل.


قالها وابتسم فزادت حمرة وجنتيها، وأشاحت بنظرها بعيدًا مستغلة وصول النادل.

محاولة أن تتوارى عن عيناه.

لاحظت دخول آسر المكان، أشار لها وهو يتحدث في الهاتف، فبادلته التحية ثم أشارت له أن يأتي.


كأنها تستنجد به ليكون ثالثهم في محاولة منها للهروب من ذلك الشخص، الذي تشعر أنه ملك لصديقتها، أقترب آسر بالفعل ، ألقى التحية عليها أولًا، بعد أن اعتذر لمحدثه.

قامت يمنى من مكانها لتبدأ عملية التعارف

-أهلًا آسر كيف حالك؟


أشارت إلى هيثم مبتسمة:

-هيثم، ابن خالة عمرو.

في حين ألقت نظرة على آسر مستكملة التعارف:

-آسر...صديقنا الرابع وليس الأخير في مجموعتنا.


 قام هيثم من مكانه، مبتسمًا بدوره يمد يده إلى آسر:

-أهلًا آسر.

تلقّى آسر يده في ترحاب:

-أهلًا بك معنا....تشرفنا بوجودك.

 

 نظرت يمنى إلى آسر مستكملة وصف شخصيته لهيثم:

-منقذنا دائمًا، لديه أجمل وأوضح خط في الكلية بأسرها.


تبادلا نظرات الترحيب، وجه آسر كلمات الشكر ليمنى، ثم التفت لهيثم:

-عمرو زميل عزيز.

نظر إلي يمنى مستطردًا:

-مريم ويمنى أيضًا.


استكملت يمنى التعارف قائلة:

-هيثم تم نقله حديثًا إلى كليتنا المتواضعة.


من الواضح أننا سنعتمد كثيرًا على دفتر محاضراتك.

بينما ألقت نظرة على هيثم مستطردة:

-فاليوم نجح في إقناعي بعدم الحضور.


نظرت إلى هيثم باستياء، قال آسر في بساطة:

-لا يوجد أي مشكلة..... تحت أمرك في أي وقت.

أعتذر آسر وهو يشير إلى هيثم:

-اعتذر معي مكالمة.


ثم نظر إلى يمنى قائلًا:

-إنها مريم.

ألقى كلمته ببساطة ليفاجئ بها يمنى، ثم ودع هيثم قائلًا في ود:

-مرحبًا بك يا هيثم، سيكون لنا لقاءاتٍ أخرى بالتأكيد.

تحرك آسر مبتعدًا ليعود لمحدثته التي تغير صوتها تغيّر ملحوظ لم يغفله.


أما يمنى فشعرت بالصدمة.

لم تتوقع أبدًا أن تتواجد مريم بينهم دون سابق إنذار، لم تتوقع أن يكون القدر مترقب لها إلى هذه الدرجة، دارت الأفكار بداخل رأسها....بالطبع لاحظت مريم وقرأت المشهد؛ فآسر لم يغلق الخط

لأنه عاد ليستكمل حديثه معها.


إذن فقد سمعتهم مريم، استمعت إلى كل كلمة، كم تألمت حينما تخيلت صدمة صديقتها بالموقف على الجانب الآخر من الهاتف، بالضبط كما كانت تفكر من قبل لقد سرقت حق مريم في التقرب من هيثم، وها قد كشفتها مريم بسرعة، لم يمهلها القدر وقت للتفكير في كيفية مفاتحة صديقتها في الأمر......وضعت يدها على صدغها وظهر على ملامحها آثار صدمتها التي تبينت لهيثم بشكل واضح، فتساءل في اهتمام:

- يمنى؟ ماذا بكِ هل أنتِ بخير؟

نظرت له وكأنها نست وجوده، ثم أخذت حقيبتها، وأخرجت هاتفها متذرعة بسبب واهٍ لمغادرته.

                                 ****************************

خرجت شهد من غرفة أختها، متوجهة إلى غرفتها في سرعة خشية من مقابلة إحدى والديها، أو اضطرارها إلى المرور بهم أثناء مشاداتهم.

دخلت غرفتها الصغير أدارت أغنية تحبها على مشغل الأغاني، ثم بدأت في ارتداء ملابسها.

فقد قررت الهروب من المنزل قبل موعد الدرس بساعة، لعلها تجد الهدوء في أي مكان

بعيدا عن بيتها.

انبعث صوت _شيماء سعيد، ليبعث فيها الأمل من جديد.

"أوعى يا دنيا تعانديني أنا حبيتك حبيني، خليكي يا دنيا معايا و هصاحبك وتصاحبيني"


ابتسمت لوجهها في المرآة  متأملة ملامحها في شرود.

شعرها الثائر أسود اللون يدل على رغبتها المكبوتة في الانطلاق، ملامحها القمحية الرقيقة تنم عن شخصيتها الحقيقية الخجول، كانت تشبه مريم كثيرًا، بعينان أكثر سوادًا، وأنف أكثر حدة.


سارعت بإنهاء لمساتها الأخيرة.

اختارت كنزة بيضاء بسيطة وبنطال أسود رياضي، استخدمت عطرها المفضل وملمع الشفاه خاصتها الذي يعطي لابتسامتها الثقة.

كما أنهت وضع الكتب الخاصة بالدرس، لم تنسي وضع روايتها الحالية وسط الكتب.


كثيرًا ما تستغل الوقت بين الدروس للانسحاب إلى عالمها الخيالي الذي تعشقه أكثر من واقعها الحالي.

كانت طبيعة شهد الانطوائية سبب في عدم اقترابها من باقي الفتيات، أو تكوين صداقات قوية في سنها،

لذلك كان أصدقائها الأقربون هم أصدقاء أختها عمرو ويمنى، فهم بطبيعة الحال أصدقاء الأسرة، لذا لم يكن لديها الخيار في الاقتراب منهم أكثر..


خرجت شهد من غرفتها مسرعة إلى باب الشقة،  وقبل أن تفتحه ناداها والدها:

-شهد....انتظري.


تجمدت شهد في مكانها، ثم التفتت لوالدها الذي اقترب بوجه متجهم مستطردًا:

-هل تمانعين انضمامي إليكِ؟

تأملت ملامحه قليلًا ثم ابتسمت له:

-يسعدني دوما....تفضل.


لانت ملامحه واقترب لاصطحابها معه وهو يفتح باب الشقة.

بعد لحظات شاركته شهد السيارة، في طريقهم إلى الدرس، قال والدها:

-لماذا تذهبين الدرس قبل موعده بساعة.


ابتسمت عندما أحست باهتمامه وحفظه لمواعيد دروسها، قالت في مرارة:

-أحتاج إلى جو هادئ لأتمكن من المراجعة قبل بدء الدرس.


شعر والدها بالحرج فصمت لحظات، ثم قال:

-هل تقبلين دعوتي على عصير من اختيارك.

لن أؤخرك كثيرًا، وسأترك لكِ بعض الوقت للمراجعة.


ابتسمت بصدق وهزت رأسها موافقة، جلسا في مكان قريب من الدرس، اختارت هي عصير المانجو المفضل لديها، واختار هو القهوة كعادته.


كان والدها يمثل لها العالم.

فمنذ صغرها اعتادت على اللعب معه، التحدث باستفاضة في كل مناحي الحياة، كان أكثر الأشخاص في حياتها القادر على الإجابة عن أي سؤال، فكلما زادت أسئلتها اتساعا اتسع أفقه للإجابة وإمدادها بكافة  المعلومات التي تتوق لمعرفتها.


سألته شهد في محاولة منها لتجاذب أطراف الحديث:

-لماذا لم تذهب إلى العمل اليوم؟


ارتشف من القهوة رشفة قبل أن يجيب:

-ذهبت لكني شعرت ببعض الإرهاق، فضلت استكمال يومي بالبيت.

نظرت له في قلق:

-سلامتك، ماذا بكِ؟


ربت على كفها في حنان:

-لا تقلقي فأنا بخير.

سألته في حيرة:

-لكنك لم تطل البقاء في المنزل.


ابتسم بحزن

-أحيانا لا يشعر المرء بالراحة، حتى في منزله.

لمعت عيناها عندما تذكرت خلافاته مع والدتها، فتنهدت:

-هل يوجد ما يستدعي القلق؟


نظر لها وهز رأسه:

-أنتِ أخبريني إجابة سؤالك؟


انتبهت لتساؤله، لكنها لم تفهمه فاستوضحت:

-ماذا تقصد؟


أنهى قهوته، ثم اقترب بوجهه منها يسألها في اهتمام:

-أنا أشعر بالقلق، لم نعد نتحدث كثيرًا كعادتنا الفترة الماضية.

أومأت برأسها موافقة، فنظر في ساعته ولاحظ إنهائها العصير فقال مبتسمَا

-ما رأيك في نهاية هذا الأسبوع؟

نظرت له فاستكمل:

-فلتحددي موعد مع مريم لنقضي بعض الوقت سويًا.

اتسعت ابتسامتها وأشارت موافقة في ترحاب.

كان معه حق في حديثه معها، فمنذ وقت ليس ببعيد شعرت هي أنها ابتعدت عن والدها دون سبب واضح، كانت في حاجة إلى الشعور بالاطمئنان الذي أحسته حينما تحدثت معه وشعرت باهتمامه.

                               **************************************

بعد أن أنهت مريم محادثتها مع آسر، شعرت بإحساس غريب لم تعهده بداخلها من قبل.

 شعرت بالغيرة.

فمجرد تخيلها قضاء صديقتها الوقت مع هيثم كاد أن يثير حفيظتها.

صوته.....وصل إلى مسامعها وهو يتحدث إليها.


صوتها....كانت تتحدث بطبيعية وانطلاق كأنها سعيدة، هي لم تعهدها سعيدة ومنطلقة هكذا إلا في وجودها معها.

حاولت كبت مشاعرها فقامت من مكانها تشعر بالرهبة والترقب، ذرعت الغرفة مجيئًا وذهابًا.


رن جرس هاتفها، فنظرت إلى شاشته بغضب عندما وجدت اتصال من يمنى.

قامت بوضعه على الخاصية الصامتة وألقته بعيدًا عنها.

عادت لتبحث عن الهدوء بداخلها فلم تجد سوى القلق والتوتر، هذا ما كان ينقصها.


ألا يكفي صوت الخلاف القادم بخفوت من الخارج، أظلمت الدنيا أمامها فامتدت يدها تطيح بالصورة الغير مكتملة لتقع على الأرض بالمسند الخاص بها فتهشم في عنف محدثًا دويًا، بكت عيناها للحظات.

قبل أن تسمع صوت جرس الباب يأتي من الخارج، انتبهت لكن لم تبرح مكانها.


جلست ويداها ترتعشان من شدة توترها،  بعد لحظات سمعت طرق خفيف على الباب، لتجد والدتها بوجهها المنفعل تقول لها بعصبية لم تستطع إخفاءها:

-مريم؟ أين أنتِ؟ ألم تسمعِ جرس الباب.


نظرت لها مريم بعينٍ متسائلة فاستطردت:

-أنه عمرو ابن طنط صافي، يريدك في أمر هام.

أنهت والدتها كلماتها واختفت من أمامها.


خرجت مريم بعد أن تأملت حالها في أقرب انعكاس لها وقالت لنفسها:

-وما الفارق؟ أنه عمرو.


ما إن رآها عمرو حتى صاح مبتسمًا:

-مريم......أين أنتِ؟ لماذا لا تجيبِ على هاتفك؟


نظرت له في دهشة وقالت:

-ماذا؟ لا لم أنتبه إليه؟ ما الذي حدث؟


تأمل ملامحها قليلًا في صمت، ثم قال منبهرًا:

-على الرغم من وجهِك الممتقع، لم يفلح في إخفاء جمالك.


ظهر شبح ابتسامة على محياها وهي تنظر له في حرج، فاستكمل بجراءة دون أن تفارق عيناه النظر إلى ملامحها بنظرة إعجاب:

-أول مرة أرى ملامحك بدون مستحضرات التجميل.


ابتسمت في استهزاء، ثم أخفت عيناها وهي تقول:

-كفى يا دنجوان عصرك، أخبرني ماذا تريد؟


جلس وهو يشير إليها:

-هيا ارتدي ملابسك، وأقبلي عزومتي على الغداء.

على ما يبدو أن والدتك لم تطبخ اليوم، هذا يفسر سهولة إقناعها بالخروج معي على غير العادة


ألقى دعابته ولاحظ أن عيناها دمعت لحظة، لكنه كذّب عيناه، وأشار يحثها:

-هيا، تحركي فأنا جوعان.


لم يأخذ وقت لإقناعها.

رغم أنها لا تفضل الخروج مع أي شاب مهما كانت صلة قرابته، لكن شجعها على ذلك موافقة والدتها.


 تبينت أن والدها خرج بالفعل، فوافقت والدتها دون مناقشة، ما أشعرها بالإهانة واللامبالاة من قبلِ والدتها، شعور اعتادت أن تشعر به في كثير من الأوقات.


قلما ما تحس أنها خيار والدتها الأول في الاهتمام والرعاية، قلما ما تجلس لتتحدث مع ابنتها دون أسباب، كثيرًا ما تنتقدها أو تُملي عليها أوامر، لذا كان شعورها أنها إلى والدها أقرب.


برغم خلافاته مع والدتها ، لكنه حافظ على علاقته الطيبة ببناته، عندما تحتاج أن تتحدث تذهب إليه دون تفكير، ترتاح لمصارحته في أمور خاصة بها، وشاركتها شهد الرأي.


نزعت أفكارها عندما أومأت برأسها لعمرو ، ثم اختفت بالداخل لتجهز.

 

                                   ****************************** 

في إحدى المطاعم القريبة من منزل مريم، تأمل عمرو وجهها الصامت مولي ظهره الخلفية الزجاجية للمطعم متخذًا وضع مواجهًا لها.

لم يعهد مريم في هذه الحالة من قبل، اقترب منها متسائلًا:

-مريم...ماذا بكِ؟ أشعر أنك لستِ بخير.


نظرت له في صمت ثم أخذت قائمة الطعام؛ فنقلت بصرها إليها متظاهرة بالقراءة،

فاستطرد هو في تساؤل:

-هروبك من الرد، يؤكد صحة شكوكي.


قالت هي محاولة تغيير دفة الحديث:

-لماذا لم تذهب إلى الجامعة اليوم؟

أجابها ببساطة:

-أبدًا، شعرت برغبة في مضاعفة تمريني اليوم وسرقني الوقت، فلم أشعر.


هزت رأسها في تفهم ثم عادت إلى صمتها، فكرر سؤاله:

-ماذا بكِ؟


دمعت عيناها للحظة:

-أتعلم؟ أنا أكره هذا السؤال.

لأنه يثير المشاعر السلبية ببساطة.


تبادلت معه النظرات ثم استطردت:

-توقف عن تكراره.


قطب بين حاجبيه وتساءل:

-إذن أنتِ معترفة أنه يوجد مشاعر سلبية.

أشارت برأسها إيجابًا في بطء، فتساءل:

-هل هو محمود؟


هزت رأسها بعنف نافية التهمة باشمئزاز، فتساءل ثانية:

-إذن من؟!......حُب جديد؟

اتسعت عيناه محدقًا في وجهها:

-لا لا أعتقد ذلك، ليس بهذه السرعة.


هربت من مواجهة عيناه، فهو أقرب شخص لها بعد يمنى، في كثير من المواقف السابقة استطاع بسهولة معرفة ما تُخفيه عنه بمجرد النظر في عيناها.


لذلك آثرت الهروب ثم قالت مبتعدة بعيناها عنه:

-ليس الأمر كذلك، أنه فقط تضارب في المشاعر لا أعلم كيف أتعامل معه.


نظر لها ثم ابتسم قائلًا:

-جئتِ في ملعبي، أخبريني بما تشعرين وأنا سأساعدكِ

نظر لها وابتسم قائلًا في ثقة:

-فأنا خبير في مشاعر البنات المضطربة.


انتبه فجأة إلى توقفها عن متابعة كلماته، على أثر تشتت انتباهها إلى نقطة خلف ظهره، أطالت النظر إليها بتركيز، فالتفت هو ليرى فتاة تقف دامعة العينين خارج المطعم وراء الباب الزجاجي موجهة نظرها إليه، فصاح مذعورًا:

-نورا؟


تبادلَ النظرات مع مريم قبل أن تقوم من مكانها مسرعة إلى الخارج،  فاستوقفها عمرو بيده قائلًا:

-إلى أين؟

نظرت له مريم بعدم فهم :

-هل سنتركها هكذا؟


هز رأسه في حزم قائلًا: أنا سأذهب إليها، فلتبقي أنتِ.


وقبل أن يحسم قراره تفاجئ بنورة تدخل المكان لتقف أمام المنضدة الخاصة بهم، نظر لها واتسعت عيناه في غيظ مختلط بغضب.


أما مريم فتحركت لتقف إلى جوارها ثم قالت في تعاطف:

-نورة، أهلًا بكِ، تفضلي كيف حالك؟


لم تجب نورة بل أحاطت عمرو بنظرات قلقة، فنظر لها مستنكرًا:

-ما الذي أتى بكِ هنا ماذا تريدين؟


تجمدت نظراتها أمام عيناه، ثم قالت في خفوت:

-أُريد أن أفهم.

أين أنت؟ لم تأتي الجامعة منذ أربعة أيام، لا تجب على اتصالاتي أو رسائلي.


ألقت نظرة حرجة على مريم، ثم قالت في استعطاف:

-ماذا فعلت لك لتتجنبني هكذا؟


ابتلعت مريم ريقها توزع نظراتها المتسائلة بينهم، شعرت ببروده مشاعره تُذيب نار حيرتها المتأججة، بدا لها حُب نورة الصادق بوضوح في هذا المشهد العاطفي.


تربطها بنورة علاقة سطحية، لكنها كانت الأقرب لها من يمنى بحكم تعاطفها معها في مشاعرها نحو عمرو، لكن لم تعهد موقف كهذا من قبل بينهم.


انتظرت من عمرو أي رد فعل يحتوي غضب وثورة صديقته، لكنه فاجأها ببروده وهو يرد في بساطة

-ليس لي مزاج، لقد اكتفيت من ملاحقتك لي، بالله عليكِ فلتكفِ عنها.


دمعت عيناها وأشاحت بنظرها بعيدًا في شرود، فاقترب ليواجهها أمام نظرات مريم اللائمة قائلًا في حزم:

-نورة فلتذهبي الآن،  أعدك سأتحدث إليكِ ليلًا.


نظرت له متأملة فأشار إليها ليطمئنها، استدارت لتغادر فاستوقفتها مريم بيدها قائلة في تعاطف:

-نورة، أنا موجودة في أي وقت إذا احتجتِ إليّ.


أخرجت هاتفها من جيب بنطالها، وأعطته لنورة لتسجل رقمها فابتسمت لها، وقامت بكتابة رقمها

متصلة منه كي تستطيع تسجيل رقم مريم، ثم نظرت إليها ممتنة:

-شكرا لكِ.


عندما غادرتهم نورة، لم تعد مريم بنفس إحساسها السابق، بل شعرت بخوف يتملكها لا تعلم له سببًا، هربت الكلمات التي كانت تتسارع من قبل.

في هذه اللحظة نظرت إلى عمرو وشعرت أنه الشخص الغير مناسب لما يدور بداخلها الآن.

مشهد نورة الباكي كان كفيلًا بإثارة المشاعر أكثر بداخلها.

                                      **************************

 حاولت يمنى الاتصال بصديقتها مرارًا وتكرارًا.

لم تفلح محاولاتها في سماع صوتها، اكتفت بالاطمئنان عليها من عمرو، شردت لتتذكر كيف استنجدت به كعادتهم عندما رفضت مريم الرد عليها.


تذكرت حوارها معه في الهاتف:

-ما الذي حدث بينكم؟

 

قالها عمرو بقلق وهو يُنهي تمرينه كُرها لينفذ طلب يمنى على الفور، لكنها أجابت بعصبية:

-لم يحدث شيء معين.

هي فقط لا تجيب على اتصالاتي، فلتحاول أنت، إذا لم تجب أذهب إليها.


استمع إليها في اهتمام، ثم ردد مشاكسًا:

-أذهب إليها..... قلبي يُحدثني أنه خلاف حاد بينكم.


ردت يمنى في نفاذ صبر:

-عمرو، هل سنضيع الوقت في المناقشة.

عندما تتقابلا راسلني من فضلك طمئني عليها، سلام.


قالتها وأغلقت الخط فتعجب هو، لكنه أسرع ليأخذ حمامه، فأرتدى ملابسه وامتثل لأوامرها على الفور.


تدثرت يمنى في فراشها، بعد عودتها من الجامعة فترة ما بعد العصر،

تذكرت أيضًا رسالته حينما طمئنها عندما قابل مريم، فاستسلمت يمنى إلى النوم، هربًا من تزاحم أفكارها.


فمن الواضح أن وجودها مع هيثم تسبب في جرح صديقتها، على الرغم من ذلك كانت الفكرة الأكثر سيطرة على عقلها، هي شعورها بالراحة معه.

شعور اختبرته لأول مرة، ليس إعجاب ....كما تعلم أنه ليس حبًا.


لكنه شعور بالراحة يقودها للتقرب منه أكثر، شردت ثانية أو ثالثة في أفكارها الغريبة التي أخذتها بعيدًا عن إحساسها بالذنب تجاه صديقتها، فارق جفنها النوم قرابة النصف ساعة حتى غرقت به.

أيقظها بعد حوالي ساعتين صوت الهاتف، فتحت عيناها في وهن، ما لبث أن تحول إلى اندهاش.


هل من المعقول أنها تحلم أم أنها ترى اسم صديقتها، اعتدلت قائلة كأنها تستدعي روحها من عوالم التيه

-آلو، مريم....كيف حالك؟ اتصلت بكِ كثيرًا.



استمعت لصوت صديقتها المضطرب الذي ساعدها لتفوق بسرعة، قاومت شعورها بألم في رأسها، وقالت في سرعة:

-نعم، تفضلي....سأفتح لكِ الباب.


قالتها ثم تحركت للخارج قبل حتى إن تفتح نور الغرفة، فتحت الباب لتستقبل صديقتها في حيرة:

-مريم، ماذا بكِ؟


دخلت مريم أولًا ثم استدارت فقالت بلهجة اعتيادية، جعلت يمنى تطمئن، بأن صديقتها لم تغضب كما تخيلت، لكنها احتارت في تفسير عدم الرد عليها حين هاتفتها من قبل:

-يمنى، أنا أحتاج إليكِ.


نظرت إلى يمنى، ولاحظت آثار النوم على وجهها، فقالت في استنكار:

'هل كنتِ نائمة؟......لماذا؟!


كان سبب تعجبها أنها لم تعهد يمنى شخص يحب النوم ظهرًا، خاصة لهذا الوقت المتأخر.

لم تنتظر رد بل دخلت إلى غرفتهم المعتادة، تبعتها يمنى لتفتح النور، ثم عادت لتتأملها قائلة في راحة وكأن روحها عادت توًا إليها.


 نعم هي لم تفكر كثيرًا في مشاعر صديقتها ، غَلَبتها مشاعرها هي الشخصية.

لكن بلا شك افتقدت كثيرًا شعورها بالأمان في وجود صديقتها، بمشاعرهم الإيجابية التى يملؤها السلام النفسي.

 

لم تشعر بهذا الافتقاد إلا حينما عادت إليها وأعادت إليها الشعور بأنها ملاذها كما كانت دومًا.

لكن السؤال هنا، ما الذي أدى إلى تغير مشاعر مريم وتحول غضبها من صديقتها فجأة إلى احتياج إليها.

                                  ****************************



مواعيد النشر: الثلاثاء


تعليقات