BlogLabels

القائمة الرئيسية

الصفحات









 (((لقراءة الفصول السابقة اضغط هنا)))



حكاية نورة


 -لقد قابلت نورة.

قالتها مريم في تأثر واضح، فصمتت يمنى قليلًا ثم تساءلت:

-نورة؟....نورة صديقة عمرو؟


أومأت مريم برأسها إيجابًا، فنظرت لها يمنى بتساؤل أكبر:

-لم أفهم، هل تقابلتما صدفة؟


ردت مريم في سرعة:

-لا كانت المقابلة بموعد مسبق.


صمتت مرة أخرى.

فتأملت يمنى ملامحها المضطربة وآثرت الصمت لتعطيها مساحة في الحديث، أغمضت مريم عيناها وقد تذكرت مشاعرها المختلطة.

نعم هي مازالت غاضبة من يمنى بالفعل ، لكن عندما قابلت نورة اجتاحتها مشاعر سلبية معقدة لم تستطع فك طموسها، احتاجت صديقتها المقربة لفهم مشاعرها الذاتية كعادتهم، أخذت نفسًا طويلًا وقالت:

-هي اتصلت بي وطلبت مقابلتي.


ظهر على وجه يمنى بعض الامتعاض، فنظرت لها مريم قائلة بلهجة دفاع:

-أعلم أنك لا تكنِ لها المودة، ولكن.


نظرت أمامها تبحث عن الكلمات:

-لن ننكر دورها المهم في حياة صديقنا.

هزت يمنى رأسها ثم عادت لتقول: لاتهم مشاعري الآن.

الأهم ماذا قالت لكِ لتتأثري بهذا الشكل؟

هنا شردت مريم بعيدًا لتتذكر مقابلتها مع نورة.

                        ***********************************                              

تفاجأت مريم من سرعة اتصال نورة بها في نفس اليوم وبعد ساعات قليلة من مقابلتها وإعطاءها الرقم، لكنها رحبت واتفقا على مكان وبالفعل مرت اللحظات لتجد نفسها تجلس أمام الفتاة، تأملت ملامحها عن قرب لأول مرة.


ملامح هادئة بشرة بيضاء صافية يغطيها النمش الأحمر الذي يزيد من آيات الجمال،  شعر فاتح متوسط الطول عينان بنيتان تميل إلى الدرجة الفاتحة، لولا ستايل ملابسها الضيق الذي يميل إلى الألوان الفاتحة، كانت مريم ستشعر بالراحة أكثر في النظر إليها، استشعرت الحرج البادي منها فبدأت هي الحديث

-نورة أعلم أننا لسنا أصدقاء.

لكن تأكدي أن الحديث سيظل مكانه بيننا، لن أتحدث مع عمرو عن أي كلمة درات هنا.


نظرت لها نورة في توجس، شعرت بالتردد قبل أن تبدأ حديثها في قلق:

-أنا أعلم مدى قربكم أنتِ ويمنى من عمرو.


صمتت محاولة أن تصيغ سؤالها بشكل يكسبه بعض الثقة: لكن المشاعر التي تربطكم.

تحاشت النظر إلى عيناها مستطردة: -هي مشاعر صداقة أليس كذلك؟


شعرت مريم بالإهانة فرفعت إحدى حاجبيها، لكنها حاولت أن تهدأ مبررة شكها فيها نابع من انجراف في المشاعر:

-نورة

إذا كان لديكِ شك ولو ضئيل، بالتأكيد لن تطلبِ المساعدة مني تحديدًا.


ألقت نظرة لوم واضحة، فشعرت نورة بالحرج الشديد.

فاستكملت حديثها ببساطة:

أنا ويمنى وعمرو نتعامل كالأخوة منذ طفولتنا.

فلتتحدثي معِ على هذا الأساس


تنفست نورة الصعداء ثم قالت في راحة:

-منذ دخولي الجامعة وأنا أحبه.

في البداية تقربت منه وأصبحت صديقته المقربة التي يحكى لها حتى عن علاقاته النسائية.


ابتسمت عندما تذكرت ذكرياتها القديمة معه:

عندما اعترف لي أني شخص مختلف وأن دوري في حياته مقارنة بأي فتاة أهم وأكبر.

كانت سعادتي لا توصف....لم أمنع نفسي عن حبه أو إعطائه كل الاهتمام.

 

اختفت ابتسامتها فجأة عندما تذكرت أوجاعها:

-اعتاد قلبي على وجوده، حياتي بدونه ليس لها معنى.

هزت كتفيها محاولة التوضيح أكثر:

-أنا لا أعرفني حينما يبتعد عني، أشعر بالتوهة كأني شخص آخر ليس له ملامح.


تأملتها مريم وقد وصلها إحساسها التي كانت تتحدث به.

فاختلاف تقبل مريم لشخصية نورة عن تقبل يمنى لها، إنما يأتي من تشابه شخصيتها العاطفية مع شخصية نورة، لذلك كانت مريم تشعر بها أكثر، بل يصلها إحساسها صادقًا فتشفق عليها.


أما يمنى فلم تتأثر أبدًا بإحساسها المفرط الزائد عن الحد من وجهة نظرها، فاقت مريم من شرودها على سؤال ظل معلقًا مع أعين نورة المتسائلتين:

-هل كانت مشاعري وحبي له غلطة؟ كي يعاقبني عليها.


هزت مريم رأسها تجاوب السؤال بالنفي:

-لا يوجد خطأ في إحساسنا بالآخرين، بل العكس هو الصحيح، لكن

صمتت لحظات ثم ابتسمت مستطردة:

-انسياقنا نحو مشاعرنا وعطاءنا المفرط للآخر.

 

حاولت أن تجد كلمات سهلة الفهم حتى لا يبدو منطقها معقد:

-قد يصل به للإشباع من العلاقة.

بدا على وجه نورة أنها لم تفهم أي كلمة، لم تندهش مريم كثيرًا.

فقد استغربت حديثها وتحليلها الذي شعرت معه أنها استحضرت شخصية يمنى المُحللة العميقة فجأة، حاولت تبسيط نظريتها فأعادت صياغتها بسؤال:

-دعيني أسألك، هل أعطاكِ عمرو نفس الاهتمام  بنفس درجة عطاءك له؟

شردت نورة بعيدًا وشعرت أن في إجابة هذا السؤال إهانة لها.


فاستطردت مريم حديثها: إذن أنتِ تعطي للشخص الخطأ.

ترددت من استكمال حديثها، لكنها استجمعت شجاعتها فاستكملت

-أنتِ دوما متواجدة في حياته، أعطيه الفرصة ليتساءل أين نورة؟ 

أعطيه المساحة الكافية لكي يفتقدك.


تجهمت ملامح نورة وبدا أن الحديث أصاب جرح غائر في أعماقها حتى إن عيناها دمعت.

ربتت مريم على كفها في حنانٍ صادق، ثم قالت:

-أنصحك بأن تعودي إلى نورة، عودي إلى نفسك، أعلني الحرب على عمرو.

انهمرت دموعها بغزارة حينما استمعت إلى الجملة الأخيرة قائلة في خفوت:

-أنا أضعف من ذلك.

قبل أن تتفوه مريم بكلمة أخرى، شعرت أن مقابلتها لنورة كانت بمثابة درس لها كي تتمسك بالعودة إلى نفسها التي نجحت فيها بعد انتهاء علاقتها بمحمود.

بضرورة ألا تنجرف خلف مشاعرها مرة أخرى، مهما برق أمامها الحلم.


                             *******************************                        

 عادت مريم من شرودها لتجد حالها جالسة أمام يمنى التي بدا على ملامحها التساؤل مختلط بالتعجب، فقالت مريم وسط تنهيدة حارة:

-كيف أوصلها عمرو إلى هذه الحالة؟ أنها تعشقه، ترى الدنيا بعينيه فقط.


نظرت بعيدًا ثم عادت لتقول في حيرة مشيرة إلى صديقتها:

-على الرغم من أني تقمصت شخصيتك وأنا أتحدث إليها.


هزت رأسها في أسف:

-لكني واثقة أنها لن تنفذ أيًا من نصائحي.


قالت يمنى في بساطة:

-وأنتِ، ماذا ستفعلين مع عمرو؟


انتبهت مريم إلى هذه الحقيقة.

التي أغفلتها في غمرة الأحداث، انتبهت إلى أن تركيزها كان موجه إلى حالها،  أكثر من الرثاء على حال المسكينة المغرمة، انتشلها سؤال هام وجهته يمنى إليها في قلق:

-لماذا لم تجيبي على اتصالاتي اليوم؟


-كان الهاتف صامتًا.

أجابت في سرعة كاذبة، كأنها استعدت لسؤال مثل هذا.

تعجبت يمنى غير مقتنعة بإجابة مريم، لكنها لم تُظهر ذلك، تساءلت ثانية:

-هل أغضبتك في شيء؟

نظرت لها مريم لحظة قبل أن تحرك رأسها نافية بعدم رد.

كان بداخل كلتاهما مشاعر مضطربة عجزت ألسنتهم عن البوح بها، آثرت مريم إخفاءها بنفس الوقت لم تحاول يمنى الضغط عليها، كان من السهل على يمنى معرفة أن صديقتها تخفي مشاعرها.

لكنها تقبلت ذلك في راحة بال، كأنها تمنت أن تفعل مريم ذلك.

أن يمر اليوم دون أن يصرح كل منهما بما يضيق به صدره، مهما جرت العادة على عكس ذلك.


                           *********************************                                

في طريقها إلى منزلها كانت مريم شاردة تسترجع أحداث اليوم الذي عاشته، شغلها سؤال هام طرحته يمنى منذ قليل، ما هو التصرف مع عمرو؟، حتمًا يجب أن تتحدث معه فقد وعدت نورة بذلك.

قادها تفكيرها إلى تذكر كلماته حينما فارقتهم نورة......


-وما الداعي لتبادل الأرقام، هل تبحثين عن ألم الرأس بنفسك؟

قالها عمرو موجهًا نظرة غضب إلى مريم، التي قالت:

-هل تخشى شيء؟ أم أنك واثق من نفسك؟


نظر بنفس اتجاه سير نورة ثم قال:

-مع نورة...لا أثق بشيء.

نظرت له لائمة:

-كم أنت ظالم، البنت تعشقك.


هز رأسه في لامبالاة

-بشكل زائد عن الحد.

ارتشف رشفة ماء، ثم عاد ينظر إليها فحاول تغيير دفة الحديث:

-مثل جمالك تلك الأيام


نظرت له باستنكار، فاستطرد في خبث

-أخبريني، هل يوجد قصة حب جديدة، يقولون دائمًا الحب يُجمل صاحبه.


ابتسمت مريم حينما تذكرت كلمات الغزل التي ألقاها على أذنيها، والتي تركت أثر جيد بداخلها رغم شعورها بالحرج،  إلا أنها ساهمت كثيرًا في تغيير مزاجها في سرعة.

نجح عمرو دومًا في إعطائهن إحساس إيجابي، كلمات الإطراء التي تصل إلى الإعجاب أحيانًا، في كثير من المواقف أعادت لهن الثقة وهن في أمس الحاجة إلى ذلك.

                        **********************************

في نفس الوقت كان آسر قد أنهى صلاة العشاء في جامع بجوار منزله، كعادته في أداء فريضة العشاء والفجر في الجامع، إلى جانب بعض الفرائض الأخرى الذي يحاول من آن لآخر أن يؤديها في الجامع لكن بشكل غير منتظم.


تقابل مع أحد أصدقائه مصادفة فسار معه إلى بيته، بدأ آسر الحديث قائلًا:

-كيف حالك؟ لم نتقابل منذ أيام.


هز صديقه رأسه موافقًا، ثم تحدث قائلًا:

-هذا حقيقي، أخبرني ما أخبارك أنت؟ وكيف حال كل شيء؟

أجاب آسر باقتضاب:

-بخير.


نظر له صديقه، ثم سأله في خبث:

-تبدو إجابتك غير مقنعة، ماذا بك؟

ابتسم آسر في حزن، ثم قال:

-لا يوجد جديد، الحال كما هو.


تذكر صديقه أمرًا كان يشغل بال آسر منذ فترة؛ فتساءل :

-وما أخبار صديقتك؟ التي أخبرتني عنها وإحساسك بها.


هز آسر كتفه وصمت للحظة، ثم أجاب:

-أحاول الاقتراب منها ولكن.

تبادل نظرة حيرة مع صديقه قبل أن يستطرد:

-لا أعلم ما هي الطريقة الشرعية للتقرب منها.


صمت صديقه مفكرًا قبل أن يجيب في بطء:

-أنت تعلم جيدًا ما هو الطريق، لست بحاجة لسؤالي عنه.


التزم آسر الصمت لحظات يفكر، فهو لم يقص على أحد من أصدقائه المقربين إحساسه تجاه مريم.

بل اختار صديق غير مقرب له، لكنه قريب من الله وعلى درجة أقوى منه في التدين،  ليقص عليه معضلته، فهو بالفعل معجب بمريم لكنه يقترب منها في حذر، كثيرًا ما يخشى إذا تقرب منها، أن تقوده مشاعره إلى الانسياق نحو الأحلام.

أن يبيح له ضميره أن يستدعيها في أحلامه بدون وجه حق، لذا اختار أن يتحدث مع الشخص المناسب، الذي يعلم جيدًا أنه سيخاطب ضميره وعقله قبل قلبه.


فاق من شروده على سؤال جاءه على لسان صديقه:

-هل الفتاة أخلاقها حسنة؟


أجاب آسر بدون تفكير:

-نعم، بالتأكيد.....

شرد بعيدًا متذكرًا مريم وتفاصيل حياتها، ثم استطرد:

-فهي تضع حدود في التعامل مع الشباب زملائنا، ولا تخرج مع شاب.

أنا أثق بها؛ فنحن أصدقاء على درجة جيدة من القرب.


نظر له صديقه ثم قال في شك:

-تضع حدود وتتصادق معك؟ كيف ذلك؟

صمت آسر وتذكر علاقتها بمحمود التي انتهت بمشاجرة طالته هو شخصيًا، فابتلع ريقه ثم قال:

-ماذا تقصد؟


نظر له صديقه وقال في حزم:

-اسمعني جيدًا.

إذا كنت تثق في أخلاقها فلا يوجد طريق صالح للارتباط بها سوى الارتباط الشرعي..


قطب آسر جبينه، ثم صاح مرددًا باستنكار:

-ارتباط شرعي، لكني غير مؤهل لذلك بعد.

نظر له وقال في بساطة:

-الارتباط الشرعي لا يتطلب أي مؤهلات، يكفي الاستعداد النفسي، والتأكد من اختيارك.


نظر له نظرة ذات معنى ثم قال مؤكدًا:

فإذا كنت متأكد بالفعل، ستوافق وتنتظرك بل وستدعمك أيضًا.


نظر له آسر بشرود، فهو بالفعل يثق بأخلاق مريم.

بداخله يعلم أن مريم فتاة صالحة لكن تضعف أمام مغريات الحياة ليس إلا.

لكنه لا يثق أبدًا في موافقتها عليه، فهو لم يختبر مشاعرها من قبل.

                              *********************************

وصلت شهد كعادتها إلى الدرس قبل موعده بربع ساعة؛ فانتظرت بمدخل المبنى، جلست على إحدى الدرجات المنخفضة، وأخرجت روايتها الحالية تستكمل قراءتها في نهم كعادتها، تدندن لحن أغنية عالقة في ذهنها منذ الصباح.


مر الوقت سريعًا فلم تشعر به، دخل المكان شاب بنفس عمرها فانتبهت.

وشعرت بالحرج، تحدثت إلى نفسها كالعادة:

'أنه هو، ما هذه المصادفة الجميلة، أشعر بدقات قلبي تتسارع'


اقترب منها الشاب يسألها في بساطة

-شهد....هل وصل المدرس.

اتسعت عيناها محدقة في وجهه بعدم فهم، مستطردة الحديث إلى نفسها دون أن تجيب:

'ما هذا، هل سمعت اسمي، هل يهيأ لي أم أنه نطق باسمي'


صاح الشاب مرة أخرى عندما لم يجد الرد منها:

-شهد....ماذا بكِ؟


ابتلعت ريقها بصوت مسموع،  ثم قالت وشفتيها ترتعشان من الحرج والتأثر:

-نعم؟

ردد سؤاله مرة أخرى في تساؤل:

-هل وصل أستاذ محمد؟


تظاهرت بالانشغال في النظر إلى ساعتها؛ لتخفي حرجها ثم أشارت له برأسها:

-لا ليس بعد، ما زال هناك ٧ دقائق على موعد الدرس.


تنفس الصعداء وأخرج ملزمة مكتوب على كل جزء منها ملاحظات بالقلم الحبر.

وبدأ في مراجعة الدرس المختار، استند على السلم هو الآخر على بعد مكانين منها.


فشردت في ملامحه التي حفظتها عن ظهر قلب وشعرت بقلبها يهوى؛ فعادت لتحدث نفسها مرة أخرى:

'هل هذا حلم؟ أم أنه يعرفني ويحفظ اسمي، أوه لم أتخيل أبدًا أن يكون مهتم بي'


شردت في أحلامها معه، وشعرت برغبة في استكمال الحديث معه أكثر لكنها لم تقوى على ذلك.

فهي بالكاد أجابته عندما فاجأها بالدخول إلى المكان دون سابق إنذار، بل والتحدث معها في ذات الوقت.


طالما أُعجبت به واستدعته في أحلامها.

أحلام اليقظة، العالم الخيالي الذي خلقته وقام هو فيه بدور البطل.


كثيرًا ما اعترف لها بحبه، كثيرًا شاركها أحلامه وأفكاره وهمومه، شيدت معه المستقبل بكذا سيناريو صاغه عقلها وعواطفها؛ فارتبطت به في خيالها.


لكنها لم تستطع تحويل أي حلم معه إلى حقيقة، حتى حينما فاجأها اليوم وتحدث إليها باسمها.

لم تقوى على الاقتراب وبدء الحديث معه كما حلمت من قبل، وكأن هذا

الشخص الجالس أمامها يختلف كثيرًا عن ذات الشخص المتواجد في أحلامها.....


كذلك اختلفت هي.

عن شهد المنطلقة في حلمها. فكما استدعت شخصية افتراضية له بعيدة عن الواقع، كانت شخصيتها الخيالية هي الأخرى كذلك.

لذا عندما حاولت بدء علاقة لهم في الواقع لم تسعفها شهد الحقيقية بداخلها، كما لم يسعفها هو بلا مبالاته التي استشعرتها منه.


رغمًا عن ذلك،

لم يمنعها ذلك الشعور من توسيع حلمها معه، ولم يوقف شعورها بالعشم في العلاقة.

ترددت الأغنية  ذاتها داخل عقلها، بصوت _نانسي عجرم_

"حد يقوله إني باحبه الحب ده كله، حد يحنن قلبه عليا، أنا مكسوفة أروح له وأقوله"

فابتسمت وألقت نظرة إعجاب ولمعت عيناها.


                            ****************************                          

في صباح اليوم التالي، لم تذهب يمنى إلى جامعتها فضلت أن تبقى في المنزل، فقد استيقظت في منتصف الظهيرة.

أعدت كوبًا من النسكافيه -مشروبها المفضل- واختارت رواية جديدة فشرعت في قراءتها.

بعد مرور عشر دقائق كاملة انتبهت فجأة إلى أنها لم تقلب الصفحة بعد، بل لم تصل حتى إلى منتصف الصفحة الأولى، فأدركت أن عقلها لم يكن معها.

أنهت مشروبها في غير رضا، ثم قامت من مجلسها قاصدة غرفة والدتها.


أطرقت الباب وانتظرت أن تأذن لها والدتها بالدخول، دخلت يمنى ببطء غرفة والدتها لتجدها جالسة على سجادة الصلاة ممسكة بسبحة في يدها.

ما أن رأت وحيدتها حتى أشرق وجهها:

-صباح الخير حبيبتي.


طبعت يمنى قبلة على وجه والدتها مبتسمة، ثم جلست على كرسيها المفضل في الغرفة منتظرة والدتها حتى تنتهي من التسبيح.

-تقبل الله.


قالتها يمنى في وجوم، فقامت والدتها حاملة سجادتها ثم طبقتها ووضعتها إلى جوارها

-منا ومنكم.

جلست السيدة عائشة إلى جوار ابنتها، ثم تساءلت في حيرة:

-ماذا بكِ؟....لماذا لم تذهبين إلى جامعتك؟


هزت يمنى كتفها في لامبالاة:

-لا يوجد سبب معين.

عبس وجه عائشة ثم قالت في حنان

-أشعر أن بداخلك الكثير.


نظرت لها يمنى بدهشة، ثم ابتسمت في ضعف:

-كيف تستشفين ما بداخلنا؟

نظرت لها وقالت في تهكم

-على ما أعتقد...أنكن بناتي..


أدارت يمنى وجهها في صمت، فربتت عائشة على كفها:

-أخبريني ما الأمر الذي لم تستطيعين البوح به لصديقتك؟

رفعت يمنى حاجبيها في دهشة حقيقية ثم تساءلت في فضول:

-كيف عرفتِ؟


ابتسمت والدتها قائلة في بساطة

-لأني صديقتك الثانية، لا تلجئين إلىّ في موضوع إذا كنتِ قادرة على البوح به لمريم

صمتت قليلًا ثم قالت في بطء وتردد

-أشعر أنني بداخل موقف إذا تصرفت فيه بطبيعتي.


صمتت مرة أخرى محاولة أن تصيغ كلماتها بوضوح:

-قد أتسبب في جرح مريم دون قصد.

قطبت عائشة جبينها مفكرة في الأمر، ثم قالت في حيرة:

-كيف؟ لا أفهم.


حاولت يمنى أن تشرح المزيد، لكنها فشلت فقالت:

-الموضوع معقد أكثر من اللازم.


نظرت عائشة بعيدًا محاولة أن تستشف الموقف كعادتها، ثم عادت لتقول

-هل في مقدرتك الانسحاب.

فكرت يمنى للحظات ثم قالت بعد أن ابتلعت ريقها في صعوبة

-أشك في مقدرتي على ذلك.

تلاقت عيناهم لبرهة، ثم قالت والدتها في حزم:

-إذن فلتتبعي حدسك وتثقي به....فلن يقودك إلى الخطأ.


استمدت يمنى الثقة من لسان والدتها الذي أكسب كلماته المعنى بقوة، فهزت رأسها مبتسمة في رضا، أضافت والدتها كلمة أخيرة حمّلت يمنى مسؤولية جديدة، فقالت

-مهما تأزمت الأمور بينكم أنتِ ومريم، لا تتركي في صدرك شعور يتراكم دون البوح به إليها.

شردت يمنى بتفكيرها وهوى قلبها من هذا الإلزام، شعرت أنه يفوق قدرتها رغم صحة أركانه.

                               *******************************


مواعيد النشر: الثلاثاء


تعليقات