BlogLabels

القائمة الرئيسية

الصفحات

 




(((لقراءة الفصول السابقة اضغط هنا)))


جلد الذات

 

 

قبل ذلك الوقت بقليل، فور دخول مريم وعمرو إلى المقهى، جلست مريم تنظر حولها، ثم ألقت نظرة بعيدًا تبحث عن يمنى التي اختفت من خلفها، نظر لها عمرو

 يستطرد حديثه:

-أشعر بالقلق فقد تغير هيثم كثيرًا.

 

انتبهت مريم إلى حديثه، فقالت في حيرة:

-ماذا تقصد؟

حرك رأسه في قلق:

-أصبح سريع العصبية، 

 

قاطع حديثه دخول نورة المكان، فقامت مريم تستقبلها في ترحاب:

-آهلًا نورة كيف حالك؟  تفضلي.

 

أشارت إليها لتجلس، ردت نورة التحية وعيناها لا تفارقان عمرو، الذي تململ في عدم راحة:

-بخير، كيف حالكم؟

ابتسم لها عمرو في ود، في حين سألها عندما جلست معهم:

-ما أخبار اختبار اليوم؟ 

 

أجابت نورة بسرعة:

-جيد، أظن ذلك..

بينما كانت توجه حديثها إلى عمرو، دخل آسر المكان يبحث بعيناه، حتى وجد ضالته، فأنطلق في اتجاه مريم.

 

ألقى التحية على الجميع وتحدث مع مريم خاصة، قامت هي من مجلسها حينما رأته:

-آسر كيف حالك؟ أخبرني، ماذا فعلت؟

أتحدى، ستنال امتياز وبسهولة.

 

ابتسم آسر وسألها في قلق:

-ما بالك بي؟، الأهم أنتِ، هل كان الاختبار سهلًا، أردت الاطمئنان عليكِ.

أجابت في سرعة وثقة:

-نعم، لقد جاوبت بسهولة، والفضل يعود إليك بالطبع.

 

-نحنُ هنا، فلتجلسا، لماذا تتحدثان بعيدًا عنّا؟

قالها عمرو مقتضبًا، فالتفت إليه آسر ومريم وتبادلا النظرات سويًا.

 

ثم قالت مريم في حرج:

-أنه خطئي، لم أدعوك لتجلس.

تفضل يا آسر.

قالتها وأشارت له.

 

بينما استطردت حينما اتخذ مجلسًا بجوار نورة:

-مشروبك اليوم على حسابي، تعبيرًا عن مجهودك الرائع معي.

ابتسمت له في امتنان.

 

في حين نظر لها عمرو بدهشة، ثم قال:

-هل فاتني شئٍ هنا؟

نظرت له مريم باستنكار، ثم قالت بلهجة مرحة:

-إذن، فلنجعل العرض يشتمل الجميع، مشروباتكم اليوم على حسابي.

أشارت إليه ببساطة، ثم عادت لتنظر إلى آسر، مستطردة: 

-لكنني أحب أن أشكر آسر لتبسيط المادة إليّ قبل الاختبار.

 

نقلت بصرها إلى عمرو، وقالت:

-فهو بارع في تلخيص المواد والتركيز على المهم.

ربت عمرو على كتفه، قائلًا:

-ما شاء الله، مالنا لا نرى هذا المجهود معنا، هل هو حصري للبنات فقط.

 

استنكر آسر تعليقه، فنظر إلى مريم قائلًا في بساطة:

-لم يطلب مني أحد مساعدة من قبل، ولم أُقدمها.

شعرت نورة بأنها في حاجة إلى الحديث مع عمرو، فانتهزت الفرصة.

 لتقول في خفوت:

-عمرو، هل تحتاج إلى مساعدة في أي مادة؟

 

نظر لها عمرو، بينما تابعت عيناه اندماج آسر ومريم في حديث جانبي، فقال بعدم اهتمام:

-أشكرك كثيرًا، أنا لست بحاجة إلى ذلك.

ابتسمت له وقالت في هدوء:

-لم تطلب مساعدتي في هذا الاختبار كعادتك.

 

صمتت قليلًا ثم تساءلت:

-إذا كنت في حاجة إلىّ

قاطعها عمرو، ليقول في جدية:

-نورة، أخبرتك مرارًا إذا شعرت بالحاجة إليك، سأتواصل معك.

 

نظرت له بجمود، فاستطرد:

-أتمنى من كل قلبي أن تكوني بخير.

صمت قليلًا محاولًا تخفيف جموده معها، فقال:

-وأن يتحول ما بيننا إلى صداقة.

 

صمتت نورة ودمعت عيناها، فاستطرد:

-حينما أشعر بذلك، لن أمانع أن تعود علاقتنا بشكل مختلف.

تلاقت عيناهم، فقال في اهتمام:

-أنتِ تعلمين أن وجودك في حياتي لا غنى عنه.

 

أومأت برأسها متفهمة في حزن.

كانت تريد أن تنطق لتسأله كيف؟...كيف تتحول كل مشاعرها وأحلامها به التي رسمتها لسنين إلى مشاعر صداقة.

كيف ترفض عرضه باستمرار صداقتهم إذا أجادت التمثيل بأنها سيطرت على مشاعرها.

كيف تواجه مصيرها معه لتحافظ على وجوده في حياتها، الأمران مستحيلان وأصعب من بعضهما.

 

أما على الجانب الآخر استغرق آسر ومريم في حديث مختلف.

قال لها آسر بصوت خافت أراد أن يبتعد به عن عمرو وتعليقاته السخيفة التي لم يفهمها :

-ليس مجهودي فقط، فأنتِ ساعدتني كثيرًا، بسرعة تفهُمك للمادة، وأسئلتك التي ساعدت في تسهيل الشرح.

 

ابتسمت مريم وقالت بخفة:

-أنت فقط تُثني عليّ لأني طالبتك المجتهدة، لا أكثر. 

ابتسم لها وقال:

-أنت طالبتي المفضلة.

 

ابتسمت في حرج، ثم قالت:

-أحذر فأنت تُلزم نفسك بأن تصبح أستاذي لنهاية الترم، وهذه مسئولية.

قال وقد لمعت عيناه:

-مسئولية سأتمتع بكل لحظة فيها.

 

قالت في استنكار، محاولة  أن تمنعه من الاستمرار في إظهار إعجابه بها:

-ما بال كلماتك المعسولة قد زادت مؤخرًا؟

قال في جراءة لم يعهدها بداخله من قبل:

-إليكِ تخرج بسهولة وبدون تفكير.

نظرت له صامتة، وقد شعرت بالإطراء والرضا، فأشاحت بوجهها بعيدًا في حرج وابتسمت.

 

في نفس اللحظة وصلت يمنى فتجهم وجه مريم، تذكرت أنها اختفت في نفس وقت اختفاء هيثم.

نظرت لها، وقالت في غيظ:

-أين كنتِ؟

 

قالت يمنى في بساطة:

-قمت بتوصيل هيثم إلى البوابة.

ردت مريم في استنكار:

-بدا لي أنه لم يرحب بصحبة أحد.

 

صمتت يمنى قليلًا ثم قالت في ثقة:

-هو من طلب ذلك بنفسه.

التقت عيناهم للحظات، جذب حديثهم انتباه آسر الذي لاحظ تجهم مريم، فتدخل متسائلًا:

-ما به هيثم؟ لم أراه اليوم.

 

صمتت مريم بينما أجابت يمنى:

-لقد تسبب في مشاحنة مع الدكتور في الاختبار.

بدا على ملامحه القلق، في نفس اللحظة قامت مريم من مكانها تنظر ليمنى، ثم قالت للجميع:

-بعد إذن الجميع احتاج يمنى في أمرًا ما.

 

قالتها وجذبت يمنى التي قامت معها تشعر بالدهشة، سارا سويًا حتى خرجتا من باب المقهى ليقفا على مقربة منه، قالت مريم موجهة نظرات اتهام جارحة لصديقتها:

-هل لكِ أن تفسري لي ماذا تفعلين؟

عقدت يمنى ذراعيها ونظرت لمريم في عدم فهم:

-نفس السؤال يدور بخاطري،  وأنتظر الإجابة. 

 

قالتها وابتسمت في غيظ، فقالت مريم:

-هل تقصدين استفزازي؟

ردت يمنى بسرعة:

-لماذا؟ وما الذي فعلته؟

-أنتِ تعلمين...

 

نظرت لها يمنى وآثرت الصمت فاستطردت مريم:

-تصرين من الاقتراب منه، كأنك تتحديني.

صاحت يمنى بصوت مرتفع، مستخدمة يدها في التعبير:

-وهل طلبتي مني الابتعاد؟ فأنا لا أتذكر شيئا كهذا.

 

نظرت لها مريم في غيظ، وقد اشتعلت النار في عيناها، تنهدت يمنى ثم استطردت في بساطة، وهي تحرك رأسها نافية:

-أنا لا اقترب، لقد خرج من الاختبار غاضبًا وطلب مني مصاحبته في طريقه للخروج.

 

نظرت لها مريم غير مصدقة، ثم اقتربت منها تبحث عن كلمات تعبر عن ما بداخلها:

-عن ماذا تحدثتما؟

نظرت لها يمنى باستنكار ودهشة، فمالت مريم عليها تسألها في حيرة:

-ما لغة الحوار الدائرة بينكم التي يشتاق إليها.

 

أمهلتها دقيقة لتجيب، ثم استطردت بعصبية أكبر:

-كان يبدو عليه الغضب، لم يتقبل كلمة مواساة مني.

 

قالت ما يعتمل بصدرها ونظرت لصديقتها بتساؤل، تجمدت يمنى في مكانها تنظر لصديقتها، لكنها لم تتمكن من الرد، تنهدت ثم هزت كتفها وقالت:

-لا أعلم، لا أتذكر أنا.....

في نفس الوقت خرج عمرو من باب المقهى، مارًا من أمامهم يتحدث في التليفون، وقد بدا على محياه القلق الشديد، الذي ظهر في حديثه عندما صاح في فزع:

-هيثم ماذا تفعل؟  هيثم، أين أنت؟

*******************************

ودعت صافي جيرانها، وسارت في طريقها إلى منزلها الذي يقع في الدور الأول بذات البناية، ما آن اقتربت من شقتها حتى تفاجأت بأختها جالسة على أول درجات السلم، أحست بالقلق من مظهرها فاقتربت في تساؤل:

-أمينة، ماذا بكِ؟ لماذا لم تخبريني بأنك قادمة؟ ومتى وصلتِ؟

 

وقفت أمينة تستقبل أختها، وقالت محاولة تهدئتها:

-لا تقلقِ، لقد اتخذت قراري بالمجيء هذا الصباح دون ترتيب.

تنهدت صافي وأخذت نفس بصعوبة، ثم قالت بعد أن احتضنت أختها:

-كيف حالك؟ هل أنتِ بخير؟ كيف حال الجميع؟

 

ربتت أمينة على كتف أختها، التي فتحت باب الشقة قائلة:

-تفضلي، أعتذر عن وقوفك هكذا.

ردت أمينة وهى في طريقها إلى الداخل:

-نحن بخير، لا يوجد شئ بعينه، ولكن....

 

صمتت قليلًا ثم اتخذت مجلسها على إحدى كراسي الصالة، وقالت في لهجة يشوبها القلق:

-لا أعرف، استيقظت اليوم بشعور غريب، وقلق غير مبرر.

نظرت لصافي التي بادلتها شعور القلق بدون فهم، ثم قالت:

-أين الأولاد؟

 

ابتسمت صافي قائلة ببساطة:

-في الجامعة؛ فاليوم أولى اختباراتهم ولكنه شفهي، أخبرني عمرو أنه اختبار بسيط فلا تقلقي.

هزت أمينه رأسها في حيرة، ثم تساءلت:

-كيف حال هيثم؟ هل هو بخير؟

 

نظرت لها صافي بدهشة، ثم جاوبت بسؤال:

-تتحدثين وكأن لكِ فترة لا تتحدثين إليه.

صمتت قليلًا ثم قالت بمزاح:

-أنا أعلم إنك لا تقتنعين باقتناء الهاتف المحمول ولكن، في موقف كهذا كنتِ ستحتاجين إليه.

  

 

نظرت لها أمينه باستنكار، فاستطردت:

-على الأقل كنتِ ستتصلين بي لتخبريني بموعد وصولك، لأكون بانتظارك.

فكرت أمينة قليلًا في صمت، ثم هزت رأسها قائلة في نفاذ صبر:

-اسألك عن حال ابني، ما بالك تجيبي سؤالي بسؤال.

 

هزت صافي كتفها في بساطة:

-لا أقصد، قصدت بحديثي لماذا لا تتصلِ به لتطمئني عليه بنفسك؟

نظرت أمينه امامها وقالت في هَم:

-حاولت، لكن منذ فترة وأنا أشعر بتغيره، منذ مجيئه هنا وأنا أحاول الاطمئنان عليه كل فترة والاتصال به، لكنه.

 

نظرت أمامها وقالت في حيرة:

-يقتضب في الحديث معي، و أحيانًا يتهرب من الرد عليّ.

صمتت قليلًا ثم قالت في قلق:

-واليوم شعرت بالقلق عليه دون سبب.

 

 نظرت لها صافي واختفى بداخلها جو المرح الذي كانت تتحدث به.

عندما تذكرت أن أختها تملك حدس لا يخيب، وقد أثبتت ذلك بجدارة في مواقف سابقة.

*******************************

جلست شهد في غرفتها، محاولة أن تستذكر مادة تراكمت دروسها.

حاولت أن تستدعي بعض التركيز، حاولت مرارًا لكنها فشلت، كانت ملامحه تلوح أمام عيناها فتمنعها عن ذلك بسهولة.

ابتسمت في استسلام، ثم قامت من مكانها كعادتها في اختيار الأغنية التي تتردد في ذهنها تلك الايام.

اتجهت إلى مشغل الأغاني، تنهدت وأدارته، ابتسمت حينما استمعت إلى صوت  - ميريام فارس-

 

"أنت الحياة، من دونك ما باعيش، ما بدي تبعد عني، باعدّ اللحظة لو عني بتغيب بغيابك بتجنني"

استسلمت للحظة حالمة، فلمعت عيناها من التأثر، استعادت حديثه معها ونظراته إليها في وله.

كم تمنت أن يتركها فقط تنظر إليه، تتحدث معه، تخلق معه تواصل من أي نوع.

أما أن يأتي هو ويعطيها رقمه، بل ويسألها أن تُقدم له خدمة.....توقفت أحلامها فجأة حينما تذكرت الخدمة المطلوبة منها.

 

انتفضت من مكانها لتخرج من غرفتها، باحثة عن دفتر أرقام الهاتف، ما آن وجدته حتى فتحته في لهفة واستخرجت الرقم.

أخرجت هاتفها ودونته أولًا، ثم أحضرت رقم التواصل الخاص به على خدمة التواصل الاجتماعي، ترددت قليلًا متأملة صورة الصفحة الشخصية الخاصة به، ثم تنهدت وأرسلت أولى كلماتها له بيدٍ مرتعشة:

سلام عليكم أنا شهد سأرسل إليك رقم الهاتف الخاص بالمعلم الآن

 

ضغطت إرسال ثم تبعته بإرسال الرقم، انتظرت قليلًا حتى ظهرت علامة وصول الرسالة، ثم اخذت نفس عميق وألقت هاتفها بعيدًا في خجل. 

استدارت مبتسمة في سعادة، فقابلت والدتها بالصدفة، التي قالت حينما رأتها:

-شهد ماذا تفعلين؟

انتبهت شهد إلى والدتها، فأجفلت وقالت في تلعثم:

-لا شئ، أنا ....كنت ..... أرغب في البحث عن رقم ما، ..... ووجدته.

 

صمتت تهاني، ثم قالت:

-متى عدتِ، لم أشعر بك.

-اعتقدت إنك نائمة.

حركت تهاني رأسها، وقالت:

-لا كنت في المطبخ، لما لا تنضمين إليّ..

 

ترددت شهد قليلًا، ثم هزت كتفها وقالت في بساطة:

-ولم لا هيا بنا.

اندهشت تهاني لسرعة استجابتها، لكنها تبعتها في صمت.

-ماذا تطبخين اليوم؟

قالتها شهد في فضول، وهى تتأمل الاطباق المتراصة على منضدة الطعام بداخل المطبخ. 

 

-طبق والدك المفضل.

قالتها مبتسمة فصاحت شهد في سأم:

-صينية بطاطس بالفراخ المشوية.

امتعضت، فصاحت والدتها لائمة:

-شهد، ليس ذنبي أنك تكرهين كل أصناف الطعام.

 

التقطت شهد ثمرة خضار وبدأت في التهامها في لامبالاة، سألتها والدتها في اهتمام:

-ما أخبار المذاكرة؟ امتحانات نهاية الترم قد اقتربت، فهل أنتِ مستعدة.

هزت رأسها وهي تلوك الطعام في فمها، ثم قالت:

-أحاول، لكني أحتاج إلى بعض التغيير.

 

تحدثت معها بانطلاق محاولة أن تشاركها أحداث حياتها اليومية:

-اتفقت مع والدي أن نخرج سويًا في نهاية الأسبوع، سألت مريم أن تنضم لنا لكنها رفضت.

نظرت لها والدتها في اهتمام ثم قالت:

-نهاية الأسبوع؟

 

أشارت شهد برأسها إيجابًا، فاستطردت والدتها متسائلة:

-ولماذا رفضت مريم الانضمام إليكم؟

ردت شهد بسرعة:

-قالت أن امتحاناتها اقتربت، وليس لديها متسع من الوقت.

 

نظرت لها تهاني، وقالت في لوم:

-معها كل الحق، أنتِ أيضًا ليس لديكِ الوقت.

نظرت لها شهد في استنكار، فاستطردت:

-فلنؤجل -هذا التغيير- إلى ما بعد نهاية الامتحانات، على الأقل حتى تنضم إليكم مريم.

 

نظرت لها شهد، وقالت بلهجة لائمة:

-أخبرتك أنا في حاجة إلى التغيير، لقد طال الترم كثيرًا، ومازال.....فلا بأس من كسر الروتين.

ردت والدتها في اهتمام:

-شهد أنتِ في سنة فارقة وهامة، فهي تفصلك عن الثانوية العامة، السنة القادمة لن يتوافر لكِ جو المرح هذا.

فلتنتبهي لدروسك جيدًا حتى تستطيعي اختيار القسم المناسب.

قالت جملتها الأخيرة بلهجة حاسمة، فمنذ أن أخبرتها شهد بخروجها مع والدها، وقد شعرت تهاني بالتهديد من نمو علاقتها به، شعرت بخوف أن يقترب من ابنتها أكثر منها، لم تعترف بذلك لنفسها ولكن أفعالها أظهرت ذلك بوضوح.

                             *******************************************

التفتا الصديقتان إلى عمرو، الذي جذبهم بنبرة صوته الفزعة، فتأملا ملامحه الغاضبة القلقة في رعب، صاحت يمنى في خفوت:

-هيثم؟ ماذا به؟

التقت عيناها بعين صديقتها التي نظرت بدورها إلى عمرو، تجمدت ملامح عمرو لحظات، فقالت مريم بنفاذ صبر:

-عمرو، ما الذي حدث؟ تحدث أرجوك.

 

ارتعشت شفتاه وهو يتحدث بعينين دامعتين:

-كان يحدثني، أوصاني على والدته واعتذر لي.

صمت وحاول أن يأخذ نفس بعد صعوبة، اقتربت منه مريم وقالت في قلق:

-ماذا تُعني؟

-أخبرتك، بأن حاله قد تغير.

قالها في قلق وهو ينظر حوله.

 

شردت يمنى بعيدًا تتذكر حاله معها قبل أن تتركه، ثم نظرت إلى عمرو وقالت:

-أين هو الآن؟ هل أخبرك؟

فكر عمرو قليلًا، ثم حرك رأسه نافيًا، فقالت تستحثه على التذكر:

-عمرو، حاول ان تتذكر، أنا تركته عند البوابة.

صمتت لحظة لتفكر، ثم قالت في شرود:

ماذا عن الأصوات من حوله، هل كان يوجد صوت سيارات في الشارع، أم كان بالمنزل؟

فكر عمرو ثانية، ثم صاح:

-لا لا أعتقد، كان الجو هادئًا، وكأنه وكأنه

صاحت به مريم في عصبية:

-كأنه ماذا؟

 

نظر حوله فى أرجاء الجامعة، واستطرد:

-كأنه هنا.

صمت مفكرًا، ثم استطرد:

-نعم، لقد كان صوت مؤذن مسجد الجامعة، كان في نهاية الآذان تقريبًا.

 

التقت عيناه بعين يمنى التي قالت وهى تنظر حولها تستعيد لحظاتها السابقة:

-بالفعل، كان آذان الظهر يتردد من مسجد الجامعة حينما ودعته من هذا الاتجاه.

أشارت إلى اتجاه المسجد، فتحركوا جميعًا.

 

سألته في حيرة:

-عمرو تذكر أى تفاصيل أخرى، هل كان صوت الآذان قريب أم بعيد؟

حاول عمرو التذكر وهو يسير الى جوارهم دون أن يعلم إلى أين، فقال في تردد:

-على ما أتذكر كان الصوت يبدو بعيدًا، أو..... كأنه يتحدث من مكانٍ عالٍ.

 

توقفت يمنى عن السير، أغمضت عيناها محاولة وضع حالها مكانه.

هي لا تعلم بماذا يشعر، لكن من الواضح أن غضبه تفاقم، حاولت استنباط مشاعره قبل اللحظة الذي قرر فيها أن ينهي حياته، غضب خوف يأس، مكان مرتفع.

 

فتحت عيناها ببطء كأنها تذكرت شئ هام، وترددت جملة في عقلها، قيلت على لسانها منذ أيام. 

"أتي هُنا عندما أرغب في مواجهة خوفي"

تذكرت عبارتها فوضعت يدها على فمها، وسارت بخطوات سريعة تحولت إلى الركض، بينما تبعها عمرو ومريم بعدم فهم، حتى وصلت إلى المبنى.

 

المبنى الذي قادته بنفسها إليه منذ أيام، توقفت ونظرت إلى أعلى، هوى قلبها من الفزع، شهقت وقد وضعت يدها على رأسها حينما لمحت هيثم يقف على حافة السور مغمض العينين في وضعٍ خطر.

اقترب منها مريم وعمرو وتتبعا عيناها حتى رأوا المشهد المرتقب، صاحت مريم في بكاء حار:

-هيثم..

 

نظر عمرو إلى أعلى وصاح هو الآخر:

-هيثم ماذا تفعل أيها المجنون.

تسمر كلاهما في مكانه.

 

وحدها يمنى التي تحركت ركضًا دون تفكير، لتحاول الوصول إليه قبل أن يلقي بنفسه من مكانه، المكان الذي تعودت فيه أن تواجه خوفها، لا شك أن حديثها معه قاده بشكلِ أو بآخر إلى ذلك المكان. 

 

ركضت دون أي تفكير، بأنفاسٍ متقطعة، لم تفكر بأى كلمات ستواجه بها خوفه، الذي لم تعلم مصدره.

لكنها ركضت بكل ما آتيت من قوة على أمل اللحاق به،

وهي تدعو من قلبها أن يمهلها القدر الفرصة لإنقاذ حياة شاب على حافة الموت منتحرًا، لكنها تأكدت في نفس اللحظة التي تأكدت فيها مريم أن حياة هذا الشخص تمثل بلا شك أهمية خاصة لكلاهما.

 

لكن السؤال الذي طرأ على ذهنها في تلك اللحظة، ما الذي دفعه للتفكير في إنهاء حياته بهذه البساطة.

 

                         *****************************


مواعيد النشر: الثلاثاء

(((لقراءة الفصل الحادي عشرة اضغط هنا)))


#بالحب_الفصيح

#رنا_منير


تعليقات