BlogLabels

القائمة الرئيسية

الصفحات




 


(((لقراءة الفصول السابقة اضغط هنا)))



المواجهة


بداخل غرفة يمنى، أنطلق صوت _ميريام فارس_ بأغنية رائجة. 

"حاول تختار بيني وبينها....حاول حاول....لأحسن تظلمني وتظلمها...حاول حاول، خلي في قلبك واحدة وبس علشان تقدر بيها تحس".

 

ابتسمت مريم ونظرت بعيدًا عن صديقتها، فمنذ أن أخفت مشاعرها عن صديقتها المقربة، لم تتمكن من النظر في عينيها دون الشعور بالغربة، قالت في برود:

-كيف حالك؟...أشعر أننا لم نعد نتحدث كثيرًا.

بادلتها يمنى النظر، لكن في عيناها مباشرة، كانت يمنى تنتظر الفرصة لتبوح لها عن ما بصدرها كي ترتاح.

 

قالت مؤكدة على حديثها:

-نعم أنا أيضًا أُلاحظ ذلك.

طالما تساءلت يمنى عن السبب، الذي يدفع مريم للهروب من النظر في عيناها، طالما شعرت بتأنيب ضمير لمجرد افتراض عدم صفاء العلاقة بينهم كما كانت.

 

حاولت مصارحة مريم بما يدور بداخلها لكنها لم تجد بداخلها الجراءة، فقامت بطرح موضوع آخر:

-هل تحدثتِ مع عمرو عن نورة؟

أومأت مريم برأسها موافقة:

-نعم، لكن الأمل مفقود.

هل تتخيلي أكاد أُجزم أنني اليوم رأيت جانب في عمرو لم يظهر لنا من قبل.

 

بدا على يمنى الانتباه لحديثها؛ فقالت مستفسرة:

-كيف ذلك؟.....لا أفهم.

حاولت مريم الاندماج والتطرق إلى موضوع عمرو، لعلها تتناسى شعور الغيرة بداخلها:

-لقد أخبرني اليوم أنه يقصد الابتعاد عن نورة، بهدف المصلحة.

 

نظرت لها يمنى بتساؤل واستنكار، فاستطردت موضحة:

-لأنه لاحظ مدى تعلقها به فلم يرغب في استغلال عواطفها.

رفعت يمنى كتفيها وقالت في بساطة:

-أشك .

 

فكرت قليلًا، ثم قالت بشرود:

-أعتقد أنه ذكر ذلك فقط لينال إعجابك. 

وإنه ابتعد من أجل راحة باله فقط، أو البحث عن فرصة أخرى.

 

تأملت مريم صديقتها للحظة مفكرة في كلماتها، ثم هزت كتفها في لا مبالاة:

-احتمال وارد.

صمتت قليلًا ثم عادت لتسألها في حيرة:

-كي ينال إعجابي.....لماذا؟

 

مطت يمنى شفتيها ثم أجابت ببساطة: 

-إنها عادة عمرو في إثارة إعجاب كل البنات من حوله.

 

فكرت مريم قليلًا، فاقتنعت بمبرر يمنى، ثم قامت لتقوم بتغيير الأغنية فاختارت أخرى تعبر عن ما بداخلها، فألقت يمنى نظرة عدم فهم عندما انبعث صوت كاظم الساهر:

"أشكيك لمين لمين لمين، يُشعر بقلبي الي إنظلم وياك سنين، والخصم إنت والحكم"

 

دمعت عيناها عندما استمعت للأغنية، فنظرت لها يمنى بدهشة وقطبت بين حاجبيها:

-كاظم؟ ......لا تلجئين إليه إلا في الأزمات.

صمتت وأدارت عيناها بعيدًا، فاقتربت يمنى منها وربتت على كفها في حنان:

-ماذا بكِ؟

أشعر بأننا نتجنب الحديث بصراحة كعهدنا.

 

اكتفت مريم بنظرة لائمة بعيناها الدامعتان، فارتبكت يمنى قائلة في قلق:

-لم أعهد في تاريخنا كله نظرة كتلك.

أدارت مريم وجهها بعيدًا في صمت، فاستحثتها يمنى ثانية:

-هل ترغبين في التحدث عن موضوع بعينه؟

 

ردت مريم كاذبة بسرعة:

-لا....

حاولت يمنى إيجاد القوة للنظر مرة أخرى بعينها، قائلة في ثبات: 

-حتى موضوع هيثم!!!

 

أطالت مريم النظر هذه المرة، ثم أدارت وجهها هربًا من المواجهة، فقالت يمنى وهي تنظر أمامها:

-بداخلك أسئلة أنا أعلم، صارحيني.

انبعث صوت كاظم مرة أخرى، يستحثها للبوح عن ما بداخلها:

" ده أنا شكوتي منك إليك، وفرحتي ودمعي في إيديك".

 

فقالت بعد تردد:

-ما الذي يدور بينكم؟

ظهرت على ملامح يمنى الضيق لاتهامها البين من صديقتها، فقالت في سرعة بعينٍ لامعة من التأثر:

-لا شيء.

 

نظرت لها مريم موجهة كلمات أغنية كاظم التي لمست مشاعر جارحة كتمتها بداخلها.

"وإن كان ضميرك نفسه، ما بيقدر عليك".

استطردت حديثها معها في عصبية حاولت التحكم بها:

-إذن، لماذا أجدك دائمًا معه، لاحظت تكرار الصدف أكثر من مرة في وقتٍ قصير.

 

شعرت يمنى بالحرج، لكنها زاولت الدفاع عن حالها:

-بالفعل تتكرر الصدف، بدون أي ترتيب.

أو تدخل مني.

رفعت مريم إحدى حاجبيها، وقالت بلهجة لم تخلو من التهكم:

-إذن فهو القدر، أليس كذلك؟

 

التقت عيناهم دامعة للحظات، دون مقدرة منهن على النطق 

سارعت يمنى بإدارة الحديث من جانبها فقالت:

-هل مازلتِ معجبة به؟

نظرت لها مريم صامتة، واستشعرت الشك من سؤالها، فاستطردت يمنى مستدركة لتنفي التهمة:

-إذن لماذا لا تحاولين الاقتراب؟

 

ردت مريم بسرعة:

-لأنك تَحولين دون ذلك.

قالتها مريم بدون تفكير، شعرت يمنى بالصدمة من اتهامها ثانية،  فقالت بلهجة حاولت أن تتسم بالبساطة:

-أطلبيها الآن،  وسأبتعد عنه فورًا.

 

قالتها كأنها تُحدث نفسها، تستحث صديقتها أن تأمرها بالابتعاد حتى تمتثل، لكنها هزت رأسها وقالت:

-لست مضطرة إلى ذلك.

 

صمتت وأبعدت عيناها عن يمنى، فقالت الأخيرة:

-أنتِ تتصرفين معه بحذر، ليس كعادتك.

منذ متى تواجهين مشكلة في ممارسة سحرك على الآخرين.

 

قالت جملتها الأخيرة بتهكم واضح، فنظرت لها مريم غير مصدقة، شعرت بنار تحترق بداخلها طالما حاولت السيطرة عليها، خرجت منها الكلمات دون وعي وهي تجيب:

-وكيف أمارس ذلك، فكلما رأيته إما وجدته معكِ، أو سألني عنك.

 

احتد الموقف بينهن، شعرت يمنى بالرهبة من مواصلة الحديث وقد تفاقم الموقف اشتعالًا، آثرت الصمت والهروب مرة أخرى، لكن شعورها اختلط بالغبطة لِما تركته كلمات مريم من أثر طيب لمسته في اهتمامه بالسؤال عنها في غيابها، لكن تبع الغبطة إحساس بالذنب. 

بحثت عن الكلمات وحاولت نفي التهمة:

-أقسم بصداقتنا، أنني لم أقصد الاقتراب منه قط.

 

تنهدت مريم بصوت كأن ما بها مازال مكبوتًا، والتقت عيناهم ثانية، صمتت يمنى لكن أفكارها تضاربت، 

وتساءلت عن شعورها نحوه، لماذا تترك له المجال للاقتراب منها، لماذا لا تستطيع صده بسهولة، وهل تلك المشاعر تقترب أو تتشابه ولو من بعيد من الحب.

وإذا كان الجواب نعم، لما تأتي المشاعر مختلطة ومحرمة هكذا.

 

*******************************

دخل آسر مقهى الجامعة، حسب اتفاق مسبق مع مريم.

حيث اتفقت معه أن يشرح لها محتوى مادة كان قد اقترب الاختبار الشفهي الخاص بها، كانت مريم لا تفقه حرف عنها.

 

كان آسر معروف بأنه الطالب المتفوق، الذي يستطيع بجدارة تلخيص المادة وتسهيلها قبل الاختبار بأيام، بل واستطاع أن يكتسب الثقة في توصيل المعلومة بسهولة لمن يرغب.

دخل المكان في موعده فوجد مريم جالسة بشرود تبعث بهاتفها دون اهتمام.

فاقترب منها وعيناه تتأملها في إعجاب لم يستطع إخفاءه:

-هل تأخرت؟....اعتذر.

 

نظرت له مريم وتهللت  أساريرها قائلة:

-لا.. أنا هنا قبل الموعد لا يوجد مشكلة، تفضل.

جلس آسر ووضع كتبه أمامه، ثم قال في تساؤل:

-إلى أين شردتِ بخيالك؟

 

ابتسمت له في براءة:

-أبدًا، قارب الترم على الانتهاء، وأشعر بأنني لست جاهزة.

قطب جبينه في قلق حقيقي:

-لماذا، أنا أتساءل يبدو لي أنك مشغولة البال....أريد أن أطمئن هل كل شيء على ما يرام.

 

أشارت برأسها بلهجة خالية من الثقة:

-نعم...لا تشغل بالك.

أجاب بسرعة ودون تفكير:

-كيف هذا، مريم أنتِ غالية عندي....

 

نظرت له في حيرة، فاستطرد ليؤكد معنى حديثه، وقد واتته الفرصة إلى ذلك:

-كما تعلمين، علاقاتي بزميلاتنا البنات تكاد تكون سطحية.

أما أنتِ.

 

صمت قليلًا، فشعرت هي بالحرج خاصة أنها لمحت تأثر بعينيه، وهو يقول:

-أنتِ غير....أنتِ صديقتي المقربة التي أعتز بها وأتمنى دوام وجودها في حياتي.

اتسعت عيناها في دهشة، وشعرت بأنها تريد تغيير الحديث، فحاولت:

-أنت أيضًا، أنا أكن لك كل الاحترام والتقدير.

شعر بخيبة الأمل من حديثها المقتضب، خاصة عندما استطردت:

-دعنا نبدأ المادة، ليطمئن قلبي.

 

قالتها وفتحت كتابها لتضعه أمام الأمر الواقع، فنظر لها لحظة في شرود ثم بدأ في الشرح وهو يتابع عيناها ووجهها الذي اكتسى بحمرة الخجل منذ أن حاول التعبير عن قليل مما بداخله.

لكنه كذّب إحساسه بأنها تصده، أرجع موقفها إلى عدم استقرار مشاعرها من جراء علاقتها السابقة وخوفها من القادم، حاول أن يُطمئن قلبه ويخبره بأن هذا هو السبب الوحيد لعدم تجاوبها معه.

********************************

 

في نسيم الصباح العليل، اختلطت زقزقة العصافير المغردة مع صوت إحدى أغنيات التراث القديم لفيروز 

المنبعثة من راديو السيدة عائشة، حيث دعت جاراتها المقربتان لتناول فطور به ما لذ وطاب، من صنع يدها.

تولت تهاني عمل الشاي، وساعدت صافي في رص الأطباق ووضع الكيك والمخبوزات الطازجة.

 

سألت عائشة في فضول:

-كيف حال ضيفك الجديد يا صافي، لم تُحدثينا عنه بعد؟

ابتسمت صافي في سلام، وأجابت بسعادة:

-هيثم، أنه ابني الثاني، لا يقل عن غلاوة عمرو....فقد توليت تربيته منذ الصغر.

 

تدخلت تهاني لتضيف:

-توقعنا ذلك، فهو في نفس عُمر ابنك عمرو.

أشارت صافي برأسها إيجابًا:

-نعم، أنا سعيدة لأن الفرصة سنحت له ليعيش معنا.

 

صمتت قليلًا، وبدأ ثلاثتهم في تناول الطعام، ثم قالت عائشة:

-حان دور البنات....

نظرت إلى تهاني، موجهة حديثها إليها:

 -كيف حال بناتك يا توتو.

 

نظرت لها تهاني وقالت بحزن:

-بخير، لكن

تركت الطعام وشردت لحظات فسألتها صافي بسرعة:

-لكن ماذا؟ أخبرينا.

 

حركت رأسها، وقالت:

-مريم ستقودني للجنون، رابع عريس ترفض حتى إن تراه.

عقدت عائشة حاجبيها، ثم سألتها في اهتمام:

-ولم العجلة؟ ما زلت تدرس، والمستقبل أمامها فلتتركيها كما تُحب.

 

نظرت لها تهاني وقالت في استياء:

-لقد كبروا يا عائشة، وإذا جاءتنا فرصة جيدة، لماذا لا ننتهزها، ماذا إذا كان فيها نصيبها. 

تبادلت عائشة وصافي النظرات، وتساءلت الأخيرة:

-ولماذا ترفض مريم أن تقابلهم؟

 

هزت تهاني كتفيها، وقالت:

-لا أعلم، قالت لن أتزوج بهذه الطريقة. 

صمتت وعلامات الاستياء بدت على وجهها، ثم استدركت وهي تلوك قطعة من الخبز بفمها:

-بنات آخر زمن.

 

نظرت صافي إلى عائشة، متسائلة في مرح:

-وأنتِ يا شوشو، أفلا ترغبين في زواج ابنتك أيضًا.

ضحكت عائشة ثم قالت:

-بالطبع أتمنى، ومن منّا لا يفعل، لكن كل شيء بموعد.

عادت لتربت على كف تهاني، قائلة:

-النصيب سيأتي، فلا تقلقي.

 

قالت صافي مازحة:

-هيا لنخلط زيتنا بدقيقنا، بناتكن الفضليات لأولادي الشباب هيثم وعمرو.

ابتسم الجميع لمزاحها، فهم يعلمون جيدا أن عمرو في مقام أخوهم منذ الصغر،

استدركت هي في جدية، كأنها تبث فكرة راودتها:

-بعيدًا عن المزاح، هذا الأمر يُقلقني أنا أيضًا.

 

التفتوا لها، بينما استدركت:

-أنا أعلم أن عمرو علاقاته النسائية عديدة، ولكن 

صمتت قليلًا ثم استطردت في قلق:

-هل يوجد بينهن فتاة ذات خُلق صالح أتمنه عليها.

 

تدخلت عائشة مرة أخرى:

-ما بالك تحملين الهم من الآن،  ابنك مازال أمامه مستقبل طويل من الكد والعمل كي يهيئ نفسه لأي ارتباط.

في حين تدخلت تهاني قائلة بلهجة مرحة:

-ولا تقلقي فلن نعز بناتنا عليه.

غمزت لعائشة فتبادل ثلاثتهن الضحك المنبعث من القلب كعادتهن.

 

على الرغم من حديثهن المرح، إلا أنه لم يخلو من القلق، فاقتراب شاب لا يعرفونه جيدًا مثل "هيثم" من بناتهن أثار القلق بداخلهن، فموقفه يختلف عن عمرو كثيرًا، خاصة أن بناتهن قد تحدثن عنه من قبل، وإن كانت عائشة قد تكهنت بالموقف الدائر بينهن حوله. 

واصل الجميع تناول فطورهن وفي عقل كل واحدة منهن قلق من نوع ما.

                                ***********************************

خرجت مريم ويمنى من اختبارهن الشفهي، تحدثا قليلًا مع سالي صديقتهن، حتى خرج هيثم وعمرو

فتقابلا، بدا على هيثم التجهم فسألته مريم في قلق: 

-هيثم، ماذا بك؟ يبدو عليك الضيق؟

 

التزم الصمت، بينما تحدث عمرو نيابة عنه:

-لقد تشاجر مع الدكتور.

انتبهت يمنى للحديث فجأة، فصاحت باستنكار:

-ماذا؟! الدكتور شخصيًا؟

 

تبادل عمرو معه النظرات ثم أشار برأسه:

-نعم، لقد أخبرته من قبل، ألا يتعامل مع الموضوع باستهتار.

 التقت عينان الفتاتان معًا، وقالت مريم:

-ما الذي حدث يا هيثم؟ لماذا وصلت بك الأمور إلى هذا الحد.

 

حافظ هيثم على تجهمه، ورد مقتضبًا على مريم:

-ما حدث قد حدث. لن يفيد الحكي عنه.

شعرت مريم بالإحراج، فالتزمت الصمت، تابعته يمنى بعيناها.

لحظات قليلة حتى وصلوا جميعًا إلى مقهى الجامعة، سأل عمرو البنات:

-ما أخبار الاختبار؟

 

ألقوا نظرة على هيثم، ثم قالت مريم في خفوت:

-جيد إلى حدٍ ما.

أومأت يمنى موافقة برأسها دون أن تنطق، هَم الجميع بدخول المقهى، في حين توقف هيثم فجأة، وقال معترضًا:

-لا أرغب في الدخول.

نظر له الجميع، وأشاح عمرو بوجهه، بينما نظرت مريم أمامها بعيدًا عنه، وحدها يمنى من التقت عيناها بعينيه، وشعرت أنه ليس بخير، قال في استسلام:

-تفضلوا أنتم، أعتقد أنني سأغادر.

 

تقدمهم عمرو دون تفكير شاعرًا بالغيظ من ابن خالته على استهتاره واندفاعه في الرد على الدكتور، في حين تبعته مريم، لتفهم منه ما الذي حدث بعيدًا عن هيثم.

وجدت يمنى نفسها كالعادة، وحدها معه.

 

همت بتتبع صديقتها وعمرو، بعد تردد لكنه استوقفها، قائلًا:

-يمنى.

توقفت ونظرت إليه في تساؤل، فصمت لحظات ثم أجاب:

-أعتذر، فلتًكملي طريقك، لا عليكِ.

 

قالها وهم بالسير مبتعدًا لكنها استوقفته بإشارة من يدها،  وشعور داخلي بأنه في حاجة إليها:

-انتظر....

نظر لها في أمل، فقالت على الفور:

-سأذهب معك....أشعر بأنك في حاجة إلى ذلك..

 

نظر لها وظهر شبح ابتسامة للحظة، سرعان ما اختفت وحل محلها الجمود نفسه، استطردت هي موضحة:

-يمكنني السير معك حتى بوابة الخروج.

سارت إلى جواره بعد أن ألقت نظرة خاطفة على المقهى، حيثُ اختفى مريم وعمرو.

                              **************************************

أنهت شهد درسها، واتصلت بوالدها، لتُحدد معه الموعد المتفق عليه سابقًا، قالت في اعتراض:

-مريم لن تستطيع الخروج هذا الأسبوع،  لانشغالها بامتحاناتها..

استمعت إلى صوته، ثم قالت:

-نعم، ولم لا فلنخرج سويًا وحدنا، لا يوجد مشكلة لديّ.

ابتسمت في سعادة، عندما رأت الشاب الذي يروقها، تخطاها أولًا.

فخفق قلبها. لكنه عاد فجأة فتلاقت عيناهم للحظة، شعرت هي أنه في حاجة إلى شيء، فأنهت المحادثة مع والدها، بالفعل اقترب ليتحدث معها:

-شهد كيف حالك؟

 

تلجلجت شهد قليلًا في حرج:

-أنا؟  بخير...كيف....أنت ....كيف حالُك؟

نظر لها باستنكار، وحرك رأسه ثم قال:

-كنت أرغب في سؤالك عن أستاذ الرياضيات الذي تذهبين إليه.

سرحت بعينيها في عينيه.

 

لم تجب لأنها ببساطة لم تنتبه إلى سؤاله، مرت الكلمات على أُذنها فقط دون إدراك حقيقي لمعناها، فعقلها لم يكن حاضرًا، شعر هو بعدم التجاوب، فهَمَ بمناداتها:

-شهد؟!

انتبهت فجأة:

-ها....نعم....أنا معك.

 

ابتسم وقال:

-ماذا بكِ؟ 

حركت رأسها محاولة أن تفيق، لتعود إلى طبيعتها، فقالت:

-أنا معك. تحت أمرك...

 

قالتها في خفوت، بالكاد استمع إلى صوتها الهادئ، فنظر لها بتساؤل، فقالت:

-ماذا قُلت؟

كرر حديثه وهو ينظر إليها:

-كنت أسألك عن أستاذ شعبان مدرس الرياضيات، هل يقبل دخولي في المجموعة، وما رأيك به 

هل يقوم بالمراجعة وحل الأسئلة، فالمدرس الذي أتابع معه.....

 

تحدث كثيرًا عن أشياء لم تنتبه إليها، شرد ذهنها إلى فكرة واحدة.

أنها واقفة تتحدث معه، مع "أحمد" فتى أحلامها.

الذي طالما تخيلته في أول لقاء بينهم، غير مصدقة أنه قصدها هي ليسألها عن .....أي شيء، فالسبب غير مهم، الأهم الآن أنها أخيرًا تعيش الحلم واقعًا:

-فما رأيك؟

 

انتبهت من شرودها على سؤاله، فابتسمت وحاولت تجميع بعض الكلمات المفيدة:

-نعم نعم، هو جيد .

بتلك الكلمات المقتضبة أجابته، فسألها ثانية:

-وهل سيقبل دخولي معه.

أومأت برأسها: 

-نعم أعتقد ذلك.

 

-شكرًا يا شهد، من فضلك أرسلي لي رقمه حتى أجعل والدتي تهاتفه.

نظرت له قائلة في حيرة: 

أرسله لك؟

قال ببساطة:

نعم سأعطيكِ رقمي، اكتبي

 

كان الهاتف لا زال في يدها فأمسكت به، لتسجل الرقم في استنكار غير مصدقة.

-من فضلك، هاتفيني الآن حتى أقوم بتسجيل رقمك.

 

لمعت عيناها، قامت بالضغط على الأزرار كافة، قبل أن تتمكن من تسجيله بالفعل، ثم ضغطت اتصال، حتى رن جرس هاتفه، فابتسم لها وودعها ببساطة:

-أشكرك، سأنتظر رقم المُدرس.

 

أومأت برأسها في خجل، وشعرت بوجهها يكاد يشتعل من فرط العاطفة، تابعته بعيناها حتى اختفى، ثم نظرت إلى رقمه غير مصدقة، وشعرت أن الظروف تقربها له أكثر في كل مرة.

                            ***********************************

سارت يمنى إلى جواره صامتة، خطفت نظرة جانبية سريعة ثم قالت في ود:

-لا تقلق، فأنا أعرف هذا الدكتور، فهو غير مؤذي.

لم يجب فاستطردت:

-أنا لا أعلم ما الذي حدث بينكم، لكن إذا أخطأت فعليك الاعتذار.

 

وقف فجأة ونظر إليها في غضب، فتبادلت معه نظرة هادئة، ثم رفعت إحدى حاجبيها، وتساءلت:

-هل نطقت بأي شيء خاطئ؟

حرك رأسه رافضًا، ثم أكمل السير وهو يقول:

-لا، لكن ليس كل مخطئ عليه الاعتذار، فمن الممكن أن يكون خطئي مجرد رد فعل.

 

نظرت إليه بدهشة، ثم قالت:

-لماذا أشعر أنك تتحدث عن موضوع أخر.

صمت، فقالت:

-على كل حال لا تحمل همًا، الأهم هي الامتحانات القادمة، فلنركز على القادم.

 

حرك رأسه رافضًا:

-تلك هي المشكلة، لا أشعر أنني مستعد لها.

-ولم هذا الاستسلام؟!

قالتها بسرعة دون تفكير، فنظر لها مرة أخرى بعصبية أكبر، فقالت:

-أعتذر، كان أيضًا رد فعل.

شردت ببصرها واستطردت:

شعور طبيعي، أنها السنة النهائية لنا، فمهما بلغت استعداداتنا لن نشعر بأنها كافية.

 

اكتفت بجملتها الأخيرة،  وشعرت أنه في حاجة إلى تغيير الموضوع، فقالت:

-هيثم، هل تعلم أنني لأول مرة ألمح تجهُمك و عصبيتك، منذ أن تعارفنا.

توقف عن السير، فنظرت له بعمق، ثم قالت في هدوء:

-لأول مرة أشعر أنك تكترث لأمرًا ما.

 

حملت نظرته الدهشة، فابتسمت هي:

-ها قد اقتربنا إلى البوابة، لكن لن أتركك حتى تبتسم.

لانت ملامحه فجأة، وابتسم ببطء:

-نعم، ها هي الابتسامة بدأت في الظهور.

 

قطب جبينه باستنكار، وتساءل:

-أيّ ابتسامة؟

أشارت بيدها:

-تلك الابتسامة  الصافية. 

قالت موضحة وفي عيناها لمح بريق إعجاب:

-هل تعلم أن لديك ابتسامة مميزة. 

 

اتسعت ابتسامتها عندما اتسعت ابتسامته الواثقة، وقد نجحت في استدراكه إلى موضوع آخر، فأكملت في جدية حاولت ارتجالها:

-صافية، أشعر معها أنك لا تستطيع إهانة أو ظلم أحد.

 

نظر لها وشعرت أن الابتسامة قد اختفت، تحولت نظرته إلى استنكار حقيقي، هم بقول شيء لكنها استوقفته:

ابتسامة الشخص هي نافذة على شخصيته.-

حملت ملامحه الجمود ثانية، فاستطردت بإشراق:

-لا تجعل الهَمْ يفقد شخصيتك بريقها، فأنت طيب القلب لا تظلم نفسك.

 

نظر لها نظرة طويلة، حملت حيرة لم تفهمها، ودعّته قائلة:

-تذكر نحن إلى جوارك، أنا وآسر نتولى دائما شرح وتبسيط المواد فلا تتردد إذا كنت في حاجة إلى ذلك.

 

تركته واستدارت لتعود إلى المقهى المعتاد، وقف مكانه ينظر إلى اتجاه سيرها وقد ظهرت لمعة في عيناه، لم يستطع إخفاؤها وهو يفكر في حديثها، وإحساسه بها.

شعر هيثم بشعور متضارب، على الرغم من شعورها به وشفافيتها معه التي نفذت إلى روحه بحق، لكن في أعماق نفسه ظهرت معاناة وضعف حاول كثيرًا أن يخفيهم بعيدًا عن عقله الواعي، شعور سلبي كان يظهر دائمًا في أحلامه ولا وعيه.

 

لكن استطاعت كلماتها التي وصفت عكس حقيقته الحالية في إثارة مشاعره وتقلبها،

بدلًا من التوجه إلى بوابة الخروج استدار هيثم قاصدًا وجهة أخرى، قادته إليها فكرة مجنونة سيطرت عليه.

***************************************


مواعيد النشر: الثلاثاء


(((لقراءة الفصل العاشر اضغط هنا)))


#بالحب_الفصيح

#رنا_منير

تعليقات