BlogLabels

القائمة الرئيسية

الصفحات

 



(((لقراءة الفصول السابقة اضغط هنا)))



(انتقال إلى أرض الزبير)

 

ألقى الزبير نظرة أخيرة على أرض القمر، لم يتوقع أن يأتي إليها فاتحًا ويحصل عليها بتلك السهولة، هو فضل الله ومنته عليه ليس بجهده أبدًا، عبر عن شكره بقول: 

_الحمد لله.

 

ليس ذلك وحسب بل أيضًا أخذ أميرتها عروس لبلاده، مشى بين الشعب وهو يقول: 

_سأترك مجموعة من الأعيان في أرض القمر ممن أثق بهم، كعادتي عندما أفتح مدينة جديدة.

 

تابع بصوته الجهوري، ونبرته التحذيرية:

_سيعلمون الناس القرآن والسنة النبوية الشريفة، يفقهونهم بأمور دينهم وسينقلون الأخبار لي. 

 

قلبه غير مرتاح، ولا ثقة له بحاكم أرض القمر وذلك اللعين رئيس الوزراء نادر.

كره نادر قبل أن يراه عندما علم أنه خطيب كوهندار، وكرهه أكثر عندما دلف إليه مع ذلك الوفد.

 

تنحى جانبًا يخاطب نفسه: 

_ذلك المغرور المتعجرف، تقاسيم وجهه تظهر كم هو متعالي! لم أعد أراه، ترى في أي جحر اختبأ؟!

 

حمل الزبير صرة من الدراهم الذهبية، يقلبها بين يديه، أشار إلى ماهر: 

_أعطها لكوهندار؛ لتشتري ما تحتاجه من ملابس وأشياء من أرضها.

ستكون أوامرها مطاعة ومجابة كأنني من يتكلم!

 

أعطاها مكانة سامية بين قومه تشبه مكانتها في بلادها؛ كيلا تشعر بالغربة.

 

دخل أحد الجنود إليها ينقل أوامر الزبير:

_طلب سيدي أن تنقلي أشيائك إلى السفينة الحربية الأولى والتي تدعى(كيروف).

 

أردف شارحًا:

_ يفضل أن تكون بسرعة؛ لأننا سنرحل في المساء.

 

_والأمير، هل سيرحل معنا؟!

 

_ نعم يا سيدتي، لكنه سيركب السفينة الأخيرة( سيفاتي) ليطمئن على سير السفن أمامه.

 

_لم أفهم، فما تلك المسميات؟!

 

_كل سفينة من سفننا لها اسم يميزها طبع على ظهرها كعلامة فارقة بين السفن، ولها طابعها الخاص أيضًا فكل سفينة صممت بطريقة مختلفة وفريدة.

إن الأمير يبقى على أعصابه من لحظة انطلاق الحملة وإلى لحظة عودتها.

لم يترك شعبه يخرجون يومًا دونه، كان في الطليعة دائمًا.

هذا ما يميزه، وهذا ما يجعله الشخص المفضل عند قومه.

 

أما من يبقى مكانه في حكم البلاد فهو "الشيخ طلحة" ذلك الشيخ العجوز الوقور، الذي ينقط لسانه الحكمة إذا تحدث، يراقب البلاد ويخبر الزبير بالتفاصيل، لا يبّت الحكم بشيء لحين عودة الأمير.

 

في إحدى مقصورات السفينة كيروف، دخلت كوهندار إلى الغرفة المخصصة لها، نظرت يمينًا ويسارًا، وجدت سرير بزاوية الغرفة مرتب بطريقة ملفتة، وهناك ثلاثة من الرفوف بجانبه لتضع ما يلزمها، وحمامها الخاص ضمن الغرفة. 

 

شعرت نفسها كأسيرة انتفض قلبها حتى سمعت دقاته المضطربة، برزت العروق في رقبتها من شدة توترها، شعرت بالخوف الشديد من فكرة الأسر.

فذهبت مسرعة إلى الباب لتتأكد منه، وجدته مفتوح فارتاحت لبعض الوقت، عادت للداخل مجددًا بعد أن تركته مفتوح؛ ليدخل الهواء البارد ويلفح خديها فتتورد بألوان الخجل.

نظرت من خلال النافذة الدائرية الضيقة، بعد أن ضمت يديها إلى صدرها، لا ترى شيء سوى المياه الممتدة.

 

إنه البحر متوهج بزرقته اللؤلؤية المشعة، غامض بسكونه المخيف، تتدرج مياهه بطبقات لولبية عندما تشق البارجة عباب المياه.

 

تحدث كأنها تخاطب البحر: 

_الزبير يشبهك، بجبروته وقوته، بهدوئه وغضبه، يشبهك حتى بغموضه وهلاكه أيضًا.

 

حياة جديدة تنتظرها لا تعرف كيف ستكون حلوة أم مرة، سيطر عليها الخوف فدقات قلبها تترنح في صدرها، شعرت بفجوة سحيقة في كيانها.

 

إلى الآن لم ترَ الأمير الزبير، تساءلت:

_كيف ستكون هيئته؟! هل هو قبيح لدرجة أن يخفي وجهه عني ويرحل هو بسفينة وأنا بسفينة أخرى؟! حتى فرصة التقائنا صدفة غير متاحة.

 

لكنها ستضحي من أجل شعبها، فهي الأميرة والمسؤولة عن الشعب، ولن تسمح بإراقة الدماء.

أصبحت حياتها شفافة دون ألوان، المجهول هو ما كانت تخشاه في حياتها ها قد وقعت به!

 

ليتها أحضرت أسيل معها لتؤنس وحدتها، لكنها وعدتها أن تلحق بها وستفي بوعدها بكل تأكيد فهي ملازمة لها كظلها، تذكرت كيف ودعتها والدموع ملئ عينيها.

 

حتى أمها وأباها والجميع كانت تلوح الدموع في أعينهم، انتظرت نادر لكنه لم يأتِ.

 

لا تحب لحظات الوداع لأنها مليئة بدموع الجميع إلا دموعها، تود لو بكت أمامهم أو أظهرت ضعفها مرة، لكنها كانت دائمًا الفتاة الصلبة التي لا يكسرها شيء بنظر الجميع ولن تغير تلك النظرة.

 

أما من داخلها مهشمة، متفتته، تحتاج لمن يرمم كيانها الممزق، ويخمد بركانها الثائر، لم يكن نادر يوما ذلك الشخص، لقد أثار سخطها عندما تخلى عنها بتلك السهولة.

 

لو كان يحبها فعلا لحارب الكون بوسعه كيلا يفقدها، ودت لو تمسك بها وقال لها: 

_هيا لنترك كل شيء خلفنا ونهرب لأبعد نقطة في الكون الفسيح.

 

فضل الهروب بمفرده على المواجهة؛ لن تسامحه أبدًا، إنه خطأه الذي لن تغفره.

 

زفرت بخنق وهي تقول بصوت مرتفع كأنها تكلم شخصية أخرى منها:

_لم يعد الكلام يجدي نفعًا، لنسير كما أرادت لنا الحياة ونرى أين ستكون نهايتنا؟!

 

وضعت يدها على قلبها لتهدأ نبضاته، لقد استعادت رباطة جأشها قليلًا، لم تعد خائفة كما كانت عندما دخلت الغرفة.

 

أخرجت من إحدى حقائبها شالها الصوفي الذي صنعته والدتها عندما لذعتها النسمات الباردة، لا يزال يحمل رائحة أمها!

 

تنشقته بقوة وتلحفت به فانسدل على كتفيها؛ لتشعر بقربها من أمها وتحظى بقليل من الطمأنينة، إنها حقا أميرة زمانها ومكانها حتى وإن لم تضع تاجها المرصع.

 

صعدت درجات السلم الخشبي الذي أمامها إلى سطح السفينة، بعد أن شدت على وشاحها الصوف؛  لتستمد بعض الدفء مع درجات الحرارة المنخفضة.

 

وقفت على الحافة في مؤخرة السفينة، ووقف بالقرب منها حارسين لحمايتها تلك هي أوامر الزبير، ألا تترك لوحدها.

 

الغيوم السوداء التي تجمعت فوق رأسها، تبشرها أن المطر قادم، إنها تعشق المطر، وقفت متأملة السماء تنتظر بهدوء هطول أولى قطراته.

 

لم تنتظر كثيرًا حتى بدأ المطر الخفيف يتساقط على سطح البحر، لن تشتم هنا رائحة التراب بعد المطر، لكن تقع عينيك على أجمل مشهد ممكن أن تراه ، فالمطر والبحر حبيبان تعانقا بعد فراق مرير.  

 

فتحت يديها على وسعهما تحت رذاذ المطر الخفيف، رفعت وجهها إلى السماء لتستقبل حبات المطر الشفافة المتساقطة كأنها لؤلؤ منثور.

 

أرادت أن يدخل المطر لقلبها ويبلله لقد أصبح صحراء قاحلة جرداء، جاف كجفاف بلعومها، عله ينبت برعمتها الأولى التي ستعيدها للحياة من جديد.

 

وهناك عيون الزبير تراقبها من سفينته.

شعر برغبة جامحة في كيانه ليكلمها، ليرتوي من بحار عينيها، أراد أن يطير فوق السفن العشرة ليحط على سفينتها، تمنى لو يمتلك جناحان؛ ليدلف إليها. 

 

وقف هو أيضًا تحت المطر، إنه الوابل الذي بلل ملابسه وجسده الضخم، لكنه لم يأبه فهناك نيران الشوق تلفح قلبه، وأراد اخمادها.

 

أغمض عينيه وأراد أن يرسم صورة لها في ذاكرته، لكن صورتها كانت مبهمة، وقف في المنتصف ولم يستطع أن يكمل.

 

ماهر يراقب تصرفاته، التفت إليه وهو يقول: 

_أشعر أن حياتي كلها تبقى في المنتصف، لا أعرف أن أتقدم خطوة وخاصة باتجاه قلبي.

 

أجابه بكل ثقة، فهو يعرف صديقه حق المعرفة:

_نعم، دائما أجدك في المنتصف يا صديقي، بين الأبيض والأسود، بين التقدم والتراجع، بين النار والبرودة.

 

أعاد نظره إلى كوهندار وهي تقف تحت المطر، ونطق ما في قلبه للمرة الأولى:

_أشعر أني أعرفها بروحي، لا حاجة لقلبي أن يحبها ولا لعقلي أن يفهمها.

 

لاحت له من الجهة المقابلة أرضه من البعيد، ربت على كتف ماهر وهو يقول: 

_مهما ابتعد الإنسان؛ يبقى حنينه لبيته ووطنه وأرضه.

 

_شعرت مثلك في أرض القمر بغربة، فالغربة كالخالة زوجة الأب، مهما كانت حنونة لكنها لن تكون أم.

 

اقترب من الميناء أكثر، تجمهر شعبه بانتظاره وانتظار أولادهم يلوحون لهم من بعيد، عاد منتصرًا مرة أخرى ودون حرب ما جعله يكبر في أعين شعبه.

 

وقفت البارجات الحربية، نزل الزبير  إلى الميناء بشموخه المعتاد،  تجاوز الهتافات والمباركات إلى أن وصل لوالدته.

 

قبل رأسها ونزل ليقبل يديها، حضنته بشوق كأنه غاب مئة سنة، ضمته وشدت على منكبيه العريضين، ضربت على ظهره ضربات خفيفة والابتسامة رسمت على محياها: 

_الحمد لله على عودتك سالم معافى يا أسدي.

 

_حفظك الله لي وللشعب يا أمي، إنما نصرنا ببركة دعائك.

 

ارتفع وسط الساحة لبعض الدرجات، مقبل على شعبه والابتسامة رسمت محياه:

_ ستقام الموائد ثلاثة أيام مع لياليها، احتفالا بنصرنا وبزواجي.

 

توقفت الهمهمات، عم السكون الساحة، بدى الاستهجان على الوجوه وخاصة وجه أمه.

 

وكوهندار ما تزال داخل سفينتها تناظر الساحة والاحتفال من نافذتها الضئيلة، لكن لن تتمكن من الرؤية بشكل واضح؛ فالازدحام شديد، ظهر لها الأمير من الخلف فقط.

 

تمكنت من معرفة أنه يشبه البشر، مثل والدها أو نادر حتى، لكنه جسيم الهيئة، ويبدو شعره بني فاتح يلمع تحت ضوء النهار الخافت، ربطه إلى الخلف كذيل حصان.

 

سمعت ضوضاء كأن القيامة قامت أو حرب بدأت لتوها، استطاعت أن تميز هتاف باسم الزبير، ثم هدوء مفزع، كأن الساحة التي تناظرها فارغة من البشر.

 

شعرت أنهم غريبين الأطوار وكانت تخشى أن تغادر غرفتها، ظنت أن المسلمين سيجعلون منها وليمة دسمة، فهم مخلوقات غريبة وعدائية! هذا ما كانت تسمعه من والدها وشعبها من قبل.

 

تصاعد صوت زئير من باب غرفتها، لينذرها أن أحدهم قادم، ابتعدت عن النافذة قليلًا، سمعت مجموعة من الأصوات تقول: 

_جلالة الملكة، ووالدة الزبير قادمة.

 

وقفت كوهندار لتحييها كما تحي الأمير في بلادها، انخفضت قليلًا ثم ارتفعت، اخفضت رأسها ولم تمعن النظر بها.

 

لكن والدة الزبير كانت تتفحصها بريبة كبيرة، أمعنت النظر إليها من أخمص قدمها إلى رأسها، وقالت بتهكم واضح: 

_إذا أنت من ستكونين زوجة ابني! 

 

لا تعرف كوهندار لماذا عاد الخوف لقلبها مرة أخرى، والأم الملكة تناظرها، أخذت أسنانها تصتك لوحدها، بقيت صامدة متجلدة ولم تفتح فمها ببضع كلمة.

 

غادرت الأم الملكة غرفة كوهندار التي تنفست الصعداء، قالت بصوتها الخافت:

_سأواجه جبال من العقبات أولها هذه المرأة.

 

ظنت أن الأمور ستكون سهلة، ولن يتدخل أحد بها، لكن ما وجدته الكره منذ اللحظة الأولى.

 

ودت لو تترك كل شيء خلفها وتعود لبيتها، ولسريرها وللأرض التي اعتادت على وجودها فيها، أرادت أن تترك كل شيء وتعود هاربة من جحيمها في أرض الزبير. 

 

لكن قدم جنود الأمير: 

_سننقلك وملابسك إلى قصرك الجديد.

 

لاح لها في البعيد، قصر زجاجي مرصع بقطع نحاسية، تنعكس على جوانبه الأشجار المتموجة باللونين الأخضر الباهت والأصفر الصاخب، كأنها مرايا عاكسة لصور الطبيعة حوله.

 

ذهلت بالقصر حتى قبل أن تدخله، أيقظها من شرودها صوت أحد الجنود وقد أشار إليه: 

_إنه هدية زواجك يا مولاتي، مبارك عليك القصر الزجاجي.

 

رفعت ثوبها الطويل لتخطو أولى خطواتها على الدرج الصغير المرتفع أمامها، أضحك ذلك وجه الجنود فقد ظنت أنها ستخطو على المياه الجارية تحت الزجاج وسيتلطخ ثوبها بالمياه الممزوجة بالتراب.

 

تمشي مذهولة كأنها مسلوبة الإرادة، لم ترَ في حياتها جمال كهذا، مع أن الطبيعة في بلادها فاتنة فهي تناغم بين البحر والجبل، لكن لم يستغل ذلك لصالح الأماكن والقصور! 

 

كانت القصور في بلادها مصنوعة من الحجر والأسفلت، أو من القرميد الأحمر المرصوف بشكل طولي.

قالت للجنود باندهاش: 

_لم أتوقع أن أرى قصر كهذا في مملكتكم، هي فعلا كما قيل لي أرض العجائب! 

 

أخذت تتفحص القصر من الداخل صالة كبيرة في المنتصف، جلست على المقعد الخشبي تناظر الجبل أمامها من جهة، ستقضي وقتها في تأمل الطيور التي تحط وتطير على سفوحه.

 

وترى كيف الغيوم تلامس أجزائه  كأنها تعانقه، ستمر عليها الساعات وهي تنتظر بزوغ الفجر ولحظات الغروب، ذهاب الشمس وقدوم القمر، لن تمل من تلك المناظر، ستجلس وتنام وتأكل هنا.

 

وضعت يدها على خدها والابتسامة ملئت وجهها، من المؤكد أنها نسيت أنها في أرض الزبير، كان الظلام يمد يديه الواسعتين على الجبل، سيحل الليل بعد قليل.

 

جلست لساعات دون أن تشعر بنفسها، حتى أنها لا ترف عينيها كيلا تضيع منها ثانية ما.

 

نظرت إلى الحقائب في أرض الغرفة، بعد أن خيم الظلام الدامس على المكان، ليحرمها من متعة التأمل، رتبت ثيابها في غرفتها وأمام القصر مجموعة من الجنود الذين هدأت أصواتهم مع هدوء الليل الموحش.

 

أخرجت إحدى قصصها من الحقيبة وجلست تقرأ، إنه الوقت المحبب لقلبها، تهرب إلى القراءة تغور في عالم الخيال، تسافر لحيث يقيم أبطالها، تأكل معهم وتشرب معهم تحزن لحزنهم وتفرح لفرحهم.

 

تنتهي من قراءة كتابها لتعود مرة أخرى إلى جحيم الواقع، لكنها ما تلبث أن تعود من جديد مع أبطال جدد وقصة جديدة.

 

تمددت حيث تجلس وهي تحتضن الكتاب، سرعان ما استغرقت في نوم عميق لقد كان يوم حافل بالصعاب؛ ستريح جسدها النحيل قليلا.

 

مع تغلغل ضوء الصباح إلى عينيها من خلال الحائط الشفاف الذي نامت بالقرب منه، بدأت تفتح عينيها بتململ.

 

تحرك يديها يمينًا ويسارًا، تشعر أن عظامها تكسرت من النوم على الأريكة الخشبية، نهضت وعلامات التعب ظاهرة على تقاسيم وجهها العابس، للحظات نسيت ماذا جرى معها وأين هي الآن؟! 

 

نظرت إلى فناء القصر بالقرب منها، إنها الطيور الرمادية المنتشرة في كل مكان، لفت ذلك الأمر نظرها منذ اللحظة التي وضعت قدمها في أرض الزبير.

 

في الجبل وفي الطرقات وحتى في فناء البيوت، لعلها وجدت الراحة والطمأنينة في ربوع هذه الأرض فبرحت لا تغادرها أبدًا.

 

تكاثرت بالمئات بل بالآلاف، ملأت أرجاء المدينة، لها طعامها المنتشر في كل مكان، حتى على رؤوس الجبال.

 

طرق خفيف على الباب، دخل منه جندي من جنود الزبير، فلهم اللباس الخاص الذي يميزهم، يرتدي سروال فضفاض، فوقه قميص دون أزرار، توسطه حزام في المنتصف، وضع قلنسوة على رأسه، تظنه أحد تماثيل العصر السحيق بوقوفه دون حراك.

 

دخل بعد أن سمع صوت الأميرة من الداخل وهي تقول: 

_تفضل من هناك.

 

انحنى ليقدم التحية للأميرة كوهندار، أخرج من حقيبته الجلدية التي وضعها على كتفه، ورقة من أوراق البردي.

كانت بلون التراب الممزوج بأشعة الشمس الذهبية، خط عليها بخط أسود بديع كأنه رسم لأمهر الفنانين، فمثل هذه الأوراق تستخدم في الأمور الهامة في الدولة وتكون مباشرة من الأمير.

 

نطق دون أن يرفع رأسه احترامًا للأميرة، التي رسمة شبح ابتسامة على ثغرها.

 

إن الأمير يقرئك السلام، ثم فتح الورقة وبدأ بالقراءة:

_عليك أن تخضعي لحكمي، بما أنك زوجتي وداخل مملكتي.

 

ثم أردف قائلًا:

_عليك الالتزام باللباس الإسلامي الشرعي، مثلك مثل بقية النساء في أرضي.

حتى إذا أرادتِ الخروج لفناء قصرك، أو أمام أحد الجنود عليك ارتدائه.

 

ثانيًا ألا تغادري بوابة قصرك دون علمي، وإلا ستعرضين نفسك لأمور لا تحمد عقباها.

 

ختم رسالته بالسلام، خرج الجندي مهرولًا من نظرات كوهندار الغاضبة.

وضعت يدها على وجهها تتحسس حرارته من الغيظ، صحيح أنه قصر لكنه سجن كبير، كيف يفرض عليها أمور كهذه؟! 

 

قامت من مكانها وقد عصف بكيانها كل قهر الكون، فتحت الباب على وسعه وهمت بالخروج، فلن تخضع لأوامر أحد.

***

مواعيد النشر: الجمعة

تعليقات