BlogLabels

القائمة الرئيسية

الصفحات

 



(((لقراءة الفصول السابقة اضغط هنا)))



(الخروج الأول من القصر)

 

فتحت الباب بسرعه، همت أن تخرج وتلقي وابل من الكلمات السيئة في وجه الزبير، تحدث نفسها وهي تهرول مسرعة: 

_من يظن نفسه ذاك المتعجرف؟!

 

لكن سرعان ما غيرت رأيها وعادت أدراجها، عندما تذكرت هيبته وجبروته، مع أنها لم تره إلا من الخلف، تذكرت ما سمعته عنه من أحد الجنود:

_لقد رجم زوجته السابقة حتى الموت.

 

شعرت بالخوف مجددًا يجتاح كيانها.

إنه لا يهاب الموت سيهاب كلماتها، كم هي ساذجة! لقد دلف إلى بلادها محاربًا، وهي من رضخ وجاء إلى قعر داره.

 

ما تزال مصممة أنها لا تريد الحرب، ولكن لا تريد أيضًا أن يفرض عليها قوانينه الجائرة.

 

شعرت بسخط كبير وغضب أكبر، مع أنها من النوع الهادئ كالماء العذب شديد الصفاء والركود.

 

استطاع بشروطه أن يكدرها بترابه اللزج، خلط مياهها الراكدة مع أتربته المتمردة، حتى شعرت أن بنفسها ثائرة.

 

قررت كوهندار في قرار نفسها: 

_ لن أخرج من قصري هذا، ولن التزم بذلك الإسدال الذي فرض علي، فأنا ليست مسلمة لأرتدي ذلك الزي.

 

أعادت ما أملى عليها الجندي بتهكم مع تعابير وجهها الساخطة، وهي تقول بصوت خشن لتقلد الجندي به:

_يجب أن تحترمي الإسلام في مملكتنا.

 

تساءلت:

_ترى، هل يكون الاحترام برأي الأمير بذلك اللباس؟! وإجباري على ارتدائه!

 

فُتح الباب مجددًا فأخذت تصرخ بأعلى صوتها:

_اخرج إلى الخارج، لا أريد أن أرى أحد. 

 

جاءها صوت تعرفه حق المعرفة، جعل قلبها ينتفض من مكانه:

 

_حتى أنا لا تريدين رؤيتي!

 

_أسيل أهذه أنت؟!

 

أسرعت خطاها تحتضن صديقتها ووصيفتها، وأخيرًا قدم أحدهم ليؤنس وحدتها، كانت تعلم أنها ستأتي لكن لم تعلم أن مجيئها سيكون بهذه السرعة!

 

احتضنتها مجددًا تنظر إليها بعدم تصديق، كأنها غابت عنها دهرًا ليس مجرد أيام، رفعت أسيل وجه سيدتها بكفها وهي تتساءل:

_من أحزن وجه مولاتي؟! لماذا كنت تصرخين؟! فأنا أعرفك هادئة وصبورة لا تثورين إلا لأمر جلل.

 

_تعالي سأحكي لك كل التفاصيل.

 

بعد أن انتهت كوهندار من سرد ما حصل معها، منذ اللحظة الأولى التي دلفت بها إلى هنا، إلى لحظة دخول أسيل عليها.

 

سألتها بتعجب:

_يعني لن تخرجي من هذا القصر إلا باللباس الإسلامي، وبأمر من الزبير!

 

_هل فهمتي من كلامي أنني سأرضخ لذلك المتعجرف! 

 

وضعت أسيل يدها تحت ملابسها وهي مرتبكة، تتلفت يمينًا ويسارًا كأنها تخشى أن يراها أحدهم، ويديها ترتجفان كأن إعصار ضرب كيانها.

 

ثم أخرجت قارورة زجاجية بغطاء خشبي محكم، تحتوي على سائل أخضر لامع.

 

شرحت أسيل لكوهندار بصوت أقرب للهمس: 

_هذه القارورة تحتوي على سم قاتل، يقتل الشخص من رشفة واحدة، حتى بضع قطرات قد تميت، لقد أرسلته لك أمك.

 

حملت القارورة بين يديها، أخذت تقلبها يمينًا ويسارًا، سائل غليظ ومتلاصق، تتماسك قطراته كما الدواء، أمعنت النظر به وهي ترفعه إلى الأعلى: 

_أتريد أمي أن أقتل الأمير الزبير؟!

سيوقعنا هذا بورطة كبيرة، وقد يعرض مملكتنا للهلاك، وأنا قدمت إلى هنا لأمنع الحرب.

 

_ انتظري يا سيدتي، لم تعطني الفرصة لأكمل كلامي، هذا السم من أجلك أنت! 

 

_من أجلي أنا؟!

 

_ستتناولين منه قطرات؛ كيلا تسمحي للزبير أن يقترب منك، الشرف يا كوهندار، حافظي عليه هذه وصية والدتك.

 

أمعنت كوهندار النظر بأسيل، أخذت كلماتها تتكرر في رأسها آلاف المرات، الشرف.. الشرف..

 

تسائلت:

_هل يعقل أن ترسل والدتي السم، الذي قد يقتلني تحت مسمى الشرف؟! كم فتاة ماتت ظلمًا بداعي الشرف؟!

 

_نعم الشرف!

 

_كم سمعت تلك الكلمة! كم تكررت في حياتي مليارات المرات!

لكنني لا أتفق مع عقلية والدتي أو مجتمعنا.

فالفتاة النقية تحافظ على شرفها بين طابور من الجنود.

أما الفتاة التي تريد أن تلطخ شرفها بأدران الرذيلة تفعل ذلك وهي في بيتها، ولو أغلقت عليها سبع أبواب.

فالشرف ينبع من داخلها، ليس مصطلح تكتسبه مع الوقت.

 

أجابتها أسيل:

_ذلك المصطلح" الشرف" قد يدفع الفتاة لتخسر الكثير لتحافظ عليه، قد يدفعها أن تسير بطرق لا ترغب بها؛ للزواج ممن لا ترغب مثلًا، أو قد يدفعها لتكره جسدها ونفسها وتكره الحياة أيضًا.

 

فكرت لبرهة من الزمن: "إلى الآن لم ترى الزبير، ترى هل سيطلب منها حقوقه الزوجية؟! 

لم تفكر بذلك الأمر مطلقا، لماذا لم يخطر في بالها شيء كهذا؟"

 

_أتعلمين يا أسيل! لقد اعتبرت أن ذلك "الزواج" معاهدة سلام لأمنع الحرب، لم أعتبر نفسي زوجة للأمير.

 

أشاحت بوجها بحزن، دست القارورة بين ثيابها؛ لتخفيها قد تحتاجها يوما " كما قالت والدتها"

 

فمن المستحيل أن تسمح للأمير أن يقترب منها دون حب، هذا ما كانت تفكر به، فهي إلى الآن لم تجد من يطرق باب قلبها لتفتح أبوابه ونوافذه، لتجعل الشمس تشرق بداخله لتنبت رياحين الحب وزهوره.

 

مرت أيامها على نفس الروتين، فمع جمال قصرها الزجاجي أخذت تمل بداخله، كما كل شيء في الحياة هناك لحظة انبهار البدايات، يتجاوزها الإنسان فيما بعد لتصبح أمر روتيني ممل.

 

فكرت كثيرًا لتقرر في النهاية وهي تناظر الجبل الذي أمامها بخطة شريرة رسمتها مخيلتها:

_ سأرتدي الإسدال بغرض التنكر كما المرة السابقة، وأخرج من القصر، فالحياة الروتينية مملة جدًا.

أتوق إلى المغامرة.

 

نادت أسيل: 

_احضري لي ذلك الإسدال الذي أرسله الزبير كهدية.

 

_إلى أين؟!

 

_سنرحل لمكان مختلف عن السوق هذه المرة، لنرى كيف تعيش الناس هنا؟! وهل يحبون الزبير ويبجلونه كما يقول الجنود في الخارج؟!

 

_كيف سنخرج وكل هؤلاء الجنود أمام الباب؟!

 

هذا ما كان يدور في عقلها، لذلك أرسلت خبر مع أحد الجنود:

_أريد طباخة ومساعدة ليومين على الأقل.

 

وهذا ما حصل فعلا بعد ساعة كانتا أمام بابها، وزعت أسيل المهام إحداهما ستطهو اللحم للأميرة والثانية تنظف المنزل.

 

توارت عن الأنظار هي وأسيل، عندما بدأت الفتاتان عملهما، همست لها:

_سنخرج أنا متنكرة بشخصية الطباخة، وأنت بشخصية المساعدة، ما يساعدنا اللباس المشترك الموحد.

 

_نعم، إنه إسدال فضفاض لا يظهر تفاصيل جسد المرأة ولا يظهر حجمها، يغطي من وجهها أكثر مما يكشف فلا تميزي بين أميرة وخادمة، كلهم سواسية في ذلك الزي.

 

وقفت أمام المرآة وهي تناظر شكلها المختلف وتقول:

_أنا جاهزة لمغامرة جديدة.

 

أكملت قائلة:

_هناك باب خارجي متطرف عليه حارسان سنخرج منه.

 

اقتربتا من الباب تريدا أن تخرجا، ناداهما أحد الجنود: 

_أنتما، قفا عندكما!

 

اقترب منهما، تعالت دقات قلبها وهي ترتجف، سيكتشف أمرها، سرعان ما ناداه صديقه الآخر لأمر مهم التفت إليه، وأشار إليهما أن اذهبا دون سؤال.

 

لقد نجحت خطتها أخيرًا، وها هي تتنفس الصعداء وهي خارج القصر مع أسيل! كانت تقفز كطفل صغير حصل على لعبته المفضلة بعد طول انتظار.

 

ابتعدت عن باب القصر قليلًا، راحت تتراقص كفراشة مرهفة الإحساس فهي لا تنتقي إلا أفضل الأماكن لتحط عليها، وتطير متنقلة من برعمة إلى زهرة، ومن ريحانة إلى أوركيدة.

 

مشتا معا كتف إلى كتف:

_ انظري إنها ساحة كثيفة وممتدة كغابة متشابكة، محاطة بالأشجار من كل الجوانب.

 

_ نعم بديعة! وأوراق الأشجار المتساقطة، أضافت للمكان لونه الأصفر الداكن، فزينته بألوان الخريف الراحل والشتاء القادم معًا.

 

_هناك طريقان، أحدهما فرعي وضيق والآخر رئيسي متسع، أيهما سنسلك؟!

 

وقفت في المنتصف، تحاول أن تختار الطريق الذي ستسلكه لتكتشف أسرار المملكة.

كانت تستهويها التفاصيل الدقيقة، لا تحب الأشياء الواضحة، إنما الجزئيات الصغيرة هي ما تكون حياتها.

 

_سأختار الطريق الفرعي الضئيل مع أنه ليس بجمال وإشراق واتساع الطريق الرئيسي.

 

مشتا مسافة ليس بقليلة حتى تعبت أقدامهما، انحنت كوهندار لتحاول أن تفرك كاحلها الذي أضناه المشي الطويل مع ذلك الحذاء الرقيق التي لم تعتد ارتدائه؛ تحاول أن تهتدي لأحد ما أو مكان مختلف يجذب انتباهها.

 

شعرت أن الطريق موحش، فلا تسمع إلا أنفاسها التي تختلط مع أنفاس أسيل، وصوت حفيف الأوراق حولها، وصفير الرياح التي تخترق الأشجار بكل الاتجاهات، حتى أصوات الطيور الرمادية التي اعتادت عليها في الأيام السابقة لم تسمعها.

 

لاح لها من البعيد طفل قد يكون في الثامنة من عمره، يجاهد ليحمل الماء العذب من الينبوع الجاري، بجرته الفخارية.

 

تقدمت لمساعدته، وضعت الجرة داخل المياه حتى امتلأت، رفعتها من الينبوع لكنها شعرت بثقلها، فلن يستطيع الطفل أن يحملها.

 

مدت الجرة له وهي تسأله: 

_ هل تستطيع أن تحملها؟!

 

أومأ برأسه بمعنى نعم، لكن عندما حملها انحنت قامته، وكادت أن تقع الجرة من بين يديه؛ لذلك قررت أن تحمل الجرة وتساعده حتى يصل إلى بيته وهي تسأله:

_هل منزلك بعيد؟!

 

_لا يا سيدتي، إن بيتنا خلف تلك التلة.

 

مشت هي وأسيل تتبعان خطا الطفل، يبدو عليه الذكاء والنباهة وهو يقول:

_هل أخبركما بسر؟!

 

نطقتا بصوت واحد: 

_نعم.

 

_أحضرت الزبير إلى بيتنا من قبل، فأنا أعلم الطريق بدقة.

 

الدهشة وعدم التصديق رسمت على وجههما:

_الزبير؟! كيف ذلك.

 

فرك جبينه كأنه يتذكر ذلك اليوم، وهو يهز رأسه برفق:

 

_أنه الأمير أنا أعرف ذلك، حتى دون أن يعرفني بنفسه.

 

ابتسم ابتسامة أظهرت الغمازة بوسط خده:

_أرسلني إلى المدرسة، وصرف لوالدتي مرتب شهري، وأصلح بيتنا، كل يوم نبتهل الأدعية من أجله.

 

قفز وكأنه يطير من الفرح:

_إنه أعظم أمير على الإطلاق، إنه أب الفقراء والمساكين.

 

لم تشعر كوهندار بوعورة الطريق ولا بصعوبة حمل الجرة على كتفها، كانت مستمتعة بحديث الفتى، وهو يشرح ويسهب في وصف الأمير، وما جرى معه عندما ساعده في يوم ماطر.

 

أما والدته كانت تقف أمام الباب والتوتر رسم على وجهها، حتى أن هناك طرف دمعة جفت على خدها.

 

أسرعت خطاها عندما رأت طفلها مع فتاتان غريبتان وهي تسأله: 

_أكلما ذهبت إلى مكان ستحضر من يساعدك؟! ألا تعرف أن تعتمد على نفسك يا ولدي.

 

فهمت كوهندار خوف الأم على طفلها، فطمئنت قلبها وهي تقول بود:

_ عابرات سبيل يا سيدتي، لا داعي للخوف.

 

بعد ساعة أو أقل من الزمن عادت أدراجها إلى القصر بعد أن ودعتهم؛ كيلا يشعر أحد بغيابها، احتست في بيت ذلك الفتى الشاي بالنعناع، شعرت بدفء ومودة أهل البيت كدفء الكأس الذي بين يديها.

 

بدأ الضباب يتساقط على أطراف الجبل وهي في طريق عودتها، أن القدر يساعدها فالضباب سيخفيها عن العيون، مررت يدها على وجهها لتخفي لسعات البرودة التي تقرص وجنتيها.

 

مر يومها بسلام ومتعة فقد عاشت مغامرة جديدة وتعرفت على أناس طيبين.

 

خلعت إسدالها وهي تقول:

_سنعيد المحاولة مرة ثانية.

 

_والأمير؟!

 

_ من أين له أن يعلم بخروجنا، فنساء مملكته متشابهات بكل شيء.

 

تناولت عشاءها، وهربت إلى كتابة مذكراتها.

"إلى معشوقي المجهول،

مبهم أنت! كالنص الذي سرق عنوانه، والليل الذي سرق ظلامه، والنهار الذي سرق ضيائه.

 

سرقت قلبي من الوهلة الأولى، أجلس بمنأى عن البشر لأرسم صورتك البيضاء في مخيلتي، إلا أن جميع نسخك سوداء دون ملامح، خيالك من يطوف بروحي يبدو أنه كافيًا لأمنحك حبي وقلبي".

 

وضعت دفترها تحت وسادتها كأنها تدفنه في بحر عميق؛ كيلا تظهر تخاريف كتابتها، أسدلت عينيها وقلبها يقول هناك أشياء عظيمة ستحصل.

 

حدثها لم يخونها يومًا، لكن من خانتها الأحداث دائمًا، تعتقد أن كل ما يحصل ضد رغبتها، وضد ترتيب أحداثها، لا تعرف أين الحكمة _التي كان يحدثها عنها الحكيم- من كل تلك الأحداث.

 

اشتاقت لعائلتها بكل منازعاتهم واشتاقت لبيتهم المشحون، اشتاقت أن تحتضن كف أخاها بحنو وتشعر أنها سنده وهو سندها كذلك، اشتاقت لكل تفصيل صغير من تفاصيل مملكتها في أرض القمر.

 

يجلس الأمير الزبير في مجلسه، مرت عليه أيام متوالية من الاشتياق، يشتاق لتلك الفتاة بغض النظر من تكون، أميرة أرض القمر، تتعبد ديانة غير ديانته، جاءت إلى هنا كيلا تقوم الحرب، لكن هناك رابط يجمعهما لا يعرف ما هو!

 

يشعر أنها ملتصقة بحباله كأنها ألقت عليه تعويذة حبها، سحر بطيفها حتى يكاد يقبل الأرض التي تطأ قدماها عليها.

 

اشتياقه لا يشبه اشتياق رجل لامرأة ما، إنما اشتياق طفل لحنان أمه، اشتياق غريق لطوق نجاته، اشتياق مؤمن لعمل صالح يقوم اعوجاج طريقه، يشعر أن الحب لها مختلف عما قيل في دواوين الشعراء، عما سطر في بحور اللغات.

 

حدث طائره الذي يقف بكف يده، كأنه يشرح همه:

_حاربت داخل الممالك السبعة، وحاربت في البحار والجبال لكنني لم أحارب شعور داخلي لا يرى بالعين المجردة، إنما يعرف بتجاويف الأوردة وتقاطع الشرايين واندفاع الدماء، هذه الحرب الأصعب بالنسبة إلي.

 

يحاول أن يخرجها من تفكيره، فهو أيضا لن يقبل الزواج بفتاة غير مسلمة، لا يستطيع أن يخفي إعجابه بها لكنه لن يتقدم بخطوة واحدة إن لم تسلم.

 

إنه يوم المظالم في مملكته، قد لا يقوم إلا مرة في السنة، ولأمر جلل عجز القضاة عن حله، تجتمع عنده الخصوم، ويحاول أن يحل المعضلات بذكائه وفطنته، وبمساعدة الله له يتمكن من فض المنازعات ورد الحق إلى صاحبه.

 

بجواره يجلس الحكيم "طلحة" الذي طالت لحيته البيضاء أكثر من المعتاد، لتغطي وجهه الكستنائي المهيب.

هالة مقدسة تخرج من وجهه، كالقمر عندما ينعكس ضيائه على سطح المياه البلورية، يمعن النظر في المظالم دون كلام، لا يقدم إلى مجلس الزبير إلا في يوم مهم كهذا.

 

دخل شخصان إلى مجلسه وأصواتهما تصدح في أرجاء القصر، أحتد الخلاف الجلل بينهما، تقدما بالشكوى إلى يدي الأمير: 

_أرجوك يا سيدي أكل مالي، وشقاء عمري! يرفض أن يرده لي.

 

_تحدث على رسلك يا رجل لأفهم القصة منك.

 

_إنه يكذب يا سيدي، ويريد أن أعطيه أمانة لم أستلمها!

 

_تكلما من البداية، لأرى من الصادق منكما ومن الكاذب، وإلا أنزلت عقابي عليكما دون أن أسمع!

 

سمع القصة من الرجلين كل منهما على حدى، خطرت في ذهنه خطة أحد الحكماء سابقًا، أرسل صاحب الشكوى ليحضر دليل من الأرض التي وقفوا عليها، وبعد برهة من الزمن سأل صاحب النكران:

 

_ هل تعتقد أن صاحبنا وصل أم لم يصل؟

 

_لا يا سيدي فالمكان بعيد!

 

عندها علم من الكاذب ومن الصادق، أعجب طلحة الحكيم بنباهة الزبير من جديد، مشى متكأ على عصاه وهو يقول بصوته الأبح:

_أعانك الله يا سيدي على إظهار الحق دائما.

 

انفض مجلسه، حمد الله في سره، لأنه استطاع أن يعيد الحق إلى نصابه.

عاد لأفكاره من جديد، لا تبتعد كوهندار عن مخيلته مقدار ميل واحد، سيذهب إلى قصرها ويلقي نظرة عليها عن كسب، تلك الأميرة الفاتنة، أو زوجته الحالية كما المفروض.

 

فالهدوء يعيد لعقله التفكير، يحاول الانشغال بكل ما حوله، لكن صورتها المبهمة ورسمة عيناها تأبى أن تتزحزح من أمامه.

 

خرج من باب قصره، وطلب من الجنود ألا يلحق به أحد، مشى الطريق والابتسامة ترسم تجاعيد عينيه الخفيفة، كأنه يكلم أميرته في خياله.

 

***


مواعيد النشر: الجمعة

تعليقات