(((لقراءة الفصول السابقة اضغط هنا)))
(الخروج الثاني)
مشى خطوات واهنة، قلبه
يدفعه باتجاه قصرها وعقله يرفض التقدم، يخاف ألا يتحمل قربها، فقربها كالقهوة تعشق
رائحتها حتى قبل أن ترتشف منها رشفة.
وسيتصرف عندها تصرفات
متهورة يندم عليها فيما بعد، قرر العودة إلى قصره قبل أن يصل إلى بابها، لم يحن
موعد لقائها بعد، لعله يرى نفسه غير جاهز لذلك اللقاء، ما زالت نفسه ضعيفة لا تقوى
على لقائها.
كانت كوهندار تتجهز لتخرج
مجددًا، وأسيل تُجدل شعرها لينساب على كتفيها، هادئة ورصينة تقول بنبرة تحذيرية:
_إنك
تلعبين بالنار يا سيدتي، أخاف أن يطولك شرارها!
_ستذهبين معي دون كلام أو
أذهب لوحدي؟!
تقدمت بخطا متسارعة ترتدي
القفازات السوداء وتلحق سيدتها دون كلام، فمهما اعترضت تعرفها لن تتراجع عن قرار
حسمت أمرها به.
توقفت على مفترق الطرق،
بعد أن فكرت بتمعن وبصوت مرتفع وهي تضع أصبعها على خدها وتحركها بخفة:
_البارحة
دلفنا من الطريق الصغير، سنأخذ اليوم الطريق الطويل لنرى ما يخبأ لنا.
رأت بناء حديث يشبه وسط
مدينتها، البيوت متجمعة على الأطراف، والشوارع العريضة في المنتصف، لكن تبدو
البيوت خالية من سكانها، فلا صوت لمشاجرات الصغار، ولا بكاء الرضع، لا ضوضاء في
البيوت من إعداد الطعام أو غيره، إنما هدوء مطبق.
إنها تخشى هذا الهدوء،
تعتقد أنه الهدوء الذي يسبق العاصفة، مشت أسيل إلى جانب سيدتها، هي أيضًا تشعر أن
المدينة على صخب بيوتها خالية من البشر.
سمعت ضجة بعيدة، أخذ
الصوت يقترب كلما اقتربت أكثر من فناء واسع أشبه بساحة قصر، أو ميدان من أجل
مسابقة خيل.
تجمع سكان المدينة كلهم،
على شكل أفواج متدافعة، كأمواج البحر المتلاطمة بعضها مرتفع والآخر منخفض.
حتى الطفل الرضيع بحضن
والدته قد حضر التجمع، اقتربت أكثر لترى ماذا يحصل؟! فالفضول أكل رأسها لم تر في
حياتها جمهور كهذا الذي تجمع وسط المدينة.
وصلت لحيث يقف رجل ومعه
عربة أحصنة، تمكنت أن تتخذ موقع لها بجانبه؛ لتتوارى خلف العربة كيلا يتعرف عليها
أحد،
الآن تناظر الوسط المرتفع
ببعض الدرجات بشكل واضح، رأت شخص عظيم الهيئة، مفتول العضلات، يبدو كأنه تدرب
على مصارعة الوحوش فهزمها.
أحدق النظر، ما يظهر من
وجهه وجسده مزيج من لون التراب والطين معًا، يحمل بيده سيف يضاهي ضخامة حجمه،
يتوسط الفناء المرتفع كأنه يقدم استعراض ما.
يرتدي على وجهة قناع لا
يظهر سوى عينيه، فعيناه مشعة كعيني نمر وسط الظلام، تعالت الهمهمات والأصوات
حولها، لكنها لم تفقه منها شيء.
كان كل تركيزها على ذلك
الشاب صاحب السيف المسلول، ماهي إلا دقائق معدودة حتى رأت سجين مقيد بالسلاسل من
يديه وقدميه، يمسكه جنديين أحدهما عن يمينه والآخر عن شماله.
وصلوا لحيث يقف الشباب
صاحب السيف، تقدم رجل آخر يبدو أنه شيخ فقد تكاثفت لحيته وطالت، ولهجته أقرب للهجة
الفصحى، كأنه يقدم خطاب ما.
السكون عم المكان، فإذا
سقطت إبرة سيسمع رنين سقوطها، سمعت صوته بوضوح وهو يقول:
_لقد
اعترفت بذنبك يا ولدي! اعترفت أنك خائن لوطنك ولقائدك ولشعبك، هل هذا صحيح؟!
رأت الشاب يهز رأسه بمعنى
مواقف دون كلام، كأنما الكلمات ماتت في جوفه الخائف.
أردف الشيخ قائلًا:
_تعرف
أن عقوبة ذلك الموت، والآن عليك أن تعيد كلامي، "أشهد أن لا إله إلا الله
وأشهد أن محمد عبده ورسوله"
بدأ بإعادة ما أملى عليه،
صدح صوت مرتفع من بين الناس المتجمعة التي تقف تحت المنصة، كانت امرأة مسنة تصرخ
بصوتها الأبح:
_لا،
لا يا ولدي، ماذا فعلت بنفسك وبي؟!
لاحت طرف دمعة من عين
الشاب المقيد، وهو يقول:
_سامحيني
يا أمي، لتدعي الله أن يسامحني.
لم تعرف كوهندار إذا كان
الأمير يقف بين الحضور، أو توارى خلف تلك البيوت المطلة على الساحة، فهي إلى الآن
لم تره.
همت أن تتقدم وتخلص الشاب
من يدي ذلك الجلاد، الذي وضع رأسه على خشبة مرتفعة، يبدو أنه سيقطع رأسه.
أما الجنود أغمضوا أعين
الأم وأمسكوا بها بكل قوتهم، لم تكف عن الصراخ والتوسل، لكن لا أحد تقدم وقدم
المساعدة لهما.
سمعت الأميرة شخص آخر
بجوارها يقول:
_لقد
سامحه الزبير أكثر من مرة، لكنه لم يعد عن طريق الضلال الذي مشى به، يستحق تلك
النهاية!
تقدمت خطوة واحدة، لكن
أسيل أمسكت بها حتى آلمت يدها، وهي تقول بصوت أقرب للهمس:
_
أتوسل إليك لا تقحمينا في مشكلة لا تحمد عقباها!
أمسكت نفسها وهي تناظر
ذلك الجلاد، رفع السيف إلى أعالي السماء، وهوى به على رأس ذلك الشاب المغمض
العينين.
اضطربت دقات قلبها، وهي
تناظر الرأس الذي فصل عن الجسد في أقل من ثانية، وتدحرج على الأرض فاختلطت الدماء
بالتراب بالشعر المتدلي منه.
أسيل لم تتمكن من
المشاهدة، إنما أغمضت عينيها بيديها بقوة حتى الضوء لا ينفذ منهما.
اقتربت الأم من الرأس
المتدلي على الأرض، كادت أن تحمله بين يديها والدماء ما زالت تتدفق منه، لكن
استحال وجهها للون الأصفر، وقعت مغشي عليها بجواره.
تقدمت مجموعة من النساء
حملنها، والرجال تكفلوا بجسد الشاب ورأسه المفصولين، وأما الجلاد تراجع إلى الوراء
دون أن يرف له جفن.
كأنما الناس هنا معتادون
على مشهد كهذا، أو كأنهم وقفوا يتشفون من ذلك الشاب هذا ما شعرت به كوهندار، فهي
الوحيدة التي كانت متأثرة لحد الهذيان.
سحبت أسيل سيدتها لتتوارى
عن الأنظار؛ كيلا يكتشف أمرها، قشعريرة اجتاحت جسدها وهي تمسك بيدها، كأن جسدها
تحول لقطعة من الثلج، تأبى أن تنحني أو تتحرك.
لم تكن أسيل بأقل منها
تأثر، لكنها لم تناظر المشهد مثلها، بقيت سيدتها شاردة في العدم يتكرر المشهد في
عقلها مجددًا، شعرت أن روحها سحبت منها لمكان آخر، أو عقلها غاب استيعابه.
وقعت أسيل في ورطة تكلم
كوهندار دون أن ترد، وقفت في منتصف الطريق تحاول أن تلتقط أنفاسها؛ من جرها،
أخافها صهيل أحد الأحصنة، فقد أجفله وقوفهما في وجهه فجأة، ما زالت أسيل تجاهد؛ كي
تسحب سيدتها إلى أطراف أحد البيوت.
يناظرهما سائق العربة
بجبين مقطب الحاجبين، شعر أنهما فقدتا عقلهما وسط المدينة، صراخه ملأ الأرجاء
بتهكم:
_ألا
تريا أنكما تقفان في منتصف الطريق؟!
ما لبث أن سكت كأنه تذكر
أو عرف من تكونا تلك الفتاتان، ومشى بحال سبيله، ويلتفت إلى الوراء كلما تقدم
أكثر؛ ليتأكد.
سحبت أسيل سيدتها إلى أحد
الأطراف، وهي تقول بنبرة رجاء:
_أرجوك
يا سيدتي تمالكي نفسك حتى نصل إلى البيت.
كوهندار لم تعطي أية ردت
فعل كانت ترتجف وحسب، تعهدها أسيل قوية كالصخر، لكن ذلك المشهد أثر فيها لحد
التفتت.
كأنما تلك القوة التي
كانت تتوارى خلفها تحولت إلى رماد مندثر بلحظة واحدة.
احتضنتها من كتفها تحاول
أن تخفف عن صديقتها، وذلك ما كانت تحتاجه كوهندار؛ أن يحتويها أحدهم ويحتضنها كأنه
يقول "أنا هنا، أنا سندك، إذا اردت أن تميلي يوما، سأكون كالجبل المنيع خلف
ظهرك".
استجمعت نفسها لبعض
الوقت، مشت مع أسيل مسلوبة الإرادة، دخلت إلى قصرها دون كلام، أرادت أن تهرب
للنوم؛ كي تنسى مرارة واقعها، تهرب إلى أحلامها الوردية بمكان أفضل وزمان أفضل.
تمددت على سريرها لأول
مرة منذ دلفت إلى القصر؛ فقد كانت تتخذ من الأريكة مكان لنومها، توجهت إلى أسيل
ونطقت بكلمة واحدة "دثريني"
وضعت أسيل الأغطية عليها؛
حتى تدفئ قلبها قبل جسدها، فالمحبة دفء، والاهتمام دفء، والصداقة دفء، حاجتنا لدفء
القلوب أكبر من حاجتنا لدفء الأجسام.
أسدلت عينيها بسلام،
واستغرقت في نوم عميق، لتريح تعب قلبها المتألم ودماغها المتعب، لكن مدة نومها
طالت عن المعتاد، أرادت أسيل أن تطمئن على سيدتها، سيحل الظلام ولم تستيقظ بعد.
دخلت إلى غرفتها، اقتربت
منها لتوقظها، سمعتها تهمهم بكلمات مبهمة:
_لا،
لا تقتلوه، سيقطعون رأسي، رأسه يتدفق منه الدماء، ماذا فعلت؟!
شعرت أسيل أن كوهندار
حبست داخل كابوس، يصعب عليها الخروج منه، اقتربت منها أكثر، هزت كتفها بلطف كي
تنبهها وتستيقظ؛ فلم تستجيب لندائها المتكرر.
وجدتها ككتلة من نار،
ارتفعت حرارتها بشكل ملحوظ حتى إنها تهذي كالأطفال، والعرق يتصبب من أنحاء جسدها،
هرولة مسرعة لأحد الجنود في الخارج، تلقط أنفاسها بصعوبة:
_نحتاج
إلى طبيب؛ الأميرة مريضة جدًا.
أرسل الجنود خبر للأمير،
الذي وقف فوق رأس كوهندار مع الطبيبة بعد دقائق معدودة:
_أخبرينا
ما حالتها تلك أيتها الحكيمة!
_أظن أنها نزلة برد
ياسيدي، تقلب الطقس له عامل كبير في ذلك.
طلبت الطبيبة من الأمير
أن ينتظرها في الخارج، ساعدتها أسيل في تبديل ملابس الأميرة المبللة من العرق،
وضعت لها كمادة على رأسها قد تساعدها في خفض الحرارة.
وصفت لها مجموعة من
الأعشاب التي تشربها مع بعضها بعد الغلي.
اطمأنت لحالها بعد أن
بدأت تنخفض حرارتها، طلبت من أسيل أن تبدل لها الكمادة باستمرار.
دخل الأمير لغرفتها،
ممددة على السرير دون حراك، تأن لبعض من الوقت وتسكن بعدها لدقائق، حل الظلام وهي
بتلك الحالة لم تتحسن أو تستيقظ.
لأول مرة يراها بهذا
القرب، جميلة حتى وإن كان وجهها أصفر تحت وقع المرض، بلل الكمادة بالماء البارد
مجددًا، وضعها على رأسها بعد أن تلمس حرارة جبينها.
شعرها كالشمس التي تشرق
في منتصف الربيع، مسدول بعشوائية على جسدها وكتفها، أهدابها الطويلة الملتفة والتي
تظهر بشكل أكبر لأنها مغمضة العينين، وشفاهها المكتنزة كحبات من اللوز.
فتنت قلبه وعقله، شعر أنه
يشتاق لقربها فهي منذ المرة الأولى لم تخرج من التجاويف السحيقة في عقله، تمدد على
سريرها فالمساحة كالبحر مقابل جسدها الضئيل، وضع رأسها على كتفه، احتضنته بطريقة
عفوية دون أن تشعر، اشتم رائحتها التي تشبه رائحة الفواكه مجتمعة في مكان واحد،
استنشقها بكل قوته، نام بسلام بعد أن اطمئن أن حرارتها انخفضت.
فتح عينيه بوجل، كأنه نسي
ما حدث معه قبل ساعات، وجد نفسه نائم بالقرب منها، وما تزال كوهندار نائمة
كالملائكة، طبع قبلة رقيقة على جبينها، تسلل كالماء المنساب من بين يديها، وتوجه
إلى قصره قبل أن تستيقظ، لكن قلبه تركه هناك نائم بسلام بالقرب منها.
فتحت كوهندار عيناها مع
بزوغ بذور الصباح الأولى، حفلة لقرع الطبول قامت بداخل رأسها، فألمه لا يكاد يطاق.
ضغطت على جبينها بقوة،
مرت صورة ذلك الشاب أمام عينيها برأسه المفصول عن جسده، آلمتها معدتها، وشعرت
بالغثيان.
ركضت بسرعة إلى الحمام
وأخذت تتقيأ، ركضت أسيل إلى غرفتها بعد أن سمعت صوت سيدتها:
_ماذا
حصل؟!
خرجت كوهندار من الحمام
وهي تمسح يديها بالمنديل القماشي، تنظر إلى ملابسها التي تغيرت بريبة:
_لا
شيء إنها معدتي تؤلمني.
نظرت إلى الخارج وهي
تقول:
_
إنه الصباح، لقد نمت كثيرًا، لماذا لم توقظيني؟! كأن أحدهم غير ملابسي.
_ألا تتذكرين شيء مما حصل
البارحة!
فركت كوهندار رأسها،
كأنها تتذكر حلم، رأت به شاب وسيم، عظيم الهيئة ينام بالقرب منها، لكنها أجابت
أسيل:
_لا،
لا أتذكر، ماذا حصل؟!
_لقد ارتفعت حرارتك يا
سيدتي! ارتفعت كثيرًا، كنت ترتجفين وتهذين، وقد أحضر الزبير لك الطبيبة، ووصفت لك
العلاج.
_ماذا تقولين الزبير كان
هنا، وهل رأيته؟!
_نعم يا سيدتي كان هنا،
وقف فوق رأسك، ينتظر خبر من الطبيبة لتطمئنه، حتى هو من غيّر الكمادات لك، وانتظر
حتى انخفضت حرارتك.
أردفت قائلة:
_
شعرت من نظرة عينيه خوفه عليك، إنه ليس كما سمعتي يا سيدتي، بل إن قلبه أرق من قلب
الطير.
وضعت كوهندار يدها على
رأسها:
_هل
ذلك الشاب الذي رأته في الحلم يكون الأمير الزبير؟!
إنه ليس وحش كما اعتقدت،
وليس عجوز خرف.
لكن صورة ذلك الشاب لم
تغادر من أمام عينيها، كلما تذكرت منظره شعرت بالغثيان يجتاح كيانها.
لذلك قررت أن تفتح صفحة
بيضاء، من حياتها، تنسى كل شيء مرت به هنا، تلتزم البيت ولا تغادره، تهتم بالقراءة
وتعود لدروس الموسيقى.
أزاحت الغمامة التي تلبدت
فوق رأسها، ستكون قوية حتى تعود إلى أرضها بأقرب وقت، ستهتم بنفسها وتنسى خارج
القصر، فلا طاقة لها لترى تلك المشاهد الدموية.
ارتدت إسدالها ووقفت
بفناء قصرها تطعم الطيور الرمادية التي حطت به، سمعت حديث الجنود وهم
يقولون:
_إن
الخائن لبلاده يستحق موتة كتلك، فهو يفشي أسرار البلاد إلى الأعداء، وقد سامحه
الزبير مرات عديدة.
إن الرعية هنا تحب
القائد، لعلهم على حق في محبته، فهي إلى الآن لم تستوعب الأمور حولها، ولم تعتاد
على ذلك العقاب في أرضها.
تعرف أن العقاب يتم
والتعذيب أيضًا، لكن ليس على الملأ، إنما تحت سراديب داخل الأرض، لا يطلع عليها
إلا نادر أو والدها.
أشارت إلى أسيل أن تحضر
لها القيثارة من بين الأغراض التي أحضرتها معها، ستعود إلى العزف، جلست أمام
المدفئة التي تطعمها أسيل الحطب تباعًا، لتستشعر بعضًا من دفئها.
بدأت تعزف ألحانها
الحزينة، كأنما تبثها همومها وشكواها، وأسيل تمسح الدموع التي تجمعت على خديها،
فقد فتحت كوهندار بعزفها جروح سحيقة داخلها.
***
أطل الزبير من حجرته،
وطلب من ماهر أن يوافيه في الإسطبل، سيختار حصان مميز هدية للأميرة كوهندار، رجح
له سائس الخيل حصان أشقر بشعر طويل، منسدل على عنقه.
عندما رآه شعر أنه يشبه
كوهندار بفتحه عينيه الزرقاء مثلها، قدمه السائس وهو يقول:
_أحسنت
الاختيار يا سيدي! فهو حصان مميز كاسمه" الأشقر" ، وأنه يستطيع أن يفرد
جناحيه عندما يركض لكنه لا يطير.
أمسك لجام الحصان، ربت
على عنقه بحنو وهو يناظره بدهشة، لأول مرة يعلم أن لديه حصان بجناحين.
دلف من باب قصرها، ربط
الحصان بأحد الأعمدة وتوجه إلى الداخل تناهى إلى سمعه، صوت العزف الهادئ، تقدم
يناظر الأميرة وهي تعزف ويناظر أسيل وهي تمسح دموعها، لم يقطع جلستها.
بعد دقائق وعندما
انتهت أخذ يصفق بكلتا يديه وهو يقول:
_عزف
رائع، يتقطر منه الإحساس!
وقفت كوهندار، فنزل
فستانها المموج بطبقات مرتفعة وأخرى منخفضة، دخوله المفاجئ أربكها؛ فرفعت القبعة
الملتصقة بفستانها لتخفي شعرها، تقدمت وقدمت التحية له؛ أي انحنت ثم ارتفعت
مجددًا.
ومن خلفها أسيل، تقلد
حركاتها، فهذه تحيتهم المعتادة للأمير في أرضهم.
ابتسم ثغر الزبير من تلك
الحركة، وجاراها بحركة مماثلة كأنه يردها.
رفعت عينيها تناظر الأمير
والفضول يتملكها، كما يقال عنه
"تكلله
الهيبة والوقار ويشع النور من وجنتيه، حتى لم تعد تميز ملامحه، إنما تناظر كتلة من
الضياء أمامك".
تعليقات
إرسال تعليق
شاركنا رأيك في هذه التجربة