BlogLabels

القائمة الرئيسية

الصفحات

 



(((لقراءة الفصول السابقة اضغط هنا)))


‏( ريحانة)

 

حياها بتحية الإسلام" السلام عليكم ورحمه الله وبركاته"، وأكمل قائلًا:

_أراك أفضل حالا مما كنت عليه البارحة أليس كذلك؟!

 

لا تعرف ما ترد فلم يسبق وأن حياها أحدهم بتلك التحية، ردت بابتسامتها الفاتنة وهي تهز برأسها للأسفل؛ بمعنى نعم أفضل حالا، شردت به وهي تفكر: 

_لماذا كل ذلك الخوف من الأمير الزبير، إنه أمامها له هيئة البشر وكيانها! ليس وحشا ولا حيوان مفترس.

 

شعر الزبير أنها شردت في عينيه، فقاطع شرودها: 

_لقد أحضرت لك هدية، ارتدي إسدالك وتعالي معي.

 

خرجت خلفه دون كلام، إلى أن وصلت لفناء القصر، رأت حصان أشقر اللون كبروز الشمس وقت الظهيرة، شعره مسدول على عنقه بشكل مختلف، محجل ببياض يتخلل قدميه.

 

اقتربت أكثر لتناظره عن كثب، فعلى الرغم من وجود حصانها الأزرق في أرض القمر إلا أن هذا الحصان مختلف تمامًا.

 

له رأس مقعر وعينان بارزتان برزقة البحر أو السماء، ورقبته مقوسة وممشوقة إلى السماء، تتماهى مع ظهره المستقيم، وذيله الطويل، وقوائمه تبدو بارزة العضلات، مكتنزة باللحم.

 

أما جناحاه فلا يظهران إلا عندما يركض بسرعة قصوى، كأنهما جناحا صقر أو عقاب، حتى تعتقد أنه سيطير.

 

للوهلة الأولى خافت كوهندار من قوامه المرتفع، لكن عندما اقترب منه الزبير تشجعت واقتربت هي أيضًا.

رفعت يدها لتمسد شعر حصانها المنساب: 

_شكرا لك يا سيدي على هذه الهدية المميزة.

 

أحست بمشاعر متداخلة في كيانها، فلا تعرف هل تكره الأمير، لأنها رأت جلاده يقطع رأس ذلك الشاب، ولم يرحم ضعف والدته التي ترى ابنها وهو يموت.

 

أم تشعر بطمأنينة لوجوده قربها؟! فقد أحضر لها الطبيبة في الأمس واليوم يحضر لها هدية فريدة من نوعها.

 

التبست عليها الأمور حتى لم تعد تميز الصواب من الخطأ، الحقيقة من الخيال، جميع من حولها كانوا يتقنون ارتداد الأقنعة، هي الوحيدة التي كانت بوجه حقيقي.

 

فنادر الذي كان خطيبها، تخلى عنها في أصعب أيامها، وهي من كانت ترى فيه السند، لقد أعطاها درس لاذع فلم يعد لديها الثقة بأحد.

 

أمسك الأمير لها لجام الفرس وهو يحثها على الصعود وتجربته، ترددت لبعض الوقت فقوامها كالصفر أمام ضخامة حجم الحصان.

 

لكن ترددها لم يستمر طويلًا، أخذت  لجام الأشقر بيديها؛ كي تمتطيه، ووضعت قدم على ظهره والقدم الأخرى ارتفعت بها قليلًا عن الأرض، صهل فجأة ورفع قوامه إلى الأعلى.

 

تشبثت به بكل قوتها وهي تحاول تهدئته وتعدل جلوسها على ظهره، همست في أذنه بكلمات غير مسموعة، هدأ بعدها وتمكنت من السيطرة عليه، فقد انصاع لأوامرها.

 

انطلقت به ضمن مضمار الساحة الممتدة للقصر، وعادت للوقوف بجانب الأمير الذي أعجب بقوة شخصيتها، وقدرتها على ترويض فرس صعب المراس، يحتاج الفارس المتمكن أيام ليستطيع السيطرة عليه.

 

أمسك الزبير بالأشقر لتنزل كوهندار عن ظهره، هبت نسمات خفيفة داعبت إسدالها، وبعثت برائحتها الطيبة لأنفاس الأمير، استنشق رائحة عطرها الذي يشبه الريحان.

 

شرد بتلك الشقراء بعينيها اللامعتين، وهو يقول في نفسه

"إنها ريحانة قلبي"

ثم نطق:

_سأمنحك اسم يليق بك، من الآن وصاعدًا أصبح اسمك "ريحانة" 

 

نظرت إليه نظرة سخط كأن الاسم لم يعجبها، استأذنته الدخول لقصرها دون كلام، فالجو بارد والسماء تتلبد بالغيوم البيضاء اللامتناهية، وتنذرك أن الثلج سيهطل قريبًا.

 

عاد الزبير إلى قصره، يشعر معها أن ديمومة الزمان تتغير فالساعات مع كوهندار تمر بدقائق وربما لحظات.

 

يشعر بسلام داخلي وهو بقربها، كوميض الشمس ودفئها عندما يتغلغل إلى قلبك في الشتاء القارص، كأنها تبث طاقة إيجابية لمن حولها، قطع خلوته ماهر واستأذنه بالدخول، وأخبره أن هناك ضيف يريد زيارته:

_إنه أحد سائقي العربات الموجودة في المدينة، يريد أن يمثل بين يديك يا مولاي، يقول أن هناك أمر مهم يريد أن يخبرك به.

 

دخل ذلك الشاب، يبدو عليه الارتباك، يتلفت؛ كأنه يخشى أن يتعقبه أحدهم أو يسمع حديثه.

 

ألقى التحية على الأمير، ثم طلب أن يعطيه الأمان؛ ليتكلم، خرج صوته متقطع مرتجف:

_إن الأميرة زوجتك يا مولاي، كانت في المدينة البارحة، لقد رأيتها بأم عيني.

 

نهض عن كرسيه كأن أحدهم لسعه بعصا، أحس أن آلاف الأبر ترتشق على جسده الصلب دفعة واحدة حتى تخترق قلبه، اقترب من السائق وهو يسحبه من ياقة قميصه: 

_ألا تعرف ما عقوبة من يكذب؟! 

 

رد عليه بارتباك أكبر: 

_بلى أعرفها يا سيدي، لكنني لا أكذب! أقسم لك إنها الأميرة ووصيفتها التي قدمت قبل أيام.

 

سرد له القصة كاملة "كانت الأميرة تقف بالقرب من عربته، تختبئ عن أعين الناس، لقد رأت كيف نفذت العقوبة بالخائن، حتى اضطربت وجنت.

 

والفتاة التي معها تحاول أن تتدارك الأمر، وصل بهما الحال أن يقفا بمنتصف الطريق كتائهتين، فهو  يعرف الأميرة، وهو من نقلها بعربته عندما جاءت إلى أرضهم مع الزبير".

 

كان يستمع الزبير لكلام السائق، وتعصف به رياح الغضب مجددًا، حتى لم يعد يرى أمامه، لماذا حظه عاثر مع من يحب هكذا؟! 

لماذا الفتاة التي يختارها قلبه، تختار أن تكسره وتضرب بكلامه عرض الحائط؟!

 

أصبح وجهه كالشفق الأحمر الممتد، أراد أن يهدم القصر فوق رأسها، هرول مسرعًا من باب قصره ردائه الملكي يطير خلفه منذر أن هناك كوارث ستحصل.

 

وهذه المرة دخل لفناء قصرها مهاجمًا، وهو يصرخ بكل قوته:

_كوهندار أين أنت؟! اخرجي إلي.

 

ارتدت إسدالها وخرجت بسرعة، التف الجنود حولها في ساحة القصر يتسألون ماذا يحدث؟! تأهب الأمير كأنما خرج إلى معركة، وصدره يعلو ويهبط من فرط عصبيته، كلماته تخرج من بين أسنانه: 

_هل خرجتي من القصر دون أذني؟! 

 

لم تعرف ماذا سترد! فهيئة الأمير قد أخافتها، ارتعد قلبها، وجثت على ركبتيها، تسمع الدقة الواحدة من قلبها بضربات عديدة ومتوالية، وبصوتها المرتجف ردت على سؤاله: 

_نعم لقد خرجت، لأنني..

 

لم يسمح لها أن تكمل كلامها، فلم يتوقع إجابة كهذه، كان يحاول أن يكذب ما سمع.

 

اقترب منها أكثر حتى أصبح مقابل وجهها، أغمضت عينيها بسرعة والدموع لاحت بهما.

 

تذكرت ذلك الشاب الذي فصل رأسه عن جسده، تذكرت عائلتها وما مرت به في حياتها، عصفت الذكريات إلى عقلها ببرهة واحدة، استسلمت لمصيرها المحتم كما كانت تعتقد.

 

رآها الأمير، مطبقة الأجفان بذلك الشكل وهي ترتجف، فاعتصر قلبه ألمًا، فليس من طبيعته أن يتعامل مع نساء مملكته بتلك القسوة، كيف إن كانت زوجته! وغريبة عن أرضها ووطنها، دون سند أو أحد يحميها.

 

مد يده لها لتقف، أطبق على كفتها بحنو وهي ما زالت ترتجف وقال:

_من أعطاك فكرة أننا مجرمين، أو أننا تقتل الأبرياء؟!

 

وأردف مكملًا: 

_لكن سأفرض عليك عقاب؛ لأنك خالفتي أوامري وخرجت خارج القصر، ستطبخين للجيش بأكمله اليوم، وحتى يشبع الجميع.

 

حيت الأمير بتحيتها، ودلفت إلى الداخل دون كلام، قلبها ما زال يؤلمها من شدة ضرباته.

 

استجمعت بعض من قواها وأحضرت ورقة وقلم وطلبت القائمة التي تحتاجها "لحمة مع عظمها، اللبن والبرغل، مجموعة من المكسرات والزبيب.

جميعها بكميات كبيرة جدًا، حتى تكفي جميع الجنود"

 

لبست المريول الخاص بالمطبخ، تقدمت أسيل والطباخة لمساعدتها، مرت ساعات عديدة، وهي منهمكة في الطبخ وإعداد الطعام الخاص بها، والذي يقدم في أرض القمر في المناسبات والحفلات.

 

لا تزال ساخطة على الأمير والموقف الذي وضعها به، حتى أن دقات قلبها لم تهدأ بعد، أخرجت قارورة السم من ملابسها، تقلبها بيدها يمينًا ويسارًا، وتحدث نفسها: 

_ترى ماذا سيحصل لو وضعت تلك القارورة في الطعام الذي سيتناوله الجميع؟! 

لا شك أنها ستكون مجزرة جماعية، تتمكن بعدها من القضاء على الجميع والعودة لأهلها!

 

فتحت الغطاء، وسرعان ما دستها في ملابسها مجددًا ويديها ترتجفان عندما دخلت الطباخة وهي تستعجلها: 

_يقول الأمير، أنك تأخرتِ يا سيدتي! الجميع في الخارج ينتظر الطعام.

 

مسحت حبات العرق التي تجمعت على جبينها، ابتلعت ريقها بصعوبة وهي تجيب: 

_الطعام جاهز.

 

دخل مجموعة من الجنود يحملون الأطباق الضخمة فوق رؤوسهم، ويدلفون إلى ساحة القصر، وضعت مائدة هائلة وممتدة على أطراف الساحة، جلس الأمير على رأس المائدة ليتذوق الطعام.

 

حمل الملعقة وكاد أن يضع الطعام في فمه؛ لتذوقه، دخلت أمه من باب القصر وهي تصرخ: 

_توقف! لا تأكل،

إياك وتذوق ذلك الطعام! 

توجهت لأحد الجنود وهي تحثه:

_نادي لي تلك الأميرة، ستتذوق طعامها أولًا، فلا ثقة لنا ببنات أرض القمر.

 

بعد دقائق وقفت كوهندار بين يدي الملكة الأم، اختارت الملكة أحد الأطباق الذي ستتذوقه، رجفت يدي كوهندار فقد شعرت بالإهانة وهي تضع اللقمة الأولى في فمها، مسحت حبات العرق التي تجمعت  على  جبينها مجددًا.

 

تذوقته وابتسمت فهذه المرة الأولى التي تطبخ به الطعام، ابتلعت اللقمة وتراجعت إلى الخلف، أخذ الزبير الملعقة وتذوق الطعام أيضًا وهو يقول باندهاش: 

_إنه رائع! سلمت يداك.

 

بدأ الجنود يتناولون الطعام بعد الأمير، أثنى الجميع على مذاقه اللذيذ والمختلف.

 

ارتسم وجه كوهندار بالفرح من كلام الجميع، وضعت يدها على قارورة السم، شعرت بالذنب لمجرد التفكير بوضع السم في الطعام، لكن قلبها طيب جدًا لن تتمكن من فعل أمر كهذا.

 

أما من كان يموت غيظ وحرقة فهي والدة الزبير، شعرت أن كوهندار تفعل كل ذلك لتأخذ الأمير إلى صفها، وتجعله يقع بحبها.

 

خرجت خارج القصر وهي ترسم الخطط الشيطانية في عقلها، فلن تسمح للأمير أن ينجذب لتلك الحرباء الملونة.

 

ألا يكفي أنه أحضرها إلى هنا، وقدم لها القصر الزجاجي هدية، ماذا سيفعل أكثر من ذلك؟!

 

وقفت كوهندار أمام أحد نوافذ قصرها، تناظر سفوح الجبل المقابل لها والذي غطاه الثلج، كعجوز زين الشيب محياه، فأعطاه جمال فوق جماله، ضمت يديها على شكل كرة ونفثت بهما بعض من الهواء الساخن، ليصل بعض من الدفء لأطرافهما.

 

إنها بحاجة أمها أكثر من أي وقت مضى، شعرت أن شوقها يكاد يكسر أضلع صدرها، كم مرة تذمرت عندما كانت توجهها في المطبخ؟! كم مرة ولت هاربة دون أن تقوم بعمل وكلته إليها؟!

 

مع أنها الأميرة والخدم يملئ القصر، لكن كانت والدتها تدربها على أعمال البيت المتعددة، وتقول: 

_ستكونين زوجة وأميرة لست أميرة وحسب!

 

تمنت لو أن لها هيئة طير صغير، تخترق بجناحيه الوديان والجبال، يطير فوق البحر ويدلف إلى نافذة والدتها، يلقي نظرة عليها ليطمئن قلبها، ويفرغ بعض من شوقها.

دون أن يشعر بغيابها أحد، فالأمير على حسن معاملته، تشعر أنها أسيرة في قصره.

 

وقفت أسيل بالقرب من سيدتها، فهي تعلم أنها عندما تبدأ التفكير لا تحب أن يقطع أحد خلوتها، رأت الجنود في الخارج، وقد انتهوا من الطعام، يقفون بشكل رتل حربي أمام الحمام في الخارج، فقد صدح صوت الآذان في الأرجاء قبل قليل.

 

الجو بارد جدًا، فالثلج غطا الجبال المحيطة، عندما تضع يدك تحت المياه تشعر أنها شلت من قلة الحرارة، مع ذلك تراهم يقدمون على الوضوء، رافعين عن أيديهم إلى المرفق وعن أرجلهم إلى الكاحل.

 

وقفوا جميعا خلف الأمير، وهو يكبر ويقيم الصلاة، وقفوا على شكل أفواج متلاصقة متراصي الصفوف، بدأت كوهندار تذرف الدموع دون شعور، فالآية التي يقرأها الزبير لامست قلبها وهو يرتل: 

{وَٱلۡحَبُّ ذُو ٱلۡعَصۡف وَٱلرَّيۡحَانُ (12) فَبِأَيِّ ءَالَآءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (13) خَلَقَ ٱلۡإِنسَٰنَ مِن صَلۡصَٰلٖ كَٱلۡفَخَّارِ (14) وَخَلَقَ ٱلۡجَآنَّ مِن مَّارِجٖ مِّن نَّارٖ (15) فَبِأَيِّ ءَالَآءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ}

 

صوته كصوت بلبل يغرد أجمل ألحانه، إن كلام القرآن يؤكد ما كانت تسمع من حكيمها الذي أخبرها عندما سألته عن خلق الإنسان فأجابها:

_إن الإنسان مخلوق من الطين، والجان مخلوقات من نار.

 

لذلك وضعت أمام أعينها هدف، لابد أن تبحث أكثر عن ديانة الإسلام، ترى أن المسلمين مخلوقات كالبشر جميعًا، لماذا يصورهم البعض على أنهم متوحشون؟!

 

فقد سمعت الكثير من الأكاذيب وها هي تقيم بينهم، تأكل من طعامهم، وتشرب من مائهم دون أن تصاب بمكروه.

 

حتى أنهم يحترمون المرأة أكثر مما يحترمها قومها، صادقون في أحاديثهم، ولديهم الكثير من الأخلاق الفاضلة، هذا ما كانت تراه خلال إقامتها هنا في أرضهم.

 

***

دخلت والدة كوهندار إلى أمير أرض القمر، كانت عيناها حمراء، وأجفانها تكاد تطبق ببعضهما من شدة البكاء، تكفف دموعها بالمنديل الذي تحمله: 

_لقد أرسلنا كوهندار لهلاكها، كالوردة المتفتحة في صحراء قاحلة، كيف سمحت لهذا الزواج أن يتم؟! كيف أرسلت ابنتنا لتلك الأرض؟!

 

_أتعتقدين أن غيابها يؤلم قلبك فقط؟! كنت لا أرفع يد عن أخرى دون استشارتها.

 

تنهد وهو يقول: 

_إنها ساعدي الأيمن قبل أن تكون ابنتي، أشعر أن يدي قطعت ورميت في مكب للمهملات.

 

_أسمح لي أن أزورها واطمن لحالها، أرجوك!

 

_كيف ستخوضين كل تلك المسافة وأنت لديك رهاب البحر؟! ستعود لا تخافي، أنا أعرف ابنتي حق المعرفة، ستجد الفرصة المناسبة وتعود لأرضها وشعبها وعائلتها.

 

خرجت والدتها، والألم يعتصر قلبها، 

مشت إلى أطراف الشاطئ، تتذكر كوهندار وهي تلوح بيدها مودعة لها عندما ركبت السفينة.

 

لا تكاد تصدق أن ابنتها حبست في تلك الأرض، وعند الأمير الزبير، الوحش المفترس، الذي يشبه كل شيء إلا البشر.

 

***

 

دخلت والدة حبيبة في الحاضر إلى غرفة العناية المركزة، بعد أن ارتدت المريول الأخضر المخصص لتلك الغرفة، والأكف الطبية، نظرت إلى سرير ابنتها وصهرها.

 

يسمح لها الطبيب بزيارتها كل يوم دقائق معدودة.

مرت أيام عديدة على ذلك اليوم المروع، يوم حادث السير.

 

حبيبة وفرناس ما زالا محبوسين في أحلامهما لم يخرجا من تلك الغيبوبة.

لم تعد دموع والدتها تكفي فقد ذرفت أنهار من الدموع.

 

جلست بالقرب من ابنتها، تحمل يدها تارةً، وتارةً أخرى تقبل جبينها، تحدثها عما يدور في المنزل وعما يحدث في غيابها بينها وبين والدها.

تشعر أنها تسمعها، وإن كانت لا تستجيب لندائها المتكرر، ولا تعطي ردة فعل.

 

ندمت على كل يوم لم تعامل به حبيبة كصديقتها، فقد شغلتها الحياة عنها، تذكرت يوم زفافها عندما صدمت بفستان الزفاف الذي أحضره فرناس، لم تسمح لها والدتها بتغيره.

 

اعتصر قلبها ألم، ليتها مزقته أربًا، وأحضرت لها ما تحب، ليتها سألتها عن رأيها عندما تقدم فرناس لخطبتها، ليتها وليتها...

 

لكن الندم الآن لم يعد يجدي نفعًا، إنما الدعاء والتضرع إلى الله أن يعيد لها ابنتها الوحيدة، مهجة قلبها، فقد أخذت وعد على نفسها أن تكون أفضل أم في الكون.

 

سمعت صوت الممرض يقول: 

_انتهى وقت الزيارة.

 

خرجت مجددًا والدموع ملئ عينيها، تبتهل الأدعية لهم، تأمل من الله أن يستيقظا، لاح لها طيف فتاة دخلت الغرفة، لحقت بها لتراها تجلس بالقرب من فرناس، تمسك يديه وهي تبكي، تسألت في نفسها:

_من تكون تلك الفتاة؟! وماذا تفعل هنا؟

 

ذهبت لتسأل موظفة الاستقبال، التي أجابتها:

_إنها خطيبة الشاب فرناس، الذي تعرض لحادث سير.

 

وضعت يديها على وجهها؛ لتخفي توترها، عادت بسرعة إلى الغرفة لتسألها" كيف خطيبة فرناس وهو زوج ابنتي؟!" 

لكنها لم تجدها، بحثت عنها في كل مكان، كأنها بخار صعد في السماء دون أن تراه مجددًا.

***

مواعيد النشر: الجمعة

تعليقات