BlogLabels

القائمة الرئيسية

الصفحات





 


(((لقراءة الفصول السابقة اضغط هنا)))


(ظهور بعض الحقائق)

 

عادا مارت وسيبال إلى غرفهما قبل أن ينتبه لهما أحد، قالت سيبال وهي تدخل غرفتها: 

_إن القلادة معي، سأفكر بخطة محكمة ونعود في الغد؛ كي نكتشف سر تلك الفتاة. 

 

أشار مارت برأسه إلى الأسفل بمعنى نعم، دون كلام. 

دخل إلى غرفته، تمدد على سريره وهموم الدنيا تعتلي وجهه، قال في نفسه: " علي أن أعود مارت القديم! لكن كيف السبيل إلى ذلك؟!" 

 

راح يفكر أن ذلك عقاب الله له، لأنه كان إنسان متكبر ومتجبر، لم يحمد الله ليوم واحد على أبسط النعم أو أثمنها، نظر ليديه التي اخشوشنت من العمل في الزراعة والحراثة، كره رائحته النتنه؛ من رعاية الحيوانات وفضلاتها، قال بحزن: 

_هل تلك اليدين التي كانت تخط أفضل الرسومات في ضواحي مالطة؟! 

 

اقترب يطالع وجهه في انعكاس الإناء الفارغ بجواره، رأى وجهه كما لم يره من قبل، شعره أشعث مغبر، ووجه بلون كستنائي من آثار الشمس اللاهبة، جلده جاف ومتشقق، هالات سوداء تحت عينيه، اقترب أكثر حتى التصق وجهه بالإناء وهو يقول: 

_هل أنا مارت حقًا؟ 

 

وأما سيبال غفت في غرفتها بعد أن أخفت الخريطة والقلادة، رسمت العديد من الخطط في عقلها؛ حتى تنقذ تلك الفتاة التي لم تفارق خيالها، وتكتشف الغرفة السرية؛ علها تجد نجاتها بداخلها. 

 

استيقظت باكرًا قبل أن ترسل الشمس أذرعها للمكان، خرجت إلى المطبخ؛ لتبدأ تحضير الطعام. 

لم تتأخر داملا في اللحاق بها، دلفت وهي تقول: 

_ما هذا النشاط يا سيبال؟! 

 

شهقت سيبال فقد كانت سارحة ببحر أفكارها، تراجعت بضع خطوات إلى الوراء وهي تقول: 

_أمي داملا أهذه أنت؟! لقد أخفتني! ما الذي جعلك تستيقظين قبل طلوع الشمس؟! 

 

تبسمت وهي تجيب: 

_أنا لم أغير موعد نهوضي، لكن يبدو أن أحدهم لم يستطع النوم ونهض مبكرًا، فما الأمر أخبريني؟! 

 

اقتربت سيبال لموضع أذنها، وهي تهمس بخفوت: 

_لا أخفيك أنني أخشى من العم فريد، وخاصة عندما قلت البارحة أن أمر تأخري قد يزعجه؛ لذلك فضلت النهوض قبل موعدي اليوم. 

 

ربتت داملا على كتفيها وهي تبتسم بحب وقالت: 

_فطنة وذكية منذ صغرك ولا تزالين كما عهدتك، اليوم بداية الأسبوع، هيا بنا سنصنع الخبز! 

 

مشت سيبال خلف داملا التي كانت تحمل على رأسها العجين، توقفتا على أحد أطراف الساحة عند "التنور" نظرت سيبال لذلك الشيء الغريب يبدو كأنبوب كبير دائري، مصنوع من الطين الأبيض بثقوب عديدة على جوانبه، وله من الأعلى فوهة دائرية ضئيلة بالنسبة لحجمه، تتعالى بداخله أعواد الخشب التي تحول بعضها لجمر متقد، وبعضها الآخر ما يزال محافظ على شكله. 

 

بدأت سيبال تشكل العجين بشكل قطع صغيرة وداملا تمد العجين على قماش دائري، وترسله إلى داخل التنور لينضج الخبز، أحيت رائحة الخبز في الأرجاء ذكريات سيبال لبيتها القديم الذي كان بجواز المخبز. 

 

لقد افتقدت مذياعها الأثري الذي كان يصدح صوته المشوش في الأرجاء منذ الصباح على أغاني فيروز، وتصنع قهوتها بقربه؛ ليبدأ يومها بين الأوراق والروايات مع فنجان قهوتها المميز؛ الممزوج برائحة الخبز التي تتصاعد من الجوار، وتدخل لبيتها من خلال الشقوق الرفيعة للنافذة. 

 

رأت فريد بعد قليل يخرج من الباب، يتبعه مارت بوجه عابس مقطب الحاجبين، ويبدو آثار للمياه على جسده ورأسه؛ إنها عادة فريد في إيقاظه عندما يتأخر عن موعد نهوضه. 

 

ألقى نظرة سريعة على سيبال التي كانت منهكة من العمل، سرعان ما عادت الابتسامة إلى شفتيه؛ من شكلها الممزوج بالطحين، قال في نفسه: " يا لروعة هذا الصباح؛ فصباح يبدأ بوجهك هو صباح الخير بالنسبة لي". 

 

ثم راح يوبخ نفسه مرة أخرى على تلك الأفكار التي تجتاح رأسه كلما رأى سيبال. 

فهناك شيء أهم يجب أن يركز عليه هذه الأيام، كان يمشي ويطالع سيبال بين الحين والآخر، وضحكته قد وصلت لخلف أذنيه. 

 

يدي سيبال تعمل بشتى الأعمال، لكن عقلها يعمل بشيء واحد؛ متى سيحل الظلام وتعود إلى السرداب من جديد؟! لن تستطيع أن تتكل على مارت إلا بقوته البدنية، لكنها ستستخدم ذكائها كعادتها في المواقف المستعصية. 

 

الليل يستر حركتهما، ولا سيما إن كان ليل حالك الظلام، دون شعاع للقمر، فقد أخفت الغيوم الصيفية البيضاء القمر خجلًا خلفها، وبسطت جذعها على المكان؛ لتمهد الطريق للفرسان. 

 

كان مارت ينتظر بفارغ الصبر أمام باب غرفته، عندما تسللت سيبال في الممر وأرادت أن تدلف وحدها إلى السرداب: 

_هي، سيبال أنا هنا! أم أنك ستغادرين دوني؟! 

 

أشارت له بإحدى يديها؛ أي تعال، ومشيا معًا دون كلام حتى وصلا الشجرة، أعادت خطوات الأمس ففتح باب السرداب وأنارت القلادة في جيدها المكان لهما، ثم أغلقت الباب خلفها، وهي تشرح الخطة بالتفصيل لمارت. 

 

ليس لديها الثقة أن مارت يفهم كل ما تقول، لكنها تحتاج من يساعدها؛ لذلك غيرت رأيها وأخذته معها، ارتدت اليوم فستان حريري باللون الأحمر ملتصق بجلدها؛ ليظهر تقاسيم جسدها النحيل المرسوم، وأطلقت شعرها الناري للهواء، يتمايل خلف ظهرها كأنه أسراب طيور مهاجرة دون هدى، ورسمت شفتيها بحبات التوت الجاف لتتناسب مع لون فستانها. 

 

وصلت لنهاية السرداب وعيون مارت لم ترتفع عنها، وضعت القلادة بين يديه وتقدمت وهي تقول بحزم: 

_حافظ عليها مهما حصل! 

 

تلفتت يمينًا ويسارًا؛ لتتأكد ألا وجود لتلك العجوز الشمطاء، كان اسم هيلين هو ما تكرر في ذهنها آلاف المرات، عندما كانت الفتاة تناديها من خلف الباب بصوتها الأبح، وسوف تستغل ذلك لصالحها. 

 

اقتربت من الحارسين بخطوات ملؤها الغنج والدلال، وتحمل بين يديها كأسين من مشروبها السحري الذي أحضرته معها بجرة فخارية صغيرة، ألقت السلام وهي تتمايل بدلع وتقول بصوت شديد الأنوثة: 

_أرسلتني العجوز هيلين لأقدم لكما هذا المشروب، فهي تعلم أنكما تتعبان هذه الأيام، وحان الوقت لتحصلا على قسط من الراحة. 

 

قدمت الكأس الأولى لأحدهم، الذي كاد أن يلتهمها بعينيه الواسعتين، وتجاوزته إلى الثاني الذي كان لديه شك بها، وراح يتفحصها بعيني ريبة وهو يقول:  

_منذ متى السيدة هيلين تهتم بحارسين لديها؟! 

 

اقتربت منه أكثر، وتعمدت أن تضع الكأس في يده، وتقدمه إلى فمه، كان لنظرة عينيها وجمالها الطاغي وقع جلل في نفسه، كأنها ألقت تعويذتها السحرية على شفتيه فكف عن الكلام، وسرح في بحر عينيها، استندت بقربه على الحائط وهي تقول: 

_أتمنى أن ينال مشروبي إعجابك، فقد صنعته بنفسي من أجلكما. 

 

تذوق من رشفة واحدة، فاستساغ طعمه الذي يشبه الحليب الممزوج باللوز ورائحته العطرية الفواحة، بدأ يشرب الكأس تلوا الأخرى دفعة واحدة، وسيبال تبتسم وتزيد له كلما فرغت كأسه. 

 

كل ذلك أمام أعين مارت الذي بقي داخل السرداب يناظرهم ويعض أصابعه من الغيظ والغيرة، كلما أراد التقدم تذكر كلمات سيبال: 

_لا تقترب حتى تراهما، قد تخدرا وناما. 

 

أحد الحارسين غط في سبات عميق أمام الباب بعد أن انتهى من شرب كأسه، والآخر أخذ يتربح في مشيته باتجاه سيبال هو يقول: 

_ما هذا المشروب الذي أحضرته أيتها اللعينة؟ 

 

طالت يديه جسد سيبال، أمسك بها بكل قوته قبل أن يسقط، ووضع يديه حول رقبتها؛ أراد أن يخنقها، باغته مارت بضربة قوية على رأسه، ترنحت الأرض تحت أقدامهم؛ من ثقل جسده الضخم الذي سقط على الأرض بقوة. 

راحت سيبال ترتجف وهي تضع يدها على رقبتها تقول: 

_كاد أن يخنقني ذلك القذر، لقد أتيت بالوقت المناسب. 

 

سمعت كلير ضوضاء قوية أمام الباب، عادت للصراخ والبكاء وهي تقول: 

_هيلين، هذه أنت؟! سأفعل كل ما تطلبيه مني، أرجوك افتحي لي الباب. 

 

اقتربت سيبال من خلف الباب وقالت بهمس: 

_أيتها الفتاة! أنت يامن خلف الباب، سننقذك انتظري، لكن أرجوك كوني هادئة، ولا تحدثي ضجة حتى نتمكن من ذلك. 

 

هدأت كلير الذي أسندت رأسها على الباب، بعدم تصديق، وأيقظ ذلك الموقف حواسها، وراحت تستمع لكل همسة يقولونها. 

 

عادت لمارت وهي تقول: 

_مارت أبحث عن مفتاح تلك الزنزانة. 

 

بحث في بنطال الحارس الأول، ولم يجده وتوجه للثاني وسيبال تناظر الباب الخارجي، وتخشى أن يظهر أحدهم، رفع المفتاح أمام عينيها وهو يقول: 

_أنظري هاقد وجدته!

 

فتحا الباب بسرعة، فركضت كلير إلى نهاية الغرفة بقلة حيلة لتختبئ خلف السرير وضعت يديها فوق رأسها وهي تقول: 

_أرجوكم لا تؤذونني، سأفعل كل ما تطلبانه. 

 

اقتربت منها سيبال، خيل إليها أنها تعرف هذا الصوت جيدًا، أوقفتها ونظرت لها بتمعن وهي تقول بدهشة:

_كلير هذه أنت؟! 

 

رفعت كلير رأسها، وراحت تفرك عينيها التي تجمعت بهما الدموع، رأت طيف فتاة لا تعرفها، لكن الصوت مألوف لديها، سألت بفضول: 

_من أنت؟! 

 

همست لها بخفوت: 

_الكاتبة سيبال. 

 

فتحت فمه على وسعه بذهول، أول شيء طرق ذهنها أنها ليست الوحيدة التي انتقلت إلى هنا. 

 

صرخ مارت بتهكم: 

_ليس الأن وقت التعارف، سيكون لدينا متسع من الوقت فيما بعد، هيا لندخل الحراس إلى الزنزانة ونقيد حركتهما قبل أن يستيقظا. 

 

ركضت كلير بسرعة، أحضرت الحبال الصوفية التي كانت تنسج منها السجاد، ربطوا أقدامهم وأيديهم بإحكام، وحتى وضعوا رباط فوق أعينهم وأفواههم. 

 

وتمكنوا من سحبهم إلى الداخل، أغلقت سيبال الباب بإحكام ورمت المفتاح داخل السرداب وهي تقول: 

 

_هيا لنكمل ما بدأناه، فتحت الخريطة من جديد وأتبعت القلادة التي كانت تحدد لهم الاتجاهات كبوصلة زمانية، مشوا جميعًا في سرداب آخر منفصل عن الأول الذي قدموا منه، صرخت كلير فجأة ووضعت يديها على عينيها: 

_يا إلهي! هناك عظام لهياكل بشرية، ألا ترونها؟! 

 

أمسكت سيبال يديها بقوة وهي تقول: 

_لا تخافي أنا معك. 

 

بدأ الخوف يسيطر على الثلاثة عندما سمعوا صوت صفير الرياح المحيط بهم من كل الجوانب، وراحت تضرب بهم لسعات البرودة الشديدة، هدأ ضوء القلادة الذي كان متوهج باللون الأرجواني، وأصبح اللون مائل للأصفر الداكن، كانت كلير ترتجف بين يدي سيبال، ومارت يتقدم أمامهم بخطى واهنة ومترنحة أيضًا، يخاف أن تطأ قدماه هيكل أحد من الجثث المنتشرة، تقدموا بحذر حتى وصلوا إلى نهاية النفق. 

 

كان حائط منقوش برسومات عديدة، استطاعوا أن يميزوا رسومات لثلاثة أشخاص، يبدو أنهم شاب وفتاتان. 

 

بدأ صوت سيبال مرتجف ومتقطع وهي تقول: 

_لقد وصلنا إلى نهاية السرداب! والقلادة ضوئها بدأ يضعف، لا بد أن نعود. 

 

مسحت كلير الدموع التي تجمعت في عينيها وهي تقول: 

_لن نستطيع العودة، ستقتلني العجوز هيلين وستقتلكم أيضًا، إنها ساحرة شريرة. 

 

مارت يبدو غير مكترث لما يحصل حوله، لعل قدراته العقلية لم تهول له صعوبة الموقف الذي وضعوا أنفسهم به، كان يتلمس الحائط ويتأمل الرسومات التي حفرت عليه، وهو يقول: 

_يا له من رسام بارع! من خطت يداه هذه اللوحة العجيبة. 

 

راح يمرر يديه على الخطوط والمنحنيات، كأنه يعزف سمفونية على أله موسيقية بطريقة احترافية، إلى أن وصل إلى التاج المرسوم على أحد الأطراف، وقال بصوت خافت: 

_هذا مكانه على رأس الأميرة وليس هنا! 

 

وضع القلادة التي بين يديه على الحائط، حاول أن يوافق بين شكل البلورة التي على التاج والبلورة التي في القلادة، فجأة اهتزت الأرض التي تحت أقدامهم، تحرك الحائط الذي أمامهم كأنه باب لولبي، وسحبوا لداخل غرفة أخرى تبدوا كأنها بجهة معاكسة لهم، وعاد الحائط للإغلاق مجددًا أمام ذهول الثلاثة. 

 

سرعان ما جاءهم صوت أنثوي من الداخل يقول: 

_أهلا وسهلا بكم أيها الفرسان، لم أتوقع حضوركم بهذه السرعة! اقتربوا لا تخافوا. 

 

توجهت أنظار الثلاثة لموضع الصوت، تسمروا مكانهم، أبت أقدامهم أن تساعدهم على التحرك، كأنها ثبتت بالأرض بمسامير عملاقة دكت حتى الأرض السابعة، تمسكت كلير بكل قوتها بسيبال، حتى غرزت أظفارها بيدها دون أن تشعر، وأنظار الثلاثة علقت على الجثث المحنطة أمامهم لشاب وفتاتان. 

 

عاد الصوت من جديد، لكن هذه المرة ظهرت معه فتاة في منتصف العمر تتقدم بخطوات ثابتة ونظرة ثاقبة، ترتدي فستان مزركش ممتد خلفها كذيل طاووس متدرج الألوان، وتلحفت بمعطف فوقه أسدل على أكتافها كجناحين، وتعلوا رأسها قلنسوة متصلة به؛ لتخفي بها خصلات من شعرها الأسود اللامع كالفحم: 

_اقتربوا فأنا هنا؛ كي أساعدكم. 

 

كان مارت أول المتقدمين، وتبعته سيبال وكلير، وكلما تقدموا كلما توضحت لها ملامح الجثث المحنطة، على الطاولات. 

كانت سيبال أول من يستعيد رباطة جأشه، ومارت تظنه بعالم آخر، أما كلير فلم تكف عن البكاء والشهيق بصوت مكتوم. 

 

تعثرت كلير بإحدى أطراف الطاولات، وتقدمت بضع أميال نحو الصناديق الزجاجية، فشهقت وصرخت بصوت قوي، تردد صداه في أرجاء المكان وعاد مئات المرات وهي تقول: 

_كانت هذه السيدة تزورني في المنام! إنني أعرفها حق المعرفة. 

 

نظرت ليديها وهي تقول:

_قد وهبتني أنامل بلمعة ذهبية، وقالت "أستطيع أن أعمل بها السجاد الملكي" 

 

تبسمت الساحرة لورا وهي تقول: 

_بل أنا من زرتك في زنزانتك يا كلير، بهيئة جدتك. 

 

_أنت؟! كيف؟ 

 

_نعم أنا، لكنني لم أستطيع أن أنقذك كما لم أنقذ جدتك من قبل، فأنا عملي المساعدة فقط، ولكنني لا أستطيع أن أغير القدر. 

 

أردفت شارحةً كأنها تتذكر الماضي بنظرة ملؤها الحزن: 

_اقتربوا وأنظروا بتمعن لتلك الجثث، إنهم أصدقاء جدتي حكماء المدينة، الذين ألقت عليهم الساحرة شمط تعويذتها الشريرة، واستطاعت أن تحول مارت لشخص أبله، وسيبال لطباخة مسكينة فاقدة للذاكرة، وأما كلير فحبستها في سجن عميق وألقت تعويذة عليها؛ كيلا يصلها أحد، جندت شمط لخدمتها الكثير من العاملين في القصر وفي المدينة، حتى الملك أصبح غريب الأطوار من أثر سحرها. 

 

لم يستطع أحد الوقوف في وجهها وفك اللعنة، كانت تحب الأمير حب جمًا وتريد الزواج به، لكن طموحاتها كانت أعمق من ذلك؛ كانت تريد عرش مالطة، حتى تحكم أرضها بسحرها الأسود وتفتح مدارس تعلم بها أبناء مالطة ذلك السحر، عندما رفض الأمير ذلك الزواج، وتحصن بحبه لابنة عمه، صبت كل غضبها على الشعب، وخاصة من وقف بجانب الأمير كجدتي وأصدقائها. 

 

عاقبت كل شخص بطريقتها الشيطانية، لكنها لم تتمكن من عقاب جدتي لورا الحكيمة؛ لأن إيمانها كان قوي، وتحصينها بأذكار لا يفارق لسانها، وكان هذا قبل زمن بعيد.

 

جلست لورا على أحد المقاعد؛ لتلتقط أنفاسها، نظرت لها سيبال نظرة عميقة تحثتها كي تكمل وهي تقول: 

_ماذا حدث بعدها؟! 

 

أخذت نفس عميق، وهي تقول: 

_بحثت جدتي عن طرق عديدة لتخلص المدينة من شرها، بل وتخلص العالم؛ لأنها لو بدأت بتلك الشرور لم تنتهي، حتى تسيطر على العالم بأكمله. 

 

وعندما عجزت جدتي من إنقاذ المدينة، صنعت تعويذة مضادة بمساعدة معلمها لتستدعي بها ثلاثة فرسان تأتون من زمن آخر، ينقذونه القصر من لعنة الساحرة شمط وينقذون أنفسهم كما سينقذون العالم. 

ولكن كان هناك شرط ليأتوا إلى هنا. 

 

مسحت كلير دموعها وهي تقول: 

_وما ذلك الشرط؟! 

 

_الشرط أن تكون دمائهم طاهرة وأخلاقهم نبيلة، ويكونون فرسان كأسمائهم، وإذا كانوا غير ذلك سيتطهرون في أرض القصر. 

 

ضحك مارت بسخرية وهو يقول: 

_لم أفهم شيء! 

 

_ستفهم كل شيء في وقته أيها الفارس! 

 

_وهل أنا فارس؟! 

 

ظل السؤال معلق في الهواء دون إجابة.

 

لمعت عيني سيبال بتوهج وهي تقول: 

_ماذا حل بالقصر والأمير؟! كيف لنا أن نكون بأعمار العشرين ونأخذ مكان أشخاص قد ماتوا كما نرى وأشارت إلى الجثث المحنطة. 

 

أكملت لورا وهي تضحك: 

_تبدو أن طباعك تشبه طباع جدتك سيبال، أولا الحكماء كانوا خارج ديمومة الزمن؛ أي أنهم لا يكبرون في العمر، وهم لم يموتوا إنما أنتم الآن حصلتم على أرواحهم يعني أجسادهم ملقاة هناك لكن أرواحهم داخل جسدكم، وعندما تنتهي اللعنة قد يعود كل شخص لجسده الحقيقي، وقد يبقى حبيسه. 

 

أمعن الثلاثة النظر إلى الصناديق الزجاجية، يبدوا الأشخاص بداخلها نائمون فعلًا. 

 

توقفت كلير لتهم بالانطلاق وهو تقول: 

_هيا يا رفاق! سأخبركم  الباقي في طريقنا إلى القصر.

***

مواعيد النشر: الأربعاء 


تعليقات